الضجر سبب معقول
فادي ريحان
في طرفة متداولة منذ أعوام عن علاقة الشعب المصري برئيسه حسني مبارك، أن “الريّس” حين سقط عن منصة مجلس الشعب بينما كان يلقي خطابا موجها الى ممثلي الأمة، تم نقله الى المستشفى ليمضي فترة نقاهة، ثم تبيّن بعد الفحوص التي أجراها، ان سقوطه نتج من الإرهاق والعمل الدائم. الا ان المصريين بروح الفكاهة التي يمتلكونها أضافوا اليها، أنه بينما كان الرئيس في المستشفى، نزل المصريون الى الشوارع رافعين اللافتات هاتفين بشعارات التضرع الى الله، فسمع مبارك ضجيج الجماهير المتوجهة نحو المستشفى فسأل زوجته: “يا سوزان، في إيه؟”، فردّت السيدة الأولى: “أصل الشعب جاي يودعك يا سيادة الرئيس”. فسألها متعجبا: “هوا الشعب رايح فين؟”.
هذه الطرفة المصرية تختصر علاقة الشعب المصري برئيسه، فقد يرحل الشعب ويبقى الرئيس متربعاً على عرشه. وعلى رغم انه ليس للرئيس عرش، لكن هذه القاعدة باطلة في مصر، فللرئيس العرش، وبجانب العرش بطانته، أولاً زوجته ثم إبنه ثم أقرب المقربين ثم قادة الحزب الحاكم. هذه الصورة يمكن تخيلها أنها صورة العائلة الكبيرة التي تحكم مصر.
العائلة الكبيرة التي تحيط بالزعيم المصري، تستحوذ على معظم مقدرات الدولة، من عقود البترول الى شركات الاتصالات الى عقود الأشغال العامة الى الشركات السياحية الى العقارات التي يتم تجديدها على ضفاف النيل الى المدن السكنية التي تنبت كالفطر لتستوعب الإنفجار السكاني المصري الى صفقات الاسلحة، واخيراً وليس آخراً المساعدات الأميركية التي تقدَّر بمليارات الدولارات سنويا والتي تذهب في مزاريب الهيكل وحرّاسه. لكن ليس هذا فقط ما يصنع من مبارك ديكتاتوراً، بل اجتهاده في البقاء في الحكم، على ما يقول صديق مصري. فهو يشعر بأن مبارك ديكتاتور لأنه لا يشيخ، “لقد ولدتُ – والقول لصديقي المصري – وكان في الحكم، وتعلمتُ ودرستُ وهو في الحكم، وانجبتُ أولادا ولا يزال في الحكم، وها أنا وقد بدأت تظهر التجاعيد في وجهي ولا يزال جالساً على عرشه وهو في الشكل نفسه لا يتغير، كأنه يضع قناعا كلما خرج لمقابلة جماهيره. أريده أن يسقط، فقط لأنني ضجرتُ من رؤيته”.
حسناً، الضجر سبب أساسي لإسقاط الديكتاتور المضجر. لإسقاط صورته أولا التي هي نفسها منذ أواسط الخمسينات. لإسقاط أشكال المدن التي لا تنفك تهترئ ويتأكلها الغبار، وتتهاوى وتتداعى عمرانيا، فتصير مباني القاهرة على سبيل المثال، كأنها مفروزة من رحم الأهرامات. لإسقاط تأبيد الفقر وتبريره بل وتذويقه وجعله مفخرة، حتى يظن الفقراء ان فقرهم منهم ومن مجرد وجودهم ولا شكل آخر للحياة بعده. وينسحب الضجر على الصحف التي لا تفتتح الا بصورة الزعيم الأبدي ومقولاته الفارغة والطنانة حول موضوعات سخيفة، وكذلك التلفزيونات التي لا تتوقف عن التغني بوجود الزعيم المبجل الذي لولاه لما كان ثمة حاجة الى وجود التلفزيون أصلا. وحده هذا الضجر كفيل أن يبلور الرغبة بنفي الديكتاتور، او ربما باعتقاله، على أن يكون تعذيبه بوضعه في غرفة المرايا حتى يبلغ به جنون العظمة حدّ الموت.
لا أصدقاء للديكتاتور. هذا ما يعيه متأخراً، محمولاً على أكتاف ملايين الجماهير زاعقين صارخين، فيظن أن في إمكانه السير على رؤوسهم. لكن الجماهير تتجه به الى حفرة النار الضخمة لترميه فيها، وفي هذه الحال ليس هناك من يحوّل النار برداً وسلاماً ¶