ثورة مصر

خيول وانترنت

اسكندر حبش
جميل هذا الذي يجري اليوم في شوارع القاهرة، مثلما كان جميلا أيضا ما عرفته تونس قبل أسابيع. وبالتأكيد سيزداد الجمال، غدا، حين ينزل متظاهرون آخرون في عاصمة أخرى. إذ ومهما كانت عليه نتائج الاعتصامات الشعبية، لا شك أن جيلا جديدا يولد الآن، وهو يصنع لنا تاريخا مغايرا علينا الاستفادة منه. على الأقل جيل بأدواته «الاتصالية» الحديثة يواجه خيول البادية وجِمالها.
هكذا بدا المشهد الذي بثته بعض القنوات الفضائية. أناس مصرّون على أن نبقى في عصور الجاهلية، حيث استحضروا أدواتها من خيول ومطايا ليضربوا المعتصمين الذين كانوا عُزّلا إلا من أصواتهم الهادرة، إلا من حيويتهم واقتناعهم بأنهم قوة فعلية قادرة على تغيير هذا الانحدار الذي أوصلنا إليه رؤساء وحكام، لم يفعلوا شيئا سوى اختصار كل شيء في شخصهم. وكأنهم هم البلاد فقط، أما ما عداهم، فليسوا سوى كومة من الغبار، يستطيعون أن ينفخوا عليها متى شاءوا.
مشهد يختصر طريقتي تفكير، أو لنقل يختصر عالمين مختلفين، واحد لا يريد أن نغادر مستنقع هذا الماضي الثابت، وآخر يريد أن يبحث عن أمر بسيط، عن حرية مشتهاة، تعيد إلينا إنسانيتنا المفقودة، في دول لم تعرف، منذ استقلالها عن المحتلّ الأجنبي، إلا أن تنجب «احتلالا وطنيا» مارس على شعبه عنفا واستغلالا وقمعا وكذبا ودناءة، أكثر ممّا مارسه مستعمرهم.
أفهم أن يكون هناك بعض المستفيدين من أيّ نظام، وأن يدافعوا عنه كي لا تسقط مصالحهم الشخصية، لكن على الأقل، ليدافعوا عنها، بالطريقة عينها التي يمارسها المحتجون، لا أن يتحولوا إلى بلطجية جدد، يستبيحون كلّ شيء. والأنكى من ذلك، إصرارهم على التهديد بأنه إذا سقط النظام فستسقط بقية الأنظمة المجاورة، مثلما أتانا ذلك من مشهد تلفزيوني آخر، حيث كان أحد «الخبراء» يقول للمذيعة وهو يصرخ بصوته العالي «إذا سقطت مصر، ستسقط جميع الدول، ستسقط قطر واليمن والأردن، والسعودية..» ولم تدعه المذيعة يُكمل، حين سمعت اسم السعودية. أجابته «ولكن يا أستاذ (لا أذكر اسمه) مصر لم تسقط بعد..».
هل يعرف فعلا هذا الخبير هذه الرغبة العارمة التي تجتاح غالبية شباّن العرب؟ لا شيء سوى أن تسقط هذه الأنظمة النتنة التي منعت عنا شعوبها كل شيء، حتى التنفس.
جميل فعلا كل ما يجري. ثمة حلم وحيد يراودني الآن: أن تمتد هذه الحشود، لتحتل ساحات كل المدن العربية بدون استثناء. لتهتف كلها بفكرة التغيير. ما نشهده اليوم، لا بدّ أن يدفن الماضي إلى غير رجعة. وبالتأكيد، لن تكون الجنائن حاضرة غدا، لكن ما قبل الاعتصامات أمر، وما بعده أمر آخر. هذا الأمر الآخر هو الذي ننتظره وهو الذي نحلم به. وهو آت لا محالة.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى