إيران: حصاد العسكرة والتوجه النووي
فايز سارة *
تعيش إيران ظروفاً صعبة في العام 2011، والأساس في صعوبة الظروف ناتج من بدء تطبيق خطة الرئيس احمدي نجاد، الهادفة إلى معالجة اختلالات الاقتصاد الإيراني، والتي وصفها بالقول إنها “عملية جراحية كبری وشاقة للاقتصاد الإيراني، لم تشهد إيران مثلها”. وتشمل الخطة رفع الدعم عن السلع الأساسية، ومنها النفط ومشتقاته، والكهرباء والماء، إضافة إلی الطحين. وهكذا ارتفعت أسعار البنزين اربعة أضعاف، والمازوت تسع مرات، وسوف يرتفع سعر الكهرباء والماء والغاز بنسبة تتراوح مابين ثلاث وخمس مرات بشكل تدريجي، يأخذ في الاعتبار استهلاك العائلات.
وترافق مع بدء تطبيق خطة نجاد إعلان الاستنفار الأمني في البلاد، وانتشار قوات حفظ النظام ومكافحة الشغب وبخاصة في المدن تحسباً من ردات الفعل الغاضبة نتيجة تضرر فئات شعبية واسعة، ودفعها إلى أتون فقر مدقع أو تردي مستويات حياتها الراهنة كما في حالات الفئات الوسطى.
ولا يمكن الفصل بين الأزمة الاقتصادية وسياسات إيران بما فيها سياسات الحكومة الحالية وبخاصة في أمرين اثنين أولهما تزايد حالة العسكرة، والثاني توجه إيران النووي، وقد دأبت إيران منذ قيام الثورة الإسلامية قبل ثلاثين عاماً على تعزيز وتقوية بنيتها العسكرية التقليدية وغير التقليدية، وفي هذا السياق تم إعادة تنظيم وتسليح الجيش الإيراني الذي ورثته الثورة الإسلامية عن النظام الامبراطوري السابق، ثم أضافت إليه بناء جيش مواز هو الحرس الثوري الذي يعتبر الحامي الأول للنظام الإسلامي في إيران، وزودت الحرس الثوري بأحسن الأسلحة والعتاد، ومثله قوات التعبئة الشعبية “باسيج”، التابعة للحرس، والتي تم تأسيسها عام 1979، والتي يصل عددها إلى نحو عشرين مليوناً إلى جانبهم أكثر من مليون جندي نظامي، يتوزعون مابين الجيش النظامي وعدده أكثر من نصف مليون جندي، ومثلهم من قوات الحرس الثوري وقوات الاحتياط التابعة للجيش.
وبالتوازي مع النمو العددي للجيش والقوات شبه النظامية، جرى بناء وتطوير صناعات عسكرية وحربية، لا يقتصر إنتاجها على توفير الاحتياجات المحلية من الأسلحة والأعتدة، بل التوجه نحو التصدير الخارجي، وقد وسعت إيران دائرة اهتماماتها بالصناعات العسكرية ذات الأصول الروسية والصينية والكورية والهندية، وطورت كثيراً من مصانع التسليح منها مجموعة صناعات الشهيد همت ومصنع فاتح 110 ومؤسسة الصناعات الجوية الإيرانية، وصارت إيران تنتج أكثر من ثمانين بالمئة من أسلحتها بما فيها مدرعات ومدافع وطائرات وصواريخ وقطع بحرية، وأخذت تصدر معدات وتجهيزات عسكرية لأكثر من 45 دولة.
وقد لعبت الحرب الإيرانية – العراقية في الثمانينات إلى جانب طموحات إيران في لعب دور إقليمي في منطقة الخليج والشرق الأوسط دوراً في تطور نظام العسكرة الإيراني، كما أن عوامل إقليمية ودولية ساهمت في تعزيز هذا التوجه الإيراني، وكان الأبرز في هذه العوامل سعي دول إقليمية مثل المملكة العربية السعودية إلى توازن عسكري مع إيران، كما أن حضور إسرائيل فــي المنطقة كان بين العوامل الإقليمية في تعزيز التوجهات العسكرية الإيرانية، والاهم في العوامل الدولية العداء الأميركي للنظام الإيراني، بخاصة بعد صارت القوات الأميركية في جوار إيــران على الجبهتين الشرقية والغربية بعد احتلال أفغانستان والعراق على التوالي في عامي 2001 و2003، فيما كانت البحرية والقواعد الأميركية حاضرة قبل ذلك عـلى جبهة إيران الجنوبية في الخليج.
ومما لاشك فيه أن عوامل العسكرة دفعت إيران إلى الذهاب إلى الأبعد باتجاه المشروع النووي الذي وإن كان المسؤولون الإيرانيون أكدوا انه مشروع سلمي، فإنه يوفر فرصة حقيقية لاحقة لتطوير سلاح نووي، لاشك انه حاضر بين طموحات الدولة الإيرانية وفي برامجها المستقبلية، لاسيما في ظل الواقع الإقليمي الذي يعزز قناعة طهران السياسية بأن البلاد بحاجة إلى هذا النوع من الأسلحة للردع ولتحسين موقعها كقوة إقليمية في مواجهة القوة النووية الإسرائيلية، كما يقول المسؤولون الإيرانيون.
لقد أدى وقوع إيران تحت ضغط احتياجات العسكرة والمشروع النووي، وكلاهما مرتفع الكلفة من جهة، ويحتاج إلى تكاليف تطوير مستمرة، تحت ضغوطات مالية كبيرة رغم مدخولها من العائدات النفطية المقدرة بحسب السنة الحالية بأكثر من ستين مليار دولار، وصار من الصعب تمرير تلك التكاليف على نحو ما كان يجرى في العقود الماضية، والتي تحمل فيها الإيرانيون ضغوطات هائلة أورثت فقراً وبطالة وغلاء وبطئاً في معدلات التنمية تحت حجج وأسباب إيديولوجية وسياسية، حيث كان يجرى التركيز فيها على ضرورات حماية الثورة من جهة وتوسيع حضورها وتأثيرها في المستويين الإقليمي والدولي. وباستثناء تكاليف العسكرة والمشروع النووي الإيراني الباهظة والمباشرة، فقد ترتبت على إيران تكاليف غير مباشرة من جراء ذلك، ولعل الأبرز والاهم فيها ناتج من العقوبات الدولية التي جرى فرضها على إيران بسبب مشروعها النووي، والتي قدرت محصلتها بما يتراوح بين خمسين وستين مليار دولار في مجال الطاقة وحده، وثمة خسائر أخرى نتيجة العقوبات ترخي ظلالها على الاقتصاد الإيراني الذي تأثرت قطاعات عديدة منه بالعقوبات ومنها الاتصالات والمواصلات والمصارف والصناعات الدقيقة بشكل خاص.
إن المحصلة الإجمالية لسياسة العسكرة والتوجه النووي الإيراني، استهلكت جزءاً مهماً من طاقته وقدرات إيران التي تعتبر بين اكبر منتجي النفط في العالم، وتركت البلاد أمام تحديات اقتصادية كبيرة، سيكون لها تداعيات سياسية واجتماعية كبيرة أيضاً بحيث أن مزيداً من الفقر والبطالة والغلاء، لن تضاعف فقط المشاكل الماثلة في البلاد مثل المخدرات والدعارة والجريمة، بل ستدفع إلى انفجارات في بلد تتجاذبه الصراعات السياسية القائمة ليس فقط بين المحافظين والإصلاحيين، بل داخل فئات المحافظين الحاكمين انفسهم والذين صدرت مؤشرات مهمة في الفترة الأخيرة عن تصاعد الصراع في صفوفهم، كان منها إحالة نائب الرئيس نجاد إلى المحكمة بتهمة الفساد، وإقالة وزير الخارجية بحجة عدم الكفاءة، فيما ترددت تقارير عن محاولة محافظين في البرلمان عزل الرئيس نجاد افشلها تدخل مباشر من مرشد الثورة الإمام الخامنئي.
* كاتب سوري
الحياة