ثلاث مواقف في حرية تونس.
غسان المفلح
أعتقد أنه في هذه الفترة، ستتم قراءة ما حدث في تونس من كافة الزوايا، ومن كل المواقع السياسية والفكرية، وهذه ان دلت على شيء فإنما تدل على أهمية الحدث، الذي توج إنسانيا بحرق الشاب البوعزيزي نفسه، مما ألهب الناس في الشارع، خاصة ان حجم العنف الذي بشر به الرئيس المخلوع كان كبيرا، لكن الجيش في النهاية أرتأى أن معركة بن علي باتت خاسرة، إضافة إلى أن الجيش التونسي لم يتعود التدخل في السياسة، مقارنة بجيوش باقي الأنظمة العربية بالطبع.
سيتحسر العلمانيون الجدد على ذهاب بن علي، وأن الحرية في النهاية والعيش اليومي أهم من جهاديتهم العلمانية، التي طالما ناصرت العسكر بوجه المجتمع. ليس شماتة أبدا بل تقرير واقعة، فماذا سيقولون في أحداث الحرية التونسية، لهذا هنالك ثلاثة مواقف برزت بالنسبة لي أعتقد أنها بحاجة لوقفة متأنية، لما لها من أهمية، وتعطي مؤشرات مهمة للماضي والراهن والمستقبل.
الموقف الأول- هو موقف المملكة العربية السعودية، كيف قبلت زين العابدين بن علي لاجئا سياسيا على أرضها، ولازالت دماء التونسيين ساخنة ولم تجف في الشوارع بعد؟ ثم هنالك بعضا من الإعلام السعودي حاول أن يعطي مظهر اللبننة لما حدث ويحدث في تونس، وأنه تمنى على التوانسة ألا يفرطوا بوحدتهم الوطنية، ومن جهة أخرى أبرزوا أعمال شغب ونهب لم تكن أبدا هي السمة التي ظهرت في الحدث التونسي، بوصفه حدث حرية باختصار، وكأن بعض هذا الإعلام يتمنى أن تتحول تونس إلى لبنان أو صومال أو عراق، لكي تصبح هنالك معادلة (س- س) أو (س- ل) أقصد ليبية باعتبارها جارة لتونس لحل الأزمة التونسية، لماذا كان موقف المملكة هكذا؟ في الواقع الأجوبة ستكون قاصرة، ولكن الأسئلة تشير إلى ما نحن فيه عربيا.
الموقف الثاني- هو موقف النظام السياسي في سورية وإعلامه، وكأن تونس في المريخ، أو أنها ليست بلدا عربيا وليست من البشرية الموجودة على الكرة الأرضية.. والسبب معروف طبعا، وأهمه هو التعاون الاستخباري الرفيع بين أجهزة النظامين، مما وطد حالة صداقية غريبة من نوعها، رغم الفارق بين النظامين. لم يذكر الإعلام السوري أحداث تونس والناس في الشارع تقتل وتستشهد من أجل حريتها ولقمة عيشها.
زين العابدين حليفهم الطبيعي، لو حدث في مصر أقل من ذلك بمئات المرات، لكان الإعلام السوري قد طبل وزمر.. النظام السوري حتى اللحظة يعتبر أنه خسر حليفا، أما ما تخبئه الإيام فلا أحد يعرف. قناة الجزيرة تابعت الموقف لحظة بلحظة، وهذه قضية مهمة.
الموقف الثالث- وهو موقف المجتمع الدولي وخاصة قواه الكبرى..
الصين كالعادة حيادية في مثل هذا المضمار، ولكنها تنقل الأخبار باختصار.. والروس كذلك كأنهم ليسوا معنيين بالموضوع. إسرائيل لم ترتح للوضع ولكنها تراقب وتنتظر.. وإعلامها كعادته كان فيه كل وجهات النظر حول تونس وما يحدث فيها.
الموقف الأمريكي منذ البداية كان لافتا في أنه تعامل مع مجموعة بن علي ونظامه كونها مجموعة تضم لصوصا، كما سرب ويكيليكس برقية السفير الأمريكي في تونس لإدارته عن وضع النظام وعلاقاته وفساده ووصفه بالمافيا في عام 2009، وطالب بن علي باحترام مطالب الناس وعدم استخدام العنف ضد شعبه، كما جاء في بيانات الإدارة الأمريكية، التي أزعجت بن علي واعتبرها خارج التوقيت والحسبان، فرد ردا عربيا كالعادة، على أمريكا ألا تتدخل في شؤوننا الداخلية وهو يطلق النار على الناس في الشارع. الموقف الأمريكي من الأحداث كان قويا دوليا، والإعلام الأمريكي اهتم بالموضوع أكثر من الإعلام الأوروبي. وهذا الموضوع يحتاج إلى مقالة خاصة حول علاقة تونس بأمريكا.
أما الاتحاد الأوروبي فقد كان موقفه مخزيا وعارا على دول ديمقراطية في الواقع، الإعلام الأوروبي تجاهل الحدث تماما في الإيام الأولى، والقادة الأوروبيون أيضا تجاهلوا الحدث في تصريحاتهم، والموقف الفرنسي كان الأكثر خزيا، لأن باريس عاصمة الحرية كما يقال، وتواطأت مع نظام يطلق النار على أناس عزل، ليفعلها ساركوزي مع الجماهير الفرنسية.. وبقي الموقف الفرنسي مساندا لابن علي، حتى أثناء طلبه اللجوء في السعودية، وثمنت مواقفه كلها. في الواقع أمريكا هي من خذلت ساركوزي تونسيا، على المستوى الدولي لأن ساركوزي كان يأمل أن ينتصر بن علي في النهاية.
لكني أود ان أسجل ملاحظة أخيرة: إن الاصلاحات الديمقراطية الأولية التي أجراها بن علي على النظام التونسي، أعطت ثمارها، وهذه نقطة تسجل له وليست عليه… فالناس لا يتعلمون الحرية في ظل القمع والاستبداد. لهذا يمكن للأنظمة العربية الأخرى أن تتوقف حتى عن أي إجراء من هذا الشكل. هذه متابعة اولية لمواقف الدول من حرية الشعب التونسي، وأكيد للحديث بقية
القدس العربي