‘إنتصارات’ تتضوَّر جوعاً
سليم بركات
فلافلُ ‘حلالٌ’. جملةٌ سمجةٌ إنْ تظرَّف راويةٌ للفكاهات فاستملحَها، أو أرادها أنْ تُستَمْلَح. لكنها ‘مُلْحةٌ’ تطايرت مرحةً في حبرها الأحمر، على علبة الفلافل، حين عرضها عليَّ العامل في مَتْجر الأطعمة الشرقية، على مدخل سوق قريتي سكوغوس ـ الغابة، إلى جوار العدَّة الكريمةِ ربيبةِ المطبخ، الذي لم نغادره: الحمص، والفول، وبابا غنوج.
فلافل ‘حلال’. ربما تقع علبة كهذه تحت طائلة الفنِّ الخسيس في الأحتيال على العامة، الأكثر ارتداداً إلى بؤس المنطق بحصانةِ الدينيِّ. السذاجةُ صِرفةً سوَّغت لمروِّج الفلافل أن لايرى في المسلم إلاَّ انتصارَ العقل لعمائه. قد نجد، قريباً، زيتوناً ‘حلالاً’، وحلوى ‘حلالاً’، وقُبلاً ‘حلالاً’، وحلاَّقين بإعلانات عن تشذيبٍ للشَّعر حلالٍ، وتمراً ‘حلالاً’. يتعذَّر، في الأرجح، الوقوع في عُروض السذاجة هذه، في بلد أوروبي تقلّّد من مهاجريه بيانَ القِدَم عهداً. السويد ليست على حصافة كشقيقاتها الأخريات. عهدُها قريبٌ بمهاجريها، وتأخذ منهم ‘مبتكرات’ الإقامة الدينية على محمل احترام ‘المختلف’ من ثقافة لم يعد ‘إختلافُها’ قادراً على فصل التلفيق ‘المُبتكَر’ من المعتمَد إرْثاً من منطق الدِّين. معتوهٌ من ‘مُنْتَج’ التبشير باحتقار الحياة عن أيدي أئمة الكراهية في منابر الدِّين، بأوروبا، استقل سيارة، في ستوكهولم، يتوسل بها مجزرةً، في عطلة نهاية الاسبوع، على مدخل سوق مكتظ بخليط من أعراق الأرض ومذاهبه، فانفجرت به وحده. مشكوريْنَ توالى أصحابُ هيئات الإعتصام بحبل الخلود من لذائذ الأرضيِّ في أروقة السماء، إلى استفظاع ماجرى، مناضلةً عن براءة الديِّن. لكن المفاجأة كانت عارمةَ السخاء في استعراض اسماء المجامع القائمة على رشاد القلب الإسلاميِّ في أرض ‘فَالْهال’: ‘جمعية الدفاع عن النبيِّ’. ‘هيئة الدفاع عن نساء النبي’. ‘أهل الدفاع عن الخلفاء’. ‘عصبة الوفاء للصحابة’ (!!!!). تُعذرُ سذاجةُ السويد، لكنهم يحتقرون تسامح السويد، وتساهلها المفرط، ريثما تبلغ سنَّ نضوج التشريع، الذي سبقتها إليه أقطار أوروبا الأخرى، أوهي باتت على قُربٍ من بلوغه من هذا ‘الفتح’ الدموي، الأول، بأشلاء المنتحِر، المنعَّم بهِبات السويد استضافةً، العائدُ من مدارسِ لندنَ الذبح البشريِّ الحلال. لم يقُم أحد من دول المُعْتَمَد الإسلامي بالتنبيه إلى فداحة السخرية حاصلةً عن ‘مجامع’ هيئات الدفاع عن ‘الله’، إنْ عبرَ ممثلٍ واحد، يعلن أن هناك مرجِعاً، في الجغرافيا الإسلامية، لتقدير حجم الحيف إن لحق بالنبيِّ، أو بنسائه، أو بصحابته، وإقرار حجم المدافَعة بما يوافق حجم الحيف.
إستخفاف مروِّج الفلافل ‘الحلال’ ليس عن ثقة في اقتداره على الخفَّة ترويجاً، بل عن ثقة بانهيار العقل في التسليم لمدافعة ‘الطاهر’ ضد المكان المدنَّس بلحوم مسالخه، وفاكِهته، وحمصه وفوله. فهل الحلال منه مارعتْهُ بساتينُ أرضٍ مسلمة، وسمادٌ معقودٌ له لَعْنُ إبليس، ومالٌ أوتي زكاةً؟. ‘الحلال’ لم يعد طبعَ استمالةٍ إلى الشرع، بل خروجٌ إلى مناضَلةِ الإختصاص في إقامة حزام من حيطة الطاهر حول ‘هوية’ الطاهر، المقيم في المكان المدنَّس، فلا يلامسه بمحيطٍ أو بمحَلّ. لحمٌ حلالٌ جاوزَ اختصاص الإذن بالتناول على اسم الجلالة في الذبح إلى خضارٍ تُقطف على اسم الجلالة في القطاف، بعد وضوءٍ. إنها استعادة ‘رمزية’، بحروف واضحة على حوافظ المطعومات في صفائح عُلبٍ، أو ورق جاسِئٍ أو مطاط، لِمَا لم يصل إليه فتحٌ بالسيف استعادةً من ‘ضلالٍ’ ينبغي تصويبُه. انتصار ‘الحلال’ يصوِّب حقيقةً ‘مغيَّبةً’ ـ عودةَ الأرضِ، الإبنة الضالة، إلى موجوب دِينها أرضاً حنيفةً.
فلْنخْطُ بقَدَمٍ، من حقل ‘الحلال’ في أرض النصراني، إلى مايلحظه العقلُ من تصويبٍ إسلاميٍّ للنقاء في بعض أصقاع الإسلاميِّ، ‘التائهة’ عن تدويل حقائقها شرعاً بغلبة الحصول عن القوة. وسأبدأ النُّقلةَ بخطف السان إلى ‘المثير’ ـ السمادِ، الذي يُنْتِش، بقوَّةٍ، نهضةَ عقل الرعاع، كما لم تزدهر، من قبل، نهضةٌ لعقلٍ: من قتل ياسر عرفات؟.
بلاغةُ ‘المثير’ هي من حظوظ اللسان الأولى في استجماع ذهوله شهقةً أمام الملغز الأعظم ـ كونِ الظواهر من طِباع الطبيعة. مع الكشوف الكبرى، زمناً بعد آخر، تراجعت شهقةُ الإنخطاف من ‘المذهل’ المثير، والعوارض كسوفاً وخسوفاً، إلى الطبقة المحصنة بالخوف في طبع الإنسان: طبقةٌ خزانةٌ تُفتح على وقْعٍ، وتوصد على وقعٍ من جواذب العقل إلى قلقه. و’المثير’، كخُطاطةٍ من رسْمِ الخوف بلونٍ هادئ، درجةٌ من ترقُّبٍ مَّا متوجِّسٍ، منجذبٍ، مُذْ يجد العقلُ نفْسَه، فجاءةً، بإزاء الحيلةِ إمَّا تنكشف عن صدمةٍ، أو خيبة، أو عاصفٍ مستحوذٍ، مؤلم، أو بهيج. ومثلي، في هذا، مثلُ مُقتدٍ بأب الكشف القلبي المُعجِز، والخطف العقلي، ويكيليكس، الذي جمع التسليمَ بخصائصه الطيفية من شوارع أُمم العرب إلاَّ ماتعلَّق بـ ‘المؤمنيْنَ’ ـ مليارات بشيرالسودان الجائع، وودائعِ أمير الباب العالي أردوغان، في مصارف الغرب، الذي انحسروعده بتحرير غزة إلى طلب اعتذارٍ من الإسرائيلي، لاأكثر، عن قتل أتراكٍ.
من قتل عرفات؟. فلْنتتبَّع تأويلَ الأحكام جاريةً عن قضاء ‘الإنتفاضة’ الثانية.
‘نزعة الإنتقام’ هي الخصيصة، التي ينشأ عليها من قُيِّضَتِ الإهانةُ ـ الحيفُ له طالعاً يمضي به ـ هو المظلوم ـ إلى فلَلكيْنِ، أو برزحٍ بينهما: المُدافَعةُ بالحيلة مجادلةً، ومفاوضةً، وفق أعراف ‘الحق’، ومواثيق ردِّ الظلم، بإشراف أهل المواثيق والأعراف؛ أو الجَبْهُ حرباً سجالاً على مراتب المَقْدِرة؛ أو جمعُ الإثنينِ ـ الحربِ، والمدافعةِ بالحيلة تفاوضاً.
إتفاقات أوسلو، الناقصة البنود، لم توفر لعرفات الراحل جبْهًا بحيلة المفاوِض. خذله غدرُ الإسرائيليِّ بالإتفاقات، وتساهلُ رعاةِ التفاوض مع إسرائيل في كل شيء. وصل الأمر إلى طريق مسدود أنضجَ، بانسداده، إنتفاضةً ثانيةً.
كانت الإنتفاضة الأولى مزرعةَ قلق الإسرائيلي، بطابع سمادها النبيل مناضلةً بالحجر، وبالصخب. دخل مصطلحُها لغةَ البشرية بلفظه العربي، واستُنفِرت ‘الأخلاقُ’ على جبهات العالم الراكدة، أخيراً. ثم جاء القطافُ من المزرعة اتفاقاتِ اوسلو، فالطريقِ المسدود، فالإنتفاضة الثانية، الواعدة بإضافاتٍ في نهضة الأخلاق، ودعم المجتمعات، والهيئات، لفلسطين. لكن، على نحوٍ سيتَّضح فيه عُمق تدبير الوقيعة بفلسطين مُذْ ذهبت الإنتفاضةُ إلى جَبْهٍ بالسلاح.
ثمَّتَ من تعهَّد ‘نزعةََ الإنتقام’، لدى الفلسطيني، بسمادٍ من الخطط يربح بها الفلسطينيَّ جريحاً أكثر: يسقط صاروخٌ خائبٌ في الإصابة، كعهدنا بالصواريخ ـ الدعاوة، فتردُّ إسرائيل بتدمير بيوت، ومزارع، وزهقِ أرواح. تزداد ‘نزعة الإنتقام’. يأتي صاروخ آخر أكثر خيبةً من سلفه، فيتعقَّبُه الإسرائيلي بتدميرٍ أشدَّ طحْناً.
حركة المقاومة الإسلامية، المبشِّرة بعَلَمها على رماد عَلَم فلسطين، و’حطَّةِ’ الفلسطيني، أجازت تشريعاً صامتاً في نماء ‘نزعة الإنتقام’ عن تلك الدورة، التي طوَّقت الإنتفاضةَ بصواريخ لاتصيب الإسرائيليَّ، بل تعود بـ ‘دفْع إرتجاعيٍّ’ على الفلسطيني الجريح، الذي كسبته ‘حماس’، مذى رأى فيها رسولَ انتقامة ـ انتقام ـ المُنتَحِر. مامِنْ مشروع سياسي عرض خيالَهُ، من ‘حماس’، على فلسطين. لكنَّ ‘الدمويَّ’ كان كافياً لإغواء الفلسطيني المُهان، الجريح. إحساس ياسر عرفات بلعبة ‘حماس’ في التكسُّب ‘بنزعة الإنتقام’ دفعته، يائساً، إلى مجاراتها، على نحوٍ خفيف، في الجبْهِ بالسلاح، عبرَ كتائبه. بَيْدَ أن تدبير’اختطاف’ فلسطين من عرفات، كان قد أُبرِمَ، بحسابٍ من تواطؤ المصالح بين إسرائيل و’حماس’: لم تعد صواريخ المقاومة الإسلامية تأتي بردٍّ مضافٍ من نزعة الإنتقام إلى نزعة الإنتقام، بل بتدمير متلاحق لمعاقل عرفات. كل صاروخ خائب، من ‘حماس’ كلَّف ياسر عرفات مقرًّا، أو ثكنة، أو مؤسسة. شارون قوَّض سلطة عرفات بفطنة العارف أنها تنتقل إلى ‘حماس’، التي لن تقبل المؤسسات الدولية اعترافاً بها، في يقينه. كان يفرِّغ فلسطين من ‘حجة’ المعقول، وجدال المفاوض، مذْ لم يكن لدى ‘حماس’، عدا نزوعها إلى السلطة، سياسة ‘أرضية’، بل وعدٌ ‘سماوي’، ودعاوى مقاومةٍ تنكشف، علناً، عن توسُّلٍ إلى تهدئة مع إسرائيل تمكِّنها من تحصين مااختطفته. هو توسُّل لن يعتقد إلاَّ خاملٌ أن أسرائيل لن تبادله الرضى.
‘رعاية’ نزعة الإنتقام أودت، بعد تواطؤ بين صاروخ ‘حماس’ الفاشل، وقصف شارون المُنتخب الأهداف لمعقل عرفات، بسلطة عرفات، الذي راقب الوقائع متتاليةً، تدبيراً كالحساب: كل ضربة من ‘حماس’ إلى إسرائيل تجيء بضربة إليه. راقب تقويض ‘فلسطينهِ’ التي بلغها على محفَّة من البنود المكسورة في اتفاقات أوسلو. لكنها ‘فلسطينُهُ’ وقد انكمشت حتى أضحت غرفة ببضعة أمتار مربعة، هي آخر ماتبقى له من ‘لعبة’ شارون المُتقنة، التي انتصرت فيها ‘حماس’، برفاهية مشروع لاسياسة فيه. الشعب، القادم من بستان النماء المزدهر رغبةً في الإنتقام، اختار بطلَه ‘المنتقِم’، هذه المرة. لم يهمه تمحيص سياسةٍ في مشروع ‘بطله’. شعوبُ تخطئ كالأفراد يخطئون. النمسا، العريقة، أخطأت في اختيار زعيمٍ مبشِّر بغلواء الريبة من المهاجرين، فصوَّبت أوروبا خطأَها بإسقاطه. لكنَّ السلطةَ الممنوحة للمؤتمَن على الدستور، في فلسطين، لم تستطع تصويب الخيار ‘المسدود’ لشعب أدرك، بعد فوات الأوان، مأزق خياره ‘المرفَّه’ بنزعة الإنتقام، لابتقديرِ شروط المناضلةَ عن حقِّه تأسيساً على خططٍ في السياسة. ‘حماس’ القادمة إلى السلطة ببركة ‘الخيار المسدود’ للمنتخِبيْنَ، لن تكون مؤهَّلة فَهْماً لموجبات تداول السلطة. ماأخذته مرةً هو أبديٌّ لها. فإن ظنَّ البعض أن حركة المقاومة الإسلامية لم ‘تتحوَّط’ لمصادفة بلوغ السلطة ‘بخطط’ في السياسة، مثلي ومثل غيري، يكنْ واهماً عن فهم ‘المفارقات’: ‘التحوُّط’ عند ‘حماس’ ليس قبولاً لمواثيق المعاهدات بين النظام ومحيطه الدولي، بل موقوفٌ على إعادة الدولة ‘حلالاً’ بعد دنس. إنه الفتح الإلهيُّ، الذي لاردةَ عنه إلاَّ بالغلبة، لابالتشريعات الفلسطينية، ودستور فلسطين. ولمَّا تخاضَّتِ الأمورُ، وتقلقلت، اختطفت حركة المقاومة الإسلامية ماقدرت عليه يمينها انقلاباً دمويًّا؛ أي: انتهبت غزةَ، التي سيتوقف أملُ العربي، في رفع الحصار عنها، على أردوغان، المتراجع بوعده، أخيراً، إلى القبول باعتذار عن مقتل مواطنيه الأتراك، لاغير. كان ‘الأمل’ مزاحاً في الأرجح. ‘منقذٌ’ لايجد حلاًّ للمعضلة الكردية، المزمنة، في أرضه، لن ينقذ غزة. ومن مفارقات ‘اليأس الخالق’ لنزعة المهزومين إلى بطولة، أن يتوسل الرعاعةُ العرب، ومؤيِّدوهم المناطِقةُ، ‘بطلاً’ من فارس يحتفظ، في جيب ‘فتوحه’، بعربستان، وجزر الإمارات العربية، واسمِ خليج فارس، والرغبة المصرَّحِ بها، مراراً، في ‘استعادة’ البحرين؛ و’بطلاً’ من أرض الطورانيين يحتفظ، في جيبه، بلواء اسكندرونه، وبتاريخ من احتلال لقَّنتنا كتب المدرسة المنافِقة عَصْفاً من ‘دَنَسه’. فإن قُيِّضَ للمفارقات المذهلة هذه سياق من ‘حتمية’ تاريخ اليأس بحثاً عن بطولاتٍ، فلن نرتعدُ هلعاً من قومة ‘بطل’ من أهل ‘الجار’ المغتصِب، الجديد، إلى النجدة.
لم يعش عرفات ليرى إمارة غزة، ‘المؤيَّّدة’ بـ ‘انتصار’ حركة المقاومة الإسلامية الإلهيِّ على التشريع الناظم للحياة السياسية في فلسطين. لم يعش ليرى كيف يوطِّد ‘الحلالُ’ خصيصةَ دولتهِ بإحراق رموز ‘الدولة المدنَّسة’: ‘حطة’ عرفات، وعلم فلسطين. فهل عليَّ، بَعْدُ، توضيح ‘المثير’، الذي بشَّر به مُفْتَتَحُ هذه السطور عن ‘اغتيال’ عرفات؟. الأمر لاتحوجه براعة من براعات التلفيق الخامل عن شراب مسموم، وطعام مسموم، وهواء مسموم نشره شارون؛ أو عن امرأة خرجت مسرعة، أو دخلت مسرعة إلى ‘زنزانة’ عرفات الأخيرة. ولايحوج الأمرَ بحثٌ في ‘محفوظات’ أنزلتها فرنسا إلى العالم السفليِّ بتدخل من الماسونية. لقد قوَّضت صواريخُ ‘حماس’ الوهمية (الشديدة الضراوة في الدعاوة الإسرائيلية) سلطتَه. قوَّض التواطؤُ الظاهر، مُعْلناً، بين شارون و ‘حماس’ سلطتَه: مات الرجل همًّا من اختلاط التاريخ عليه؛ ومات غمًّا من ذبح ‘فلسطينه’ أمام عينيه، بمدية واحدة تبادلتها يدان، من داخلٍ ومن خارج.
أَبَلغتُ، في هذا، تلفيقاً لـ ‘مثيرٍ’؟. مرجَّحٌ أنني أقرب في التقدير، الصادر عن نظرٍ لاعن أخبارٍ، من تقدير أجنحة الملائكة صدوراً عن خاتم الأولياء الورثةِ، برزخ البرازخ، الشيخ ابن عربي، الأعظم في النُّظَّار اختصاصاً بالتأسيس للتصوف، من غير القيام به. قد أذهب عكس تسليم الجمهور، إلى وصفه من النظَّار لامن المتصوِّفة، بشهادة تعرض لي في تقويم عُروضه، هو، للتصوف نقداً، وفي تقويم نثره في ‘مشاهد الأسرار القدسية’، وغيره، ونظمه ‘الفقير’ في ‘ترجمان الأضواق’ قائماً على مواصفاتٍ للأفكار مؤيَّدةٍ شرعاً، وملتزمةٍ أدبَ الشرع، عبر أوزانٍ عروضٍ لاميلَ في نظمها أو شطحَ، ولامزجَ للحدود في صوغٍ ملتبس. وقد أجد في سياق نثره متعارضاتٍ من ‘كشوفٍ’ في التأويل بإزاء عروجٍ بلا حصرٍ في تلزيم الخرافات، والخراقات الساذجة، لزومَ الحقائق. ربما يكون لي توضيحٌ إنْ تكشَّفَ لي الوقت عن تأييدٍ. لكنني أعود عن هذا المُستطردِ إلى إقران تقديري في ‘مصرع’ عرفات بالرسوِّ على تقدير الوتد، الشيخ الأكبر لأجنحة الملائكة. فإن كانت سخرية العربي ‘المستنير’ ‘تسترشد’ ‘بالخرافة’ النصرانية عن جنس الملائكة، في قواعد ‘البقاء للعقل’، فالموجب، ضرورةً، إحتسابُ أجنحة الملائكة من باب ‘الفتوح’: ثلاثة أجنحة هي إعجازٌ عند الشيخ. الستةُ كرامةٌ من الكرامات. أرآها مناماً، أم كشفاً موحىً؟. لايهم. أهلُ الراهن من الأقوياء يقعون، بدورهم، على كشوفٍ تتبدى فيها أحكامُ الغيب مطويَّةً كالثياب في خزائن بيوتهم صوراً، وخطوطاً، وألواناً من حلول الطَّيف على خواصِّه الجامعة. ‘الفتوح الإلهية’ مقامٌ من بلوغ القلب مبلغَ النظر إلى الخزائن. و’الانتصارات الإلهية’ مقامٌ من بلوغ القلب مبلغََ انتزاع الخزائن. المقاومة الإسلامية، في لبنان تعرف المكنون، وتبني عليه ‘إثمَ’ الدولة متواطئةً مع أعداءِ ‘الإلهي’ في قيام ‘المحكمة الدولية’. لقد خرجت ‘منتصرة’ من حربها مع إسرائيل، قبل خروج شقيقتها المقاومة الإسلامية، في فلسطين، من حرب مع الإسرائيلي، ‘منتصرة’. لانعرف من حقيقة انتصار ‘حماس’ إلاَّ ‘خروجها’ سالمة من حرب غزة، بعدما فاضت الأرض بالكثير من قياداتها إلى صحراء مصر، وغاضت بالبقية إلى أقبية المشافي احتماءً. غزة مقوَّضة حتى الآن بنياناً وحرية. ‘نصرُ’ بقاء الحركة ‘سالمة’ هو النصر، الذي أعاد ولاية ‘الحلال’ إلى فُتاتٍ من فلسطين، مع استجداء التهدئة من إسرائيل كلما أحسَّتْ ضائقةً تتهدَّد سلطتها. وهو ماخرجت به صُوَرُ العقل، من قبل، في حرب إسرائيل على لبنان: المقاومة الإسلامية خرجت ‘سالمة’، بدورها من وراء ‘متراس’ البيوت، والبشر، والعمارات. كان متعذراً أن يُعرف مأوى قياداتها. لكن، حين توقفت الحرب بمواثيق وافقتْ عليها، خرجت بأسفٍ على مااستدرجتْه من لبنان إلى معلوم الخراب، ثم ارتدَّت على الأسف فأعلنت ولايةَ ‘الحلال’، على أرض انتصارها، التي أوجبت عليها كَرْهاً حظَّ الغلبة الكبرى من ‘مَغْنَم’ الدولة، وأيَّده، من بَعْدُ، على حظِّ الغلبة، اتفاقُ الدوحة المشؤوم، الإيرانيُّ رسْماً بالخط العربي. ‘حزب الله’ سائر بتحصيل مكافأته عن ‘نصرٍ’ أبقى من لبنان شروخاً في صميم مجتمعه. ماهمَّ. إيران انتصرت في الحربين. حصَّنتْ ولايةَ ‘الحلال’ للمقاومة الإسلامية، في لبنان، على الدولة، حتى بات سلاحُها ‘الغَلَبةُ’ خارج أيِّ جدال ‘مدنَّس’. سلاحٌ هو حتمية حرب أهلية في السياق إلى تأبيد الغلبة على نصفٍ من ‘شركاء’ حزب الله ـ الأهل ِ الآخرين. انتصرت إيران. باتت غزةُ حصانةَ ‘الحلال’ لاطريق إلى استعادتها إلاَّ بحرب أهلية. مصرُ الأمصار لم تستطع لحْمَ الشقِّ، أو قليله، بين ‘فتح’ و ‘حماس’. لربما غفل قلبُها عن كونها باتت أعجز عن إدارة السجال بين فلسطينيين على حدودها؛ وأنها ـ إنْ أعانتها الأقدارُ المتساهلةُ ـ قد يستوي لها توسُّطٌ بين الأمريكي، والإيراني المنتصر، لاغير، في شأنٍ عربيٍّ. لكنها وساطة متعذرة؛ لارغبةَ لأحد فيها. ‘انتصارُ’ حرب تشرين الموهومُ، الناهضُ ‘شامخاً’ على خسارات أكبر للأرض، انتهى بخروج مصر من الصراع خروجاً نكبةً بمواثيق ‘كامب ديفيد’. ‘انتصارٌ’ انتهى بضمور دور مصر حتى اقتصر على بناء سور على حدودها مع غزة. دورٌ بلا نصر. لاحولَ. لاقوةَ. انتصر الإيراني انتصارَه ‘الحلال’، حتى بات في مقدور المنتصريْنَ لدوره إقرانُ ‘المحكمة الدولية’، المخوَّلة نظراً في ‘الإعدامات ـ الإغتيالات’، باتفاق أيار اللبناني ـ الإسرائيلي صناعةً (!). ‘إغتيال’ المحكمة الدولية، بإسقاطها، تصويبٌ للخطأ الأرضيِّ بالرشاد ضرورةً إلى ‘الحلال’ السماويِّ في الإتفاقات. وهي، إن تخاذل أولياء الدعوة إلى ‘الحقيقة’ في القتالى، فابتُذِلتْ، مثلاً، لن يكون لاغتيالٍ آخر، في لبنان، من يكتب به ‘مضبطةً’ (بلغة الشرطة). وسيسقط الجميع مُغتاليْنَ ‘حلالاً’.
