في غرفة العناية الفائقة
الياس حرفوش
الصورة التي نقلتها وكالات الأنباء من دمشق بالأمس، للقمة الثلاثية بين قادة قطر وسورية وتركيا، وهم يجلسون مع وزراء خارجيتهم حول طاولة مستديرة، لمناقشة الوضع المخزي في لبنان والبحث عن حلول له، هي صورة معبّرة، يجب أن تدفع كل لبناني الى الخجل من نفسه كمواطن، وكذلك من حالة العجز التي تصيب السياسيين والقادة في بلده حيال معالجة أزماتهم بأنفسهم.
يزيد في الحزن حيال تلك الصورة غياب أو استغياب الرئيس اللبناني عنها. هل كان الرئيس ميشال سليمان مدعواً الى تلك القمة، أم انه فضّل أن ينأى بنفسه عن اجتماع، ظهر وكأنه بمثابة مؤتمر طبي يضم نخبة من كبار الاخصائيين للبحث في سبل إنقاذ مريض في غرفة العناية الفائقة؟
قبل ذلك كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد اقترح قيام «مجموعة اتصال» إقليمية ودولية للإشراف على الوضع اللبناني، وأكد عدد من القادة، بينهم رئيس حكومة تركيا رجب طيب أردوغان، أن ساركوزي اتصل بهم فعلاً لبحث هذه الفكرة والإعداد لها، وقال أردوغان إنه مستعد للتجاوب معها، فيما أعرب قادة آخرون، كالرئيس السوري بشار الأسد، عن تحفظهم على قيام أي طرف من خارج المنطقة ببحث الوضع اللبناني، وكان يقصد تحديداً اقتراح مشاركة فرنسا والولايات المتحدة في «مجموعة اتصال» ساركوزي.
لا ينتقص هذا العتب على غياب لبنان عن قمة دمشق من أهمية الاهتمام الإقليمي بالأزمة اللبنانية، وهو اهتمام مشكور على كل حال. لكن هذا الاهتمام لا يأتي من فراغ، ولا يعود الى الثقل الذي يشكله «بلد الأرز» على أوضاع منطقته والعالم، كما يحب بعض غلاة اللبنانيين أن يحلموا. فهو يعود في الأساس الى وعي مختلف قادة المنطقة بمخاطر انعكاسات الأزمة اللبنانية، مع حالة الاصطفاف المذهبية التي بلغتها، على خلفية ما يجري تداوله في شأن الاتهامات التي ينتظر أن توجهها المحكمة الدولية، على الأوضاع داخل بلدانهم ذاتها وعلى المنطقة في شكل عام، وهو ما عبر عنه رئيس حكومة تركيا وهو في طريقه الى دمشق عندما أقر بأن «منطقتنا لا يمكنها أن تتحمل أن يدخل لبنان مرحلة جديدة من عدم اليقين».
من أين لقمّة تعقد في عاصمة بلد مجاور أن تملك الخيوط السحرية للعثور على تسوية لأزمة لبنان، لو لم تكن قرارات القادة في هذا البلد المغلوب على أمره قد باتت مرتبطة ارتباطاً كاملاً بالقرارات والإملاءات الخارجية؟ في الماضي كان الزعيم الدرزي الراحل كمال جنبلاط يفاخر، على عتبة كل انتخاب رئاسي في لبنان، وبعد الامتحان الذي كان يجريه للمرشحين للرئاسة، بالقول: قلنا لهذا كُن فكان، ولذاك زُل فزال! ما أبعد اليوم عن البارحة. على الأقل كانت نتائج الامتحان في ذلك الوقت تصدر من الداخل، أما الآن فقد باتت التعليمات تأتي من الخارج ونتائج الامتحان تُعلن من الخارج كذلك.
في كل حال، يبقى الاهتمام الإقليمي، على رغم ما يؤكده من حالة الشلل اللبنانية الكاملة، أفضل من ترك لبنان الى المجهول. فاللبنانيون قادرون، لو تُرك مصير بلدهم في يدهم، على تدميره حجراً حجراً. من المخجل القول إننا شعب مفكّك، مشلّع الأوصال، عاجز عن إدارة شؤونه بنفسه، وأن قادتنا هم نسخة بالغة الصدق عن أحوالنا التعسة. لذلك ندعو أصحاب الضمير من حولنا الى رعاية شؤوننا، سواء كان ذلك حول طاولة مستديرة أو مستطيلة، وسواء كنا نجلس حولها أو تحتها. فقادتنا مستعدون لإطاعة أوامركم. انقذونا بربكّم فنحن أعجز من أن نستطيع إنقاذ بلدنا.
الحياة