صفحات سورية

الحكومة و الشعب و الإضرابات

null

منصور أتأسي

تزداد الأزمات التي يعاني منها الشعب يوميا و يزداد مع الأزمات القمع الذي توجهه الحكومة للشعب يوميا أيضا.

فقد عاد الازدحام على أبواب المخابز التي افتقدناها منذ الثمانينيات ليشكل عبئاً يوميا لكل صاحب أسرة حيث يضطر ليقف ساعة أو ساعات أمام المخبز و يستقبل عدد من الكلمات و الشتائم من رجال الشرطة الذين أصبحوا ينظمون الدور و يضبطون الأمن أمام المخابز، بالإضافة للمعارك اليومية التي تحصل بين المواطنين المنتظرين لساعات أمام المخابز و خصوصا حين قدوم أحد صغار المسئولين ليحاول تجاوز الدور ليحصل على حاجته بسرعة . إن العديد من الجرحى سقطوا في الكثير من المخابز و في غالبية المحافظات في معركة الحصول على خبزهم اليومي .

نحن نعرف أن هناك أزمة أعلاف و أن هناك العديد من مربي الماشية يحاولون الحصول على كميات من الخبز لينقذوا بها قطيعهم المهدد بالفناء بسبب شح الأمطار هذا العام و بسبب عدم تدخل الحكومة لإنقاذ القطيع عن طريق استيراد كميات كافية من الأعلاف و بيعها بسعر مقبول لمربي الماشية أو قروض طويلة الأمد للحفاظ على ماشيتهم فقد تركت الحكومة مهمة إنقاذ القطيع للتجار الذين احتكروا الأعلاف و أصبحوا يبيعونها بأسعار خيالية .

و رغم ذلك فإن الحكومة قادرة على توزيع الخبز للمواطنين و احترامهم و عدم إهانتهم إذا عادت لنظام المعتمدين في الأحياء و القرى الذي كان معمولاً به سابقا أيضا و الذي أثبت نجاحه . حيث يكلف المعتمد و هو صاحب مخزن يعرف من حوله بتسجيل أسماء المعنيين بتوزيع الخبز عليهم و يسجل دفتر العائلة و عدد أفراد الأسرة و هكذا يصبح التوزيع عادل و لا يحصل هذا الازدحام و التضارب و يتجنب المواطن تدخل الشرطة أيضا إلا أن الحكومة ارتأت أن توزيع الخبز مناصفة بين الإنسان والحيوان فاضطرت لتعميم الفرض …و هكذا كان و مع ظهور واستغلال أزمة الخبز أعلنت الحكومة عن بدء توزيع (( بونات المازوت )) لكل أسرة و حدد الموعد الأول شهر واحد لإنهاء التوزيع … و هكذا فقد توافد على مراكز التوزيع أرباب الأسر مع دفاتر العائلة ليحصلوا على حصتهم السنوية في بطاقات المازوت .. و أيضا بدأ التضارب بين المواطنين و حضر رجال الأمن لبعض مراكز التوزيع و استخدموا القسوة لينظموا الدور و أيضا اضطر المواطن المسكين أن ينتظر أياما أحيانا قبل الحصول على(( بوناته )).

و الواضح أن الحكومة قد قررت توزيع(( بونات المازوت )) قبل الإعلان عن غلائه كي تلهي الشعب بالحصول على مخصصاته من التموين و التهيئة نفسيا لغلاء المازوت دون أن يقوم بأي تحرك احتجاجي و سيكون سعيداً بحصوله على بوناته من المازوت و الملاحظ أن الحكومة وزعت قسائم المازوت لسنة واحدة فقط وهذا ليس غريبا على هكذا حكومة و نعتقد أن هناك سببين لهذا الشكل من التوزيع :

1ً_كي يبقى المواطن قلقا و رافضا لإدارة الحكومة فلا يوجد قانون يجبرها على التوزيع السنوي فلا تستطيع القيام بأي احتجاج خشية أن تحرمه الحكومة من نعمة القسائم .. و خصوصا و هو منهك اقتصاديا قد لا يستطيع الحصول على دفء الشتاء في حال أوقفت الحكومة توزيع القسائم

2ً_قد يكون التوزيع لمرة واحدة لامتصاص الغضب ثم تنتهي من هذه الأعباء التي تتحملها نتيجة توزيع القسائم بأسعار مدعومة فالمواطن في بلادنا لا يستحق أي دعم.

و إذا تابعنا أزمة المازوت نلاحظ أن الازدحام شديد أمام محطات توزيع المحروقات رغم أن فصل الشتاء قد انتهى و استهلاك المازوت المخصص للتدفئة قد توقف تقريبا .بعد أن تعرضت سورية لادفأ آذار في تاريخها …و أيضا فان الحديث عن التهريب الفردي للمازوت لم يعد مقنعا لان أزمة توزيع المازوت طالت كافة المحافظات الحدودية و الداخلية …و هكذا فإن اللامنطق هو السائد في الحكومة التي يتضرر منها المواطن بشكل يومي حيث تقف ما بين الخمسمائة ألف و المليون سيارة و آلة زراعية تعمل على الديزل ساعات للحصول على بضعة ليترات من المازوت لا تكفيها لإتمام عملها اليومي .

و صدر في هذه الفترة قانون السير الجديد و سيبدأ تطبيقه منتصف أيار و يؤكد كل المهتمين والمطلعين أن هذا القانون هو أسوأ قانون للسير في العالم .. حيث حول المخالفة إلى جنحة و الجنحة تحتاج إلى حاكم لا شرطة و بدأ يبتز المواطن صاحب الآلية و شجع شرطة السير لزيادة كتابة المخالفات بعد أن منحهم نسبة من كل مخالفة و أطلق يدهم .. لقد لاحظ الحقوقيون أن تعديلات قانون السير جائرة و متناقضة مع مفهوم المخالفة و متناقضة مع الدستور ..ووضع أكثر من مليوني سائق و صاحب آلية أمام ابتزاز و رعب دائم من أي مخالفة لابد أن يتعرض لها ..خصوصا بعد أن تدفقت ملايين السيارات إلى البلاد و بعد سماح الحكومة باستيرادها وأصبحت طرقنا وشوارعنا لا تتحمل هذا الاكتظاظ الغير مسبوق و بدلا من أن توظف جهدا استثنائيا لتامين ما يلزم من أنفاق و مراتب وجسور يسهل اختناقات المرور و المخالفات . و يخفف من حوادث المرور المؤسفة عمدت الحكومة على تحبير كل هذه المخالفات بشكل أقرب للابتزاز منه لمفهوم المخالفة و قد خمن احد الصحفيين في صحيفة البعث بعددها الصادر بتاريخ الأول من أيار 2008 قيم المخالفات المفروضة و عرض قيمها بالدولار ليخفف الرقم فقد كتب ما يلي حرفيا (( رشد القانون الجديد قيمة الغرامات المالية لتبدأ ما يعادل /5/ دولارات وصولا إلى ما يعادل /2000/ دولار أمريكي أو السجن لمدة سنة في حال التسبب في موت احد الأشخاص و ينص على فرض مبلغ /300/ دولار أمريكي (/15000/ل.س الترجمة عن كاتب المقال ) و حجز المركبة و السجن من شهر إلى ثلاثة أشهر في حال القيادة الرعناء و /200/دولار أمريكي /10000/ل.س في حال عدم تقيد السائق بإشارة المرور الضوئية و /200/ دولار إذا تجاوز السائق مركبة وهي في حال تجاوز مركبة أخرى … و توالت أرقام المخالفات من /500/ دولار أمريكي و /200/ دولار أمريكي …..و هكذا دواليك ))

و نعتقد أن الكاتب قد حسب قيمة الدولار بــ/50/ ل.س و هكذا رفع ثمن الدولار و خفض قيمة الليرة السورية ….ولو كانت صحيفة أخرى كتبت مثل هذه الأرقام لاتهموها بإهانة العملة الوطنية و التسبب بوهن الروح الوطنية ..وهكذا.. تعتبر أن الكاتب لجأ للدولار للتخفيف من وقع الأرقام الكبيرة أي لا توجد مادة تنص على (جلده مائة جلدة) و هكذا فالقمع هناك مادي بحيث سيدفع موظف أو مهندس مكتب أو طبيب متوسط الدخل كامل دخله لقيمة مخالفة إذا ارتكبت من قبله أو تهيأ لشرطي المرور أن ما قام به يعتبر مخالفة ونحن بانتظار أرقام حوادث المرور العام القادم التي نعتقد أنها ستزداد بنسبة زيادة أعداد المركبات المختلفة فإننا نعتقد أن الحل هو إقامة مشاريع قادرة على امتصاص الاختناقات المرورية الخطيرة التي أصبحت حالة يومية في مراكز مدننا الكبرى و الانتهاء من عقلية قمع المواطن و تحميله مسؤولية فشل الحكومة في إيجاد حل لهذه المسالة.

