صفحات العالم

الهروب الأميركي

ساطع نور الدين
منذ فترة، كان السؤال الأبرز الذي يطرحه كل مسؤول او سياسي عراقي هو عن سبب تسرع الأميركيين في سحب وحداتهم المقاتلة من العراق، بطريقة مريبة تشبه الفرار من ارض معركة غير مشتعلة، وغير مكلفة بشرياً أو مادياً، وتوحي بأنهم يخشون أمراً ما أو تنبئ بأنهم يحضرون لأمر ما.. لأنه ليس من المنطقي أن يكون إخراج نحو 15 الف جندي اميركي في الشهر الواحد من الأراضي العراقية هو مجرد التزام بتعهد قطعه الرئيس باراك أوباما على نفسه وعلى الرأي العام الأميركي، أو مجرد احترام لبنود المعاهدة الأمنية الموقعة بين البلدين.
وطوال الأشهر القليلة الماضية، كان المسؤولون والسياسيون العراقيون من مختلف الأحزاب والطوائف والمذاهب والأعراق، عدا رئيس الحكومة نوري المالكي وبعض أعضاء كتلته، يشاهدون قوافل الفرار العسكري الأميركي متجهة الى الكويت أو تركيا أو مياه الخليج، ويتوسلون الأميركيين البقاء وتحمل مسؤولياتهم ومتابعة تضحياتهم، وعدم ترك العراق للذئاب، حسب تعبير المسؤول البعثي السابق المعتقل طارق عزيز في مقابلة صحافية أخيرة.
ومنذ أشهر، توصل الجميع في العراق إلى الاستنتاج بأن الاحتلال الأميركي قد زال، وبأن المشروع الأميركي قد انتهى. ولن يبقى في العراق سوى خبراء عسكريين ومدنيين، لن يكون لهم أثر لا في التوجيه السياسي ولا في التعاون العسكري ولا طبعاً في الاستقرار الأمني، والدليل هو أن العراق لا يزال منذ الانتخابات النيابية الأخيرة في السابع من آذار الماضي عاجزاً عن تشكيل حكومة، كما لا تزال واشنطن غير قادرة على اختبار نفوذها المتلاشي من أجل تحقيق هذا الهدف.. الذي كانت تلح على بلوغه قبل استكمال سحب قواتها المقاتلة في الموعد المحدد في نهاية شهر آب الحالي، لكنها تجاهلته مؤخراً، مثلما باتت تتجاهل مع وسائل إعلامها الخبر العراقي حتى ولو كان عن مذبحة مروعة بحق الجيش وقوى الأمن العراقية.
ومن النكات التي تداولها الوسط السياسي العراقي في الآونة الأخيرة واحدة تقترح دعوة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن أو أحد كبار معاونيه الى الإقامة في العراق علَّ الأميركيين يغيرون رأيهم ويصرفون النظر عن الانتقال إلى تلك الحرب العبثية الخاسرة في أفغانستان.. او يفصحون عن الغرض من فرارهم المبكر من العراق، الذي يثير هواجس عراقية بعضها قديم وبعضها مقيم، مثل الفتنة المذهبية التي يرجح الجميع أن تتجدد على نطاق واسع بعد أن يشعر العراقيون أنهم أحرار، وجاهزون لاستكمال تاريخهم العريق، وإعادة رسم خريطة بلدهم المعلقة منذ الغزو الأميركي قبل سبع سنوات.. او مثل الانقلاب العسكري الذي يبدو أنه من طرائف الماضي وأوهامه.
لكن هذا السؤال العراقي الملح لم يكن يوماً يدور فقط حول المخاوف من مرحلة ما بعد الخروج الأميركي وعواقبها على العراقيين جميعاً من دون استثناء. ثمة علامات استفهام كبرى كانت ولا تزال متداولة في بغداد حول ما إذا كانت أميركا تتخفف من العبء العراقي ومن الانتشار العسكري المكشوف في الاراضي العراقية، لكي تستعد لاتخاذ القرار بالحرب على إيران؟
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى