فن صناعة الاستبداد
معتز بالله عبد الفتاح
شاء القدر أن تكون لذة المعرفة مرتبطة دائما بمرارة التجربة. وها نحن نمر بتجربة بالغة الحرج، تستحق أن نتعلم منها الكثير. وأول ما نتعلمه ألا نصنع «مبارك» آخر.
لا بد أن تختفي ثقافة «عشق الزعيم» وفكرة «صمام الأمان».
كل من يمجد الحاكم، أي حاكم، جعله وجعلنا جميعا ضحيته. كل من يغني للحاكم الأماديح من قبيل «ناصر يا حرية» و«عاش عاش» و«اخترناه اخترناه» وكل من حجب عن الحاكم النقد ووفر له بيئة لا يسمع فيها إلا مديحا، فقد أوجد داخل الحاكم فرعونا ضخما يلتهم عقله ويسيطر على فكره. وحين يكتشف الحاكم حقيقة كراهية قطاع من الناس له، لا يستوعبها خياله السياسي والشخصي.
ثقافة «مستبد، لكن» سيطرت على عقولنا لنقبل أي مبرر لقبول الاستبداد طالما أنه يحقق لنا الأمان أو يجعلنا «مستورين».
ليس مع الاستبداد عذر، وليس بعد الاستبداد جريمة.
يا أهل مصر، لا استبداد بعد اليوم؛ فكل ما أنجزه المصريون في ظل الاستبداد، سيضيع منهم بسبب الاستبداد.
ولا يقولن قائل إن السبب هو الشباب المتظاهر، لأن نفس الشيء كان يمكن أن يحدث لو مات الزعيم الذي ما تخيلنا قط أن نعيش بدونه، وما أعددنا العدة للحياة من بعده.
قولوا «لا» لكل مستبد متفرد بالسلطة. لا زعماء بعد اليوم، بل موظف عام بدرجة رئيس له مهام محددة دستوريا، ومرتب معلن جماهيريا ورقابة حادة على تصرفاته الشخصية والمهنية.
اسمحوا لي أن أقول إن مصر كانت ضحيتنا حين تخلقنا بالجبن، وأشبعنا حاجاتنا وشهواتنا الحيوانية (من مأكل وملبس وتلفونات وسيارات) ولكننا ضحينا بحقوقنا الإنسانية (من كرامة وحريات).
إلى كل شخص يبحث عن إجابة للسؤال عن من صنع «ناصر» و«السادات» و«مبارك»، فالإجابة هي نحن الذين قلنا: «قالوا لفرعون إيه فرعنك، قلت طلعت فيه ولم يردني أحد».
كل من قبل أو سكت عن أن تكون الانتخابات مزورة، وكل من عرف وسكت عن سيطرة رجال الأعمال على الحكم، وكل من علم وتجاهل إطلاق الفاسدين على المستفيدين من دون أن يقاوم، وكل من قبل أن يحول الرجل الجمهورية إلى إدارة عائلية، فقد ساهم فى صنع «الفرعون».
كل من رأى انتخابات اتحادات الطلبة تزور، والنقابات تجمد، والأحزاب تنفجر، ومؤسسات الدولة تتفكك، وعلاقات المجتمع تتحلل، فقد ساهم فى صنع «الفرعون».
فلا تلوموا المتظاهرين فى ربوع مصر، فهم رفضوا أن يكرروا أخطاء آبائهم.