صفحات مختارة

هل من فرق بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي؟

نقولا الزهر
في رأيي الفرق كبير جداً وفي كثير من الأحيان يجري خلط بين المفهومين. وفي أغلب الأحيان تتعمد الأجهزة الإيديولوجية والإعلامية لمعظم الأنظمة العربية الراهنة الكلام على مجتمع أهلي وتحاول بشتى السبل الهجوم على المجتمع المدني وتعتبره ” بدعة غربية لا تمت لتقاليدنا وخصوصياتنا بصلة”. إن (المجتمع الأهلي) لغةً يحيل إلى الأهل أي إلى العائلة والعشيرة والمذهب والحي والحارة. فهيئات المجتمع الأهلي هي المجالس والجمعيات العشائرية والقبيلية والعائلية والمذهبية ومجالس الأحياء ومشايخ ووجهاء الحارات ولا ننسى الطرق الصوفية. ومن أهم الأمثلة على المجتمع الأهلي يوردها المؤرخ الفلسطيني الراحل (حنا بطاطو) في كتابه تاريخ العراق هي مجالس الأحياء التي كانت لا تزال سائدة في في المدن العراقية حتى أوائل القرن العشرين، ويضرب مثلاً على ذلك مدينة النجف ويقول انها كانت في عام 1915 تتألف من أربع أحياء ولكل حي دستوره ومجلسه ونظام علاقاته مع الأحياء الأخرى في المدينة. فالمجتمع الأهلي بدون شك كان يلعب دوراً إيجابياً وعامل توازن يسهم في حماية الرعية في إطاره المحدود إزاء ظلم وتعسف واستبداد الدولة العثمانية.ولكن بعد انهيار السلطنة العثمانية وفي عهود الاستعمار والانتداب بدأت تتشكل في بعض الدول العربية إرهاصات الدولة الحديثة(مجالس تمثيلية ودساتير وصحافة) وبدأت تتكون الاستثمارات الرأسمالية والورشات والمصانع وبدأ تأسيس الجامعات في بعض العواصم العربية وبدأت تتشكل النقابات والاتحادات العمالية والمهنية وهنا كانت بدايات المجتمع المدني. وفي هذه المرحلة بدأ ما كان يسمى بالمجتمع الأهلي يحيل إلى الماضي، في الوقت الذي بدأ المجتمع المدني المتصاعد يحيل إلى المستقبل والتقدم، وقد ربط ماركس بين توطد الرأسمالية والمجتمع المدني، ولقد أعطى غرامشي دوراً مركزياً وأساسياً للمجتمع المدني وكان يعتبره عامل التوازن الأهم ضد تغول السلطة وسيطرتها الغاشمة . ولكن هذه المرحلة الانتقالية بما فيها نسبة المجتمع المدني الحديث إلى المجتمع الأهلي القديم لم تكن متشابهة في العالم العربي. ففي المشرق العربي كانت أهم تشكلات المجتمع المدني في مصر ولبنان وسورية وفلسطين وبنسبة أقل في العراق.وفي المغرب العربي حدثت أهم تشكلات المجتمع المدني إبان الاستعمار في كل من تونس والمغرب والجزائر.أما في باقي الدول العربية مثل السودان وليبيا واليمن والسعودية و دويلات الخليح فبقي مسيطراً وطاغياً في هذه الدول المجتمع الأهلي من جمعيات عشائرية ومذهبية.
ولكن بعد فترة قصيرة مضت على استقلالات بعض الدول العربية جاءت حقبة حكم العسكر في البلدان العربية التي كانت تخطو باتجاه الحداثة فأوقفت، وتحت يافطة براقة من الوطنية والتقدم والوحدة العربية والاشتراكية، مسيرةَ الحداثة والحياة البرلمانية والصحافة الحرة،وألحقت مؤسسات المجتمع المدني بالسلطة مباشرة وتحولت هذه المؤسسات من عامل توازن إزاء السلطة إلى جهاز وظيفي في خدمتها. ولكن يبدو أن مؤسسات المجتمع المدني في تونس في عهد أبو رقيبة وفي عهد زين العابدين بن علي، لم تستطع سلطتيهما القضاء تماماً على استقلالية النقابات والاتحادات والجمعيات، ولذلك كنا نرى بين فترة واخرى انتفاضة تحدث: ثورة الخبز في تونس العاصمة في أواسط الثمانينات، أحداث قفصة ، الاحتجاجات على رفع سعر السميد قبل شهر رمضان، ولكن أكبر هذه الاحتجاجات انفجرت في 17ديسمبر الماضي من مدينة سيدي بو زيد بعد أن أن أضرم النار في نفسه بائع الخضار المتجول الخريج الجامعي محمد بوعزيزي وكانت هذه الحادثة شرارة ثورة عارمة عمت تونس أودت بحقبة زين العابدين بن علي الاستبدادية وهي لا تزال مستمرة لاستئصال بقايا رموز الحقبة الديكتاتورية ونظامها. من هنا نرى أن التجربة التونسية لها خصوصياتها وظروفها وهي بالتأكيد سوف تنعكس إيجاباً على نضالات الشعوب العربية الأخرى من أجل الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، ولكن يخطئ كثيراُ من يتكلم بسذاجة على إمكانية استنساخها في باقي الدول العربية. فلكل دولة واقعها وظروفها وبنيتها الديموغرافية. وحتى الآن رأينا في العالم العربي ثلاثة سيناريوهات للتغيير: السيناريو العراقي الذي لا يزال متعثراً بالصراعات الطائفية والسيناريو السوداني التقسيمي والسيناريو التونسي ولا نعرف ما تحمله الأيام من سيناريوهات قادمة. وفي الأفق نلمح شبح السيناريو اليمني الواقع تحت تأثير الحاكم الذي يحكم اليمن منذ أكثر من ثلاثين عاما ويعدل الدستور الآن ليبقى مدى الحياة، ويبدو أن السيناريو اليمني يتراوح بين النسخة السودانية و النسخة التونسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى