«الغضب» المصري يخترق الحصار الإعلامي
بلاش «تويتر»… هيّا إلى (ميدان) التحرير
السلطات المصريّة تعلّمت من «ثورة الكرامة» في تونس، فسارعت إلى تضييق الخناق على الشبكة العنكبوتيّة. بعد قطع «تويتر» ثم «فايسبوك»، وحجب مواقع «الدستور الأصلي» و«البديل الجديد»، تيقّن الجميع من أن ما يحدث في الشارع ليس عابراً. هراوات الشرطة طاولت الصحافيين، ونزل الفنانون إلى المعترك
محمد عبد الرحمن
القاهرة| لم تكد تمضي ساعات قليلة على نشر عبد الله كمال، رئيس تحرير «روز اليوسف»، برقيّة على موقع «تويتر»، مفادها أنّ عساكر الأمن يتصدون للمتظاهرين (إنما) من دون «هراوات»، حتّى حجبت الأجهزة الموقع بالكامل. كان يكفي ذلك كي يتأكّد الجميع ـــــ حكومةً ومعارضةً ـــــ أن ما يحدث في الشارع أقوى من مبررات الصحافي المحسوب على الحزب الحاكم في مصر.
هذه المرة، لم يتنبّه صحافيو الحكومة إلى أن الوضع مختلف، وأن التعامل معه يتطلّب حكمة وجدية. كان الجميع يتوقّع، بما في ذلك المعارضون، أنّ ما حدث في «يوم الغضب» المصري لن يتعدى تجمّع المئات هنا وهناك. وفيما غطت أحداث «يوم الشغب» في لبنان على هدير شوارع القاهرة، ظن المشككون في غضب الناس أنّ ذلك اليوم سيمر بسلام، لكن المؤشرات المقلقة تراكمت: حجب موقع «الدستور الأصلي» و«البديل الجديد»، ثم موقع «تويتر»، وأخيراً إقفال «فايسبوك» أمس (راجع الصفحة 17)، ومنع أجهزة الخلوي من التقاط الشبكة في ميدان التحرير… كل هذا أكد للجميع أن ما يحدث أكبر بكثير. في ميدان التحرير، جلست أول من أمس مجموعة من الشباب في أحد المقاهي تتابع قناة «الجزيرة» كأنّ أفرادها أمام مباراة كرة قدم، لكنهم صُدموا بأنّ القناة القطرية لم تركّز على أحداث شوارع القاهرة، بل كانت تنقل ما يجري ببرودة حتى السادسة مساءً، فيما دافع مدير مكتبها في القاهرة عبد الفتاح فايد عن موقف القناة عند منتصف الليل، مؤكداً أنّ الصدقية هي التي جعلت القناة تتروّى قبل نقل الأخبار، لكن كلام عبد الله كمال وتبريرات عبد الفتاح فايد لم تصل إلى الناس، والتشويش على شبكات المحمول وحجب مواقع الإنترنت لم تؤثر جميعها كثيراً في حماسة المتظاهرين. بينما كان الناس ينتظرون أن يروا على الشاشات ما يدفعهم إلى التحرك، بدأت التحركات هذه المرة من الشارع… ولتنقل القنوات الإخبارية ما شاءت وكيفما أرادت.
في المساء، لم يكن المعتصمون أيضاً يحتاجون إلى متابعة برامج الـ «توك شو» المصرية التي واجهت حرجاً بالغاً تلك الليلة. لكن تأثير ما حدث، وصل إلى الجالسين في البيوت. وعندما أشاد مقدما برنامج «مصر النهاردة» على التلفزيون الحكومي بالمتظاهرين وبرجال الأمن على حد سواء، واعترفا على الشاشة الرسمية بأن من حق الناس أن يعلنوا مطالبهم، بدت الرسالة واضحة بأن أيّ هجوم من الطراز القديم على المحتجين في ميدان التحرير وباقي مدن مصر، لن يجدي إعلامياً هذه المرة. حتى البيانات الرسمية التي نسبت ما حدث إلى عناصر مندسة من الإخوان المسلمين لم تلقَ أيّ صدى.
وفي برنامج «الحياة والناس» على قناة «الحياة 2»، تمالكت الإعلامية رولا خرسا نفسها بصعوبة، عندما قال ممثل الحكومة إنّ الخاسرين في الانتخابات البرلمانية يقفون وراء هذه التظاهرات. راحت تعترض على أقواله قبل أن تترك الكلمة لضيفها الآخر الكاتب الصحافي صلاح عيسى، الذي دحض تضليلات المتحدث الحكومي. بينما حاولت منى الشاذلي أن تقدّم استعراضاً متوازناً لكن مع الإشارة الدائمة إلى أنّ الأمن سمح بتصوير التظاهرات ولم يحجب أيّ معلومة، إلّا أنّ برنامج «العاشرة مساءً» الذي تقدمه الشاذلي على «دريم 2» بدأ وانتهى قبل منتصف الليل، أي قبل فض الاشتباكات بالقوة.
وعلى العموم، تبقى الملاحظة الأهم على برامج الـ «توك شو» في آخر «يوم الغضب»، أنها استبعدت كلّ أصحاب الآراء المعارضة، وفضّلت الاستعانة بالحكوميين والمحللين المستقلين، القادرين على صياغة وجهات نظر مختلفة بأسلوب هادئ. وهو الأمر الذي سمح بخروج العديد من التصريحات الغريبة والمثيرة للسخرية في آن واحد. وكان أكثرها انتشاراً تأكيد رئيس تحرير «الأهرام» أسامة سرايا أنّ الحزب الوطني قادر على حشد تظاهرات ينضم إليها 10 ملايين مصري! وجاء العنوان الرئيسي لجريدة الجمهورية «صباح الأربعاء «3 الآف خرجوا ليعبّروا عن رأيهم في الشوارع والميادين»، ليشير بوضوح إلى استراتيجيّة الإعلام الحكومي المصري هذه المرة، ألا وهي التركيز على «ضعف المشاركة الشعبية» في تظاهرات الثلاثاء. يبقى السؤال الأهم: إلى أيّ مدى يمكن تلك الصحف التي فقدت صدقيّتها أن تخاطب الشارع المصري؟
في المعمعة
صحيح أن هناك عدداً كبيراً من الفنانين المعروفين أعلنوا مشاركتهم في «يوم الغضب»، إلّا أنّ الوجود الحقيقي كان لأبناء الجيل الحالي من السينمائيين المصريين، وخصوصاً المؤلفين والمخرجين الذين تعرض بعضهم للاعتقال مساء الثلاثاء، مثل السيناريست محمد المعتصم، والمخرجَين الشابين ياسر نعيم وعبادة أشرف. إلى جانب هؤلاء، شارك كثيرون في التظاهرة الأضخم في ميدان التحرير، من بينهم السينارست وائل حمدي، والمخرج فوزي صالح، والمخرج عمرو سلامة، والسيناريست محمد دياب. فيما برز من النجوم عمرو واكد، الذي لم يكتف بالتضامن على «فايسبوك» قبل حجبه أمس، بل شارك في تظاهرة شبرا ووزّع المياه على المتظاهرين. فيما أعلن خالد الصاوي (الصورة) الإضراب عن العمل في اليوم نفسه، وهو ما أعلنته أيضاً جيهان فاضل، التي تشاركه بطولة فيلم «الفاجومي». وكان الفنانون عزت العلايلي، ومجدي صبحي، وأحمد عبد الوارث وآخرون قد أعلنوا تأييدهم ليوم الغضب، فيما التزم قادة النقابات الفنية الثلاث الصمت كما هو متوقّع! غير أن الانتقادات الأكثر حدّة، طاولت الممثل محمد صبحي، الذي أطلق تصريحات ندّدت بيوم الغضب، وأكّد أنّ ظروف مصر مختلفة عن تونس. ويبدو أن صبحي لم يتعلم من درس عادل إمام الذي كان متخصصاً في إطلاق التصريحات السياسية المستفزّة للشارع، لكن الملاحظ أنّ «الزعيم» ما زال صامتاً ولم يعلّق على الأحداث حتى الآن. ربّنا يستر!