أوقفوا القتل ، وأولاً هذا القتل باللغة
بقلم مواطن
أنا مواطن لبناني عادي. أشعر بالهول والذهول والغضب بسبب الانهيار الفادح الذي يستشري في جميع مرافق الحياة العامة، الاجتماعية منها والاقتصادية والسياسية والإعلامية والأخلاقية، فكراً وقولاً وفعلاً.
لا أريد أن أعلن اليأس مما آلت اليه الاحوال في هذا البلد الجميل، بل أجدني، كلما تراكمت علامات هذا اليأس وتجلياتها على أرض الواقع، متشبثاً أكثر فأكثر بالأمل وبإمكان الخروج من عنق الزجاجة. لكن الى متى أظل أستطيع. الى متى يظل المواطن الأعزل والآدمي يستطيع رفض اليأس ومقاومته؟!!!
لا أعرف لماذا يركض الناس، جميع الناس، نحو الهاوية، تفكيراً وقولاً وفعلاً. فبدل أن يتأملوا في واقع حالهم، وحياتهم وحياة أولادهم، وأين كانوا وأين أصبحوا، وفي أسباب التأزم والفساد والانهيار، وفي مصير بلدهم، وبدل أن يحاسبوا أنفسهم، كلٌّ بمفرده، وبجماعته، على هذا النزول المهين في الهاوية، أراهم يمعنون في الركض. أكرر: يمعنون تفكيراً وقولاً وفعلاً. ونحو الهاوية. فلا إعادة نظر في ما يفكرون ويقولون ويفعلون. ولا التفات الى العقل أو الضمير أو “الأخلاق”. بل توّاً نحو الهاوية.
عندي سيئات بالطبع ولستُ شخصاً بريئاً من الذنوب. ولستُ مخلّصاً ولا رسولاً ولا مصلحاً. لكني لستُ قاتلاً البتة، لا بالفكر ولا بالقول ولا بالعمل. ألحّ وأشدّد: ولستُ قاتلاً حتى باللفظ وباللغة. ولستُ مرتشياً ولا مرتهناً لوصيّ في الداخل أو في الخارج، ولستُ عميلاً، ولا أقبض راتباً من أحد، سوى راتب عرق الجبين. لهذا السبب أسمح لنفسي بأن أصرخ: أنا أرى الهاوية، أنا أرى الهاوية، ولا أرى سوى الهاوية. وأريد أن أصرخ بكم، وبنفسي، وأن أحول بيننا وبين هذه الهاوية، لكني بدل أن أحقق شيئاً إيجابياً من ذلك، تكادون تشقلبونني معكم فأنجرف الى تحت.
أعرف أن صرختي المستغيثة هذه ستذهب هباءً، هي الأخرى، لتنضمّ الى صرخات سوايَ من الذين يصرخون في هذا الاتجاه. لكني سأظل أصرخ. فماذا تفعلون بنا أيها الزعران؟ ماذا تفعلون بأصول الحياة العامة ومبادئها، فكراً وقولاً وفعلاً؟! لماذا تدمّرون كل شيء؟ لماذا تدمّرون أصول التعاطي والتفكير والقول والفعل، ولماذا تنقلوننا الى تحت. الى تحت التحت. الى هاوية الهاوية؟!
عندي سيئات بالطبع، لكني أكاد لا أكون منتمياً الى طائفة إلاّ من حيث الولادة والنشأة والتربية. فأنا آدمي من حيث المبدأ. وآدمي عملياً. أذهب الى شغلي كل صباح وأنفّذ ما يطلبه مني القانون. أدفع الفواتير، الطبيعي العادل منها والمضخَّم والمجحف. وأقع يومياً تحت تراكم الديون. مع ذلك أقوم بواجباتي على أكمل وجه. فقط، أريد أن أحصل على حقوقي. على أبسط حقوقي ليس إلاّ. فقط أريد أن يتوقف هذا القتل بالفكر والقول والفعل، الذي يمارسه الغرائزيون والقطعان البشرية، جماعاتٍ وأفراداً، من كل حدب وصوب، ومن تحت الى فوق، ومن فوق الى تحت، ابتداءً بالناس العاديين وليس انتهاء بالسياسيين والمنتمين الى السياسيين والميليشيويين والسارقين والمقتنصين والمنتهزين وشذّاذ الآفاق والمهتمين بالشأن العام وأصحاب المهن المادية والمعنوية وأهل الوظائف ورجال الأعمال والمال والإعلام والفكر والقول والفعل.
أريد أن يتوقف هذا القتل المخيف الذي ينفَّذ على مرأى من الجميع، وتحت أسماعهم، وبمشاركتهم، فكراً وقولاً وفعلاً. لكني لا أرى أمامي سوى الذين يحاكمون وينصبون المشانق ويعدمون الناس.
القتل. لا أرى سوى هذا القتل. لا أرى سوى هؤلاء وأولئك من الذين يتهمون الناس، مرةً بالعمالة لإسرائيل، ومرةً بالخيانة الوطنية، ومرةً بالارتهان. ومرةً بسرقة الأموال والكراسي، ومرةً بالفساد في أحواله كافةً، مستخدمين أبشع العبارات، وأحطّها، وأشدّها هولاً وإرعاباً، فيفتكون بالناس فتكاً، ويشوّهون سمعتهم، وينهشون أجسامهم وأرواحهم، ويصدرون الأحكام في حقهم، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعلمياً وأدبياً ودينياً وأخلاقياً وفكرياً وإعلامياً ومعنوياً وفعلياً. في المقابل، هؤلاء وأولئك، يمنحون من يشاؤون وساعة يشاؤون صكوكاً وبراءات في الوطنية والنزاهة والفكر والأخلاق والترفع عن القتل الفكري واللفظي والفعلي، ويجعلونهم ملوكاً وقادةً وزعماء وآلهةً وأحزاباً منزّهين من كل ذنب وعيب.
يا هوه، يا جماعة، يا سامعين الصوت. أنا لا أدعو الى وقف النقد أو عدم التعبير عن الرأي والموقف، مهماً يكن جريئاً وواضحاً. لكن تأدّبوا قليلاً. بل تأدّبوا كثيراً.
أوقفوا هذا القتل، وأولاً بأوّل أوقفوا هذا القتل باللغة.