الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

… إنّه العقل

null
حازم صاغيّة
قبل أيّام قليلة أعلن الرئيس الإيرانيّ محمود أحمدي نجاد أنّ الولايات المتّحدة هي «العقبة الأساسيّة أمام عودة» الإمام المهديّ، الإمام الثاني عشر المغيّب لدى الشيعة.
لا أظنّ. فالولايات المتّحدة قد تفعل أشياء رهيبة، إلاّ هذه. وما يستبعد هذا التوقّع ما يفترضه التأويل الدينيّ من أنّ الإمام سيعود مصحوباً بالمسيح. وهذا ما يعني، بالتالي، أنّ واشنطن ستمنع المسيح من العودة كذلك. فهل يحتمل باراك أوباما ذلك؟. أشكّ في الأمر.
ما لا شكّ فيه، على أيّة حال، أنّ الولايات المتّحدة عزّزت، بعد 11 أيلول (سبتمبر) الشهير، إجراءاتها الأمنيّة. وهي فعلت ذلك في المطارات خصوصاً، كما في التشدّد في منح أذونات السفر إليها. مع هذا، فمن يقرأ تتمّة خطاب أحمدي نجاد في محافظة خراسان، جنوب شرق إيران، يتيقّن من أنّ الإجراءات لا تنفعها في شيء: ذاك أنّ «جبهة القوى الشيطانيّة بقيادة الولايات المتّحدة هي في طريق الاندثار بعون الله تعالى».
وهذا المعنى هو ما عاد الرئيس الإيرانيّ إلى تأكيده في دمشق، بالنسبة إلى إسرائيل، حليفة واشنطن. إذ «هذه المرّة ستقف كلّ شعوب المنطقة، وفي مقدّمها سوريّة وإيران ولبنان والعراق في وجه هؤلاء وسيقتلعون الصهاينة من جذورهم».
وذاك التناقض بين رؤيتين يحمل على الحيرة فعلاً، خصوصاً أنّ ثقافة أحمدي نجاد الدينيّة (حتّى الدينيّة) تبدو على قدر من التشوّش لا يساعد في توضيح المسائل التي تلحّ في طلب الوضوح. فهو رأى في الخطاب الخراسانيّ ذاته أنّ «العقبة الأساسيّة أمام عودة الإمام المهديّ هي قوى الاستكبار وعلى رأسها الولايات المتّحدة (…) لأنها تحرف الفكر الإنسانيّ عن الله والأنبياء وعن القيم الأخلاقيّة والربّانيّة». وهذه، في حقيقة الأمر، أسباب يُفترض بها، بحسب التأويل الدينيّ، أن تعجّل في عودة المهديّ. أو أنّ هذا، على الأقلّ، ما يقول به تيّار في الوعي الحاكم الإيرانيّ ذُكر مراراً أنّ نجاد يصدر عنه وينتمي إليه.
غنيّ عن القول إنّ العقل في منطقتنا ليس في وضع يُحسَد عليه. فنحن، خصوصاً متى كان الكلام عن أميركا وإسرائيل، نترجّح بين روايتين قياميّتين قصويين: في الأولى، هناك قوّة وجبروت شيطانيّان يتحكّمان بكلّ نسمة هواء، يجتثّاننا ويقتلعاننا ويسطوان على حياتنا وأراضينا وثرواتنا. أمّا في الثانية، فهناك ضعف وهشاشة فيهما يجعلان قرارنا باستئصالهما واجتثاثهما مسألة وقت لا أكثر. وتعايش الرؤية بين القياميّتين هاتين، ضمن عبارة واحدة أحياناً، لا يسلّح وعي سكّان المنطقة إلاّ بمزيد من الخواء والعجز عن فهم العالم الفعليّ. فإذا قصّر أحمدي نجاد، لسبب أو آخر، في مهمّته تلك، كمّل عمله العقيد الليبيّ معمّر القذّافي داعياً إلى «الجهاد ضدّ سويسرا الكافرة الفاجرة»، وآخرون عديدون قد يكونون أقلّ نجوميّة في هذه البلاغيّة الصارخة.
وأسوأ ممّا عداه أنّ تحرير العقل لا يحتلّ أيّاً من المواقع على أجندات التحرير الوافرة والطافحة زهواً التي تعدنا بأراضٍ وانتصارات. وهذا مع العلم أنّ تحرير العقل ينطوي أيضاً على تحرير الدين من استخدامه كيفما اتّفق ومن توظيفه في أغراض تفقد جدواها بعد ساعتين على الأكثر.
فحتّى لو أمكن الوفاء بالوعود الهاطلة علينا، إنجازاً لانتصارات واستعادةً لأراضٍ، فيما العقل يتواصل تفريغه وتجويفه، كنّا الخاسرين.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى