سوريا وحزب الله: حِذار، حِذار
سعد محيو
الآن وقد سقطت التسوية السورية- السعودية للأزمة اللبنانية بالضربة القاضية الأمريكية، هناك ثلاثة سيناريوهات مُحتملة لمسار هذه الأزمة:
* الأول، العجز عن تشكيل حكومة جديدة، وبالتالي دخول لبنان في حالة شلل دستوري وسياسي طويل الأمد إلى أن يصرخ أحد طرفي النزاع اللبنانيين أولاً من الألم أو من تضرر المصالح .
* الثاني، استئناف الجهود الأقليمية- الدولية، لكن هذه المرة بقيادة تركية- فرنسية- قطرية، ورعاية سعودية- سورية، في أسوأ الأحوال لمنع انتقال الأزمة من مملكة السياسة إلى جهنم الأمن، أو العثور على صيغة يمكن عبرها لتياري 8 و14 مارس/آذار التعايش مع معضلة المحكمة الدولية وكأنها تحدث في بلد آخر، في أحسنها .
* الثالث، أن يتم قلب الطاولة بالكامل عبر اضطرابات تبدأ شعبية في الشارع وتنتهي بعمليات جراحية أمنية تعيد بناء المؤسسات اللبنانية بالقوة لصالح 8 مارس/آذار .
ماذا يعني توافر كل هذه السيناريوهات المُتناقضة؟
إنه يعني أن لبنان الذي عاد ساحة ممتازة للصراعات الإقليمية والدولية، سيتأرجح خلال هذه السنة بين نمطين من المواجهة بين إيران وسوريا وحلفائهما وبين أمريكا وأصدقائها في الشرق الأوسط: الحرب الباردة التي يُستخدم فيها بشكل أساسي السلاح السياسي (الشلل الدستوري اللبناني) والدبلوماسي (تصعيد ضغوط المحكمة الدولية بدعم من مجلس الأمن والفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة)؛ والحرب الساخنة التي تكون اليد العليا فيها ل””الجنرال حسم” العسكري .
القوة الرئيس التي ستُغلّب هذا الخيار أو ذاك ستكون سوريا . فهي وحدها القادرة على التهدئة أو بالأحرى على “التأزيم الهادئ”، وهي وحدها بمستطاعها أن تُطلق الأضواء الخضراء للحسم الأمني . أما التحليلات “الإسرائيلية” الأخيرة ( “هآرتس” 13 يناير/كانون الثاني الحالي) عن أن حزب الله بات متفلتاً من النفوذ السوري، فهو مجرد حرث في بحر أو تفكير رغائبي .
نوع القرعة الذي سيقع عليه خيار دمشق، سيعتمد على مضمون القرار الظني الذي سيصدر قريباً عن المدعي العام الدولي . فإذا ماتضمّن القرار اتهامات لمسؤولين أمنيين سوريين، كباراً أم صغاراً، فستعتبر دمشق ذلك تهديداً مباشراً لأمن نظامها، وحينها سيكون السيناريو الأمني في لبنان مطروحاً بقوة على الطاولة . أما إذا ما اقتصر القرار على اتهام بعض العناصر القيادية لحزب الله، فستكون دمشق في موقع ممتاز لاستعادة نفوذها كاملاً في بلاد الأرز، عبر تحوّلها إلى الضامن الأول والأخير لأمنه واستقراره الداخلي .
هذا يعني أنه يجب انتظار صدور القرار الظني كي نعرف طبيعة الريح (أو العواصف) التي ستوجّه دفة السفينة اللبنانية .
لكن بالانتظار، نصيحة نصوح لدمشق وحزب الله وباقي قوى 8 آذار/مارس: تجنبّوا العنف بأي/وكل وسيلة مُمكنة . فبطن المنطقة العربية برمته مُشرع أمام المباضع الأمريكية و”الإسرائيلية” . وبالتالي، في حال أفلت الوضع الأمني اللبناني من الزمام (وهو حتى الآن زمام تُمسك به سوريا وحزب الله)، فإن واشنطن وتل أبيب ستجدان الفرصة أكثر من سانحة للدعوة إلى إقامة دولة مسيحية مستقلة وبعدها دويلات مذهبية إسلامية أخرى، ليس فقط في لبنان بل أيضاً في سوريا .
أجل . الأمر ببساطة على هذا القدر من الخطورة . ولو لم يكن كذلك، لما كانت الضربة “القاضية” التي سددتها واشنطن للتسوية السورية- السعودية، “قاضية” إلى هذا الحد . فحذار .
الخليج