ملاحظـات أولية على تقرير حزب الشعـب
رجاء الناصر
يطرح التقرير الصادر عن المجلس الوطني “لحزب الشعب الديمقراطي السوري” إحدى الإشكاليات التي اعترضت عمل المعارضة في سورية هي “معادلة الداخل والخارج” حيث يقول [بكل أسف لا نلحظ موقفا سليما تجاه هذه المعادلة من المعارضة،
حال المعارضة السورية… الموقف من “معادلة الداخل والخارج”
بل نجد هروبا من بعض أطرافها لمعالجتها إما بسبب جمودها الفكري والسياسي وعدم تمثلها للمتغيرات التي يشهدها زماننا الحالي، أو مخافة غضب السلطة عليها…] ويرى تقرير المجلس الوطني لحزب الشعب أن هذه المسألة [إحدى نقاط الاحتكاك القوية التي نشهدها داخل صفوف التجمع الوطني الديمقراطي] ويرى أن المثال الفاقع على هذا الخلاف هي [قضية الدكتور كمال اللبواني الذي اتهمته السلطة بالعلاقة مع العدو، بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية وأودعته السجن وحكمت عليه..] وعن طبيعة الاحتكاك والخلاف يسجل التقرير أن هناك [موقفان متناقضان من هذه المسالة: الأول، يجد في الخارج عدوا كالولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بسبب سياساتها تجاه القضية الفلسطينية وانحيازها الدائم لإسرائيل، وتجاه احتلال العراق مؤخرا…] الثاني، لا يجد خلاصا من الأنظمة الاستبدادية المتسلطة إلا بالاستعانة بالخارج القادر وحده على التغيير] ويرى التقرير أن هذين الموقفين غير سليمين عموما، وهو ما يدفع لمعالجة هذه المسألة [في ضوء المتغيرات التي أفرزتها ظاهرة العولمة… الذي يتطلب مراجعة النظر بمسائل مختلفة بدءا من مفهوم الدول القومية صاحبة السيادة…] ويخلص التقرير الى [لا نجد في الخارج خصوما وأعداء فقط، وإنما نجد فيه أنصارا يتعاطفون مع قضايانا.. ومن هنا لا يمكن أن تستقيم لنا سياسة من اجل إنهاء الاستبداد وإقامة الديمقراطية دون توثيق علاقاتنا معه ومع أعلى مستوياته المتمثل بالمنظمات الدولية والفعاليات التي رائدها الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية وحلّ تناقضات الدول بشكل سلمي].
وبدورنا نرى فعلا أن هناك إشكالية مستجدة في عمل المعارضة الوطنية السورية وتحديدا داخل التجمع الوطني الديمقراطي، عنوانها “العلاقة مع الخارج” وتعود جدّيتها الى أمرين:
الأول: أن الوعي الوطني والقومي الذي تأسس عليه التجمع الوطني الديمقراطي، كان يربط بوضوح بين النضال الوطني (أي الدفاع عن الوطن وسلامته وحريته، وبين النضال من اجل التغيير الديمقراطي.
الثاني: أن القوى الاستعمارية لم تكن تطرح على الإطلاق التعاون مع القوى الشعبية الداخلية، بل كانت وباستمرار تدعم النظم القمعية الاستبدادية.
إلا أن انفراد الولايات المتحدة الأمريكية على رأس النظام العالمي الجديد بعد انكسار الاتحاد السوفياتي دفعها الى هوس التدخل المباشر لإعادة صياغة “المنطقة، والتي يشكل الوطن العربي قلبها واختارت شعار الديمقراطية عنوانا للصياغة الجديدة للنظام الشرق أوسطي الجديد، والتي رأت فيها مدخلا لتقسيم المنطقة وبعث التكوينات ما قبل القومية، وإعادة بناء نظام ثقافي واقتصادي جديد يلغي عوامل الممانعة لذلك المشروع، وهو شعار يعطي بعدا “أخلاقيا” لتدخلها المباشر، ويبرر لها التخلي عن أعوانها السابقين الذين عايشوا الحرب الباردة، واستقدام آخرين أكثر ملائمة لسياساتها الجديدة أو المتجددة، ويمكن هنا التذكير بأن شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي استقدمها ربطتها بشكل مباشر بمقدمات التغيير الثقافي عبر نسف مرتكزات الثقافة السائدة المولّدة للإرهاب في إشارة الى المقاومة ضد الاحتلال، وتغيير البنية الاقتصادية عبر ربط الاقتصاد المحلي بشكل مباشر ونهائي بالشركات المتعددة الجنسيات وبالتالي تحويل الهيمنة المعاشية من سلطة الأنظمة الفاشية الاستبدادية المحلية الى سلطة الشركات الدولية التابعة والمتحلقة حول النظام الدولي الجديد أو حتى المؤسسة له.
وكان من الممكن أن تشكل تلك الشعارات المرفوعة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها عامل تزييف للوعي الشعبي بسبب المعاناة الراهنة من قبل الأنظمة الاستبدادية القمعية لولا أحداث 11 سبتمبر/أيلول وما تلاها من احتلال أفغانستان والعراق وما انكشف من الممارسة العملية للسياسة الأمريكية تحت شعارات الديمقراطية والتي أنتجت إرهابا وقمعا وانتهاكا لحقوق الإنسان تجاوز بكثير ما كان عليه واقع الحال من قبل الأنظمة القمعية المحلية، وما ترافق مع بعث للحروب الأهلية والطائفية ونسف مقومات الدولة الوطنية الحديثة المنشودة، ولم تتوقف تلك السياسات على ما جرى ويجري في العراق أو أفغانستان بل تحولت الى سياسة كونية بدعوى مكافحة الإرهاب، وإعلان الحرب الاستباقية عليه، فوضعت قيوداً على الديمقراطية وعلى حقوق الإنسان داخل الولايات المتحدة الأمريكية وفي مجتمعات الدول الحليفة لها، كما ظهر الشكل الآخر للدعوة الديمقراطية الأمريكية خصوصا والغربية عموما من خلال الحرب العلنية على “نتائج العملية الديمقراطية” عندما كانت تفرز خصوما لتلك الدول وكان نموذجها الانتخابات الفلسطينية والتي استدعت حربا مكشوفة ضد المجلس التشريعي والحكومة المنبثقة عنه عندما أفرزت تلك الانتخابات سلطة مؤيدة لحركة حماس.
