رحيل الطغاة العرب
فلورنس غزلان
( ارفع صوتك وقول للناس.. مش عاوزينك يلا خلاص) … ( الشعب يريد إسقاط النظام)، (يلا ياشعب يعدي الخوف.. خلي الدنيا تصحى تشوف)، ( ياحرية وينك وينك..أمن الدولة بينا وبينك)،( باعوا البلد باعوا الناس…دول عاوزين الولعة بغاز)، ( ارحل ارحل ياسليمان..مش عاوزينك إنتَ كمان)
الشعارات كثيرة ومتعددة وكلها يصب في هدف واحد..رحيل مبارك وحكومته ، التي عينها دون أن يكون للشعب رأياً فيها.
اسمحوا لي قبل البدء بكتابة رسالتي هذه ــ إن جاز التعبير ــ أن أقف بإحترام وأنحني بإجلال أمام تضحيات الشعب المصري، وبطولات الثورة المصرية ، أن أقول لنظام مبارك الذي يتسارع في السقوط بهوة كان قد حفرها بنفسه..هي ساعات ..ربما يوم.. يومان أو أكثر ويظهر الدخان الأبيض من ساحة التحرير في وسط القاهرة..ولم تأت هذه التسمية عن عبث…بل سطرت وهاهي تسطر من جديد أحدث وأعظم ثورة في تاريخ مصر الحديث..ثورة شباب غير مؤدلج..ثورة جياع ، عاطلين عن العمل، مهمشين، مهدوري الكرامة ..مسحوقي الإنسانية..تحملوا شظف العيش ومرارة اللقمة ..وقمع السلطة واستغفالها له..واستهانتها به وبفهمها لقضاياه …مشكلة هؤلاء الحكام أنهم يفهمون متأخراً جداً..هكذا قال ابن علي لشعب تونس..” الآن فهمتكم”! ..لكن فهمه فات أوانه كثيراً وطال أمده ثلاثة وعشرون عاماً..أما فهم الفهيم مبارك ..فوصل إلى الثلاثة عقود..ومع هذا حتى اللحظة لايريد أن يفهم …أنه مكروه مكروه يمقته شعب مصر..ما أغبى طغاة العرب!..ما أغبى هذه الجماعة الممتدة ببساط عصاها وحكم عسكرها وأمنه من المحيط إلى الخليج..جمهوريات ملكية أكثر من الملك…تتمسك بأهداب سلطة وبكرسي عرش له طعم الفرادة..الفردية والاستفراد..له طعم ..أنه الوحيد من يملك حق رعايتكم..أي حق سوقكم إلى مسالخه متى شاء ومتى أحب وما أنتم إلا طوع بنانه وبإشارة منه يقلب سحناتكم البشرية إلى خراف ترعى في مزرعته!..
خسئت يامبارك وخسيء كل طاغية من طينتك الغبية..التي لاتفهم ..إلا حين ترى شوكتها قد تحولت إلى طين رخو لايستطيع الثبات أمام هياج الشارع..وقفت جموع شباب مصر صفاً واحداً أمام عربات العسكر وقاذفات المياه..تصدت بأجسادها كل تقدم لجيوش من رجال الأمن…لقد صمم شباب مصر على رحيلك ياعديم المباركة..فماذا تنتظر..؟ ربما لن تجد بعد اليوم أي مأوى يحويك وعائلتك السارقة لقوت شعب مصر..ارحل ولا تنسى أن تعرج بطريقك على كل الطغاة العرب..من الخرطوم إلى طرابلس الغرب..فدمشق وصنعاء وما يشبهها من عواصم التأبيد الجملوكي…الوراثي المُوَرث..الشعوب لاتورث يامبارك ..يابشار الأسد..الشعوب وحدها من يقرر مصيرها…الشعوب تصمت وتصبر وتتحمل..لكن ويلكم ثم ويلكم حين تخرج من قمقم خوفها وتعلن أنها لاتهاب الموت..تعلن أن الحياة لاتكتب إلا للشرفاء..وأن البطولة لاتكتب إلا بالدماء..وأن الحرية لاتأتي دون ضحايا أبرياء..ستحاسب يامبارك على جرائمك بحق مايزيد على مئة شهيد..وأكثر من ثلاثة آلاف جريح..في أي صفحات تريد للمصريين أن يخلدوك؟!..وكيف سيسجل التاريخ اسمك وبأي نوع من الحبر سيكتبون على قبرك؟..لاتلم التاريخ…ولا يخطر ببالك أن هناك من يتآمر عليك في الخارج أو في الداخل..فقد سقطت أوراق شجرتك وتعرت تماماً من خطابات القهر والاستغفال والعهود الكاذبة والوعود المغشوشة…لقد انقلب السحر على الساحر..لقد أمسك التونسي( بوعزيزي) رأس الخيط الناري..فأوقد بجسده شعلة الحرية..لتتجه رياحها من الغرب إلى الشرق..سيخلد التاريخ هذا البطل…لكنه سيلعنك في كل سطر وبكل مفردة من لغة الأرض الساقطة الجديرة بك وبقامتك، يامن لاتعرف لحياء الشيوخ قدراً ولا لجلال العمر قيمة..فمثلك يتصور الخلود ظِلاً له..مع أن يديه تنطق بأفعاله..لكنه يحيل السرقات مكتسبات والنهب حق موروث له ولمن يخلفه من أبناء وأحفاد باعتبارهم من سلالة فرعون..فرعون الكبير ..العظيم ..الذي صنع تاريخاً لمصر وهامان صديقه سقطا في النهاية..فماذا تساوي أنت بينهما؟ ياسيد مبارك..عندما تغرق يديك بدماء الشباب المصري..ماذا تنتظر؟ وماالذي يمكنك أن تفعله غير الرحيل وبأسرع وقت ممكن؟…لكن السؤال من سيقبل إيواء الخاسرين؟!..
ــ أمريكا تتخلى عنك شيئاً فشيئاً بخطوات محسوبة بدقة، تنذرك عند البداية وتوصيك بالإسراع في إلتقاط طرف الخيط والاستماع لمطاليب الشعب وعدم استخدام العنف ضد من يرفع صوته بوجه الظلم..ضد من خنق صوته ثلاثين عاماً، ضد من قمع وأهين وجوع ثلاثين عاماً….ضد من يبحث عن عمل وهو الكفوء المتعلم ..فلا يجد في سوق العمل سوى أن يكون بائعاً للخضار أو مستجدياً على أبواب حزب السلطة ..منافقاً مطأطئاً لمن لايستحق إلا شحاطة أبوحسين” صورة المواطن العراقي البسيط، الذي ضرب رأس تمثال صدام بعد إسقاطه” ….ثم تجد السيدة هيلاري كلينتون ورئيسها، الذي قدرك في البداية وخاف على سلطتك من الانهيار وقدم لك النصح والإرشاد…لكن غيك وعجرفتك وخيالك المغرق في الأنا وتضخيم القدرة وسعة شبكة السلطة وتحكمها في العباد…صم أذنيك وأعمى عينيك…لأن الشعب يقول لك..لانريدك ولا نريد من عاونك وساعدك على توطيد حكمك وتأبيده وكان هو الوقود لتسود وتعربد مع كل الأربعين حرامي من حولك ــ وهم أكثر بالطبع ــ..الآن يهملك ويلغيك سيد البيت الأبيض ” أوباما” من سجل يومياته…فيهاتف وزير دفاعك ويهاتف زعماء المنطقة..ليتدارس معهم مصيرك..فهلا وصلت الرسالة؟!..تستمر الاحتجاجات وتنتشر في كل بقاع الأرض المصرية..حتى المنوفية ..مسقط رأسك..تتخلى عنك وتلعنك..وتلعن نفسها ربما في سرها…لأنها أنجبتك..فأكلتَ أثداءها…لأن طينها صنعك فخيبت أمله..لأن أبناءها صدقوك فخنت العهد والوعد…وكفرت بمعنى الوطن.
وهاهو التصريح الثاني يصدر مختلفاً هذه المرة عن وزيرة الخارجية الأمريكية التي تقول” يجب أن يكون انتقال السلطة منظماً سلمياً دون استخدام للعنف”..ماذا يعني انتقال السلطة يامبارك ياحليف أمريكا وصديق إسرائيل؟..هل عدت أمياً لايفقه القراءة والكتابة السياسية؟…أم أنها شيخوخة وعجز السلطة حين ينخر سوسها في عقل من لايعي دروس التاريخ ولا يقرأ إرادة الشعوب؟!.
ــ حتى إسرائيل ، التي أقام العهد السابق لك صلحاً معها حافظت عليه بقداسة وأمانة الصديق الوفي…ترسل بطائرات لترحيل مواطنيها عن أرض مصر، ويصدر رئيس وزرائها ” نتانياهو” تعليماته لحكومته…بعدم الإدلاء بأي تصريح إعلامي عما يجري في مصر”، هل سألت نفسك لماذا؟…الجميع يتخلى عنك…فماذا بعد؟.
ــ الإعلام الرسمي العربي شبه أخرس، ينقل الأنباء على لسان وكالات الأنباء..لكن لاموقف محدد لديه..موقفه الخوف والرعب من النار، التي انطلقت ولن تتوقف قبل أن تزيل كل الطغاة من على وجه أرض تمتد بين الماء والماء وتنطق رسمياً بالعربية..حتى عدوك اللدود القابع في دمشق…لم تبدر عنه مواقف تأييد أو تشجيع لثورة مصر..وإن ظهر منها مايشي بموقف، فإنه ينحصر مبرراً ومفسراً بما يخدم سياسته وصالح بقاءه..موضحاً” أن سبب سقوط نظامك يعود لموقفك من المقاومة في لبنان وفي غزة ، وبشكل عام من القضية الفلسطينية”! .ــ تشرين السوريةــ..وبهذا لاتطاله نيران الثورة …لأنه محسوب على المقاومة..محسوب على عناده لإسرائيل!!…رغم أن لسان حاله يخرج من فمه ولايدخل، يسعى للسلام وينشط باتجاهه..يحمي حدود إسرائيل وأمنها منذ أربعة عقود ونيف، لكنه يتاجر ببطولات لم يقم بها…يوظفها لخدمة أغراضه تمتد ذراعها من لبنان إلى العراق..فعلاقته المشبوهة مع إيران..البقية الباقية من أخوتك الأشقاء…يستمعون جيداً لنصائح أصدقاءهم في الدول الغربية، سادتهم الملهوفين والمتراكضين للاجتماع ” ساركوزي، ميركل، كاميرون”، ومايصدر عنهم مخجل ومزري…لابحق شعوبهم فقط ..بل بحق سياسة بلدانهم الخارجية في المنطقة وماستجره عليها من ويلات حين تدعم ديكتاتوريات وتتورط في قمع حقوق الإنسان، وهي المدعية أنها صانعة ومبرمجة قوانين هذه الحقوق الأممية!.
ــ الآن مصيرك سيتحدد وقريباً جداً..ومن يدري ربما في هذه الأثناء وأنا مستغرقة في الكتابة ومنعزلة رغماً عني عن التمسمر أمام شاشات التلفزة…لمتابعة أحدث المستجدات على ساحة التظاهر في مدن مصر..وأعتقد وأناشد من هنا…شباب مصر أولاً، الذي أعلن واستخدم ونشط وتحرك من خلال الإعلام الأليكتروني..هذا الإعلام..الذي حاولت سلطتك يامبارك أن تمنعه وتحجبه وتقطع تواصل المصريين مع العالم الخارجي وعن منع وصول أصواتهم واستغاثاتهم ومأساتهم وكيف استخدمت قوات مكافحة الشغب التي أنشأتها سلطتك كل وسائل القتل والقمع ، كما انهارت وانسحبت أمام الشعب، فا ستخدمت أساليب تعلمتها على يد رجالك الأمنيين في بث كل أنواع الرعب والخراب والحرائق وسلب الممتلكات العامة…كي تقول للعالم…أن التظاهرات الاحتجاجية ماهي إلا زمر من قطاع الطرق والخارجين على القانون..ولا يستحقون سوى التأديب!، وقد ثبتت هذه الحقائق ، من خلال تسليمهم من اللجان الشعبية ، التي أنشأها المتظاهرون لحماية الوطن وأملاكه من السلب والنهب وسلمهم لقوات الجيش..هذا الدرس المعلوماتي، الذي قدمته الثورة التونسية من قبل ثم استوعبته الثورة المصرية وتلاقت معه…ويتقنه كل شبابنا…لن يوقف المد الثوري…بل سيرفع من سقفه..ويثبت لمحتكري النت وشبكات الاتصال الهاتفي والأليكتروني…أن الوسائل لاتنعدم…وأن البروكسي موجود..وأن الهواتف الثابتة تقوم بالدور حين تعجز الحيلة…وأن النقل المباشر ووسائطه حتى لو وصل الأمر لاستخدام الأقدام فقط…ستجعل من البعيد قريب..وسوف يصل صوت الثورة ويخترق كل الحجب إلى كل بيت ولأذن كل شاب…يعيش بالضبط ماعاشه الشاب المصري…
ــ لماذا انسحبت قوات الشرطة من مراكزها يامبارك؟ ومن هو المسؤول عن انسحابها وعدم حفظها ــ على أقل تقديرــ للممتلكات العامة والخاصة، والسجون ، التي تأوي أصحاب السوابق والمجرمين؟..وكيف تعود الآن؟..ماهو المخطط ، الذي أعددته لاسقاط وهج الثورة المصرية والالتفاف عليها؟..الأيامم القادمة وغداً بالتحديد..حين ستخرج تظاهرة المليون…سيقول بشكل أوضح الشعب المصري كلمته الفصل بك وبحكومة ظلك..العسكرية المخابراتية.
ــ قوات الجيش هذه، التي حاولتَ شراء ذمم أصحابها وتلطيخ سمعة الشريف ونظيف اليد منهم في إقناعهم أو اغرائهم بتسلم حقائب وزارية…بحكومة جديدة أعلنت عنها..معتقداً أن التفافك على إرادة الشعب ستحفظ لك ماء الوجه!..لقد أرقته ماء وجهك يامبارك…لقد أرقته ولا يمكنك لَمَّهُ بعد الآن ، أرى أن هذا الجيش المصري المشهود له تاريخياً بوطنيته..وبأن سلاحه لايمكن أن يتوجه لصدور أخوته أبناء مصر..وقد علمه التاريخ والحروب العظيمة التي خاضها من أجل التحرير..أنها لاتتوجه إلا لصدور عدو مصر وأهل مصر.. صدرعدونا جميعاً…فلا يغرنك أن تجتمع لقيادته..سوف يقرر هو مصيرك في الساعات القادمة ويحملك على ظهر دبابة إلى أقرب سجن يليق بك كضابط قديم لايريد التقاعد…
وأنتم يا أبناء وطني أما حان دوركم؟ أما آن أوان ثورتكم على الظلم والقمع والقهر والإذلال؟ حتى التضامن مع ثوار مصر ممنوع عليكم!..بينما نزلت جموع السودانيين واليمنيين من طلاب جامعات وعمال يتضامنون مع ثورة مصر ويدعون أنظمتهم للاعتبار..منذرينها بالمصير نفسه..آن لكم أن تنهضوا….انهضوا يا أبناء وطني من سبات الأسد وتنويمه..انهضوا فشباب تونس ومصر قيل عنهم ذات يوم..أنهم سلبيون، خانعون..مدجنون..وها أنتم ترونهم بعيونكم وتراقبون أفعالهم على شاشات بيوتكم ومقاهيكم ونواديكم ، لقد مهدوا لكم الطريق..لقد فتحوا أبواب الثورة والحرية تلمع كالشمس بانتظار صيحاتكم..التي سأعيشها معكم..وتعيشها كل أم وفتاة وشيخ يحلم لكم بسورية حرة أبية ديمقراطية تحتضن كل أطياف الشعب السوري وتلويناته..تضمه من بحره إلى نهره..من شماله لجنوبه ومن شرقه إلى غربه…صيحة واحدة بوجه الطاغية الثاني..صيحة واحدة تنطلق من جُلَّق( دمشق)…وتقول كلمتها..مع الثورة المصرية..يحفها الجيش السوري العظيم ويواكبها ..وينتصر لها على طاغية يقول مالايفعل ويهزأ بكم مدنيين وعسكريين..طلابا وعمالاً..شيباً وشباباً .انتصروا لسوريا الوطن…لا لسوريا النظام..فما دام زمن أو تاريخ لطاغية..هناك موعد للتفاؤل نظمه شباب منكم عبر الفيس بوك…للقاء أمام البرلمان السوري في شارع الصالحية يوم الخامس من شهر شباط/ فبراير..فكونوا على الموعد ولا تخذلوا سوريا بكم……عاشت سوريا حرة أبية وطن للجميع.
باريس 31/01/2011
خاص – صفحات سورية –