فلنعُدْ أدراجنا إلى ‘ثبْتٍ’ بالمواصفات في بنيان ‘الحلال’ هندسةً على شكل دولة ستفيض بزرعها، بعد قليلٍ، عن بستان الدولة:
‘انتصرت’ المقاومة الإسلامية، في لبنان، على إسرائيل. حرب تموز، التي أباحها الإسرائيلي نكبةً للعمران والأبدان، لم تطاول بنيةَ ‘حزب الله’. لاهزيمة إذاً. لكن كيف يتفق لنا جمْعُ المتطابقات في خصائص الهزائم من دفع ‘المنتصر’ نصرَه إلى الهاوية، على مراتب يُقاس عليها التساؤلُ المُربك: أنصرٌ على إسرائيل، أَمْ على الأهل؟.
ماذا يعني، في لوازم النهوض بنصرٍ إلى مرتبة النعمة، أن يمعن ‘حزب الله’ تقويضاً لخصِّيصةٍ هي من ‘وجود’ لبنان: انتخاباته النيابية، التي يجري وفقها، في الأعراف، تداول السلطة يأخذها الغالب عن عدل المنتخِبيْنَ؟. لاقيامةَ لانتخابات. لاقيامةَ لصوت المنتخِب. لاقيامةَ لاختيار، بعد الآن. لاقيامةَ إلاَّ قيامة السلاح ولايةً: نصرٌ على مَنْ؟.
ماذا يعني أن يندفع ‘المُدافع’ عن ‘التحرير’ خالصاً، لاعن سواه، إلى شوارع الأهل مُرهِباً بسلاحه، مستبيحاً، بسبب مساءلة عن آلات تصوير، كان ممكناً الهمسُ بإخراسها، من فم الحزب المكين، فتخرسَ المساءلةُ؟. لم يكن تهديد أيار، ووعيده، إلاَّ خطاطة استكشافٍ لردود الأفعال. وهي خطاطة مدوَّنة، بحبرٍ حديدٍ، للتنفيذ، شاء الذين يعتصمون بـ ‘حتمية’ أن البلد يستعصي بحكمه على فريق واحد، أم ابوا. الركون إلى ‘بدهيات’ في شؤون النُّظُم وهمٌ. سيأتي المأزقُ عاصفاً ذات يوم، لأن ‘الأمر الواقع’، في حساب الضرورات، والمنافع، والتسويات، قد يغدو بداهةَ ‘تصريفٍ’ للدولة على منطقٍ سكنَ عنه عقلُ المطمئنين إلى مواثيق الأقدار. ‘القويُّ’، خارج الدولة، لايُدفع إلاَّ بقويٍّ، حين يكون الأمنُ، عن يد الدولة، رهنَ طلقةٍ يتفرَّق بها القائمون على الأمنِ شِيَعاً، كُلاًّ إلى فرقته. وضعٌ كهذا نصرٌ لمن؟.
ماذا يعني النهوض، بضراوةٍ، إلى ‘تشريع’ الإغتيال ـ الإعدامِ خصِّيصةً من خصائص الجدال؟. لايعرف أحد مقتضيات العدل الإيراني في إعدامات يومية. فهل نابت مقتضياتُ الإعدام عند منابع ‘الحلال’ مالاً وسلاحاً لفرقةٍ، في لبنان، منابَ المدافعة عن الحق في الحياة مختلِفاً برأيٍ؟. لقد جرى، بترتيب مُتقَنٍ، تغليبُ فئة، في مقدراتها على ‘تحرير’ للأرض يصيرُ، يوماً بعد آخر، طلباً للولاية. إيران دفعت الأمور إلى ماتحتمله من شأنٍ يعود على سياستها بمنافع القوة، فضمنت ‘النصرَ’ بسلاحها ومالها: ‘طُنب’ صغرى في فلسطين، و’طُنب’ كبرى في لبنان. جزيرتان، لافي خليج فارس، بل في المتوسط، ليستا إلاَّ ليتفق التفاوضُ بهما على مايعود بكسبٍ إلى إيران. ‘جزيرتان’ جديدتان لن تُعادا إلى أحد. هما مضمونتان بحماية خيار ‘الأهل’ فيهما، لابضمانة اغتصابٍ، أو إحتلالٍ عنوةً. وقد تأيَّد مسعى إيران، المقتدرة في مصالحها، باقتدار جار لبنان العربيِّ بوابةً لعبور السلاح، وحظوة لدى المنتفعيْنَ الخَوَل. سينتبه الجارُ العربي، بعد فوات الأوان، أنه سلَّم بلداً عربيًّا، بتمام قراره، إلى شرقيِّ خليج فارس، سهواً عن اللعبة حين تخرج اللعبةُ، أحياناً، عن مألوف التقدير. لكنَّ الأمرَ رسَا، في عِلْمِ المُحْكَم، على حزب وصل به تعالي ‘انتصاره’ على كل مساءلةٍ، إلى استهجان طلب العدالة، في إغتيالاتٍ، إلاَّ عن عدالةِ ولاية السلاح، واسترضاء ولاية السلاح تنازلاً عن ولاية الدم للمغدوريْنَ. ذهب الحزب بعيداً، بضراوة، إلى محاولة إسقاط المحكمة الدولية، في اغتيالات بلبنان، غير آبه بالشبهة يثيرها، بعصبية خياله عن ‘القضاء’ المُبرم في الإتهام راسياً عليه، مؤيَّداً من خامنائي ضد المحكمة تشريعاً. أعن عِلْمٍ بحقيقة وقوعه في محظورٍ، أم ‘درءٍ’ للفتنة؟. أية فتنة أكثر بطراً من احتقار ألم الآخر؟. ‘حزب الله’ ليس حذراً في معتَقَد احتقاره لدمٍ لايخصُّه. يستحضر شهداءَه بإزاء الضحايا المُغتالين. أيطلب دفعاً لهؤلاء بهؤلاء، في ‘مقايضةٍ’ ابتزازٍ لاتقوم على وجهٍ إلاَّ الشطح ‘الحلال’؟. سيذهب إلى ‘احتقار’ المحكمة حتى لو ثبت عليه، بالبرهان (كما في حديث لأحد أركانه) ‘ضلوعٌ’ في ‘إعداماتِ’ الإلغاءِ ـ الإغتيالاتِ. شرخٌ مدمِّر يؤسسُه استكبارُ اللسان باحتقار ‘الشريك’، وألمه في قتلاه، وشراكته، أو ماتبقَّى من فُتاتها على مائدة ‘النصر’ النَّهم. ثم أين يستوى، في هذا النزوع من عصبية الحزب إلى وضع المحكمة الدولية في سياق الدَّنس، تصويبٌ بالتهمة إلى إسرائيل؟. علَّمتنا إسرائيل أنها شرورُ حياتنا. لكن لم نفهم ‘حكمةَ’ الشرِّ من سعيه، بالاغتيالات، إلى تثبيت غَلبَةٍ في نوَّاب الأمة لـ ‘ولايةَ السلاح’ على ‘ولاية الدم’. أمِ الإتهامُ ‘لازمة’ شَفْهاً كلازمة ‘المقاومة’ على لسان ‘حماس’ وهي تستجدي هدنة من إسرائيل، توطِّد بنعمتها ‘حلالَ’ ماامتلكته من دولةِ شرعها؟. منطقٌ محيِّرٌ لم يعد محيراً حين يستقيم لـ ‘حزب الله’ أن يتغاضى عن ‘جنرال’ حليفٍ يخرج، في علن اللسان، إلى الدفاع عن ‘عميل’ من فرقته. ‘جنرال’ متبرِّم من ‘تلكُّؤ’ المقاومة الإسلامية في ‘سفك’ الدولة، لينقاد له لفظ ‘الفخامة’ على جثة آخر ‘شريك’. لاينبغي للحزب أن يزجره، قط؛ أو يوبِّخه، على دفاع عن عميل لإسرائيل، من فرقته، مادام التأييد قائماً من حليفه لولاية السلاح. التغاضي، في موقفٍ، له فُتيا ‘البقاء للمشروع’ أولاً. فلو زلَّ بأحد من خصوم الحزب لسانُه، في أمر كهذا، لسوِّي بالأرض، هو وفرقته، متَّهَماً بالكبائر كما في أمر آلات التصوير متبوعاً بغزو بيروت ‘حلالاً’.
قطعاً، لن تحذَرَ المقاومة الإسلامية، في لبنان، دفعَ ‘الشراكة’ إلى الهاوية، أو وضعها على حافة الهاوية، مُذْ اكتمل لها فائضٌ من حصاد الكراهية في شارع ‘الآخر’، سيخرجُها إلى معلوم خططها في ‘تصويب’ الدولة. السلاح وُجدَ ليبقى. السلاحُ الشرخُ، المعطِّلُ موازينَ السياسة، وُجِدَ ليبقى. نظام لبنان يعاني مايعانيه منذ نشأته نظاماً بفقاعات في الهيكل. لكن تقويضه سيكون جرحَ ‘الوجود’ العربي متساوياً بهزائمه في حرية اللسان، ومُعْتَقَد العقل. أم يتمُّ التدبير، بمضاءٍ من أحكام صناعة الأسرار ‘العُلويَّة’، على تحويل المقاومات الإسلامية إلى نُظُم من ثبوت القواعد في النُظُم ‘دولاً’، فتمضي هذه المقاومات، بموجبات حفظ النظام وأصوله، إلى توطيد العُرف ‘الجولاني’ على جبهاتها ـ عُرف الهدوء المُطبِق، المُحْكم قبْضاً على صروف الشؤون ـ سكناتها، وحركاتها؟ (حماس تمنع الآخرين، الآن، من إطلاق صواريخ). انتصارات (!!). نعم. ها وعْدُ البشير، في انتصارهِ حلالاً على انفصال الجنوب، بسودان طاهر شرعاً؛ بسودان مسلم خلوٍ من عمَّال النصرانية، وموظفي النصرانية، بفارق عن وعد إسرائيل بدولة يهودية لايلحظه إلاَّ المؤمنون بملكية الأرض ‘الحنيفة’. وقد سارع إلى البشير أئمَّةُ الفُتيا مشرِّعين للظلم كالمشرعين للإغتيالات، بتكفير المظلوم في فعل انفصاله بالجنوب المظلوم، حُكْماً بعد حكم في تاريخ السودان. أيُّ رسوٍّ على حشدهم ‘اللهَ’ ضد رغبات شعوبٍ أوصلها احتقار النظام ‘الحلال’ إلى الكُفر بشراكته؟ أيُّ حشدٍ لله عنوةً على جبهة الوحدة في الجغرافيا؟ لم يسأل أئمَّةُ الفُتيا نظام السودان عن الحيف ، الذي أرسى، بنفسه، كفرَ جنوبيِّهِ المسيحي بشراكته في الدولة الفاشلة نظاماً كغيرها من دول العائلات، المُربية للبؤس باحتكار مال الدولة، تزدهر بها هجرة البؤساء إلى الغرب، طلباً للأمن في السياسة، والأمن في الرزق. غرب يُكفِّرهُ أئِمَّةٌ لايُكفرونَ نهب الأنظمةِ دولَها بودائع في سويسرا. لايُكفِّرونَ الجوع. لايُكفِّرون تشريعَ الحُكمِ مدى الحياة. (هاهو المغرب العربي ينفجر جوعاَ). لايعرفون شيئاً من حق الشعوب في تقرير مصيرها ‘فقهاً’. فلو كفَّرَ قساوسةٌ انفصال البوسنة المسلمة لأعلنوا عليهم حروبهم الهلالية. هُم لايسألون. فهل جنوب السودان زوجة الشمال يستوي فيها حكم الآية ‘اضربوهنَّ أو اهجروهنَّ في المضاجع’، أم حُكمُ أختها ‘سرِّحوهنَّ بمعروفٍ’؟. اُسعِدْتُم جنوباً.
أحديثٌ، بعدُ، عن انتصارات ‘الحلال’ هناك؟ أحديثٌ، بَعْدُ، عن انتصارات في ‘ولاية’ المعاني، يقوم بها تحطيم للانتخابات ومضمونها، وتعليق لقرارات الدولة، وتأسيس لذاكرة 7 أيار ـ ذاكرة الكسر بلا جبر قط، والتبشير، في صخب، لقانون لايطاول، بعد الآن، جريمةَ اغتيالٍ؟. إنه توطيد للنسيان قوامُه تحميلُ القتلى جريرةَ مقتلهم، وتحميلُ الألم جريرةَ قلوبِ أصحابه، وتحميلُ القتلِ خطأَ تقديرِهِ قتلاً، وسَنُّ مقامٍ للإغتيال بوصفه انتحاراً شخصياً يُقاضى عليه المُنتحِر، لاسواه.
سيشهد العقل صاغراً أنه اختلطت عليه المطابقاتُ: أَنصرٌ تتكسَّب به الهزيمةُ حلالَها، أمْ هزيمةٌ يتكسب بها النصرُ حلالَه؟. نصرٌ يربحُ الهزيمةَ في قَدَرٍ، وهزيمةٌ تربح النصرَ في قَدَرٍ من سقوط الآخر.
القدس العربي