أمام هذا الواقع أعيد طرح مسألة “الخارج والداخل” على ضوء مقدمات مغايرة لتلك المطروحة في تقرير المجلس الوطني لمجلس الشعب، وهي تقوم على:
1- تحديد التنوع المطروح في موقف الخارج من مصالحنا القومية والوطنية والداخلية، منطلقين من ذات المقولة المستخدمة “الخارج ليس خصوما وأعداء فقط، وإنما نجد فيه أنصارا يتعاطفون مع قضايانا” ومنطلقين أيضا من إدراك أن هناك متغيرات دولية ففي ظلّ النظام العالمي الجديد، وسيطرة العولمة المتوحشة على مقاليد الأمور، تولّد النقيض له في عولمة انسانية تجمع أصحاب المصالح المتعارضة مع تلك العولمة المتوحشة، وكان نموذجها حركة الشعوب والمثقفين ودعاة السلام والعدل الاجتماعي على المستوى العالمي والمعروفون باسم مناهضي العولمة المتوحشة، مقابل هؤلاء الأصدقاء وبموازاتهم تركز الأعداء في قيادات النظام العالمي الجديد وحلفائه والمؤسسات التابعة له وفي مقدمة تلك المؤسسات والمنظمات الدولية مجلس الأمن الدولي الذي بات خاضعا للإرادة الأمريكية الرسمية ومنفذا لسياساتها بعد أن افتقد التوازن المحدود الذي وسم مرحلة ما قبل انفراط عقد الثنائية الدولية، وأصبحت “الشرعية الدولية” شرعية التسلط فقرارات مجلس الأمن صدرت بمحاصرة الدول والشعوب وتأييد العدوان، وهذا ما رأيناه بوضوح في القرارات الصادرة بحق ليبيا والعراق والسودان وفلسطين والتي ألغت صفة العنصرية عن الصهيونية، وفي مسألة الديمقراطية والتغيير الديمقراطي في سورية راحت الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم هذا الشعار ليس لفرض تغييرات ديمقراطية وإنما لتحقيق سياسة ابتزاز للنظام السوري في أمور السياسة الخارجية وضدّ المصالح القومية العليا.
2- لقد أقرت جميع قوى التجمع الوطني الديمقراطي سواء في البيانات الصادرة عن مؤسسات التجمع أو عن أحزابه أو عن الشخصيات القيادية فيه (باستثناء بعض قادة حزب الشعب) أن المقصود بالخارج ليس الخارج بالمطلق وإنما القوى والدول التي لها أطماع في سورية وفي مقدمتها الإدارات الأمريكية التي تحتل العراق أيضا، ولا ينصرف الى ما عداها، ومن الناحية العملية تمت اتصالات ولقاءات مع منظمات وشخصيات دولية وعالمية ومع هيئات ومنظمات وحتى مع دول وسفراء على تلك الرؤية ووفقها، إلا أن الخلاف الحقيقي جاء حول “الاستقواء بالولايات المتحدة الأمريكية” تحديدا وبالموقف من السياسة الأمريكية وانعكاساتها على مسعى التغيير الديمقراطي في سورية مع استحضار النموذج العراقي والمسار الذي مشت عليه قوى معارضة عراقية كان بعضها يتبنى شعارات يسارية وقومية، وصلت مؤخرا الى الركوب في الدبابة الأمريكية والدخول في المؤسسات التي وضعها “بريمير” الحاكم الأمريكي العسكري للعراق في ظلّ الاحتلال، ورغبة البعض بعدم التعرض للإدارة الأمريكية بدعوى أن هذا التعرض يخدم نظام الاستبداد، وكان المثالان الصارخان على ذلك:
1. الموقف من السيد كمال اللبواني الذي التقى علنا عددا من المسؤولين الأمنيين الأمريكيين وناقش معهم قضايا تتعلق بالوضع الداخلي لسورية، وهو موقف شجبته بعض قوى التجمع، بينما رأى فيه آخرون أمراً عاديا ومقبولا… ومن المفيد هنا أن الجميع طالبوا بمحاكمة عادلة له، ولكن البعض أراد الترحيب به واستقباله استقبال الأبطال… وهذا جوهر الخلاف، حيث أن المسالة لم تتوقف عند حدود حق المعارضة بالاتصال بالقوى الخارجية للتعبير عن رأيها كما تفعل المعارضات في الدول الديمقراطية بل وصل الأمر الى الاتصال بأجهزة أمنية لدولة محتلة لدولة شقيقة، وبناء على اجتهاد شخصي، وهي حالة مريبة والقطع بينها وبين التخابر مع دولة معادية غير واضح وهو يفتح الطريق لكل من هبّ ودبّ ليقوم بمثل تلك الاتصالات ويحاور الأجهزة الأمنية واستخبارات العدو بدعوى حق الاتصال بالخارج، ونحن هنا لا نوجه الاتهام لأحد ولكنّا نتحدث عن التخوم والفواصل في المواقف.
2. مسألة زيارة السفارة الأمريكية، وتقديم التهاني لممثل الإدارة الأمريكية بالعيد الوطني في الوقت الذي تقوم فيه هذه الإدارة بارتكاب أشنع الجرائم في دولة العراق الشقيق، وهي الزيارة التي قام بها عدد من قادة إعلان دمشق وبعضهم أعضاء في التجمع الوطني الديمقراطي، وبسبب تلك الزيارة سجل حزب الاتحاد الاشتراكي اعتراضه خطيا ونشره علنا.
ولم يكن هذان المثالان إلا نماذج عن سلسلة مواقف بدأت تحديدا مع الاحتلال الامركي للعراق والخلاف حول إدانته ودعم مقاومته المسلحة، وصولا الى الموقف من العدوان الصهيوني المدعوم أمريكيا على لبنان صيف عام 2006، وليس انتهاءاً بالترحيب بالتحية المرسلة من بوش لنساء ورجال إعلان دمشق.
إن التوصيف النهائي للخلاف هو فعلا بين موقفين:
الأول: يجد في الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها عدوا بسبب سياساتها تجاه القضية الفلسطينية وانحيازها الدائم لإسرائيل وبسبب أطماعها في الوطن العربي واحتلالها للعراق، ولكونها معادية لمصالح الشعوب، وهو ينظر الى الخارج ليس باعتباره خصوما وأعداء فقط، وإنما فيه أصدقاء يتعاطفون مع قضايانا القومية والوطنية لدوافع انسانية ولمصالح مشتركة وهو متمثل بقوى مناهضة العولمة وبعدد محدود من المنظمات الإنسانية وبالدول التي تتعرض مثلنا للاحتلال والضغط والهيمنة الأمريكية.
والثاني: لا يجد خلاصا من الأنظمة الاستبدادية المتسلطة إلا بالاستعانة بالخارج القادر وحده على التغيير – كما يعتقد هؤلاء – حتى ولو كان التغيير لصالح استبداد آخر يترافق فيه الاستبداد مع تمزيق الوطن ومع الاحتلال.
وأخيرا: أن الخلاف بين هذين الموقفين ينبع من قراءة مختلفة للمتغيرات وكيفية التعاطي معها، قراءة تستسلم للمتغيرات وتكيف نفسها معها، وقراءة أخرى تستوعب المتغيرات وتعمل على تغييرها والتصدي لها، وهي قراءة ليس ناتجة عن خوف من النظام أو ضعف في إرادة مواجهته، ولا جمودا فكريا ولا نفسيا، وإنما هي ناتجة من خوف على الوطن ذاته وعلى المصالح الوطنية والقومية وعن إدراك لمغزى ومسار ما جرى ويجري في العراق.
رجاء الناصر: الأفواه والحجر على العقول والسعي نحو «النصر» ولو على دمار «المنتصرين» البؤساء، لما كن
ا لا نزال نعيش على هامش الزمن الماضي.
حال المعارضة السورية وأزمة التجمع الوطني الديمقراطي… ومسألة القواسم المشتركة
يقدم تقرير المجلس الوطني لحزب الشعب ملاحظاته على التجمع الوطني الديمقراطي من خلال استعراضه لحال المعارضة السورية بشكل موجز مستندا إلى أن هناك تفصيلات جرى عرضها في تقرير سابق للجنة المركزية ويرى أن أهم تلك الملاحظات هي:
1- [لم يستطع التجمع حتى الآن أن يكون موضع استقطاب للمعارضة السورية] ويرى أن ذلك يعود إلى:
أ. [عجزه حتى الآن عن طرح برنامج سياسي، يطوّر وثيقته التأسيسية الصادرة عام 1980].
ب. [عدم مراجعته لتجربته الطويلة التي تتطلب إعادة النظر في العديد من طروحاته الفكرية والاجتماعية والسياسية على ضوء المتغيرات الداخلية والخارجية..].
ت. [التردد حين معالجة المواقف السياسية تجاه النظام، فيكتفي بالنقد الخفيف…]
ث. [يعوض عن مواقفه الضعيفة بالتركز على الأوضاع الخارجية، يجعلها في المقام الأول متغاضيا عن الدور السلبي للنظام تجاهلها].
2- انتاب بعض قوى التجمع بعد إعلان دمشق قلق من [تراجع دوره في الحياة السياسية].
3- وجود رغبة لدى البعض [بجعل دور التجمع دورا قائدا “للإعلان” وإبقائه أسيرا له].
ويختم هذه الملاحظات بالدعوة إلى حوار معمق تطرح فيه القواسم المشتركة من جديد بغرض الوصول إلى قواسم مشتركة أن أمكن، أو ترك الحرية لهذا الحزب أو ذاك ليعبّر عن وجهة نظره الخاصة بالوسائل التي يراها مناسبة.
بعد هذا العرض المفصل لما ورد في تقرير المجلس الوطني لحزب الشعب الديمقراطي السوري حول حال المعارضة السورية بما يتعلق بالتجمع الوطني الديمقراطي نجد لزاما أن نتوقف عند المسائل التالية:
أولا: من المعروف أن التجمع الوطني الديمقراطي هدف إلى تجميع القوى القومية واليسارية، ولم يتوجه نحو باقي التيارات السياسية، دون أن يضع نفسه خصما لها أو منافسا بالضرورة مرتكزا على أهمية التغيير الوطني الديمقراطي، وإقامة نظام ديمقراطي يستند – كما ورد في ميثاقه – على:
1- دستور ديمقراطي تقرره هيئة منتخبة من الشعب ينص على الانتماء القومي وما يفرزه من التزام بقضايا التحرر العربي وبهدف الوحدة ويؤكد على مبدأ سيادة الشعب فوق كل سيادة.. ويؤكد مبادئ الحرية السياسية وحقوق الإنسان ويضمن فصل السلطات وخضوع السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية المنتخبة دوريا واستقلال القضاء ومساواة المواطنين أمام قوانين ديمقراطية وعدم التمييز بينهم في الحقوق أو الواجبات بسبب العرق أو الدين أو اللغة أو الطائفة أو الانتماء السياسي ويكفل حرية المرأة ومساواتها بالرجل….
2- الحريات العامة….
3- جيش وطني مهمته الرئيسية حماية السيادة الوطنية، واستعادة الأراضي المحتلة….
4- حكم محلي يتمتع بسلطات فعلية….
5- رقابة شعبية….
6- إلغاء المحاكم الاستثنائية….
7- إطلاق حرية المعتقلين السياسيين وإنصافهم وقطع دابر التوقيف الكيفي….
8- منع تجسس الأجهزة ضد المواطنين، وإنهاء عهد دولة المخابرات….
9- إعادة بناء الاقتصاد الوطني…. وتحدثت هذه الفقرة عن إعادة بناء القطاع العام وإخضاعه للرقابة الشعبية…. ورفع المستوى المعاشي للشعب…. والاهتمام الجدي بالزراعة…. وتشجيع مبادرات الرأسمال الوطني…. وضع سياسة مالية متوازنة…. تحسين أجور العمال والموظفين ومنع ارتفاع الأسعار…. وضع تشريع ضريبي تصاعدي…. مكافحة الثراء غير المشروع…. تحديث التعليم وتأمين خدمات الصحة والسكن والمواصلات…. إقامة إعلام يلتزم قول الحقيقة…. العمل على محو الأمية….
10- اعتماد سياسة عربية عامة تقوم على أولوية الوحدة وتشجع التقارب بين الأقطار العربية…. وتوطيد الصلات بين القوى القومية والشعبية العربية….
11- إنتاج سياسة دفاعية تجاه العدو الصهيوني ترفض مشاريع ومناورات التسوية الاستسلامية وتتصدى لإحباطها….
12- العمل بكل الوسائل لمساندة صمود الشعب العربي الفلسطيني ونضاله….
13- إنتاج سياسة خارجية تقوم على عدم الانحياز ومكافحة الاستعمار والامبريالية….
ثانيا: ومن المعروف أيضا أن الميثاق هو الذي يحدد أسس التحالف، وعندما يرى فريق أن هذا الميثاق لم يعد يمثل أهدافه فأمامه إحدى سبيلين:
الأولى: العمل على تطويره من خلال الحوار والتوافق مع الآخرين على قواعد هذا التطوير وصياغاته.
الثانية: الخروج من التحالف الذي أقيم عليه ذلك التوافق.
ويخرج بالقطع عن هذين السبيلين مسعى تجميد أو تدمير هذا التحالف مالم يضع هذا الفريق الفريق الآخر ضمن التحالف في خانة العدو الذي يستهدف تدميره.
ثالثا: ما هي حقيقة الأزمة في التجمع الوطني الديمقراطي….
1- من المؤكد انه طوال العقدين الأخيرين من القرن الماضي كان التجمع الوطني الديمقراطي… يعود النضال الوطني الديمقراطي في سورية (إلى جانب أحزاب أخرى أضحت بالنتيجة ضمن التجمع أو أحزابه، واقصد بها حزب العمل الشيوعي، والتنظيم الشعب الناصري).
2- لقد واجه التجمع حملة أمنية عاتية، كما واجه المجتمع السوري كله أثار تلك الحملة والتي نتج عنها ابتعاد الشعب السوري عن السياسة وانكفائه عن العمل السياسي بسبب الضريبة العالية التكاليف لأي نشاط معارض.. ومع ذلك استمر “التجمع” يمارس نشاطه، ولو في الحدود الدنيا.. ومعه الأحزاب التي انضوت فيه فيما بعد في ممارسة الحضور السياسي عبر البيانات والمواقف السياسية وعبر حضور شعبي في بعض المناسبات مثل “حرب عاصفة الصحراء ومشاركة سورية فيها إلى جانب التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية.
3- سعى التجمع لتوحيد قواه عبر إطلاق صيغة ائتلافية جديدة (أعلى من جبهة واقل من حزب) وكانت له نشرة موحدة بعد أن قرر توقيف النشر الخاص للأحزاب لصالح النشرة الموحدة لمنع ظهور تباينات بين أطرافه على أسس حزبية.
4- قاد التجمع الدعوة للخروج من اطر العمل السري لصالح العمل العلني وتعزيز الديمقراطية في صفوفه.
5- ظهر التباين الرئيسي مع خروج رياض الترك من المعتقل، والذي رأى أن الأولوية هي استعادة خصوصية حزبه على حساب العمل الجماعي، ورأى أن الكوادر القيادية في حزبه والتي قادت المرحلة الطويلة خلال فترة الملاحقات والاعتقالات قد أضحت تجمعية الولاء أكثر مما هي حزبية.. فعمل على إبطال مشاريع تطوير وثائق التجمع التي كان قد جرى إعدادها من قبل القيادة التي وقف على رأسها الدكتور جمال الاتاسي الأمين العام للتجمع… وتعزز هذا التباين مع وفاة الدكتور جمال الاتاسي… ورفض تسمية خلفيته كأمين عام والاكتفاء بصفة الناطق الرسمي، وصولا إلى تمسكه بأن التجمع هو صيغة جبهوية وليس أعلى من جبهة واقل من حزب واحد.
6- أن التباين المطروح تجاوز المسالة التنظيمية إلى قراءة مختلفة للتطورات الدولية والمحلية وخصوصا حول مسائل الاقتصاد والوحدة العربية، والموقف من “الخارج” ويمكن لمس هذا بوضوح عبر التقرير السياسي للمجلس الوطني لحزب الشعب السوري، وهو التسمية الجديدة للحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي، هذه التسمية التي تختصر التحولات التي طرأت على الحزب المذكور ونتوقف عند بعض الأمثلة:
أ. أن التقرير السياسي يحدد الغايات النهائية في المسألة القومية بـ[البحث عن التقارب بين المجتمعات العربية، التي فرقها حكامها، كخطوة أولى لتحقيق التقارب بين البلدان العربية، وإزالة الحساسيات فيما بينها، بل ومحاربة نزعة العداء التي تنامت بين بعضها البعض].
ب. أن التقرير قد اغفل نهائيا ذكر المقاومة كأداة للتحرير والاستقلال الوطني وأخرجها حتى من العرض للمشهد السياسي العربي وتأثيراته على سورية.
ت. أن التقرير تبنى بشكل كامل الرؤية الأمريكية للتطورات في لبنان والعراق وفلسطين، بعيدا عن المواقف المتوازنة الصادرة عن قيادة التجمع الوطني الديمقراطي والتي رفضت الانحياز لأي فريق داخلي على حساب الوحدة الوطنية والتحرير.
ث. قراءته للتحركات الدولية الأخيرة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بان الاتجاه العام يميل أكثر فأكثر نحو العمل السياسي والدبلوماسي لمعالجة قضايا العراق والمنطقة بما فيها تسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وهو تحديد يتجاهل:
1- الحملة العسكرية المستمرة ضد قوى المقاومة في العراق.
2- الدعم المطلق للحملة العسكرية الصهيونية ضد أهلنا في فلسطين.
3- عن العلاقة بين الداخل والخارج فيمكن قراءة ساحة الخلاف في الجزء السابق من هذه القراءة… أما المسألة الاقتصادية فقد غابت بشكل ملحوظ تعابير العدالة الاجتماعية، وضمانات حماية الطبقات الفقيرة والمستغلة، من أدبيات حزب الشعب الديمقراطي، وراحت بدلا منها تعابير الاقتصاد الرأسمالي الليبرالي مع بعض التوشيحات الاجتماعية البسيطة.
7- المسألة الرئيسية انه لم تظهر أية اختلافات أو قراءات متباينة حول مطلب التغيير الديمقراطي ولا حول أولويته، لا بين أطراف التجمع ولا في وثائقه وبياناته، ويمكن مراجعة كل ما ورد في المطالب المرفوعة في هذا الشأن بين حزب التجمع وبين البرنامج السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، وبين بيانات التجمع ووثائقه.
8- إلا أن هذا التوافق لم يلغ الاختلاف على الرهان على سقوط سريع للنظام السوري تحت “الضغط الأمريكي” فقد راهن البعض من خارج التجمع وداخله على انهيار سريع للنظام السوري، تحت ضغط المحكمة الدولية في مقتل الحريري، ورؤوا أن هذا السقوط سيتم خلال أسابيع أو أشهر معدودة، وانه يجب استثماره، بينما رأت أطراف أخرى أن قراءة الأحداث ومسارها لا تسير بهذا الاتجاه، وأن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل فقط على ابتزاز النظام السوري لتقديم تنازلات في سياساته الإقليمية، وهذا ما حدث فعلا، فالنظام السوري لم يسقط رغم مرور أكثر من سنتين على تلك الرهانات، ناهيك على أن سقوطه المفترض بأدوات خارجية لن يصبّ بالضرورة لصالح التغيير الوطني الديمقراطي، وخصوصا أن التجربة العراقية وحتى اللبنانية ماثلتان أمامنا، فلا يمكن وصف النظام الراهن في العراق انه نظام ديمقراطي ولا انه بنى دولة وطنية حديثة، وبدل الرهان على الضغط الخارجي يجب تعزيز النضال الوطني، وتقوية حركة المعارضة الديمقراطية، والانغراس أكثر في محيطها الشعبي بدل الافتراق الذي ينجم عن رهانات خارجية.
9- وبالعودة إلى ملاحظات التقرير الصادر عن المجلس الوطني لحزب الشعب السوري يجب التوقف عند القضايا التالية:
أ. عمل التجمع الوطني الديمقراطي على طرح برامج سياسية لتطوير وثيقته الرئيسية، فاصدر مشروعا تحت عنوان (البرنامج السياسي للتجمع الوطني الديمقراطي) في عام 1996، وكان مطرح حوار موسع بين أطرافه وأصدقائه، واصدر عام 2001 الوثيقة البرنامجية والتي تم التوافق عليها بين جميع أطرافه، والتي عمل السيد رياض الترك فيما بعد على تجميدها بحجة انها لم تصدر عن مؤتمر عام رغم تصديقها من جميع أحزاب التجمع وشارك في صياغتها أعلى مسؤول في الحزب الشيوعي – المكتب السياسي آنذاك، واعتقد انها حملت الكثير من التوافقات والقراءات الجيدة وخصوصا في المسالة الاقتصادية والاجتماعية مع الحفاظ على مبدأ العدل الاجتماعي والانحياز إلى الفئات المستغلة، ومنذ ذلك التاريخ يجري عرقلة عقد مؤتمر عام للتجمع من قبل الحزب المذكور رغم تشكيل العديد من اللجان وتقديم الكثير من المشاريع لأسباب مختلفة.
ب. أما بالنسبة للمواقف السياسية من النظام لا احسب أن هناك أي تردد على الإطلاق سواء في توصيف النظام أو الموقف من سياساته الداخلية منها أو الخارجية، وهذا ما تعبّر عنه جميع بياناته وبيانات القوى المشاركة فيه، ولكن حدث بعض الخلاف حول إطلاق بعض العبارات (غير السياسية والشخصية) وفي هذا الشأن لا تعبر الكلمات القاسية عن مواقف حازمة والعكس صحيح، وفي السياسة المهم المواقف الحازمة والواضحة، كما انه من المهم جدا فهم موازين القوى في إدارة أي صراع والعمل على تحقيق الأهداف وفق تسلسل تدريجي، وليس من المفيد التوقف عند عبارات عامة دون وضوح الطريق إليها، واعتقد أن الحديث عن تغيير ديمقراطي سلمي وتدريجي المتوافق عليها بين جميع القوى داخل التجمع وخارجه يستوجب طرح شعارات متلائمة مع هذه السياسة، وهذا لا يعني ترددا أو نقدا خفيفا.
ت. أما موضوع المسالة الخارجية فهي ليست تعويضا عن مواقف ضعيفة، وإنما هي جزء من النضال الوطني الديمقراطي، وجزء من مواجهة المخاطر التي تحيط بسورية وأمتها العربية وعلى العكس تماما فان التنصل من تلك المواجهة يخدم استمرار الاستبداد من جهة بتصويره صاحب القضية الوطنية بمواجهة “المطلب الديمقراطي” ويخدم التحالف (الأمريكي – الصهيوني) وبالتالي الإجهاز على مستقبل النضال الديمقراطي وتحويله إلى مجرد استبدال النظام الراهن بنظام آخر يحمل مواصفاته وربما يزيد عليها، ومن المهم أن نصحح للتقرير وواضعيه أن التجمع ومعه أحزابه اهتم بشكل مستمر بكشف الدور السلبي للنظام تجاه المخاطر الخارجية، فانتقد سياسات النظام تجاه الاعتراف بالحكومة العميلة للاحتلال في العراق وبمصافحة الرئيس الصهيوني، وبحضور مؤتمر انابوليس وبالسعي لعقد صفقات مع إدارة أمريكية على حساب المصالح القومية العليا، وبطرح إمكانية التفاوض مع العدو الصهيوني دون شروط مسبقة، وبعدم دعم مسألة الكفاح المسلح كأحد خيارات تحرير الجولان وليس صحيحا انه تغاضى عن الدور السلبي للنظام… إلا أن اتجاه النقد اختلف مع الزاوية التي أرادها البعض والتي تصب في اتجاه معاكس.
10- يبقى السؤال لماذا تراجع الدور السياسي للتجمع داخل الإعلان وخارجه، واحسب هنا أن السبب يعود إلى:
أ. محاولة بعض قادة حزب الشعب الهجوم المستمر على التجمع ورموزه داخل مؤسسات الإعلان وخارجه، واعتبارهم “انه يجب دفن التجمع بعد صدور الإعلان“.
ب. رغبة قوى التجمع بإعطاء الإعلان زخما سياسيا من خلال تركيز جهودهم على الإعلان على حساب التجمع.
ت. الحملة الإعلامية الخارجية الهادفة إلى تعليه الإعلان بسبب وجود التيار الليبرالي فيه على حساب التجمع الذي يضم قوى قومية ويسارية لا رصيد لها لدى من يملك الوسائل الإعلامية الكبرى، التي سعت لتلميع نماذج ترى انها أكثر قربا منها.
ومع ذلك ففي المجال العملي بقي “التجمع” القوة الأساسية في الحراك الشعبي والعملي، فهو الذي قاد معظم التحركات الشعبية والمنتديات الثقافية.
أما مقولة الحزب القائد الذي أراد التجمع ممارسته في الإعلان فهو غير صحيح على الإطلاق وإلا ما كانت هذه هي مسيرة الإعلان، فقد قبل التجمع أن يكون طرفا من أطراف الإعلان إلى جانب باقي الأطراف التي تمثلت حينها بـ(المستقلين وإحياء المجتمع المدني) و(الأحزاب الكردية الآشورية) و(التجمع الوطني الديمقراطي) وقبل أن يقتصر تمثيله في مكتب الأمانة العامة بثلاثة أعضاء رغم انه يمثل خمسة أحزاب بينها أحزاب عريقة، بحيث يكون له اقل من ممثل لكل حزب فيه، بينما مثلت “أحزاب وهمية” بعضو، ومثل المستقلون الليبراليون بحشد من الأعضاء.
أن التجمع يدرك أن القيادة هي دور، وليست مجرد موقع، وهو لا يريد أن يحتكر القيادة ولكنه يرفض أن يكون مجرد تابع، وان العلاقات في الإعلان يجب أن تقوم على مبدأ الشراكة، والاحترام المتبادل.
وأخيرا: تبقى الدعوة إلى حوار معمق داخل التجمع أكثر من ضرورة، لكن لأي حوار قواعد وأهداف يجب أن تكون واضحة للمتحاورين:
1- أن الحوار يجب أن يستند إلى البحث عن مشتركات وتوافقات جديدة بين المتحاورين.
2- انه يستند أساسا إلى توافقات سابقة لتكون مرجعية حين الخلاف وليس قبله ممثلة بالميثاق الذي تأسس عليه عام 1979 والوثيقة البرنامجية التي أقرت من أحزابه عام 2001.
3- أن يقوم على أن الحقيقة ليست ملكا لطرف، فالحقيقة نسبية ويمكن أن يراها كل طرف من منظور مختلف.
4- انه في حال عدم التوافق يبقى للفريق المختلف مع الثوابت والمنطلقات التي قام عليها ميثاق التجمع الأساسي حق الخروج بدلا من “تعطيل التجمع” لان التعطيل لا يخدم قضية التغيير الوطني الديمقراطي التي يطرحها الجميع عنوانا لهم، وإنما يعزز من ممكنات الاختلاف والصراع… ويضعف من امكانات التلاقي على قواسم أخرى خارج التجمع.
حال المعارضة السورية.. إعلان دمشق
يرى تقرير المجلس الوطني لحزب الشعب السوري أن أبرز الملاحظات على إعلان دمشق هي:
1- [أن وثيقة الإعلان حصرت بالدرجة الأولى مواقف الموقعين عليها بالشأن السوري.. وخلصت إلى نتيجة مؤداها الدعوة إلى القطع مع النظام والنضال من اجل إقامة النظام الوطني الديمقراطي].
2- [لأول مرة في ظلّ هذا العهد تتلاقى اغلب تيارات مجتمعنا…. وبهذا المعنى أضحى صعبا على البعض الرهان على الحوار مع السلطة].
3- [التطورات اللاحقة جعلت الإعلان يراوح في مكانه بسبب محاولات بعض قوى التجمع لتعديل مواقفه استنادا إلى التوضيحات التي صدرت بعد الإعلان، دون أن يطلع عليه العديد من القوى بما فيها لجنتنا المركزية].
4- [ومن المسائل التي يمكن أن تلعب دورا سلبيا بإضعافه من داخله ظهور تباينات عديدة كمسألة الإقرار بتمزق النسيج المجتمعي والاحتقان الناجم عنه].
5- [مسألة علاقة الداخل بالخارج والتحسس من المشاركة الكردية….].
6- [الموقف من الإخوان المسلمين والنظر إليهم بارتياب… من قبل أصحاب الاتجاه القومي…. متعللين بأحداث السبعينيات والثمانينات، ومتجاهلين التطورات التي استجدت عليهم ومتنكرين لحقهم الديمقراطي بالوجود كتنظيم سياسي].
7- انتقال انكماش الحالة الشعبية بسبب الضغط الأمني [إلى بعض ممثلي القوى في الإعلان…] واتخاذها [مواقف زئبقية تحت شتى المسميات، فأخذت “تلين” مواقعها].
أن هذه الملاحظات جديرة بالاهتمام وخصوصا انها ترجمت إلى مواقف عملية بعد أقل من شهرين من صدور التقرير أدت إلى تنافر في جلسة المجلس الوطني لإعلان دمشق، ومن ثم إلى إعلان بعض قوى الإعلان تجميد نشاطها في الإعلان… ومن جهة أخرى أقدمت الأجهزة الأمنية إلى شن حملة اعتقالات ويمكن تسجيل الملاحات التالية:
أولا: وثيقة الإعلان:
على الرغم من وجود توافق على فكرة الائتلاف العريض لقوى المعارضة إلا انه لم يتم التوافق على “صيغة الإعلان ومضامينها” ولم تعرض أساسا على المؤسسات الحزبية على الأقل بالنسبة للتيارين القومي واليساري تحت دعوى المحافظة على السرية من جهة وعلى ضرورة الاستعجال من جهة أخرى، وتم التوقيع عليها من القيادة المركزية للتجمع الوطني الديمقراطي رغم انها غير مخولة إصدار هكذا وثيقة دون عرضها على الأحزاب المنضوية في التجمع، وجرى توقيعها على طريقة توقيع “عقود الإذعان”، وتبين فيما بعد أن هذا الأسلوب لم يطبق على بعض الأطراف التي اعتبرت نفسها “مطبخ الإعلان” وتحديدا حزب الشعب السوري، وتجمع لجان إحياء المجتمع المدني وبعض المستقلين الليبراليين، وبات مؤكدا فيما بعد انه ما كان من الممكن توقيع تلك الوثيقة لو انها عرضت على القوى والأحزاب القومية واليسارية… نظرا لتضمنها مسائل تعتبر مخالفة لمبادئ تلك القوى، ولا يمكن النظر إليها كمشتركات.. ويمكن التوقف عند ثلاث مسائل:
أولهما: أن الحديث عن أن الوثيقة حصرت نفسها بالشأن السوري ليس صحيحا أو دقيقا، إذ لا يمكن عزل سورية عن محيطها لأسباب مختلفة فهي جزء من أمة عربية، وهي جزء من منطقة تتعرض لمخاطر مشتركة، وما يجري في محيطها يؤثر عليها بشكل مباشر… وبهذا المعنى فهي بمحاولتها حصر نفسها، إنما تكون قد أهملت الكثير مما يرتبط بالشأن السوري ذاته.
ثانيهما: انها تطرقت إلى الهوية الوطنية لسورية، ورأت انها جزء من منظومة عربية، على غرار منظومة الدول الناطقة بالانكليزية أو الفرنسية كما توحي هذه العبارة.
ثالثهما: انها أخرجت الحامل الاجتماعي والاقتصادي من معادلة بناء التغيير الديمقراطي، بعدم الحديث عن القوى الاجتماعية صاحبة التغيير الديمقراطي.
وتبقى مسألة القطع مع النظام التي جرى الحديث عنها في أكثر من فقرة بصيغ مختلفة مثل [أضحى صعبا على البعض الرهان على حوار مع السلطة] ولعل تقرير حزب الشعب يتجاهل انه في العمل السياسي لا يتم قطع الحوار حتى بين الدول المتحاربة فالتفاوض يبقى مطروحا بين الفرقاء المتخالفين والمتصارعين… والخلاف لا يجوز أن يكون على الحوار… ولكن يمكن أن يكون حول الأهداف المرجوة من الحوار… وقواعده… وأساليبه… فإذا كان الحوار من اجل تحقيق الضغط للوصول إلى التغيير الديمقراطي السلمي والتدرجي… ويقوم على قواعد الندية، ويحمل مطالب المعارضة وتوجهاتها ويتم بالتوافق فيما بين قواها وليس من وراء ظهرها… فلا احسب أن أحدا يريد القطع معه وهذا ما تم التوافق عليه أكثر من مرة في الغرف المغلقة… حتى في قيادة التجمع الوطني الديمقراطي.. ويبقى التساؤل هل يقبل البعض الحوار مع العدو الأمريكي والمبادرة العربية ومؤتمر انابوليس ومدريد وغيرها ويرفض فكرة الحوار مع الداخل..
أن عدم القطع مع مبدأ الحوار لا يعني بالضرورة.. وهو لا يعني الرهان على الحوار مع السلطة، ولم يكن يعني بالأساس لنا سابقا ذلك.. فالرهان الوحيد هو على الشعب وعلى قدرته على فرض مطلب التغيير السلمي… ودفع جميع القوى للتعاون تحت هذا الضغط لانجاز التغيير الديمقراطي المطلوب.
ثانيا: وثيقة الإيضاحات:
أمام الاعتراض الشديد على نص وثيقة الإعلان من قبل بعض القوى المؤسسة، وأخرى التحقت بالإعلان فيما بعد مع تقديمها لملاحظات جوهرية، كان المعترضون على بعض مضامين وصياغات الوثيقة أمام خيارين أما إعلان رفضهم لوثيقة الإعلان بشكل صريح، وتوجيه موقف حاسم للإعلان في لحظة ولادته، أو العمل على تصحيح الوثيقة… فكان خيارهم الثاني، فطرحت الملاحظات النقدية علنا وليست في السر كما جرى مع الوثيقة التأسيسية، وجرى حوار معمق حولها داخل التجمع الوطني الديمقراطي الذي توافق عليها جميع ممثلي أحزابه، ولا يملك احد أن يدعي انه لم يطلع على تلك الإيضاحات لأنها نشرت بمضامينها في وسائل الإعلام باعتبارها ملاحظات على الإعلان وجرى تشكيل أكثر من لجنة صياغة إلى أن قدمت بصيغتها النهائية وجرى التوقيع عليها من قبل ذات الأشخاص والقوى التي وقعت على وثيقة الإعلان، فأضحت وثيقة أساسية معدّلة للوثيقة الأولى….
ويمكن أن نلاحظ أن الإيضاحات تضمنت المسائل التالية:
1- أن سورية جزء عضوي من الأمة العربية.
2- أن سورية تتعرض لمخاطر خارجية تتمثل أساسا في مشاريع الهيمنة والسيطرة الأمريكية والصهيونية على المنطقة….
3- أن مفاهيمنا بعيدة كل البعد عن المفاهيم المتخلفة للعصبيات ما قبل وطنية.
4- التطرق إلى مطلب العدالة الاجتماعية.
ولكن جاءت المفاجئة من حزب الشعب العضو في التجمع الوطني الديمقراطي الذي شنّ حملة على التوضيحات ودفع آخرين للتماشي معه بعد أن اظهر انقساما واضحا في مواقف التجمع الوطني الديمقراطي ارتكز إليه آخرون، ومع ذلك ومع هذه الهجمة على الإيضاحات يبرز التساؤل… لماذا يقود حزب الشعب الحملة على الإيضاحات التي وافقت عليها جميع القوى الموقعة على الإعلان الأصلي؟ هل لأنها قالت أن سورية جزء عضوي من أمتها العربية….؟ وهل يرى انها غير ذلك…؟ ألم يكن انقسامه عن الحزب الشيوعي البكداشي على هذه القاعدة؟… أم هو يعترض على ذكر المخاطر الخارجية التي تتعرض لها سورية..؟ أليست هي مخاطر حقيقية بعيدا عن أولويتها بالنسبة لحزب الشعب….؟ أم يعترض على إدانة المفاهيم المتخلفة للعصبيات ما قبل الوطنية؟… أي الانقسامات الطائفية والمذهبية والعشائرية والجبهوية الخ… أم انه يرفض حتى ذكر مطلب العدالة الاجتماعية؟!….
قد نفهم انها ليست أولوية بالنسبة لحزب الشعب ولكن هناك مانع من ذكر ما هو غير أولوي إلى جانب ما هو أولوي؟… اعتقد أن رفض هذه الإيضاحات والوقوف بقوة ضدها ليس سوى تفسير واحد هو توجيه رسالة “للخارج” تبرز “حسن نوايا” وهو ما يضع زيارة السفارة الأمريكية وقبول التحية من بوش في سياق طبيعي وكان بالحري أن يعبر أصحاب التقرير عن موقفهم هذا بوضوح…
ثالثا: وإذا كنا قد تطرقنا إلى مسألة الموقف من الخارج في الحلقة الأولى فإننا سنركز على مسألتين: الموقف من الإخوان المسلمين، والقضية الكردية.
1- الموقف من الإخوان المسلمين: عندما طرح الإخوان المسلمون “ميثاق الشرف” رحب التجمع بهذه الخطوة نظرا لأنه رأى فيه خطوة متقدمة على طريق الفهم الديمقراطي، إلا انه مع ترحيبه بهذه الخطوة وإلى جانبها سجل المواقف التالية:
أ. إدانته للقانون 49 الذي يحكم بالإعدام على كل منتم للإخوان المسلمين باعتباره قانونا جائرا ويخالف الدستور وشرعة حقوق الإنسان.
ب. دعوته للسماح بعودة المبعدين من جماعات الإخوان والسماح لهم بالنشاط السياسي.
ت. رؤيته لضرورة قيامهم بنقد جريء لممارستهم في المرحلة السابقة.
ث. رفضه للحوار الرسمي معهم في تلك المرحلة لأسباب سياسية وأمنية.
وتكرر هذا الموقف مع اللقاء الذي تم بين قيادات من الإخوان ومن لجان إحياء المجتمع المدني، وطلب الإخوان الحوار والتنسيق مع التجمع.
إلا انه ومع صدور إعلان دمشق، وطلبهم الانضمام للإعلان لم يكن هناك من أي طرف اعتراضا جديا على هذا الانضمام… رغم تلقي البعض هذا الموقف بحذر شديد نظرا لعدم الوضوح العقائدي (الفقهي) للإخوان من مسائل الديمقراطية وغيرها، وكان قد سبق هذا إغلاق منتدى جمال الاتاسي بسبب معلن هو تلاوة بيان لجماعة الإخوان المسلمين من منبر المنتدى.
إلا أن إعلان الإخوان المسلمين انضمامهم إلى تحالف خدام وإقامة جبهة الخلاص الوطني أدى بالفعل إلى بعث خلاف حول استمرارهم في الإعلان، وخصوصا مع الرسالة التي وجهها السيد بيانوني بصفته أمين سر جبهة الخلاص.. إلى قيادة الإعلان للتحاور والتنسيق بين الطرفين مما بات واضحا أن الإخوان المسلمين قد انتقلوا إلى جبهة الخلاص… وما إعلانهم عن الاستمرار في “الإعلان” إلا تعبيرا عن مجاملة أو محاولة لتجسير العلاقة بين جبهة الخلاص وائتلاف الإعلان، وتركز النقد على مسألتين:
الأولى: التحالف مع احد رموز الفساد في سورية مما يضعف من منطق محاربة الفساد.
الثانية: انتقالهم السريع إلى جبهة أخرى حتى بدون استشارة حلفائهم في الإعلان… وهو ما اضعف المصداقية بمواقفهم السياسية، وهو أيضا استحضر تحالف الإخوان المسلمين في العراق مع نظام الاحتلال…
ومع ذلك لم ينكر احد على الإطلاق حق الإخوان أو غيرهم في العمل السياسي واستمرت المطالبة بإلغاء القانون 49 مع إقرار بأن المعارضة لا تقتصر على إعلان دمشق، بل يمكن أن تكون هناك معارضات مختلفة ببرامج متباينة، وبالتالي يبقى من المستغرب الحديث عن وجود من يرفض حقهم الديمقراطي بالوجود كتنظيم سياسي!..
2- أما عن المسالة الكردية: فأحسب أن الخلاف لم يكن في أي وقت من الأوقات على تساويهم مع باقي المواطنين في الحقوق والواجبات وإلغاء المظالم الواقعة عليهم، ولا عن منح التجنيس لمستحقيه منهم، ولا منحهم الحقوق الثقافية… جوهر الخلاف هو على طبيعة الدولة المنشودة هل هي دولة وطنية جزء من الوطن العربي، أم هي دولة متعددة القوميات؟!! وأن “الحقوق القومية” تصل إلى حدّ إقامة دولة اتحادية؟ تعزز من الانقسام الاثني؟….
أن تصوير الخلاف بغير ذلك، واعتبار أن هناك تحسسا من المشاركة الكردية غير صحيح على الإطلاق ويتجاهل التقرير الصلات بين التجمع وبين الأحزاب الكردية التي كانت قائمة قبل إعلان دمشق، كما يتجاهل الحوار الطويل الممتد منذ سنوات طويلة بين القوى الكردية وبين حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي.
وأخيرا: أن حصول انكماش في الحالة الشعبية المتعاطفة مع الإعلان يجب دراسته بعمق يتجاوز مجرد القول انه نتيجة المناخ المتشدد للسلطة، رغم أهمية هذا السبب والذي يجب أخذه بالحسبان ونحن ندعو للعودة إلى الحالة الشعبية باعتبارها حاضن الإعلان، فلا نحمّلها أكثر مما تستطيع وخصوصا أننا دعاة تغيير متدرج… ولنتساءل أليس في خطابنا في بعض الأحيان أو في ممارسات بعض قادة الإعلان ما ساعد على هذا الانكماش؟… وهو ما يتطلب منا مراجعة لتلك المواقف والخطاب… وخصوصا أن القضية الوطنية القومية تحظى باهتمام شديد ومحّق لدى شارعنا المتعاطف مع إخوانه في العراق وفلسطين ولبنان… وهو تعاطف على المستوى الشعبي يزيد عن التعاطف مع المسألة الديمقراطية ذاتها في بعض الأحيان ولنتساءل أيضا عن غياب الخطاب المعاشي والاجتماعي وتجاهل تلك المطالب إرضاءً للتيار الليبرالي أو حتى ربما للخارج… أليس هذا ما يسبب الانكماش أيضا؟….
أن المسألة ليست مسألة تليين مواقف أو تشديدها، بل هي ملائمة الخطاب للجمهور الموجه إليه بالأساس، واعتقد انه من الخطأ الشديد القول أن هناك من ليّن مواقفه، ولكن هناك من حاول أن يقرأ الواقع ورهانه على الحامل الشعبي وحده، وهناك أيضا من اغفل هذا الحامل وراح يبحث عن رهانات وتوجيه رسائل في اتجاهات مغايرة… فإذا به يتفاجأ بانكماش الحالة الشعبية المتعاطفة مع الإعلان!!!.
خاص – صفحات سورية –