هل للثورة رائحة؟ إنتفاضة الشعوب بلون الزهور وعطر الدم: من الزنبق حتى الياسمين
عبير جابر
عرفت السنوات الماضية العديد من الثورات المختلفة والتي حملت أسماء ملفتة، فقد كان القائمون عليها يتوحدون تحت راية معينة او يرتدون وشاحاً بلون محدد او يضعون زهرة رمزا لهم، وإن كانت تونس استمدت اسم ثورتها من الياسمين فمن اين تأخذ الثورات الاخرى اسماءها؟
إيلاف: إنها الثورة في تونس، منذ 14 كانون الثاني يناير، تغيرت الأحوال، وما هي إلا ساعات حتى حملت هذه الثورة إسم الياسمين، كما أطلقت عليها الصحف الأجنبية، وانتقلت التسمية إلى وسائل الإعلام عبر العالم.
كانت ثورة الياسمين الإسم الذي أطلق في الماضي على الإنقلاب السلمي الذي قام به بن علي ليلة 06 نوفمبر 1987 على سلفه الحبيب بورقيبه وقد ورد الإسم في كتاب “صديقنا بن علي” للصحافيين الفرنسيين نيكولا بو وجان بيير توكوا. ولأن تونس معروفة بأنها “بلد الياسمين”، أتت ثورة الشعب هذه المرة لتستحق لقب “ثورة الياسمين” عن جدارة مطيحة بـ”إنقلاب الياسمين”.
تندرج الثورة التونسية ضمن إطار ما يعرف بالثورات السلمية التي تشتهر اصطلاحاً باسم المخملية أو الناعمة أو اللينة، أو حتى الملونة التي نسميها بشكل متداول أكثر “العصيان المدني”.
وانتشر هذا المصطلح في تسعينيات القرن الماضي مع الثورات التي قادتها شعوب أوروبا الشرقية والوسطى للإطاحة بالأنظمة الإشتراكية، وذلك عبر اعتصامات سلمية لا تستخدم وسائل العنف أو القوة، لكنها تهدف إلى تحقيق التغيير كأسلوب من أساليب مقاومة الإستبداد والظلم.
ولا تلجأ الثورات المخملية إلى استخدام العنف كما أنها لا تكون ملوثة بالدم، اللهم دم القائمين بها في حال المواجهة مع القوى الحاكمة.
وإذا كانت تونس أخذت اسم ثورتها من زهر الياسمين، فمن أين تأخذ الثورات الأخرى أسماءها؟
الثورات ألوان
عرفت السنوات الماضية العديد من الثورات السلمية، وتحدث المراجع التاريخية المرتبطة بحركة النضال الشعبي حول العالم العديد من الثورات التي حملت التغيير إلى بلادها.
في العديد من هذه الثورات التي أخذت اشكالاً مختلفة من المقاومة السلمية أوالتظاهرات، كان المشاركون من الطبقات المختلفة يتوحدون تحت راية معينة أو يرتدون وشاحاً بلون محدد أو يضعون زهرة رمزا لهم. وكانت هذه الثورات تأخذ اسم الزهرة أو لون الوشاح او الراية.
ومنها عرفنا ثورة الورد وثورة الزنبق وثورة الأرز وصولاً إلى ثورة الياسمين.
القرنفل.. الثورة الأقدم
تعد ثورة القرنفل من أقدم الثورت التي حملت إسم زهرة، وهي ثورة حدثت في البرتغال في 25 نيسان إبريل عام 1974. وتعد هذه الثورة نقطة تحول في تاريخ البرتغال، إذ حولت النظام السياسي من نظام ديكتاتوري حكم لأكثر من نصف قرن إلى نظام ديموقراطي. واستسلم على إثرها رئيس الحكومة مارسيلو كايتانو، المحاصر في هيئة أركان الدرك، ونقل سلطاته إلى الجنرال سبينولا. وهذا ما أدى إلى سقوط النظام الديكتاتوري في البرتغال، وفي الليل قامت الحشود بالإفراج عن مئات السجناء السياسيين.
إنطلقت الثورة بإنقلاب عسكري لمجموعة من الضباط اليساريين، واتفق الضباط على أن تكون إشارة بدء الثورة بأغنية للمغني البرتغالي باولو دي كارفالو عبر إذاعة لشبونة، أما الإشارة الثانية فكانت أغنية راندولا فيلا مورينا للمغني زيكا افونسو، وتعطي الأوامر بالسيطرة على جميع المواقع الاستراتيجية في البلد وإعلان أن الثورة بدأت ولا يمكن لأي قوة أن توقفها.
بعد الإعلان عن نجاح الثورة غصت شوارع لشبونة بآلاف المؤيدين وهم يلوحون بورود القرنفل إيذاناً بنهاية أطول نظام سياسي في أوروبا الغربية، وفي الأيام التالية تمت كتابة دستور جديد كما أعلن عن إلغاء الرقابة وإطلاق سراح السجناء السياسيين وحرية التعبير ومنح الاستقلال للمستعمرات البرتغالية في الصحراء الأفريقية بصورة فورية، وكان ماريو سواريز أول رئيس وزراء يأتي عن طريق انتخابات حرة.
سميت بثورة القرنفل، لأن الشعب طوق أعناق الثوار بالقرنفل، ووضعوا وردة القرنفل في أفواه البنادق.
ثورة الورد في وجه البندقية
ثورة الوردة في جورجيا
هي الثورة الوردية التي يسميها البعض ثورة الزهور في جورجيا، التي جرت في تشرين الثاني نوفمبر من العام 2003، واستمدت اسمها فعليا من الورود الحمراء، التي استخدمها المحتجون ضد السلطة الرئيس الجورجي السابق إدوارد شيفرنادزه، وطالبوا باستقالته، وكان لهم ما أرادوا. وأوصلت هذه الثورة ميخائيل ساكاشفيلي زعيم المعارضة الجورجية إلى سدة الرئاسة. وفي حين تتسم الثورات عادة بالدموية، أتت ثورة الورود لتحقق غايتها دون إراقة نقطة دم واحدة، فلم يصب أي مواطن، وكان السلاح الوحيد المستخدم هو الورود الحمراء.
واستحالت الوردة الحمراء منذ ذلك الوقت أكثر الزهور خصوصية ورمزا للعدل والنصر”. حيث قدم الطلاب الذين شاركوا في المظاهرات للجنود الورود الحمراء، ومن ثم أبعد العديد من الجنود أسلحتهم.
ويومها استطاع الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي الذي قاد المتظاهرين لمبنى البرلمان، اقتحام بوابة قاعة البرلمان ممسكاً بوردة حمراء ذات ساق طويلة وصاح بوجه شيفرنادزه “استقيل”، ملوحاً بالوردة في وجه الرئيس الجورجي، وعندها سارع الحراس بإخراجه من القاعة.
ويقول بائعو الزهور في جورجيا أن الوردة الحمراء ذات الساق الطويلة والتي يطلق المواطنون اسم “الزهرة الجورجية” تغير اسمها إلى “زهرة ساكاشفيلي”، وهي موجودة في كل مكتب حكومي تقريبا.
الثورة الأوكرانية .. برتقالية
شهد العامين 2004 و2005 ما عرف بالثورة البرتقالية في أوكرانيا وهي تعد واحدة من أشهر “الثورات الملونة”. قادها الأوكرانيون ضد نتائج الإنتخابات الرئاسية المزورة وكانت عبارة عن تظاهرات حاشدة على إمتداد البلاد، بعد أن تبين أن نتائج الدورة الإنتخابية في نوفمبر 2004 بين المرشحين البارزين فيكتور يوشينكو وفيكتور يانوكوفيتش تم التلاعب بها لصالح الأخير.
وكان الوشاح البرتقالي رمزاً توحد في ارتدائه المشاركون في التحركات بإعتباره اللون الرسمي للحملة الإنتخابية للمرشح المعارض يوشينكو مما جعل ثورتهم تعرف بالثورة البرتقالية الأوكرانية. وبعد أيام من الإعتصامات ولاإحتجاجات والمناوشات القانونية تم إعلان يوشينكو الفائز الرسمي بالرئاسة في كانون الثاني يناير 2005.
ثورة التوليب
عرفت ثورة التوليب أو ثورة السوسن أو الزنبق أو ثورة الأقحوان أو الليمون كواحدة من الثورات الملونة في أوروبا وذلك مع حركة الاحتجاجات التي شهدتها قرغيزيا في 25 مارس 2005 مع الانتخابات البرلمانية القرغيزية، وكان من نتائجها خلع الرئيس عسكر أكاييف وتعيين كرمان بيك بكاييف قائما بأعمال رئيس الجمهورية ورئيسا للحكومة القرغيزية المؤقتة ومن ثم انتخابه في يوليو 2005 رئيساً للجمهورية.
لكن هذه الثورة التي كانت بمثابة انتفاضة شعبية، تمت الإطاحة بها في ثورة أخرى هي “ثورة الوقود” التي جرت في نيسان أبريل 2010 وأدت إلى خلع بكاييف واضعة النهاية لثورة الزنبق. وقد تفجرت هذه الثورة بسبب رفع الحكومة
ثورة الارز في لبنان
لأسعار الوقود وبسبب عوامل اقتصادية متراكمة وأجتماعية منها وصول معدلات البطالة إلى اكثر من أربعين في المئة.
ثورة الأرز في لبنان
شهد لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري سلسلة من التحركات الشعبية التي قامت بها قوى 14 آذار، حيث شهدت العاصمة بيروت تظاهرات شعبية عرفت بثورة الأرز. وأدت إلى إنسحاب القوات السورية من لبنان، وتكوين لجنة دولية للتحقيق في إغتيال الحريري.
إتخذت القوى المشاركة في هذه التحركات رمزاً لها وشاحاً باللونين الأحمر والأبيض، وتميز الموالين لرئيس الوزراء رفيق الحريري باللون الأزرق.
ويأتي إسم “ثورة الأرز” من شجرة الأرز التي تعتبر رمزاً للبنان، إضافة إلى أنها تتوسط علم البلاد.
ثورة الرهبان الزعفرانية
أطلق إسم ثورة الزعفران على تحرك الرهبان البوذيين البورميين المعارضين في بورما أو ميانمار عام 2007. وقد وقف الرهبان بوجه الجنود وبنادقهم، محتجين على الغلاء آملين بتحقيق التغيير لكن النتيجة كانت قتل العشرات واعتقال المئات منهم.
ولأن الرهبان شاركوا في التحرك بزيهم الزعفراني اللون سميت انتفاضتهم “ثورة الزعفران”.
ثورة قرمزية وأخرى بنفسجية
كما أطلق على أعمال الشغب في التبت عام 2008 إسم الثورة القرمزية نسبة إلى اللون القرمزي الشهير في هذه المنطقة.
ومن الثورات الشهيرة بألوانها الثورة البنفسجية التي جرت في تشيكوسلوفاكيا السابقة عام 1989 عندما هاجمت الشرطة طلاباً من جامعة تشارلز، وأوقعت بينهم القتلى والجرحى. وساهمت هذه الثورة في سقوط النظام الشيوعي في تشكوسلوفاكيا. ففي 17 نوفمبر شارك أكثر من مئتي ألف طالب في التظاهرات السلمية مما أدى إلى سقوط النظام الإشتراكي، وتغيير إسم الدولة في نيسان أبريل 1990 من جمهورية تشكوسلوفاكيا الإشتراكية إلى جمهورية تشيكوسلوفاكيا الفيدرالية.
ثورات بالألوان
إلى جانب الأزهار كان للثورات مسميات بالألوان أيضا فأطلق البعض إسم الثورة الزرقاء على المطالبة عام 2005 بمشاركة المرأة في الحياة السياسية في الكويت. بينما سمى البعض إحتجاجات المعارضة على نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009 بالثورة الخضراء معتبرين أنها ثورة الشعب الإيراني على النظام الإسلامي الحاكم بعد تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت في يوم 12 يونيو 2009 التي أدت إلى فوز محمود أحمدي نجاد. مما أدى لحصول إحتجاجات شعبية هائلة، شهدتها مدن إيران الكبرى كطهران وأصفهان وشيراز بعد الإعلان عن فوز نجاد بولاية ثانية.
ومهما تعددت ألوان الثورة وأشكالها، يبقى أنها وسيلة مهمة للتغيير نحو الأفضل أحياناً، وربما نحو الأسوأ.. هي خيارات الشعب، يتحمل نتائجها بانتظار فرصة جديدة لثورة مخملية أو ثورة بقوة السيف