تركيا تقود خليّة الأزمة اللبنانيّة: خطّة ثلاثيّة الأبعاد
عائشة كربات, أرنست خوري
أنقرة ــ إسطنبول | اتّضحت، أمس، أجزاء مهمّة من الصورة التركية إزاء «خريطة طريق» لحلّ الوضع اللبناني المأزوم، وخصوصاً بعدما بات محسوماً أن أنقرة أصبحت في قلب الجهود الجارية حالياً لاحتواء الأزمة. وبدا أن القادة الأتراك باتوا على قناعة بأنّ المطلوب التوصل إلى حلّ شامل من ضمن رزمة واحدة يمكن تقسيمها إلى 3 مراحل؛ أولاها تبدأ بتوفير غطاء عربي إقليمي ودولي للحل من خلال تأليف «مجموعة اتصال»، وتنظيم مؤتمر عالمي حول لبنان (يُعقَد في الخارج)، مع تأليف حكومة لا يرأسها سعد الحريري، لتصل الأمور إلى مستوى دراسة كيفية «عدم إشعار أي طرف بأنه مغبون» من جرّاء القرار الاتهامي المنتظر صدوره قريباً عن المحكمة الدوليّة.
ويمكن اختصار الصورة على الشكل الآتي:
تبدأ المرحلة الأولى بتأليف «خليّة أزمة» تحت مُسمّى «مجموعة اتصال» تضمّ جميع الأطراف المحليّة والإقليميّة والدوليّة، بهدف الاتفاق على الخطوات الواجب اتخاذها، ومن ضمنها حكومة جديدة. حكومة رأت مصادر تركية متابعة لحركة أنقرة إزاء الأزمة اللبنانية، أنّ رجب طيّب أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو قد يكونان نصحا الحريري بألّا يرأسها، وذلك في خلال لقائهما به على فطور في أنقرة، بدأ الساعة العاشرة من صباح أمس، ودام لساعتين من الزمن. وفي هذا الموقف التركي ترجمة حرفية لما كانت أنقرة تكرّره ولا تزال عن أنها تدعم ما يجمع عليه اللبنانيون فقط. وبما أنّ حزب الله ليس في وارد الموافقة حالياً على عودة الحريري إلى السرايا، فإنّ «من مصلحة البلد، وتسهيلاً لإيجاد مخرج، ألّا يعود إلى رئاسة الحكومة، إلا إذا تمكّن من إيجاد وسيلة للتفاهم مع حزب الله، مع إبقاء المجال مفتوحاً للتفاوض على خلفه بما يرضي الجميع»، بحسب تعبير المصادر التركية المطّلعة.
وبدا أنّ تركيا ستتولّى فكرة الترويج لـ«مجموعة الاتصال» هذه من خلال كلام أردوغان أمام قادة حزبه في العاصمة، بعد اجتماعه بالحريري، الذي قال فيه ما كان من المتوقع أن يعلنه في مؤتمر صحافي مشترك مع الحريري سُرِّب خبر عن موعد عقده نحو الساعة الواحدة ظهراً، قبل أن يتبين أن رئيس حكومة تصريف الأعمال غادر مطار أنقرة إلى بيروت.
وبدا من كلام أردوغان أن «مجموعة الاتصال» ستضم في المرحلة الأولى كلّاً من إيران وسوريا وقطر. وقال في هذا السياق إن تركيا، «بوصفها دولة لها اتصالات مع جميع الأطراف في لبنان، ستواصل جهودها من أجل استقرار لبنان الشقيق، وسأتصل بالمسؤولين الإيرانيين والسوريين والقطريين اليوم، إذ على جميع الأطراف المعنية مضاعفة جهودهم من أجل حل ديموقراطي وتشاركي أساسه الحوار والمشاورات».
وفي إطار رده على أسئلة قادة حزبه «العدالة والتنمية»، أوضح أردوغان أنّ «أولويتنا هي الاتصالات الهاتفية التي سنجريها اليوم (أمس) مع قطر وإيران. وبناءً على نتائج التطورات التي ستحصل، سنبدأ بسلسلة لقاءات جدية مع الأميركيين والفرنسيين والسعوديين والقطريين والسوريين واللبنانيين والمصريين. أُبلغنا بأن (الرئيس الفرنسي نيكولا) ساركوزي سيتصل بنا بشأن هذا الموضوع، لكن حتى الآن لم يفعل. هناك خطوات يجب اتخاذها فوراً إذ ستعقد لقاءات بين الرؤساء اللبنانيين ومختلف الفصائل السياسية». مساع حثيثة برّر أردوغان اهتمام بلاده بالقيام بها على قاعدة أن «الشعب اللبناني تعذب كثيراً وجراحه لم تُشفَ بعد، لذلك علينا ألا نسمح للأمور بأن تتسبب في انزلاق البلاد إلى عدم استقرار سياسي مجدداً».
أما الدرجة الثانية من سلّم الخطة التركية، فهي تنظيم مؤتمر دولي لا تزال تفاصيل موعده ومكانه وهوية المدعوين إليه مجهولة، لكون فكرة المؤتمر مرتبطة عضوياً بنجاح النقطة الأولى، أي «مجموعة الاتصال». وبحسب المعلومات، فإنّ تركيا لا تمانع استضافة المؤتمر في أنقرة أو في اسطنبول. لكن، وفق ما نقلته صحيفة «دايلي نيوز»، النسخة الانكليزية من صحيفة «حرييت»، عن دبلوماسي تركي، فإنّ الأتراك لم يعرضوا استضافة المؤتمر بعد، فالفرنسيون لديهم عرض لكنهم لم يحددوا مكان المؤتمر. وتحدّث الدبلوماسي التركي، الذي رفض الكشف عن هويته، عن أن قيادته تضغط على حزب الله عن طريق سوريا. ولدى سؤاله عما إذا كانت حكومته قد اتصلت بحزب الله بعد استقالة الحكومة، أجاب «لم نفعل ذلك بعد، لكن قنوات الاتصال قائمة ويمكننا دائماً التحدث معهم».
ومن بين ما كان لافتاً في كلام أردوغان، الذي فسّرته مصادر تركية بأنه إشارة إلى المرحلة الثالثة من رزمة الحل، حديثه عن القرار الظني المنتظر صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. فبعدما جدد دعم بلاده للمحكمة، أشار رئيس الحكومة التركية إلى أنه «يجب التعاطي مع المحكمة الدولية على قاعدة أنها يجدر أن تكون بعيدة كلياً عن كل أنواع الاعتبارات السياسية، بحيث لا تؤدي هذه المحكمة إلى أي نزاع أو انقسام داخل لبنان أو خارجه». وفي تلميح إلى احتمال العمل على تسوية تتعلّق بمضمون القرار الظني قبل صدوره، دعا أردوغان إلى إيجاد صيغة «لا يشعر معها أي طرف بأنّ حقوقه استبيحت وأن القانون اغتُصب أو أنه ضحيته. لا ينبغي أن يؤدي عمل المحكمة الدولية إلى إعاقة التطور السياسي على الأرض، والوسيلة لعدم حصول ذلك لا تكمن في زيادة الاستقطابات، بل في الحوار».
في هذا الوقت، كان داوود أوغلو يطلق مواقف مكمّلة لما أعلنه رئيس حكومته، وذلك رداً على سؤال في مؤتمر صحافي عقده في فندق «كونراد» في اسطنبول مع وزير الخارجية الألماني السابق، المسؤول الحالي في المجلس الأوروبي، يوشكا فيشر. وقال داوود أوغلو إنّ لقاءه وأردوغان مع الحريري تخلله عرض المسؤول اللبناني لحصيلة نقاشاته مع المسؤولين الأميركيين والفرنسيين، معترفاً بأن أنقرة «ستعمل على بلورة مبادرة مع الأميركيين والفرنسيين والدول الإقليمية المؤثرة في الملف اللبناني»، على أن «يجتمع الرئيس أردوغان بالجميع للاتفاق على الخطوات المطلوب القيام بها». وفي كلام فسّرته مصادر تركية في اسطنبول بأنه يتعلق بالقرار الظني للمحكمة الدولية، قال داوود أوغلو إن «لمجلس الأمن الدولي دوراً كبيراً في تهدئة الأمور وعدم رفع درجة التوتر في لبنان». وكرّر رئيس الدبلوماسية مرّتين ما حرفيته أنّ «تركيا حازمة في حلّ الأزمة اللبنانية، لأن الوضع دقيق جداً، وخصوصاً في ظل ما يحصل في تونس».
العدد ١٣١٥ السبت ١٥ كانون الثاني ٢٠١١
الأخبار