ثورة مصر

الاحتجاج على أميركا

ساطع نور الدين
قالها الرئيس الاميركي باراك اوباما بدلا من الرئيس حسني مبارك: «سمعت صوت الشعب المصري». لم يصل الى حد استعادة عبارة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الديغولية الشهيرة: «فهمتكم»، لكنه اعلن نفسه مسؤولا عن ادارة الازمة المصرية، التي تختزل الكثير من علامات التغيير في العالمين العربي والاسلامي، ما اطلق علامات الاستفهام عما اذا كانت واشنطن مرتبكة وخائفة فعلا من هذا التحول السياسي، ام انها تستجيب له وتنصح حلفاءها الطغاة العرب بالانصياع له، متخلية عن استراتيجية قديمة قدم علاقاتها الاولى مع العالم العربي.
الاشتباكات التي دارت في ميدان التحرير في وسط القاهرة امس بين مؤيدي الرئيس حسني مبارك ومعارضيه، اوحت بان ثمة خللا فادحا في الادارة الاميركية لما يجري في مصر، لم يسجل في ادارة واشنطن للازمة التونسية، على الرغم من ان الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي حاول ولا يزال يحاول من خلال قادة اجهزته الامنية تنفيذ انقلاب مضاد، بعدما باءت بالفشل ردود فعله الاولى على اسقاطه والمتمثلة بإحداث الفراغ واشاعة الفوضى. ثمة ما يسمح بالقول ان طرفي الصراع في مصر يعترضان الآن على الاقتراحات الاخيرة التي تقدمت بها واشنطن لضمان انتقال سلس للسلطة، واهمها اقناع مبارك بعدم الترشح لولاية سادسة في انتخابات الرئاسة في ايلول المقبل، وبتعديل الدستور بما يسمح بتخفيف شروط الترشيح.
فالمعارضون لمبارك كانوا وما زالوا ينادون برحيله فورا، ويتمنون لو ان اوباما الذي سبق ان اقنع بن علي بالخروج من السلطة، ومن تونس، سيلجأ الى السيناريو نفسه في القاهرة ولن يكتفي كما فعل بالامس بضمان بقاء مبارك في منصبه لثمانية اشهر اخرى، بينما يرفض الموالون، على قلتهم، مبدأ الاذعان للشارع ومطالبه، ويستعدون لعرض عضلاتهم واختبار قوتهم، على الاقل من اجل تعديل شروط انتقال السلطة، او حتى تغييرها جذريا. الفريقان يخاطبان واشنطن ويوجهان احتجاجاتهما نحو اوباما الذي لم يظهر حزما او حكمة كافية، او موازية لما اظهره في الحالة التونسية.
الامر معيب فعلا، لكنه حقيقي الى حد بعيد. هي مشكلة واشنطن قبل ان تكون مشكلة اي عاصمة اخرى. الجمهور المصري يعبر الآن ، كما عبر الجمهور التونسي بالامس، عن استيائه من حليف وثيق لاميركا ، افرغ السلطة من محتواها وافسدها خلف ستار الحاجة الى مواجهة الخطر الاسلامي المشترك مع الاميركيين… الذين اكتشفوا ربما الآن وبعد طول تقدير ان هذا الخطر كان مبالغا فيه، او حتى مفتعلا من قبل حلفائهم الطغاة، الذين استخدموه مبررا للبقاء في السلطة.
كيف ستتصرف واشنطن اليوم وغدا؟ هذا هو السؤال الاهم للاسف. لكل حالة عربية خصوصيتها وديناميتها، وما يصح في تونس لا يمكن ان يصح في مصر ولا في اليمن. وما صح في السودان والعراق لا يمكن ان ينطبق على لبنان والاردن، وبقية البلدان العربية المضطربة التي تشهد هذه الايام نهايات حقبة تاريخية تطويها الحملة العسكرية الاميركية بدرجات متفاوتة من العنف.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى