ضلال تركي قطري
ساطع نور الدين
ما بني على وهم لا يمكن أن يقود إلا إلى ضلال.
التحرك التركي القطري لا يسد فراغاً سورياً سعودياً، ولا يستبدله. لم تكن هناك مبادرة بين الرياض ودمشق، بل كان رهان شخصي متبادل بين زعيمي البلدين، انتهى الى خسارة متبادلة ايضاً، وأفسح المجال امام خصام بات يمكن، بل يرجح ان يؤدي الى اشتباك، او الى اختبار لموازين القوى اللبنانية، التي لا تقاس فقط بالقوة العسكرية او الأمنية. وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل، اعلن في حديثه لقناة «العربية» ان طوراً جديداً من العلاقات السورية السعودية قد بدأ، وهو يتسم بخطورة شديدة، وينذر لبنان بالخيار المحرم الذي طالما خشيه اللبنانيون، التقسيم.
تحركت تركيا وقطر بناء على هذا التقدير الذي أساء كثيرون من اللبنانيين فهمه واعتبروا ان ما يقوم به رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني ووزير الخارجية التركية أحمد داوود أوغلو هو مجرد محاولة لإحياء المسعى السوري السعودي، بينما كان التحليل الضمني لأنقرة والدوحة يفيد ان الرياض ودمشق تسيران بسرعة نحو المواجهة، في لبنان، وتتحديان إحداهما الاخرى، على امل ان يقع الآخر في الفخ ويرتكب الخطيئة الكبرى التي تؤدي الى إخراجه من المعادلة اللبنانية وإلحاق الأذى الفادح بصورته الاقليمية.
لم يكن بإمكان الشيخ حمد والوزير أوغلو ان يجاهرا بأن مسعاهما العاجل يهدف الى احتواء التوتر السوري السعودي، كان همهما هو الطلب من الفريقين اللبنانييْن الهدوء والالتزام باتفاق الدوحة الذي توصلا اليه بصعوبة شديدة قبل ثلاثة اعوام، والذي لم تكن الرياض ولا دمشق حاضرة فيه، لكنهما باركتاه من بعيد، بصفته هدنة قصيرة قبل ان يحل موعد الحسم.. الذي يبدو انه حل الآن بعد صدور القرار الاتهامي، الذي يعتبر الجانبان القطري والتركي انه يتيح مهلة قصيرة لا تتعدى العشرة اسابيع، هي الفترة المحددة لإعلان مضمون ذلك القرار، والانتقال الى المرحلة النهائية من الأزمة الراهنة التي بدأت في خريف عام 2004.
ولم يكن بإمكان الشيخ حمد ولا الوزير أوغلو أن يعترفا بأن اتفاق الدوحة قد انتهى نتيجة الرسالة الأمنية السورية التي تلقياها من حزب الله قبل الوصول الى بيروت بساعات قليلة، والرسالة السياسية السعودية التي تلقياها من الأمير سعود الفيصل.. وبات البحث عن بديل لذلك الاتفاق يتطلب مصالحة جديدة بين الرياض ودمشق، اكثر مما يستدعي تنظيم حوار جديد بين السيد حسن نصر الله والرئيس سعد الحريري، او بين حلفائهما اللبنانيين الآخرين.
فكرة مجموعة الاتصال الإقليمية والدولية ليست سوى طريق التفافي على ذلك التوتر السوري السعودي، ونقطة التقاء مرجوة بين دمشق والرياض تحديداً. لكن الجانبين التركي والقطري يدركان على الأرجح ان الأمر تخطى الحاجة الى حفظ ماء وجه حزب الله والحريري وبعض حقوقهما المتبادلة. فالسعودية التي اعلنت بالأمس رفع يدها عن لبنان، كانت تدعو سوريا الى ان تحذو حذوها، او أن تحاول وضع يدها كاملة على لبنان، مجدداً.
السفير