هنا وهناك، بين سورية وتونس
نديم جرجورة
«حدث» اليومين الأخيرين هنا إنذارٌ باحتمال إعادة إشعال فتيل النزاع، بوجوهه كافة. أما «أحداث» تونس والجزائر فمختلفة. الناس في بلدي نيامٌ. لا يفتحون عيونهم. لا يبادرون إلى فعل حسّي لمواجهة خرابهم. يستيقظون من سباتهم عندما يأمرهم الحاكم بألف اسم وغياب. الناس هناك مختلفون. قالوا غضبهم إزاء المسّ بأبسط حقوقهم الإنسانية والطبيعية. رفضوا مزيداً من الإذلال اليومي المهين. انتفضوا. واجهوا. صرخوا. طالبوا بما يُفترض به أن يكون عادياً ومألوفاً، لأنه جزء من حياتهم. الناس في بلدي نيامٌ. المخاطر هنا تُشبه المخاطر هناك. لا رغيف ولا حرية هنا، والناس نيامٌ. لا رغيف ولا حرية هناك، والناس صاحون.
لا أتغاضى عن مقارنة ستكون مجحفة بحقّ الناس هناك. لأن الناس هناك ثائرون من أجل حقّ، والناس هنا نائمون من دون حقّ. الفساد والقمع والفوضى وانفتاح الجرح واسعاً في الحياة اليومية، أمور فاعلة هنا وهناك. لكن الفاعل هناك أقوى، لأنه بات في أيدي مطالبين بحقوقهم. والفاعل هنا أقوى أيضاً، لأن سطوة الحاكم بألف اسم وغياب لا مثيل لها عند أناس منزّهين عن الفعل. البطش الأمني هناك محاولة لتفتيت الوقائع، وإحالتها الى تلاعب بمصير بلد وأمّة. البطش المتنوّع الأشكال هنا ركيزة عيش لأناس يئنّون ألماً لانسداد أفق الكرامة أمامهم، لكنهم يقبعون في ظلام دامس، بانتظار أمر يأتيهم من حاكم بألف اسم وغياب.
أعرف أن المقارنة ساذجة. ان المثالية فيّ جعلتني أمارس لعبة الكلمات. أعرف أيضاً أن إمكانية تحطيم صوت الحقّ هناك واردة بشدّة، لأن البطش الأمني لا حدود له لدى سلطات قائمة على البطش أساساً. وأعرف أن انسداد الأفق هنا دستورٌ متّفق عليه من قِبَل حكّام بألف اسم وغياب، لأنه طريقهم إلى مزيد من إحكام القبضة على أعناق الجميع. إلى مزيد من صفقات ومصالح خاصّة. الجرح عظيم، لأن الناس هناك ملأوا الأرض ضجيجاً من أجل حقّ عام. ولأن الناس هنا ملأوا الدنيا صمتاً وتقوقعاً وانسحاقاً أمام سلطة الحاكم بألف اسم وغياب، من أجل حقّ خاص. الجرح عظيم، لأن الناس هناك منفضّون عن صمت طويل من أجل حقّ لا يحيدون عنه. الجرح عظيم، لأن الناس هنا منفضّون عن حقوق جمّة لمصلحة أمير زقاق أو رئيس جماعة.
أي شقاء هذا. أي وجع أضفته إلى أوجاعي بمتابعتي أحوال الناس هناك، الذين أردتهم إنقاذاً لي من الوحش المقيم هنا. الوحش محضونٌ هنا، لأن الناس هنا عاشقو عزلات وانشقاقات واسترخاء أعمى في حضن الوحش. البقاء في حضن الوحش أسلم للناس هنا. مواجهة الوحش هناك دربٌ إلى تأكيد حضور شعبي من أجل حقّ، وإن أبدع الوحش هناك في تحطيم هذا الدرب لاحقاً.
الدم واحدٌ. لكن الدم هناك يُراق من أجل حقّ عام، والدم هنا يُراق من أجل حقّ خاص.
السفير