من يجرؤ في حزب البعث السوري على بيريسترويكا، تُغير قبل أن يُغار عليها؟
فلورنس غزلان
ـ بعد ثورة الياسمين التونسية، والتي مازالت جذوتها تشتعل تريد القطع نهائياً مع فلول الحكم البائد ، ومع فاسدي حزب السلطة ، الذي حكم البلاد خلال نصف قرن مع تغيير في الاسم فقط منذ عهد بورقيبة ، ومازالت رموزه قائمة وأعني به ” حزب التجمع الدستوري، الذي أضاف له ابن علي كلمة الديمقراطي”..لكن الكلمات لم تغير في الأفعال على الأرض، وكل الوعود والأقوال ذهبت أرداج الرياح كما ذهبت معها كل المقررات والخطط لتحسين أوضاع البلاد إن بالنسبة للبطالة ، التي تطول حاملي الكفاءات الكبرى، ويستحوذ على أماكنهم أبناءحزب السلطة ، الذين لايتمتعون إلا بصفات النهب والسلب وتخريب البلاد مدعوماً بقمع السلطات وكم الأفواه،أو بالنسبة للحريات وغلاء الأسعار وتدهور الوضع الاقتصادي.
الرئيس السوري بشار الأسد يجتمع مع أجهزته الأمنية في السادس عشر من الجاري ويضع الخطط اللازمة في حال تحرك الشارع السوري وأصيب بعدوى الثورة التونسية، كما يجتمع في اليوم التالي مع وزير داخليته” سعد سمور” ..ويطالب شرطته ورجال أمنه تشديد المراقبة على الهواتف ومنع أي حراك يمكنه أن ينطلق من مدينة أو قرية سورية ما.. ليصار إلى عزلها عزلاً تاماً وعدم تمكن سكانها من التواصل مع المدن السورية الأخرى ــ عن موقع أنتلجنس أونلاين ــ مع أن الحكمة وصواب الرأي يتطلب إجراءات مختلفة، فعالم اليوم وقرنه الواحد والعشرين لايشبه بحال من الأحوال قرن والده المُوَرث..ولا عصره في سرعة انتشار الخبر والتقاطه عبر كل طرق التكنولوجيا الحديثة، فمازال النظام السوري يتبع أسلوب الاستغماية والتعامي مع الشعب السوري أو الاستغفال..وباعتقاده أن هذا سيضمن له الولاء والبقاء..السؤال الذي طرحته كعنوان..:ــ
هل يمكن أن يتواجد بعد في قيادة حزب البعث السوري ، مَن يقتنع بهذا الأسلوب ومدى جدارته؟ هل هناك مَن جاء للحزب عن ايمان وتسليم وقناعة في جدواه الأيديولوجية؟ ــ سبق وكتبت وناشدت” بعض الشرفاء “! من أعضاء حزب البعث أن ينتفضوا ويدافعوا عن علمانية حزبهم، بعد كل مظاهر العودة بالمجتمع نحو التشرذم الطائفي والعشائري والمناطقي..بسبب الإستبداد والقمع من نظام حكم الحزب الواحد ، وإنقاذ الوطن من هذا التردي على كل الأصعدة السياسية أولاً والاجتماعية والاقتصادية ثانياً…ــ لكن يبدو أن الشرفاء بينهم أصبحوا في خبر كان!..وما تساؤلي عن امكانية وجود قيادي يطرح برنامجاً تغييرياً انقلابياً على طريقة ” البروستورويكا” إلا نتيجة لشعور بالخذلان وعدم توفر مثل هذا الشخص أو مجموعة في حزب البعث مخلصة يمكنها أن تنقذ البلاد من القادم…لأن سورية ليست تونس يابشار الأسد.
لماذا سورية ليست تونس؟
ــ التركيبة السكانية لسورية مختلفة ومتنوعة من حيث تنوع مذاهب سكانها وانتماءاتهم الدينية، وكذلك تنوع اثنياتها، والتي زادت حدة انفصالها وتشرذمها وتمسك المواطن بها على تمسكه بالمواطنة السورية نتيجة للاستبداد والنظام الشمولي القمعي، الذي احتكر السلطة وأقصى المواطن عن السياسة، واعتمد سياسة” فرق تسد”، ليعطي للمواطن انطباعاً أنه الحامي الوحيد للوطن من التفتت مع أنه صانعه وراعيه، واستعادة الانتماء الوطني يحتاج لاستعادة الثقافة واستعادة مناهج تعليمية توحد ولاتزيد من عمق الهوة المذهبية وارتفاع جدران العزل على أسس مادون الوطنية،كما يحتاج لقوانين متطورة ومتماثلة مع القوانين الإنسانية الكونية، وهذا لايمكن أن يؤتي ثماره بعام أو عامين، مع شدة القبضة الأمنية واحتكار السلطة من أسرة وحيدة لاتماثلها أسرة سورية …في صفاتها النقية ..المستمدة من عراقة..وعروبية تندر وجودها لدى الأسر السورية الأخرى!!
كيف ترضى ياسيادة الرئيس أن يحرم الآلاف من مواطنيك من حقهم في هوية وجنسية، وهم يخدمون الوطن وجيشه، ولدوا وترعرعوا وعاشوا هم وأبنائهم وأجدادهم فوق هذا التراب…أم أنك لم تسمع بقضية الشعب الكردي؟..وتريد تعريبهم بقوة قوميتك العربية..وتتجاهل مطالبهم وحقوقهم في مواطنة متساوية مع بقية أبناء الشعب السوري؟!، لقد ثاروا ومازالوا يثورون من أجل كرامتهم وحقهم في الحياة الطبيعية…لكنك تغلق العين والأذن وتزج بهم في السجون بدلاً من الاستماع إليهم وإلى مطالبهم .
ــ حكومة الحزب الواحد هذه تلتقي وتتماثل إلى حد ما مع حكومة ابن علي التونسية وحزب التجمع الدستوري، لكن البعث السوري تفوق عليها باسم القانون واحتكر كل السلطة باسم المادة الثامنة للدستور..معتبراً أنه الواحد الأحد” قائد الدولة والمجتمع”!!وأمام هذا الاحتكار تنعدم أي معارضة ويُرفض الاعتراف بأي مخالف بالرأي كما يرفض العمل بين فئات الطلبة والشباب والعمال والنقابات، المحتكرة كلية بيد حزب البعث أو الموالين للسلطة من كبار الفاسدين والمنتفعين من تجار وضباط أمن وغير أمن، و”جبهة تقدمية”.
ــ الجيش السوري بتركيبته..أيضا يختلف عن الجيش التونسي، فحكومة ابن علي لم تولي اهتماماً خاصاً بتسليح الجيش ولا بتركيبة ولائه وانتمائه المذهبي..فكل سكان تونس موحدي المذهب تقريباً مع أقلية يهودية وأقلية لاتكاد تظهر مسيحية، وهذا ليس انتقاصاً للجيش السوري ، بل حثاً على أن يلعب دوره الوطني في حماية الوطن واستعادة أرضه المحتلة بدلا من البطالة التي يعيشها ضباطه وجنوده منذ ماينيف على أربعين عاماً ، حيث تصمت جبهته صمت القبور..وتقبع أسلحته المتطورة في صناديقها..ويقتصر استخدامها ــ كما فعل والده الراحل ـ على قمع وحرث مدن سوريا حين تنتفض على الحكم وقمع مساجينه العزل وقتلهم في وضح النهار، كما جرى في حماة ، جسر الشغور ، حلب، وسجن تدمر، ثم سجن صيدنايا بعهدك كوريث.. ورثت أيضاً أين وكيف يستخدم العسكر وضد مَن؟!، ولهذا أتوجه نحو هذا الجيش وضباطه ألا تختلف مواقفهم وطنية عن مواقف الجيش التونسي، الذي احتضن ورعى( ثورة الياسمين) ورفض الانصياع لأوامر ابن علي بالقتل وتوجيه الرصاص الحي لصدور أبناء وطنه، وهذا هو السبب الوجيه ، الذي جعل ابن علي يرحل حين فقد توازنه بفقدان قدرته على إدارة الجيش على هواه وتسخيره لقتل التوانسة كي يبقى هو في سدة الحكم، فما هي مصلحة الجيش السوري في بقائك يابشار؟، وماهي مصلحته في قتل شعبه من أجلك؟
ــ حكم الطواري السائد والمعمم منذ ثورة آذار الميمونة ، التي جاءتنا بحزب البعث، وخلال النصف قرن المنصرم مازالت سورية تحكم بالطواريء ، أي بالاستثناء ، بينما يقبع الدستور في صناديق الإهمال والعجز عن إقامة العدالة الاجتماعية وإنصاف المواطن، ناهيك عن دور الأجهزة الأمنية والمحاكم العسكرية، التي تأخذ من المواطن المختلف بالرأي عنك وعن حكومتك ، جزءاً كبيراً من عمره وعمر أسرته، فهل حسبت الكم الهائل والعدد الكبير من ضحاياك وضحايا محاكمك وطوارئك؟..هل تنام عينيك كرئيس وطن ومسؤول بلد قرير العين مرتاح الضمير لما تجني يداك؟..لاتعتقد أبداً أن هذا الصمت المطبق ناتج عن الخوف والقمع بالحديد والسلاسل التي زرعتها في كل مكان سيردع إلى الأبد المواطن السوري عن الانتفاض، وقول كلمته الفصل بحكمك وفساد طغمتك..ومن حولك وما نُهب وسلب من لقمة المواطن المُجَوع بفضل خططك التنموية وبفضل النسب المئوية المفروضة على كل عقد أو شراكة تجري بين سوريا ودولة أخرى أو مع شركة ما..من المقربين إليك والمحسوبين عليك..سيأتي يوم الحساب ولن يطول، هل طال العهد ببينوشيه تشيلي؟ أم بتشاوشيسكو رومانيا؟، وهاهو ابن عمك زين العابدين يسقط أمام عينيك..، فهل تتعض؟..
ــ هل يمكن لبعض من ضمير وطني أن يحرك فيك وفيمن حولك حساب النتائج؟ لو تحرك الشارع السوري، فلن يقتصر الأمر على ماجرى في تونس، لأن أهل تونس ذاقوا يوماً وعرفوا عن كثب معنى الديمقراطية والانتماء لأكثر من حزب، فحتى قمع ابن علي كان أكثر رحمة مما عرفته سورية في عهد والدك وما تعرفه اليوم على يديك، لهذا سينقلب الشارع إلى فوضى وثارات لانعرف إلى أين يمكنها أن تأخذ البلد..فهل ترضى لسوريا بمصير عرقنة أو صوملة..أو لببنة؟..حتى لانبتعد كثيراً..وهاهي لبنان مقدمة على حرب أهلية جديدة بفضل أصابع أزلامك وعبثك وتدخلهم في الشأن اللبناني ومحكمته الدولية، التي لايريد من ورائها هذا الشعب المنهك من حروب إلهية وأهلية وردعية ..لايريد سوى العدالة ولا ينشد سوى معرفة القتلة ومحاسبتهم..وأنت ونظامك خير من حمى وخطط للقتلة.
ــ هذا الفساد الذي ينخر المجتمع السوري كما السوس في الخشب، ألا يقوض بنيان الوطن؟ ألا يزرع الحقد بين المواطنين؟ ألا ترى كيف تكبر مساحة الفقر وتمتد وتتقلص مساحة الأرض المزروعة كما تتقلص وتجف منابع الماء ومصادرها نتيجة للهدر والتخطيط الخاطي من حكومتك؟ هل لديك مخططات إنقاذ ؟ ..لأن الزمن يسرع والجوع والفاقة كافرة ولا ترحم..أين هي لجان المحاسبة، التي نسمع عنها بين فترة وأخرى تطال رؤوساً ثانوية..دون أن تمس الأيدي الواضحة والكبيرة الخفية..التي تسرق قوت الشعب السوري وتثري على حساب لقمته؟..إنها الحلقة الأضيق من حولك ياسيادة الرئيس،يكفي أن نذكرك بالمرحوم عمك ” جميل الأسد” وما ترك وراءه من ميراث اختلف حوله الوَرَثة..قُدر حسب المصادر العالمية بما يعادل 4 مليار دولار..عدا الأملاك والأطيان.من أين له هذا؟ وماهو نوع الأعمال المشروعة ، التي كانت تدر مثل هذه الأرباح الخيالية على من أقام معاهد” لتحفيظ القرآن”..وأنشأ “جمعية المرتضى”!، بصفته الحريص على القرآن وعلى نشر وتوطيد الدين الإسلامي بين أبناء الوطن السوري باعتبار أن حزب البعث ..حزب السلطة علماني!!..هل تريد أن نذكر لك أسماء أخرى..كفواز الأسد ورعاياه وعمولاته في المرافيء السورية والمحاكم القضائية، أم خالك وابنه من آل مخلوف، أم شاليش ومن حوله؟!!..أم أن هؤلاء هم الأبعد عن المساءلة والمحاسبة ولا يمسهم شر أو مكروه باعتبارهم معصومون من بيت معصوم!.
أعتقد أنك تتابع عن كثب مايجري في تونس وما يحدث لعائلة ابن علي، لكني أود تذكيرك ..بأن ماسرقه من أموال الشعب التونسي مصيرها اليوم عائد لتونس، فبعد سويسرا، هاهم خبراء الاتحاد الأوربي يجتمعون ويعلنون أنهم سائرون في خطة تجميد أموال ابن علي وحاشيته ويراقبوا عن كثب حساباتهم كي لايسمحوا بأي إلتفاف أو تهريب أموال أو شراء مواد ذات قيمة من هذه الأموال…وهذا بالضبط ماحدث لشاه إيران..وأمواله…فلا تثق كثيراً بدعم أوربا..ولا بأمريكا…فهاهم يتخلون عن الساقط ابن علي..ويخترعون كل الحجج والأسباب التي أدت بهم لتوثيق العلاقة مع حكومة ابن علي..وأعتقد انه درس قوي ومتين ستعيد بعدها كل الدول النظر بسياساتها العمياء تجاه كل ديكتاتوريات المنطقة…وأنت على رأسهم ياسيادة الرئيس، فهل رأيت الصفحة الأولى من جريدة الليبراسيون الفرنسية الصادرة قبل أيام..وصورتك بين الصور المتوقع انهيارها وهربها كما هرب ابن علي؟!، لأنك بين المرشحين للسقوط، القضية قضية وقت ودور فقط.
أتعتقد أن ال630 ليرة سورية كزيادة لدعم المازوت تكفي لشراء صمت المواطن السوري؟ ..ماهذا الثمن البخيس؟..ألهذه الدرجة تحتقر ذكاء الشعب السوري؟ هل هناك سلعة رخيصة يمكن للمواطن العادي شراءها بسهولة؟ هل هناك قدرة شرائية للمواطن السوري تمكنه من شم رائحة البروتين الحيواني مرة في الشهر؟..تعرف تماماً ثمن البيت في العاصمة دمشق يعادل تماماً ثمنه في باريس..دون فارق العملة، كما تعلم جيداً أن أحزمة الفقر حول المدن السورية الكبرى حيث يسكن لاجئو الداخل وعددهم مليون ونصف يسنكون الخيم وعلب الصفيح، أتعرف أن نسبة الجياع في سورية يعادل مليونا جائع؟..ربما تضحك في سرك، وتقول أن كل هذه الأمور تصب في صالحك..وأقول إنه شيطان الغرور يزين لك..إنه شيطان السلطة يزين لك…إنه شيطان القبضة الأمنية تزين لك…إنه شيطان رجال الدين الداعمين لك يزينون لك ويمكنهم أن يطعنوك في الظهر عند أقرب فرصة تتاح لهم، إنه شيطان ضباطك الكبار حين يمنحونك المبايعة والولاء وتشتري ذممهم…لكننا لانعول على أمن ولا عسكر..وليس هذا ما أسقط ابن عمك زين العابدين..فقد زُين له خلال 23 عاماً..وأنت تعتقد أن جذورك أعمق غارقة في وحل مابناه والدك وما أسسه لك…لكن صمت الشعب مهما طال ومهما أصابه الخرس سينهض ..وهذه المرة سينهض من كل حدب وصوب وستكون البداية ربما في قرية صغيرة مغمورة فيها بوعزيزي سوري مختلف…يصرخ وتخرج من خلفه جموع الجياع…لتنتصر للحق والمواطنة…لكني كما قلت وحذرت.. سوريا ليست تونس يابشار الأسد…فلا تدع الخراب يعم أكثر مما هو سائد..ولا تلقي بسوريا إلى هتون حرب أهلية لاتبقي ولا تذر….ألا يكفي ماسوده لك ولوالدك تاريخ سوريا الحديث من صفحات عار يندى لها جبين الشرفاء والوطنيين؟!..عليك لا أعول ابداً…لكن ربما..ربما يأتي أحد من داخل حز ب البعث يحدث خلخلة في مؤتمركم القادم، ويطرح بروستورويكا تنتفض لسورية المحبة والوطن وتغير من وجه خارطتها السياسية…لم أتطرق للمعارضة…فمثلك لم يترك لها حقاً في الوجود….لكن ما أن تنطلق شرارة العد العكسي…حتى تقوم على قدميها وتقف مع الشعب وإلى جانبه كما صنعت معارضة تونس المحرومة والمبعدة وغير المعترف بها من ابن علي…وأنا وأمثالي بانتظار( طائرة الحرية) ، التي عاد عليها المناضل منصف المرزوقي ومنفيي ابن علي …وسيعود عليها كل المنفيين السوريين.
باريس 21/01/2011
خاص – صفحات سورية –