هل يجب مقاومة العولمة؟
سوزان جورج وإيلي كوهين *
في الذكرى العاشرة لتأسيس جمعية «أتاك» (جمعيّة لفرض الضريبة على المبادلات التجاريّة من أجل المساعدة للمواطنين)، نظّمت مجلة «لو نوفل أوبسرفاتور» الفرنسيّة في عددها لشهر حزيران، مواجهة بين كلّ من مؤسِّسة المنظّمة المعروفة بمناداتها بعولمة بديلة أكثر عدالة، سوزان جورج، والاقتصادي المعروف بدفاعه المستميت عن قوانين السوق الليبرالية والعولمة إيلي كوهين.
■ «أتاك» تحتفل بالذكرى العاشرة لتأسيسها. ومنذ نشأتها، نشهد صعوداً غير مسبوق للعولمة ولمسار التمييل (إعطاء الأولوية للسوق المالي في الاقتصاد) العالمي. ماذا فعلت «أتاك» حتى الآن؟
سوزان جورج: «أتاك» أسهمت في رفع بعض القضايا إلى صدارة جدول الأعمال العالمي، وهو ما لم تكن الحال عليه أبداً. ونجاحنا الأكبر كان في موضوع «ضريبة توبن» (ضريبة اقترح الاقتصادي الكندي جيمس توبن فرضها على حركة الأموال العالميّة) لأننا نذهب أبعد بكثير مما ذهب اليه توبن نفسه. حتى إنّ (الرئيس الفرنسي السابق) جاك شيراك الذي لا يشاركنا آراءنا فعلاً، اقترح هذه الفكرة في الأمم المتحدة حيث وافق عليها 110 رؤساء دول وحكومات.
ما يصعقني فعلاً، هو أننا محقّون ليس في قضية ضرورة فرض ضريبة على حركة المبادلات المالية فحسب، بل أيضاً في ضرورة إقفال «الجنّات الضريبية» (اُنظروا إلى الفضيحة الأخيرة في ليشتنشتاين). كما أننا محقّون في مطالبتنا بإلغاء الديون المستحقة على دول الجنوب لأن هذه الدول غارقة في البؤس، وهو ما أظهرته تحركات الجوع الأخيرة التي تسبّبت بها المضاربات في الأسواق المالية وأسواق المواد الغذائية، والحبوب خصوصاً.
لقد حذّرنا من هذه المخاطر منذ 10 سنوات، لكننا نواجه نيوليبراليين فائقي القوة والقدرة لا يريدون التخلّي عن أي شيء لأنهم يحققون أرباحاً طائلة.
إيلي كوهين: العولمة حققت خطوات عملاقة. منذ 10 سنوات، كنا نتحدث عن صعود الصين. اليوم، الصين تكمن في صلب النقاشات حول التوازنات الاقتصادية والمالية الدولية.
الاحتياطات النقدية التي تحزّنها الصين مهمة جداً. اختلال الميزان التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية والصين هو في أساس الخلل الذي يشوب الاقتصاد العالمي حالياً. والهند سلكت المسار نفسه، واليوم باتت العولمة تحتل الموقع الأهم في اهتماماتنا اليومية.
في الوقت نفسه، فإنّ منحى تمييل الاقتصاد (هيمنة السوق المالية علىه) حقّق تقدماً كبيراً في العقد الأخير. كما أن أرباح الشركات المالية زادت بنسبة أربعة أضعاف في 20 عاماً مقارنة بأرباح الشركات غير المالية. كل هذا لأقول إن السلع المالية تأخذ باطّراد الحيّز الأكبر من الأرباح. لكن إذا لم نفهم الصلة بين السوق المالي والاقتصاد الحقيقي، نكون قد حكمنا على أنفسنا بالثرثرة عن حقيقة الاقتصاد أكثر من أن نكون قد حاولنا التأثير فيه. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، فإن عائدات المصاريف المنزلية للفئات المتوسطة أو المحدودة الدخل لم ترتفع كثيراً، حتى إنها حافظت على المستوى نفسه. ما الذي يجعل من تلك المصاريف، رغم كل شيء، حتّى الآن محرّك الاستهلاك ومنمّيه؟ هناك آلية سمحت لهذه التكاليف باكتساب أهمية على حساب قيمتها، لفائدة الاستهلاك اليومي.
