أبو الغيط والغطاء الرسمي للإرهاب
سعيد لحدو
بعد مرور قرابة أسبوع على جريمة كنيسة القديسَين في الاسكندرية وسقوط عشرات الضحايا الأبرياء من المصلين بين قتيل وجريح،وبخاصة بعد مارأيناه في كنيسة النجاة ومازلنا نراه في العراق، خرج وزير الخارجية المصري أبو الغيط، وليته لم يخرج. وتحدث إلى الصحفيين، وليته لم يتحدث. وقال، وليته لم يقل بأن التحقيقات لم تتوصل إلى أي شيء محدد. وكم كنا نتمنى لو أنه ظل صامتاً من أجل كرامة مصر وهيبتها. وما زاد في الطنبور نغماً أنه ضاق ذرعاً بالدعوات بوجوب حماية المسيحيين في الشرق الأوسط. تلك الدعوات التي صدرت من جهات مختلفة من بينها الفاتيكان والتي تلت تلك المذابح وما سبقها من أعمال وحشية. فأعلن، وليته لم يعلن، مايعرفه الجميع بأن الكنيسة القبطية أقدم من الفاتيكان. ملمحاً بأن دعوات حماية المسيحيين في الشرق الأوسط ستواجه بردود فعل إسلامية ودعوات بحماية الجاليات الإسلامية في الدول الغربية!!!
أي تسخيف وأية مهاترات هذه التي ينطقها وزير خارجية أكبر وأهم دولة عربية والتي تضم بين مواطنيها أكبر عدد من مسيحيي الشرق الأوسط، حين يحول جريمة بهذه البشاعة، وتهديداً يومياً لحياة كل مسيحي في مصر والشرق الأوسط إلى مساجلات كلامية على منابر الفعل ورد الفعل. وهل دعوات الحماية التي لم يطلبها مسيحيو مصر،تجرح مشاعر الوزير المصري؟ في حين إسالة دماء ونثر أشلاء العشرات في كل مرة من النساء والأطفال الأبرياء من مواطنيه وغير مواطنيه، ممن لاذنب لهم سوى كونهم مسيحيين، لاتحرك فيه نخوة الأخوة الوطنية على أقل تقدير، فيبادر إلى شكر الجميع على تعاطفهم الإنساني مع الضحايا من مواطنيه المصريين؟ ألا يغطي أبو الغيط بمواقفه هذه الفعلة الشنعاء لإرهاب الإسلام المتطرف؟ وكأنه بهذا القول يبرر لأولئك المجرمين المجردين من كل حس إنساني جرائمهم البشعة هذه عندما يصور الغرب عموماً والفاتيكان بوجه خاص وكأنهم حماة لمسيحيي الشرق وبالتالي يصبح ذلك مسوغاً للتطرف الإسلامي أن يصنف هؤلاء المسيحيين في خانة العملاء للغرب. وكنتيجة لذلك يغدو ، على الأقل من وجهة نظر البعض، من حق “الجهاديين” الاقتصاص منهم على طريقتهم “الاستشهادية” التي لم يكلف السيد الوزير نفسه بالتفكير بأسبابها ودوافعها التي لايمكن إعفاء النظام الرسمي المصري من مسؤوليتها.
لماذا يتجاهل السيد أبو الغيط القوانين الغربية التي تحمي أياً كان على أراضيها وهي كلها قوانين علمانية لاتأخذ بعين الاعتبار الدين أو اللون أو المنبت للفرد، ناهيك عن سيادة تلك القوانين التي تجري أحكامها على الجميع بلا أدنى استثناء لأي كان حتى الرؤساء والملوك. وإن حدثت بعض الحالات الفردية فإن القصاص العادل لايوفر أحداً. فهل يحدث هذا في مصر؟
هل التفت الوزير ولو للحظة إلى التمييز الفاضح ضد الأقباط في مصر، وهم سكانها الأصليون، في دستور الدولة وقوانينها؟ هذه القوانين التي تميز بين المواطنين على أساس الدين، فتشرع بذلك المعاملة الدونية الشائنة والقهر والتهديدات المستمرة على المستوى الرسمي والشعبي والممارسات العنصرية اليومية ضد مسيحيي مصر. وهل يمكن تلافي هجوم إرهابي كالذي وقع ليلة رأس السنة في ظل هكذا قوانين وهكذا محيط مشحون بالكراهية والتكفير والعدائية تجاه عشرة ملايين قبطي يفترض لهم أن يكونوا متساوين بحقوق المواطنة مع غيرهم في الوقت الذي لم يتأخروا يوماً عن أداء واجباتهم الوطنية؟
إذا كانت دعوات الحماية مرفوضة، فهل تكون دعوات الكراهية والتكفير التي تنطلق من منابر الجوامع ليل نهار ضد كل من يدين بغير الإسلام مقبولة؟ ولماذا لايتحرك السيد الوزير أبو الغيط وحكومته لإسكات هذه الأبواق المفرخة للإرهاب والمنتجة للفرق الانتحارية وهي تقتحم عليه غرفة نومه وتفسد عليه راحته، عوضاً عن توجيه التهديدات للغرب بداعي التدخل في الشؤون الداخلية لمصر. في حين يصبح ذلك التدخل مرحباً به ومطلوباً وحتى بالقوة العسكرية، حين يتعلق الأمر بجالية مسلمة كما حدث في البوسنة والهرسك. أية مفارقة فجة هذه والأمر لم يتعدَّ دعوة الحكومة المصرية لحماية مواطنيها المسيحيين. وهو الأمر ذاته حين صدرت دعوات لحماية السكان المسلمين في دارفور بالسودان ولم يجد أيٌ من المسؤولين العرب في ذلك غضاضة باستثناء البشير المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية.
لماذا يتحول الأمر إلى خيانة وعمالة وتدخل في الشؤون الداخلية للدولة وتعد على سيادتها بمجرد أن يطلق أحدهم كلمة تعاطف إنساني إذا تعلق الأمر بالمسيحيين في أية دولة عربية كانت. في حين تلقي حزب الله الشيعي المليارات وعشرات آلاف الصواريخ من إيران بذريعة المقاومة لفرض سيطرته على لبنان، والارتباط العضوي المتين مع إيران لأحزاب ومجموعات مسلحة عديدة في العراق يلقى كل الترحيب، أقله في الأوساط الشعبية إسلامياً. ما الذي فعله النظام الرسمي العربي عموماً من المغرب غرباً وحتى دويلة البصرة الشيعية وإمارة الموصل الإسلامية شرقاً سوى المساهمة المباشرة وغير المباشرة في تصاعد التهديدات وتشديد معاناة المواطنين المسيحيين في هذه البلدان وتهجيرهم بالعنف تارة وبالتهديد والخطف تارة أخرى، وبالتمييز في القوانين والممارسة اليومية في أفضل الأحوال؟ وإذا كان الهدف هو شرق أوسط بدون مسيحيين فإن حالة شعوبه لن تكون أفضل من حال شعب أفغانستان أو بنغلادش. وإن عودة بالحياة إلى ماقبل القرون الوسطى هو المصير الذي ينتظر المنطقة إذا استمر الحال على هذا المنوال. وإن لم تقم حماية ذاتية فاعلة بسن القوانين العصرية التي تكفل المساواة التامة بين المواطنين والتشديد على الممارسة الفعلية لروحية هذه القوانين في الأوساط الرسمية والشعبية، فلن يكون المستقبل أفضل حالاً مما هو حاصل حالياً.
ولا يسعني هنا تجاهل الدعوات والمواقف التضامنية العديدة التي أطلقها كثير من المثقفين والنشطاء السياسيين وغيرهم في بلدان عربية مختلفة ممن آلمهم أن يُهدَد المسيحيون بوجودهم على هذه الصورة الهمجية. فعبروا بمواقفهم تلك عن روح المواطنة الحقة التي يجب أن تسود فوق كل اعتبار آخر. هذه المواقف التي على النظام الرسمي العربي أن يثني عليها ويشجعها للانتقال بها إلى مستويات أرحب لتتحول إلى ممارسة يومية عادية عوضاً عن البحث عن الاعذار والمبررات الواهية التي توفر الغطاء وتخلق الظروف المشجعة للعمليات الإجرامية التي تظل كلمة إرهاب قاصرة عن توصيفها.
خاص – صفحات سورية –