و مع بداية الصيف بدأت تزداد فترات انقطاع المياه لتصل إلى أرقام غير مسبوقة. ففي بعض المدن الكبرى تنقطع المياه لمدة /20/ ساعة متواصلة . ونعتقد أن الأربع ساعات لن نحصل عليها في منتصف الصيف أو في السنوات القادمة . السبب ليس الجفاف الذي تتعرض له بلادنا هذا العام ورغم انه يشكل نسبة بسيطة من الأسباب الحقيقية السبب الرئيسي هو تقصيرالدولة في تامين مصادر جديدة لمياه الشرب و خصوصا في المدن الكبرى فمن واجبات أي حكومة أن تحسب زيادة عدد السكان كل /25/ سنة و تؤمن مصادر مشاريع مياه تغطي زيادة السكان وتخفف الاستياء خلال هذه الفترة. إلا أن حكومتنا لم تغط هذه الزيادة في أي مدينة كبيرة ، و السبب الآخر هو الفساد و جميعنا يعرف مصير سد زيزون الذي كان مفترضا أن يؤمن ملايين الأمتار المكعبة من المياه . وأيضا الفضيحة الأخرى التي لم يجرؤ احد على إعلانها في بناء سد زيتي في منطقة القصير الذي يفترض أن يخزن /50/ مليون م3 من المياه لصالح مياه الشرب في مدينة حمص و قسم هام من ريفها إلا أن هذا السد لم يستطع تخزين المياه بسبب التشققات الجوفية الواسعة التي سربت المياه رغم ترميم أمكنة التشققات بآلاف الأمتار المكعبة من البيتون و التي كلفت مليارات الليرات السورية وأدت إلى منع تدفق المياه الجوفية على بحيرة عين التنور التي تروي المدينة فانخفضت كميات المياه الواردة إلى حمص بدلا من أن تزداد و لا يجرؤ احد على إثارة هذا الموضوع الحيوي الذي سيؤدي استمرار الصمت عنه إلى كارثة في مياه الشرب في هذه المدينة و أيضا لم يفكر احد بجر المياه الحلوة التي تذهب للبحر و التي تقدر بـ/2/مليار م3 سنويا و التي ستؤمن مردود في حال استخدامها في الزراعة و الري و مياه الشرب؛ مردودا يوازي مردود النفط في ذروته و تؤمن الشغل لملايين العاطلين عن العمل . إلا أن اهتمامات الحكومة ليست هنا .

وبنفس النتيجة العكسية تأتي تصريحات رئيس الوزراء ممثلا حد الحكومة الذي يعلن فيها أن الحكومة بصدد تأمين زيادة مجزية للعمال و بعد كل تصريح من هذا النوع ترتفع الأسعار و تحتكر المواد بهدف بيعها بالأسعار الأعلى وبدلا من أن تأتي الزيادة يزداد دخل التجار المحتكرين الكبار و تقفز الأسعار بنسب جنونية غير منطقية و لا تأتي الزيادة المنتظرة التي ستكون هزيلة مهما كانت نسبتها.. و نحن ننصح الحكومة أن لا تطلق التصريحات غير القادرة عليها وغير المهتمة بها كما يتسع القمع ليشمل الغالبية العظمى من المواطنين .

الاستشهاد في الحصول على رغيف الخبز وعلى قسيمة المازوت وعلى كمية المازوت اللازمة للتشغيل و على الحصول على الأعلاف من أجل الحفاظ على الثروة الحيوانية التي تحميهم و تحمي الوطن . و في الحصول على مياه الشرب و في التدهور المباشر لدخولهم الناجم عن الزيادة المستمرة و اليومية للأسعار . أي في كافة مجالات حياتهم . وكما هو واضح فإن الحكومة غير قادرة على حل أي من الأزمات التي تنتهك كرامة المواطن و حياته اليومية و هذه الأزمات في ازدياد مما يؤشر على فشل الحكومة …و لكنها تنجح في تأمين ثروات أسطورية لبعض الأسطوريين

و كما هو واضح فان أسلوب الكتابة و الانتقاد التي تلجأ إليها بعض الصحف لم تجد شيئا بل زادت في الاحتقان الاجتماعي وساهمت في تسهيل تنفيذ هذه السياسة المدمرة للوطن ووضعت كل الحلول بيد الحكومة حين اعتبرت أن السبب هو الفريق الاقتصادي بمعنى أن الحل بيد الحكومة مخالفة بذلك أي منطق لإدارة الدولة إذ لا يعقل في أية حكومة في العالم أن يستمر فريقها الاقتصادي بعكس توجهاتها .

الحل بيد الشعب كما أكدت الأحداث الأخيرة في مصر و اليمن و لبنان و المغرب وتونس و الأردن، الخ

ففي مصر أجبرت إضرابات العمال في ”المحلة الكبرى“ جميع القوى السياسية على التعامل مع مطالبها بكل احترام ، فقد أعلن حزب الأخوان المسلمين على المشاركة في الإضرابات التي دعت إليها النقابات في الثامن من أيار و دعا أنصاره للمشاركة الواسعة في هذه الإضرابات بعد أن رفض المشاركة في إضرابات المحلة الكبرى و اعتبرها لا تعنيه وليست هي الأساس في نشاطه ورفضه الشعب وتجاهله واضطره أن يعلن المشاركة في الاحتجاجات العمالية اللاحقة حتى يحافظ على ما تبقى من تأثيره، وسبق حسني مبارك الجميع وأعلن عن زيادة قيمتها 30% لعمال القطاعين العام الخاص. بعد أن اعتبر أن الاحتجاجات العمالية في المحلة الكبرى من فعل غوغاء . وأن مطالبهم في زيادة الأجور غير مبررة وغير منطقية، وستساهم في زيادة الأزمة الاقتصادية . ولكن أجهزته أبلغته أن الإضراب القادم سيكون واسعاً جداً وقد يهز أركان نظامه وشركائه من الطفيليين والقطط السمان التي طلبت منه إعلان الزيادة الأخيرة لامتصاص النقمة العارمة التي تجتاح الشعب . وهكذا انتصرت إضرابات المحلة الكبرى.

وفي دبي فقد اعتقلت الحكومة جميع المطالبين بزيادة الأجور وعددهم /600/ عامل من الآسيويين وأبعدت قسماً منهم ولكنها بعد ذلك خضعت لمطالبهم وزادت أجور العاملين وخصوصاً عمال الخدمات .

وفي لبنان أفشل معلمو لبنان كل التعبئة الطائفية والمذهبية حين شاركوا جميعاً بإضراب يطالب بزيادة رواتبهم بما ينسجم مع زيادة الأسعار وعندما دعت النقابات اللبنانية لإضراب عام ولاحظت الحكومة أن هذا الإضراب سيشمل كل مناطق لبنان وعماله بدأت حملة كبيرة لكسر الإضراب وتدخل بعض رجال الدين من مختلف الطوائف للتخفيف من أهميته أو لتجيير أسباب الغلاء ضد الخصم ولكن العمال ماضون في الدعوة لإضرابهم وأكدت احتفالات الأول من أيار في لبنان أن حجم المشاركة في تنفيذ الإضراب ستكون واسعة جداً وهكذا يحطم عمال لبنان البنى الطائفية ليصنعوا بجهودهم لبنان غير قابل للاختراق إنهم بكلمة يصنعون مستقبل لبنان الآمن .

وهكذا فإن سلاح الإضراب هو الأمضى والأكثر فاعلية في مواجهة الوضع الاقتصادي المتردي والأزمة الاقتصادية العالمية التي يحاول الطفيليون الهروب من نتائجها والتحريض على العمال مستفيدين من حالة القمع التي تصيب كل محتج . ومن حالة التراجع والتبعثر في الحالة السياسية اليسارية

إننا نتوجه إلى كافة القوى السياسية وجميع من تهمهم كرامة شعوبهم ووطنهم كي يتفقوا على التحرك الهادف للتخفيف من تأثيرات الأزمة الاقتصادية التي تتصاعد بسبب السياسة الاقتصادية الفاشلة للحكومة والمدمرة لحياة العمال.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى