في نقد نقد الدولة الديمقراطية العلمانية
عمار ديوب
انتقد الأستاذ علي زبيدات في مقالته “الدولة الديمقراطية العلمانية-برنامج نضالي أم شكل جديد لتسوية تصفووية؟” المنشورة في صحيفة “العنوان الرئيسي،العدد 24″مفهوم الدولة الديمقراطية العلمانية.ورأى أنه يغيب “طبيعة الكيان الصهيوني الكولونيالية العنصرية”وأن”فلسطين واقعة منذ 60 عاماً تحت الاحتلال.وبالتالي تغييب مفهوم التحرير”وأتهم القائلين به بإمكانية”الانزلاق إلى متاهات الانتهازية والتفريط”وذكر أن من القوى التي تتبنى هذا التفريط موقع أجراس العودة ومثقفين راديكاليين.ولم ينسى نفسه،حين كان يعتقد بهذا المفهوم ويفرّط بحقوق الفلسطينيين!
بدايةً،لست مفوضاً من قبل موقع أجراس العودة بالرد،ولكنني ككاتب في هذا الموقع وعلى إطلاع جزئي بكتابه الأساسيين ، سأعمل على الرد،وأعتقد أن مقالات رئيس تحرير الموقع والافتتاحيات الخاصة بموقع أجراس العودة هي التي تعبر عن الموقع بصفة خاصة.ولو كلّف الأستاذ علي نفسه قليلاً لارتأى أن هذا الموقع ليس ضد ما انتقد ،بل ينطلق منها،ومن غيرها بما يكرس هذا المفهوم كحل للمشكلة الفلسطينية والمشكلة اليهودية بآن واحد.بما ينصف الفلسطينيين ويعيد لهم حقوقهم ويطرح حلاً ديمقراطياً لليهود الذين كانوا مشكلة أوربية فأصبحوا مشكلة عربية بعد ستين عاماً على احتلال فلسطين.وبالتالي لا بد من حل عربي لها،وهو ما لا يطرح الأستاذ علي في هذه المقالة أي شيء بخصوصه.وهذا الحل لا يقوم على تكريس الدولة الصهيونية.ولا على أكذوبة الدولتين لوجود دولة صهيونية فقط وحكم فلسطيني إداري تابع لها وينفذ المهمات السيئة بحق الفلسطينيين.ولا دولة ثنائية القومية لكون الفلسطينيين جزء من العرب ولعدم كون اليهود دولة قومية ،وإذ تجاوزنا ذلك لكون مصطلح القومية مصطلح ملتبس ولا يعدو عن كونه مؤشر سياسي عن شكل الدولة بعلاقاتها مع دول العالم وأما داخلياً فإن الدولة تعرّف بسياسات واقتصاد واجتماع وثقافة وحريات وغير ذلك.وبالتالي من الأفضل أن تعرف الدولة بالديمقراطية العلمانية كنظام سياسي يساوي بين أفراده ويحفظ حقوقهم ويحل مشكلاتهم بما يطوّر النظام دون عنصرية أو طائفية أو محاباة جماعةٍ “قومية”على حساب جماعة أخرى.
وهذا الحل يفترض – وهنا لا نتكلم عن كل من يقول بهذا الحل بل عن آراءنا فقط – تفكيك الدولة الصهيونية والسلطة الفلسطينية التابعة لها.وهذا طبعاً غير ممكن بدون المقاومة بكل أشكالها – وأشكالها ليست محصورة بالصورايخ بل بكل أشكال المقاومات الفلسطينية ولا سيما مقاومة 1987-.وصولاً إلى تحرير فلسطين كاملة وليس فقط أراضي 1967 والتخلص من هذه النظم السياسية المعيقة للتقدم.إذن لا يغيب عن طارحي هذا المفهوم هذه القضايا .ولكنهم لا يطرحون القضية من بوابة الوهم أو تجاهل الواقع وأيضاً من أجل تغيير هذا الواقع.ولذلك أيضاً لا يطرحوا الطبيعة الاقتصادية للدولة سلفاً بل ينطلقون من ضرورة تشكيل القوى القادرة على التغيير وصراع هذه القوى هو ما يحسم المعركة بما يحقق المهمات الديمقراطية(تحرير الأرض،وعودة اللاجئين،وتفكيك الدولة الصهيونية،وإنجاز التصنيع،والوصول على إلى الدولة الديمقراطية العلمانية. الخ).فالآن مثلاً المعركة محسومة لصالح إسرائيل والسلطة ونظامهما الرأسمالي وخيارهما الحالي هو الممكن رأسمالياً.وبالتالي رفع شعار الدولة الاشتراكية مثلاً يكون من باب الأوهام المحضة في اللحظة الراهنة.وأما فكرياً فلا شك أن الدولة الديمقراطية العلمانية التي هي هدفنا الآن، هي هدف الاشتراكيون وهي ستكون دولة تتجه نحو الدولة الاشتراكية.وبالتالي يشكل هذا المفهوم عبر المقاومة وتحرير الأرض وعودة اللاجئين وإنصاف الحقوق المغتصبة برنامجاً نضالياً لا شكلاً جديداً لتسوية تصفووية!
رفض هذا المفهوم وإظهاره مفهوماً يمكن للدولة الإسرائيلية”بكل سهولة أن تدعي أنها دولة ديمقراطية علمانية”محاولة تهميشية لهذا الطرح بطريقة الاتهام لا بطريقة الحجة وهي محاولات يجب أن نكف عن استخدامها فقد استخدمت لعقود كثيرة عبر تكفير الآخر وسحقه من الوجود.وبالتالي إذا استطاعت إسرائيل التخلي عن ما أشرنا إليه في الفقرة السابقة ستكون دولة ديمقراطية علمانية.ولكن هل هذا ممكن؟!
أما بخصوص شكل علاقة الدولة المفترضة مع المحيط العربي،فإن هذه الدولة تعتبر جزءاً أساسياً من عالم عربي يسعى في ذات الإطار،وبالتالي الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين هي جزء من فيدرالية عربية ديمقراطية علمانية.وهذا يقوم فقط على أنقاض التجزئة والتخلف والتبعية وبناء قوى ديمقراطية مواطنية يسارية وكذلك وبذات الوقت تفكيك الدولة الصهيونية.إذن هناك حالة تكامل بين القوى الفلسطينية والعربية واليهودية الديمقراطية العلمانية من أجل إنشاء هذه الدولة.حيث أن تجربة فلسطنة الصراع العربي الإسرائيلي وبناء الدول القطرية والدولة الصهيونية وتقسيم التقدم العربي إلى مراحل لم تؤدي إلّا إلى سيادة برجوازيات تابعة وتحالف شبه موضوعي بينها وبين إسرائيل على تعزيز تخلف المجتمع العربي وبقائه خارج الأمم المتقدمة ودفعه لتقبل الاستعمار الأمريكي والهيمنة على المنطقة.
مسألة التدقيق في المفاهيم التي يشير إليها الأستاذ علي،لا شك أنها صحيحة،ولكن وبكل الأحوال لا يمكن التذرع بها وبضرورة إعادة التدقيق في المصطلحات كي لا يتم تحديد المصطلحات المستند إليها وتكون المحصلة استخدام الاتهامات والتخمينات والتأويلات الملتبسة كما فعل الأستاذ علي حين شدد على ضرورة تحديد المصطلحات ولم يحدّد أياً منّها.
ولذلك وبشكل أولي،وبعد تفكيك الدولة الصهيونية،فإن الديمقراطية هي آلية سياسية تسمح للقوى الاجتماعية المتصارعة بالتعبير عن نفسها على أرضية المواطنة ودون تمييز قومي أو جنسي أو اجتماعي.وأما العلمانية فهي الحياد الموضوعي للدولة اتجاه الأديان والمعتقدات وفصل الدين عن الدولة والساسة والتشريع .وجعله أمراً خاصاً للأفراد وممنوع استخدامه في السياسة أو التكفير.وبالتالي بناء دولة وضعية مدنية بعيدة عن دمج الدين بالسياسة أو الايديولوجيا.
أخيراً ،وفي نهاية هذا المقال،لا أعتقد من الصواب أن يتم التعميم في إطلاق الأحكام والتحليلات على جملة من القوى دون تحديد الفوارق ويكون ضرورياً في المعركة المتأزمة بين العرب والكيان الصهيوني تآزر كل القوى التي تمثل مشروع التحرير لا تفتيتها على أرضية الصراعات الأيديولوجية .ما دامت هناك تقاطعات مشتركة .وإلا فإننا بالفعل نمارس”التحريف والانتهازية على الصعيدين النظري والعملي”.