ثورة مصر

شيوخ الأزهر وسرّهم الباتع

كمال مغيث
«الشيخ البعيد سره باتع» يعد هذا هو الوصف المناسب تماما لتصريحات شيوخنا الأجلاء، وهو ما أسعد الأشقاء التوانسة الثوريين الذين أسقطوا طاغيتهم المتجبر المستبد فى أيام معدودة، وقد حمل إليهم الأثير والإنترنت فتاوى وآراء العديد من شيوخ وأساتذة الأزهر (كما نشرت «المصرى اليوم» ١٦/١)،  حيث يؤكد هؤلاء الشيوخ: «أن الثورة على الحاكم الظالم فرض دينى، وأن مبدأ طاعة ولى الأمر ليس مطلقا، بل مقيد بعدم مخالفة أوامر الله تعالى وتوفير الحياة الكريمة وحفظ كرامة الرعية، وأن الطاعة مرهونة بتوفير الحياة الكريمة والعدالة، وأن عدم تنفيذ الحاكم وعوده فى برنامجه الانتخابى يبيح للرعية الخروج عليه وعدم الالتزام بطاعته، وأنه إذا استشرى الفساد وأصبح ظاهرا ومخالفا لأحكام الشريعة وجب الخروج عليه».
والسؤال الذى يطرح نفسه هنا: إذا كانت هذه هى شروط الحاكم والحكم الذى تجب طاعته على المسلمين، فهل تجوز الثورة على الحاكم الذى يخالف تلك الشروط، وهل تطبق أحكام الشريعة فى مكان وتستثنى منها أماكن أخرى؟ وإذا كانت الإجابة بالنفى طبعا، فمتى يلتفت شيوخنا الأجلاء إلى بلادهم وقومهم وبنى جلدتهم، ومتى يلتفت شيوخنا إلى قضايانا التى أولوها اهتمامهم فى تونس؟
ولكى أسهل عليهم مهمة البحث والرأى فإنى أقدم لهم عينة مما يشغل الناس من قضايا ومنها على سبيل المثال: هل تجوز أن تمتد فترة حكم الحاكم إلى مالا نهاية أو «إلى مدد متتالية لا عدد ولا نهاية لها»؟ وهل ما استقر فى الفقه حول عدم وجود فترة محددة لحكم الخلفاء المسلمين الأوائل يصح ويجوز فى عصرنا هذا الحديث؟
وهل يجوز شرعا أن يظل الحاكم بمنأى عن المساءلة والحساب ووضع الحدود لوظائفه وصلاحياته وسلطاته؟
وهل يحق للحاكم أن يسعى إلى توريث ابنه الحكم والبلاد والعباد بعد أن يمهد له الأرض، ويمنع من أمامه كل ما يحول دون فوزه بحكم البلاد بإطار شكلى ومصنوع من الدستور وهو فى حقيقته مجرد توريث؟
وأيضا ما حكم تزوير الانتخابات؟ وهل يجوز أن يتولى الرقابة والتشريع مجلس للشعب مشكوك فى شرعيته من الأساس؟
وما حكم الالتفاف على الأحكام الباتة التى تؤكد حدوث التزوير فى عشرات الدوائر؟
وإذا كانت الطاعة مرهونة بتوفير الحياة الكريمة، فما الحكم الشرعى فى نظام يترك الملايين من أبنائه بلا عمل وبلا حياة كريمة ويجبرهم على ركوب البحر فى سفن متهالكة بعد أن يبيعوا – اللى وراهم واللى قدامهم- ليهربوا من جحيم بلادهم إلى مجهول بلاد الفرنجة أو الغرق فى الأعماق المجهولة للبحر العاصف؟
وإذا كانت العدالة شرطا للطاعة، فما الحكم فى ذلك التفاوت المذهل للثروات بين من يملكون القدرة على إنفاق عشرات الملايين من الجنيهات على مغامراتهم الحرام بين أحضان البغايا وبائعات الهوى، وبين من يضطرون إلى قتل أطفالهم ثم ينتحرون لعجزهم عن توفير لقمة العيش الكريمة لأبنائهم رغم أنهم يقدرون على العمل ويسعون إليه؟
وأخيرا ما حكم التستر على قضايا الفساد وهى بالعشرات؟ وما حكم حماية الفاسدين ومشاركتهم أرباحهم ثم حمايتهم وتهريبهم خارج البلاد بعد أن تكون «الفأس قد وقعت فى الرأس»؟
وأخيرا السؤال الأهم من وجهة نظرى: ما الحكم الشرعى وما هو رأى الدين فيمن يقعدون عن الحق ويرضون بالذلة وبالباطل وبحرماتهم تنتهك ويرضون الدنية فى دينهم ودنياهم ولا يثورون على الظالمين؟!
عن جريدة المصري اليوم 27/1/2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى