عصفور توفيق الحكيم.. وعصفــور الوزيــر
رؤوف مسعد
ذات مرة صرّح جمال عبد الناصر ان كتابات توفيق الحكيم اثرّت فيه كثيراً خاصة: عصفور من الشرق.. وعودة الروح.
لكن جابر عصفور، الذي قبل ان يكون وزيرا في وزارة الربع ساعة الأخيرة.. هو عصفور من نوع جديد !!
المدهش ان جابر عصفور حتى الأسابيع القليلة الماضية (كان) يحظى برضى وتأييد بعض المثقفين المصريين والعرب، حينما عمل رئيساً للمجلس الأعلى للثقافة في «حظيرة» فاروق حسني.. ثم مديرا للمركز المصري للترجمة.
المدهش أيضا ان مبارك أزاح فاروق حسني، خادم مبارك المطيع لعقود طويلة وصاحب التصريح الأشهر بإدخال مثقفي مصر «الحظيرة».. أزاح مبارك فاروق ووضع عصفورا بدلا منه.. السؤال الذي حيرني وحير المئات أيضا: لماذا يقبل عصفور منصب وزارة الثقافة.. وهو يعلم أكثر من غيره أنها وزارة «وهمية» ويقسم يمين الولاء لمبارك الذي اصبحت ساعات حكمه معدودة بعد ان غسل سادته الأميركان أياديهم منه؟
والسنوات الباقــية في عمــر كهل مثله معدودة أيضا؟
الرجل انهي سنواته الستين ودخل على السبعين.. وفقد ابنته منذ سنوات قلائل.. ويفقد بالموت زملاءه المقربين مثل نصر حامد أبو زيد والشاعر محمد صالح.. ويعاني من أمراض القلب.. لماذا يريد ان يصبح وزيرا في «نظام سياسي» متهاو؛ وهو المثقف الراديكالي؟!
حينما قرأ جيلي ملاحم مثل، عصفور من الشرق وعودة الروح وقنديل أم هاشم، ليحيى حقي.. كنّا نتثقف ونتعلم على إيدي أساتذة «أسطوات» في الصنعة وتعليم الشباب حب مصر من دون ان يكون في حسبانهم مناصب أو مكافآت من ملك أو حاكم.. ليلحق بهؤلاء العباقرة الأسطوات فؤاد حداد وصلاح جاهين وعشرات غيرهم ممن تصوفوا «في حب مصر».. عاشوا فقراء وماتوا فقراء بدون مناصب هامة.. حتى في الوقت الذي كان فيه ناصر – كقائد وطني – يحكم فيه مصر ويدير المعركة ضد الأجانب المحتلين ..لم يتقرّب المثقفون المصريون أو العرب من دائرة حكم عبد الناصر ولم يطلب هو منهم ذلك..
عاش المثقفون المصريون دائما على «هامش» الأنظمة الوطنية.. وعارضوا الأنظمة القمعية ..واستشهدوا في السجون وماتوا في المنافي..
سوف ينطبق على جابر عصفور، المثل المصري الحكيم «عصفور زنَّ على خراب عشه».
أي ان رصيد جابر عصفور الوطني المتضائل أصبح الآن.. صفراً..
المدهش ثالثا هو «رؤية» نظام مبارك المتهاوي للتاريخ الإنساني لمصر وشعبها.. فالنظام يشعل الحرائق بالقرب من أسوار المتحف المصري.. ذاكرة مصر على مر العصور ..يشعل الحرائق زعران وبلطجية وشرطة سرية.. في الوقت الذي يقسم فيه جابر عصفور يمين الولاء لنظام هذه رؤيته للتاريخ الإنساني لمصر…
أي خراب عقلي وثقافي هذا؟
إلى حيث ألقت…!!