إذاً هذه القدرة التي اكتسبها السوق المالي في تحويل وعود الثروة إلى مصدر للاستهلاك الفوري، كانت أحد محفّزات النمو في الولايات المتحدة. ويجب أن نعرف أن الاستهلاك الأميركي يمثّل أكثر من 70 في المئة من مصدر الثروة الوطنية. لكن لهذا المال وجهه المظلم أيضاً. لم نتمكن من إيجاد توازن بين السوق المالي والاقتصاد العالمي، ولم نتمكن خصوصاً من تفادي عودة الأزمات. بالتحديد تلك الأزمات المتكرّرة ـــ الأزمة الآسيوية، أزمة الاقتصاد الجديد، أزمة (شركة) إنرون، أزمة القروض ذات المخاطر العالية (المشكوك في القدرة على تحصيلها)، تشير إلى 3 رسائل: 1ــ لا نعرف كيف نتفاداها، 2ــ نخشى حالياً من عودة أزمة عام 1929، 3ــ نعرف كيف نعالج الأزمة عندما تحلّ علينا.
نلاحظ أنه بعد كل أزمة، الإجراءات المتخذة تهيّئ لأزمة مقبلة، والإجراءات العلاجيّة الجديدة تؤدي إلى ولادة أساليب ماليّة جديدة تعطّل مفعول تلك الإجراءات.
أزمة بعد أزمة، تتزايد مساوئ عمل النظام، وفي الوقت نفسه، يبدو النظام متماسكاً بشكل مدهش بفضل قدرة اقتصادية استثنائية يوفّرها المصرف المركزي الأميركي. وعلى ضفاف النفق، مَن نسمّيهم الليبراليين يدركون كيف يكتشفون الأساليب والقدرة الاستثنائية وينقذون النظام. وهذا ما حصل في آذار من العام الجاري، عندما كنا خلال أزمة مصرف Bear Stearns على حافة أزمة نظام، وحينها تدخّل المصرف المركزي الأميركي بطريقة غير قانونية، لكن فعّالة بشكل كبير.
■ تعلن «أتاك» في بيانها أن الأزمة المالية ليست عرَضيّة، بل نتيجة «اقتصاد كازينو» هائل يقامر بمصير العالم على طاولة الروليت الروسية ليحقق المزيد من الأرباح.
س. ج: العبارات التي يستخدمها إيلي كوهين تثير انتباهي حقاً، لأن كل ما يقدمه على أنه إيجابي، تراه «أتاك» وأنا سلبياً. عندما يقول «التطور الذي حقّقته الأسواق المالية»، أعتقد أن هذا يشير إلى التراجع. فعلياً، نحن نواجه باستمرار «فقّاعة». بعد «فقّاعة الانترنت» قام (الحاكم السابق للمصرف المركزي الأميركي) ألان غرينسبان بخفض مستوى الفائدة إلى 1 في المئة وذلك لإعادة خلق «الفقاعة»، حينها استعجل الأميركيون لشراء المنازل. لقد تمكّنوا من الاستدانة بالاستناد إلى قيمة منازلهم، وهو ما يبدو أن كوهين يجده أمراً جيداً للغاية، حتى حين نكون في حالة إحجام سلبي عن الاستهلاك في الولايات المتحدة. الاستدانة بالاستناد إلى قيمة المنازل، أمر جيد إذا كانت قيمة المنازل ترتفع. غير أن غرينسبان خلق أيضاً ظروفاً دفعت بالناس إلى الاستدانة حتى أولئك الذين لم يكونوا سيقومون يوماً بهذه الخطوة: هذه هي أزمة القروض ذات المخاطر العالية. النتيجة: 4،5 مليون منزل لا أحد يريدها في سوق العقارات الأميركي. القروض التي سحبها المواطنون قيمتها أعلى بكثير من قيمة منازلهم، وهو ما وضع حداً للاستهلاك المفرط الذي يبدو لكوهين وكأنه ممتاز.
لكن عندما تنفجر الفقاعة، فهي تتسبب بوجع كبير. ماذا حصل مع Bear Stearns والإفلاسات الكبرى الأخرى؟ إنها قصة طويلة، لكن كان في الولايات المتحدة قانون منذ عام 1933 يمنع المصارف التجارية ومصارف الاستثمار من أن تملك البنية نفسها. حصل كباش قوي وضغط من جانب المصارف الكبرى لإلغاء هذا القانون. عملياً، شهدنا حالات دمج كبيرة خلقت بنى، كما نقول بالإنكليزية، «كبيرة إلى درجة أنها لا تفلس». الحكومة كانت على علم بما يحصل، لكن الأسوأ أن المصارف الكبرى كانت بدورها على علم به. ورغم هذا، أقدموا على مخاطر كبيرة. الأرباح في الصناعة المالية وصلت إلى معدّل 20 في المئة في نهاية عام 2000. ومقارنة بالصناعات الأخرى، فهذا المعدل يزيد عن ضعفي أو ثلاثة أضعاف معدل الربح الطبيعي للصناعة.
إ. ك: كيف نفسّر في الآن نفسه، هذه العودة الدائمة للأزمات والنمو الاقتصادي الكبير جداً؟ كيف نفسّر أن دول العالم كله تشهد نمواً وأن الولايات المتحدة تشهد بدورها نمواً يفوق النمو في أوروبا؟ إذا كنا لا نفهم أن التطور في السوق المالي، رغم جميع مظاهر التقلبات التي ذُكرتْ، قد سمحت بتوسيع أسس النمو وأن الاستهلاك استطاع أن يتطور في مراحل من النمو الضعيف للمداخيل ولقدرة الشراء، إذاً نحن لا نفهم العالم على ما هو عليه.
في السنوات العشر الماضية، نما السوق المالي بشكل مهم، وخصوصاً من ناحية قدرته على التطور بفضل ما أُسمّيه «التحكيم الدائم». المحرّك الحقيقي للوضع الحالي، هو السباق الدائم بين التضبيط والتجديد أو الإبداع في السوق المالي. هذا الإبداع ليس سوى اختراع للآليات الرياضية المتطورة. هو معرفة كيفية استغلال الثغرات النظامية لمختلف الضوابط الوطنية لزيادة الأرباح إلى الحد الأقصى. وفي هذا السياق، تؤدي الجنّات الضريبية دوراً. وطبعاً، إن إجراءً «فجّاً» كـ«ضريبة توبن» لا يمكنه عرقلة السوق المالية العالمية. يجب إذاً تحسين التضبيط بشكل مستمرّ. على سبيل المثال، يجب الضبط بطريقة المؤسسات النقدية نفسها، بغضّ النظر عن وضعيتهم النظرية. بكلام آخر، عندما يؤدي Bear Stearns دور المصرف الكلاسيكي، رغم أنه مصرف استثماري، فيجب حينها ضبط نشاطاته بالطريقة نفسها التي يُعامل بها مصرف ودائع كلاسيكي.
■ «أتاك» ترى أن منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات التضبيط الدولية كانت محفّزة للفوضى الاقتصادية العالمية أكثر مما كانت عناصر استقرار.
إ. ك: المؤسسات الكبيرة المعنية بالضبط التجاري والمالي، تحاول أن تستبدل نظاماً قانونياً حضارياً قائماً على تعددية الأطراف، وإحلال نمط تحكيم يسمح بحل الخلافات التجارية بين دول غير متساوية كلياً. في المقابل، ماذا نشاهد منذ خمس سنوات، منذ أن تم إضعاف منظمة التجارة العالمية على يد أنصار العولمة البديلة؟ بسبب تفسّخ الاتفاقات التجارية الدولية، نرى العودة العنيفة للمدافعين عن السياسات الحمائية والسياديّين، وسيادة لموازين القوى البحتة. ما يؤسفني اليوم، هو تلك المحاولة لمنظمة التجارة العالمية التي كان ينبغي أن يدعمها جميع مَن أرادوا عالماً أكثر توازناً.
س. ج: منذ 20 عاماً، كل شيء بات خارج إطار الضبط، إذ يجب أن تتوافر مؤسسات ضابطة. مَن هي القوى التي خلقت الفقاعة النقدية؟ إنها الـhedge funds (صناديق التحوّط). هناك نحو 9000 شخص (لا أحد يدري تحديداً العدد) تحرّك ألفي مليار من الدولارات. هذه الصناديق لم يضبطها أحد، بما فيها المؤسسات الوطنية الضابطة. أضيف إن الطبقات الوسطى والفئات الأكثر بؤساً هي التي تعاني لا الأثرياء. كنّا سندعم منظمة التجارة العالمية لو أنها أدخلت بنوداً تحمي العمال وتحمي البيئة. لكن لدينا 800 صفحة، مع أكثر من 20 ألف صفحة على شكل ملاحق، من دون كلمة واحدة عن حقوق العمال والأجراء ولا عن حماية البيئة.
لقد قضينا عمرنا ونحن في «أتاك» نحاول منع ارتهان كل شيء بيد السوق. هل يمكن أن تكون المياه والطاقة والصحة والتعليم والبحث الصيدلي جميعها خاضعة للسوق أو تضبطها وتمسك بها شركات؟ لكن اليوم، جميع المكاسب تمت خصخصتها بينما يتم تحميل تبعات جميع الخسائر للمجتمعات.
نحن ندفع ثمن المخاطر التي أقدمت عليها الأسواق المالية، تلك الأسواق تعرف أنه باستطاعتها أن تقدم على هذه المخاطر لأننا سنهبّ لنجدتها في كل مرة. لم ندّعِ يوماً أن الضرائب على المبادلات المالية يمكنها أن تعالج جميع ثغرات النظام المالي. الأمر يتعلق ببساطة بسوق يتم فيه يومياً تبادل 3،2 ألف مليار دولار، فقط 2 في المئة منها تتعلق بالاقتصاد الحقيقي. إنه نشاط مضاربات فحسب. المشكلة هي على مستوى اللامساواة الرهيبة التي ينتجها هذا النظام، من جهة داخل الدخل وبين الدول الغنية والفقيرة من جهة أخرى.
هذا ما نحاول إصلاحه. لا نريد الضوابط القانونية الحالية لأن هذه وضعتها الشركات المالية العابرة للأوطان، هؤلاء «العباقرة الماليون الصغار» الذين يعرقلون نظام العالم.
إ. ك: خلال الأعوام الماضية، لم يكن النمو العالمي بهذا الحجم. هذا النمو الرائع، هو أولاً نتيجة استفاقة الصين، والهند والدول الصاعدة الأخرى. فعندما يُدعى 3 مليار إنسان إلى «مائدة الكرة الأرضية»، هذا يؤدي إلى آثار اقتصادية رئيسية، لكن الصين والهند لم تكونا لتعرفا نمواً كالذي عرفتاه، لولا سماح الولايات المتحدة باستمرار عجزها التجاري مع هاتين الدولتين. عجز غذّاه المستهلكون الأميركيون، وفعّلته الآليات المالية التي وصفتها أعلاه.
التداخل بين العالم الحقيقي وعالم المال هو معطى حقيقي. هذا النمو العالمي الذي حمله الثنائي المنتج ـ الصيني / المستهلك ـ الأميركي هو غير متوازن أبداً. على الولايات المتحدة آجلاً أم عاجلاً، أن تعيد تصحيح هذا الخلل في التوازن. لكن رغم كل شيء، هناك خبر سار: كنا ننتظر في ظل التباطؤ الأميركي أن تعاني الصين والهند، وأن يتراجع النمو العالمي جذرياً، لكن حتى اللحظة الراهنة، ما نشهده بطريقة مدهشة، هو نوع من فكّ ارتباط: النمو الأميركي يتباطأ جدياً. في المقابل، فإن أوروبا تتقدم بشكل جيد نسبياً. الصين، التي كان النمو فيها 11،5 في المئة، قد تعرف نمواً بـ10 في المئة. إذاً هناك تراجع أكيد. لكن الدينامية الاقتصادية العالمية لم تنكسر. أنتم تقولون إن هناك عدداً من الملكيات العامة، وتريدون أن تكون المياه والصحة بمنأى عن السوق وقوانينه. أرغب مثلكم، على سبيل المثال، عندما تكون العلاجات الطبية متوافرة، أرغب أن يتمكن جميع الفقراء والمرضى من الاستفادة منها. لكن كان يجب أن تقولي كيف نموّل البحث الطبي الصيدلي على الصعيد العالمي. إذا كنت أوافقك على الخوض في الوسائل التي قد تحدّ من نسب المداخيل المبالغ فيها التي تُجنى من الملكية الفكرية، فيجب أن تشرحي لي أيّ آليات بديلة ستضعين قيد التنفيذ، لكي تبقى محفّزات الاستثمار موجودة في اقتصاديات خاصة.
ما يصعقني في ما تقولون وتفكرون، هو أنكم لا تزالون تأخذون على «السلطة المخيفة» للشركات العابرة للأوطان، بينما العالم تغيّر. لو سُئلتم قبل 10 سنوات عن هوية الشركة الأكبر على صعيد الكرة الأرضية، لكنتم قد أُجبتم عن حق أنها شركة إكسن أو توتال. اليوم هاتان الشركتان هما قزمتان في عالم الإنتاج النفطي. السيادة النفطية مرّت من هنا. العالم تسيطر عليه الدول المنتجة للنفط، التي تتحكّم في إنتاجها الوطني، بينما الشركات النفطية لم تعد تتحكم سوى في نسبة بين 15 و20 في المئة من الإنتاج العالمي. إذا ما ألقيتم نظرة على لائحة الترتيب من حيث رأس المال، فستلاحظون أن المراتب الأولى تحتلها الشركات الصينية والشركات النفطية العربية. العالم تغيرّ فعلاً.
■ «العولمة تفيد الفقراء» هو شعار الاقتصاديين الأكثر تشدّداً. في المقابل، يعاني الفقراء من المنافسة العالميّة بحسب ما يدّعي أنصار العولمة البديلة.
س. ج: لا أحد ينفي أن عدداً من الصينيّين، ممّن كانوا في الأمس مستثنين من الاقتصاد الاستهلاكي، يستفيدون حالياً. لكن في كل مكان في العالم، نشاهد ازدياداً في حجم اللامساواة. أفريقيا باتت مهمّشة نهائياً إلى القعر، حيث الصينيون يؤمّنون الثروات الطبيعية. لم يذكر كوهين كلمة «بيئة». لا نستطيع الاستمرار في العيش في عالم انتهى من الاستهلاك على طريقة القرنين الـ19 والـ20.
للأسف، النمو الصيني والهندي، بدلاً من أن يقفز مباشرة في القرن الـ21 كما كان ذلك ممكناً حصوله، فقد اختار أن يسير على عاداتنا السيئة.
أذكر عبارة لاقتصادي أميركي يقول فيها: «لكي نصدق أن النموّ يمكن أن يكون غير نهائي في عالم محكوم بالانتهاء، يجب على المرء إمّا أن يكون مجنوناً أو أن يكون اقتصادياً». أما بالنسبة إلى شركة «إكسون»، فليست اليوم قزماً نفطياً. أرباحها للعام الماضي بلغت 140 مليار دولار، وهو رقم يشير إلى أعلى نسبة أرباح لأي شركة في العالم.
إ. ك: الفوائض الإضافية للدول المنتجة للنفط تبلغ 800 مليار دولار.
س. ج: مبروك عليهم، لو أنهم يستثمرون هذه الأرباح في ميادين الطاقة البديلة مثلاً، وهو ما أشك فيه. للأسف، «إكسون»، تسعى جاهدة لمنع جميع الإجراءات المشجعة للطاقة البديلة. نريد ضرائب على الصعيد الدولي. حالياً، كل الضرائب تتوقف عند الحدود الوطنية. لا يمكن توقع حصول إعادة توزيع عادلة للثروة في ظل هذه الشروط. يمكننا استحداث ضريبة موحدة على أرباح المبادلات، ضريبة على المبادلات المالية. وبالعوائد المالية لهذه الضرائب، يمكننا التخفيف من حدّة انعدام المساواة على الصعيد العالمي واستخدام هذه الأموال لتعزيز الأبحاث الصيدلية وتوزيع الأدوية خارج إطار قوانين السوق.
إ. ك: لم يقل الاقتصاديون يوماً إن العولمة تفيد جميع الناس، من ضمنهم الفقراء. لا. إنهم يقولون إن عالم تبادلات مفتوحاً تستفيد منه جميع الدول، لأنهم يستفيدون في ظله من الميزات المقارنة التي يملكونها. لكن الاقتصاديّين يعرفون تماماً أن هذا الانفتاح في التبادل قد تنجم عنه آثار غير مساواتية على صعيد الأقاليم الجغرافية والفئوية والاجتماعية. لهذا السبب، إنه لَمن الضروري أن يتم وضع قوانين سياسات توزيعية للثروة يكون الهدف من ورائها تحقيق العدالة الاجتماعية بالطبع، لكن أيضاً لأن هذا الأسلوب هو المناسب لشرعنة العولمة، بعض الدول تقوم بإعادة توزيع الثروة، البعض الآخر لا يفعل.
بالنسبة إلى التنمية المستدامة، أنتم محقون في القول إنه إذا حققت الصين والهند، بحسب نمط النمو الذي تسيران وفقه، معدلاً من النمو مساوياً لمعدلنا في الغرب، فإن الكرة الأرضية ستنفجر. غير أن مسوّدة اتفاق بالي رمت أسس تقدم مستدام، قائم على الحدّ من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، ومبني على نقل التكنولوجيات النظيفة بيئياً.
للمرة الأولى، بدت الولايات المتحدة وأوروبا مستعدتان للعمل بشكل موحد. أوروبا مثّلت أساس اتفاقية كيوتو وهي اليوم في أساس بلورة اتفاق «كيوتو 2». يجب اعتبار أوروبا قوة قيَميّة. أوروبا تمثل مدرسة من القيم والمعايير التي تبلورها وفي إخراج نظام متعدد الأقطاب والأطراف.
س. ج: كان يمكن أوروبا أن تمثّل نموذجاً معاكساً للولايات المتحدة وللصين، لكنها لا تؤدي هذا الدور حالياً، بكل أسف.
* سوزان جورج باحثة اقتصاديّة أميركيّة ــ فرنسيّة، معروفة بنضالها ضدّ الشكل الليبرالي للعولمة، مؤسِّسة منظّمة «أتاك» ورئيستها الفخرية حاليّاً. صاحبة مؤلّفات ــ مراجع مثل «تقرير لوغانو» و«عالم آخر ممكن إذا…» و«نحن شعوب أوروبا»…
إيلي كوهين هو اقتصادي فرنسي، باحث في المركز الوطني للأبحاث العلميّة وفي المنظمة الوطنية للعلوم السياسيّة في فرنسا. أبرز كتاباته «النظام الاقتصادي الدولي» و«العهد الجديد للرأسمالية»…
(ترجمة أرنست خوري)
عدد الاربعاء ٢٦ حزيران ٢٠٠٨
الأخبار