الـ”فايسبوك” صديق الثورة
رامي الأمين
الشيخ إمام عيسى بُعث حياً على الـ”فايسبوك”، والفضل يعود إلى حسني مبارك. المضحك المبكي، أن الأمر استلزم ما يزيد على عشرين عاماً حتى يأخذ الشيخ إمام حقه. فالرجل مات، وشهرته تقتصر على بعض اليساريين والمهتمين بالموسيقى عموماً. وقد استطاع أن ينتزع، في بعض المراحل، بعضاً من هالة الشاعر أحمد فؤاد نجم الذي بلغت نجوميته مبلغاً يوازي نجومية الفنانات والراقصات. فهو اعتلى هواء قناة “دريم” لفترة طويلة، قدّم خلالها برنامجاً فنياً، وحلّ في تلك الفترة ضيفاً على فضائيات عربية كثيرة، متحدثاً عن مسيرته النضالية، لكنه غالباً ما كان يذكر الشيخ إمام بالمواربة، رفعاً للعتب، لا للضيم، الذي رافق الشيخ إلى قبره.
اليوم، مع انفجار “المرارة” المصرية، ثورة مشتعلة في الشوارع، عاد أحمد فؤاد نجم إلى الشاشات، بوصفه عرّاباً تاريخياً للثورة، وعاد الشيخ إمام إلى الـ”فايسبوك” من حيث لا يدري أحد. الشيخ المغمور، تحوّل في خضمّ الثورة الشهيرة، رمزاً لشبّان لم يسمعوا به قبلاً، ولم يستمعوا البتة إلى أغنياته. حتى اولئك الذين تخلّوا عن أجواء الشيخ إمام بوصفه يمثل زمناً يسارياً رثاً وبائداً، عادوا إلى التعبير عن انفسهم باستخدام اغاني الشيخ، التي كتب معظمها أحمد فؤاد نجم. فمن اغنية “شيّد قصورك”، إلى “مصر يا بهية”، مروراً “بكلمتين لمصر”، و”أنا الشعب ماشي وعارف طريقي”، وغيرها من أغانٍ اعاد الظرف الراهن إحياءها في رحم جيل جديد يستمع عادة إلى هيفاء وهبي وتامر حسني وعمرو دياب، ولا يرى في الشيخ إمام، إذا عرفه، إلا فناناً نخبوياً يسعل غير مبال خلال تأديته الأغنيات على العود.
بفضل الثورة المصرية، عاد الشيخ إمام مصرياً أخيراً، وانتبه “الرفاق” إلى أنه رمز مصري أولاً، قبل أن يكون رمزاً “أممياً”. خلال أحداث الثورة التونسية، التي أطاحت نظام زين العابدين بن علي، لم يفكر أحد في الشيخ إمام، ولم يستخدم أحد أغنياته أو ألحانه لدعم الثوار. ربما لأن الثورة التونسية لا تحمل ابعاداً إيديولوجية أو فكرية. ببساطة، الناس جياع، وثاروا لأنهم يريدون الطعام، ثم تأتي الحرية في مرتبة ثانية. في مصر الناس جياع أيضاً، لكن المشاريع الإيديولوجية والفكرية تتقدم على جوعهم، المستمر منذ ايام جمال عبد الناصر مروراً بأنور السادات، وصولاً إلى مبارك. لنا أن نتذكر أن الرؤساء الثلاثة هؤلاء سجنوا الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، كما سجنوا الإسلاميين والشيوعيين.
ما يلفت في عودة أحمد فؤاد نجم إلى الواجهة، يرافقه الشيخ الراحل، أن عالم الـ”فايسبوك” لم يستطع حتى الساعة إنتاج شعرائه وملحّنيه ومغنّيه. الثورة المصرية بدأت من الـ”فايسبوك”، ولم يستطع هذا الـ”فايسبوك” مجاراتها، فعادت به إلى زمن الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم. الشباب الذي لم يجد من يعبّر عنه باللحن والكلمة، استعار من الماضي مفرداته، وصدح بصوت الماضي.
شعراء مصر الشباب لم يستطيعوا التفوق على الشيخ إمام، الذي احتل الـ”فايسبوك” من قبره، هناك ربما، في العالم الآخر، يستخدمون أيضاً الإنترنت. أحد الفنانين اللبنانيين الشباب أرسل رسالة عبر الـ”فايسبوك” إلى الشيخ الأعمى علّه يقرأها، تعبّر تماماً عن حالة العجز الفني الذي يعاني منها فنّانو اليوم: “نفسي تقوم من قبرك عشر دقايق بسّ، وتشوف اللي عم بيصير، شعبك جايبلك عود، تذكار من قصر العميل، قوم لحّن غضب الشعب، هالمرّة من برّا الحبس، غنّي ع اكبر مسرح، مصر كلها مسرحك، غنّي مع اكبر فرقة، الشعب كلّو فرقتك، ما تزعل اذا كنت اعمى من قبل، كان لازم تكون اعمى تا ما تشوف الظلم، هلّق بطّل الها لزوم، شعبك خيّطلك عيون، لبسها وقوم، عشر دقايق ورجاع نام، وتطّمن هالمرة، شعبك قام”.
تحركت في طرف الميدان وأنا لا أرى شيئاً من دون النظارة. وجدت يداً تمسك بذراعي. كان أحد الشابين الصغيرين اللذين كانا معنا في الميكروباص. سألني: “مش محتاج حاجة؟ أوصلّك حتة؟”. شكرته. وإذا به يخرج ما في جيبه من جنيهات قليلة ويقول: “إحنا ممكن نقسمهم”. ابتسمت، وانتبهت لحظتها أن قنابل الغاز ليست المسيّل الوحيد للدموع”. ألا تعبّر تلك العبارة عن الشباب المصري أكثر من قصيدة نجم “كأني فلاح في جيش عرابي/ مات ع الطوابي/ وراح في بحرك”.
في مصر اليوم، يعيش الـ”فايسبوك”، ويموت النظام. “غيفارا مات” أيضاً، وكذلك الشيخ إمام. وأحمد فؤاد نجم لن يستطيع أن يكون صديقاً للثورة، طالما لا يمتلك اشتراكاً في الـ”فايسبوك” ¶