حسام تمام: الإخوان يمدون يدا للحوار ويرفعون راية العصيان باليد الأخرى
همام سرحان – القاهرة
أوضح الباحث السياسي المصري حسام تمام، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، أن هناك مبالغات كبيرة في تقدير حجْـم جماعة الإخوان المسلمين بمصر، مبررا ذلك بحِـرص النظام لعقود مضَـت، على استخدامهم كـ “فزّاعة” للولايات المتحدة والغرب، معتبرا أن “عدد أعضاء الجماعة بمصر لا يتجاوز 100 ألف، وإن كان بمقدورهم تحريك نصف مليون مواطن على أجندتهم”.
واعتبر تمام، رئيس تحرير موقع “الإسلاميون” في حوار خاص لـ أن قرار الإخوان بالمشاركة في الحوار الدائر بين النظام المصري وفصائل المعارضة، راجع إلى رغبتهم في “إلغاء الحظر المفروض عليهم منذ عدّة عقود ورغبتهم في تأسيس حزب سياسي معترف به”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنهم “يمدّون يدا للحوار مع النظام ويرفعون راية العِـصيان باليد الأخرى، خِـشية أن يتلاعب بهم النظام ورغبة في تحسين وضعهم التفاوضي”. مزيد من التفاصيل في نص الحوار:
swissinfo.ch: ما تقييمكم لمشاركة وأداء الإخوان في الثورة المصرية التي فجَّـرها الشباب في 25 يناير 2011؟
حسام تمام: الإخوان جزء من الثورة، لكنهم لم يكونوا في طليعتها ولم يقودوها ميدانياً، وهذا يتَّـضح من تردّدهم في بيان موقفهم من تظاهرة الثلاثاء 25 يناير، التي أطلقت الثورة. وحين حسموا قرارهم، كان بالمشاركة الفردية لكوادر الجماعة وقواعدها، فلم تكن المشاركة بقرار مركزي للجماعة يفرض على أفرادها المشاركة، بل كان هناك قلق وترقُّـب لدى الإخوان من المشاركة في الثورة. وأكدت الجماعة عدم الانسياق وراء الخطاب الثوري للشباب الغاضب، خاصة فيما يتعلق بالإساءة إلى الرئيس مبارك بشكل مباشر.
وحتى لما نجحت تظاهرة اليوم الأول، لم يبادر الإخوان إلى الدخول بثِـقلهم في فاعليات الثورة. فحتى تظاهرة جمعة الغضب 28 يناير، كانت مشاركة الشباب الثوري غير المؤطَّـر سياسياً، متقدمة على الإخوان الذين دخلوا بثقلهم بعد ذلك، وتعدل موقفهم كثيراً بعد نجاح تظاهرات جمعة الغضب، التي استلهموا منها الجرأة على المبادرة وبدأوا تغييراً متدرجاً، لكنه مهِـم في موقفهم.
وما تفسيركم لدخول الإخوان بثقلهم في ميدان التحرير مؤخرا؟ وما ترتب عليه من تغيّـر خطابهم ولهجتهم؟
حسام تمام: مشاركة الإخوان تطوّرت منذ جمعة الغضب وأخذت شكلاً تصاعدياً انتهى إلى مشاركة جِـذرية حاسمة لا رجعة فيها، وذلك لأسباب بعضها يتعلق بوضعية انهيار الدولة وجهازها الأمني القمعي، الذي كان الإخوان أبرز ضحاياه، وما زالت آثار عنفه وبطشه ماثلة في أذهانهم وعلى أجسادهم، وبعضها يتعلق بحجم الغِـطاء الشعبي الكثيف، الذي لا يجعل تياراً بعينه يخشى أنه يدفع الثمن منفرداً، كما تكرر كثيراً مع الإخوان.
كما لا يُـعقل أن يغيب الإخوان عن هذا الحدث، الذي يؤذن بميلاد دولة جديدة، يبحث فيها الإخوان عن مكان وشرعية. والأهم، أن الوضع وصل إلى مرحلة اللاعودة. فثمّـة يقين يُـثير الفزع لدى الإخوان أكثر من غيرهم، بأنه إذا فشلت الثورة فستكون رؤوسهم الحصاد المُـر، فحسبة الإخوان منفصلة ومرتبطة بطبيعة مشاركتهم، ولهذا، فإنهم قد غيَّـروا خطاباتهم طوال الوقت، وإن كنت أعتقد أن خطاب الشيخ يوسف القرضاوي ومطالبته الصريحة للرئيس مبارك بالتنحّـي، قد قدمت للإخوان الشّـحن المعنوي، ولِـم لا وهم يعتبرونه المُـنظِّـر الفكري الأول لجماعتهم؟
ولماذا قبل الإخوان الحوار بعد تردّد؟ وهل لذلك علاقة بالرسالة التي وجهها لهم عمر سليمان حينما قال “أعتقد أنها فرصة عظيمة، وإن فاتتهم ربما لا يُـدركونها بعد ذلك”؟
حسام تمام: الإخوان، بحُـكم تكوينهم التاريخي، هم دائما مع النظام، حتى وهم يواجهونه ويشاركون في ثورة ضدّه، فإن عيْـنهم تكون عليه. وفي تقديري، أنه ربما كانت حالة استعجال للمكاسب أو للضغط عليهم، باعتبارهم محظورون، ولم يكن من الممكن لأحد الجلوس أو التحاور معهم، كما أن خيالهم السياسي يجعلهم يشاركون في الحوار وعينهم على ضعفه أو لإنجاز تفاهم معه، لكونهم يواجهون ضغوطا في إدارة علاقتهم بالدولة، فهم في عيْـن النظام، جماعة محظورة، وهو أمر أشبه بـ (البطحة)، ونقطة الضعف التي يريدون تجاوزها.
والآن، الإخوان يريدون ترجمة هذه البطحة التاريخية في صورة مكاسب ملموسة. وسقف هذه المكاسب، أن يحركوا جمود المشهد السياسي الذي يعيشونه وأن يسمح لهم بنقلة نوعية في وضعهم السياسي والقانوني. وتقديري أن رسالة عمر سليمان لهم، قد حملت ترغيبا وترهيبا في نفس الوقت، بل وربما تهديدا غير مباشر لهم، في حال استمرارهم في تجاهُـل دعوة النظام بالدخول في الحوار. ولهذا، شهد موقفهم تحولاً لافتاً بموافقتهم على المشاركة بالحوار قبل رحيل مبارك، وهو ما يُـشير إلى تنازلهم عن مطلب رحيل الرئيس ودخولهم في الحوار وِفق ما طرحه النظام.
لكن لماذا يحرص الإخوان على وضع قَـدم في ميدان التحرير وأخرى في طاولة الحوار مع النظام؟
حسام تمام: لأنهم يعلمون تماما أن انسحابهم المباشر من ميدان التحرير سيصمُـهم تاريخيًا، باعتبارهم الكتلة المنظمة، وربما يشار إليهم بأنهم باعوا الثورة للنظام، كما يوجد لديهم شك بأن النظام قد يلعب بهم ولا يعطيهم شيئا مما وعد، ومن ثَـمَّ، فإنهم حريصون على أن يمدوا يدا للتحاور ويرفعون راية العصيان باليد الأخرى، لتحسين وضعهم التفاوضي، وإن كنت أتوقع أن أول طرف سيطلب منه النظام فض الثورة والانسحاب من ميدان التحرير، هم الإخوان.
هل كشفت الثورة الحالية عن الحجم الحقيقي للإخوان بعد سنوات من الجدل حول تقديرات الخبراء والنظام والجماعة؟ وكيف تراه؟
حسام تمام: بالتأكيد، كشفتهم تماما، لكن ليس بمعنى الفضيحة أو التقليل من قيمتهم، وإنما وضعتهم في حجمهم الطبيعي، بعدما كان يصِـر النظام دوما على رفع فزّاعة الإخوان في وجه أمريكا وأوروبا، قائلا: “البديل أنا أو الفوضى”، لكن ما جرى، أوضح أن حجم الإخوان بمصر لا يتجاوز 150 ألف عضو، وإن كان بوسعهم أن يحرِّكوا نصف مليون مصري على أجندة الجماعة.
وعندما كان الإخوان في أفضل لحظاتهم التاريخية عام 2005، لم يستطعوا تسيير مظاهرة من 100 ألف مواطن، بل إن مظاهرات الإخوان بالعاصمة يُـستدْعى لها شباب الجماعة من المدن المحيطة أو المحافظات القريبة من العاصمة، ورغم هذا، لا تتجاوز 10 آلاف متظاهر.
أعتقد أن هذا مهِـم لتوضيح صورة مصر فيما بعد الثورة. والمتوقع، أن يكون وضع الإخوان فيها أفضل بعد رفع الحظر، غير أنهم لن يكونوا الوحيدين في الشارع، لأننا أمام شارع كان قد طلق السياسة ويئِـس منها لسنوات، بل لعقود، لكنهم اليوم يدخلون إلى السياسة من أعلى أبوابها وهي (الثورة)، حيث لا أعتقد أن مَـن شاركوا في الثورة سيهجرون السياسة بعد الثورة، بل ربما نتج لنا حزب جديد يعبِّـر عنهم ويمثلهم.
وما هي توقعاتك لنتيجة الحوارات التي يجريها النظام مع المعارضة ومنها الإخوان؟
حسام تمام: النظام يريد حِـرمان الشارع من شرف القيام بثورة تنهي حُـكم الرئيس، لأنها ستكون المرة الأولى في تاريخ مصر التي يثور فيها الشعب على حاكمه المصري، ولهذا أتصور أن النظام لن يعطي المتحاوِرين الفرصة، خاصة وأن معظمهم أحزاب من صناعة النظام، وتبيت ليلها في حضنه، باستثناء جماعة الإخوان. والجديد هنا، هو إدخال الإخوان في محاولة لإعادة رسم المشهد. فالواضح أن الذين شاركوا في الحوار، أدوارهم في الثورة أقل بكثير، ولا أتصوّر أن الحوار سيعطيهم شيئا ذو قيمة، إلا بقدر استمرار المتظاهرين في ميدان التحرير، مما يخلق ضغوطا على النظام.
وقناعتي، أن البداية غير مبشرة، فليس هناك إجراء واحد حقيقي تمّ تنفيذه على أرض الواقع حتى الآن، وكل ما حدث هو تشكيل لجان للنظر في المطالب. فبينما لا يحتاج إلغاء قانون الطوارئ مثلا سوى إلى قرار. فقد وضع له شرط مقيد، وهو (وفق الظروف الأمنية) وبالمثل، إطلاق حق تأسيس أحزاب وجمعيات وإلغاء لجنة شؤون الأحزاب وحل مجلسيْ الشعب والشورى.
وهل تتوقع أن يتمكن عمر سليمان من إنجاح الحوار، خاصة مع الإخوان؟
حسام تمام: نعم بدرجة كبيرة، ولا تنس أن سليمان تمكن من إدارة جهاز الاستخبارات باقتدار لأكثر من 18 عاما، اشتبك خلالها مع ملف التنظيم الدولي للإخوان، كما تولى لسنوات المسؤولية الدبلوماسية لملف الخلاف الدائر بين حماس (إخوان فلسطين) وحركة فتح، وقطع فيه شوطا كبيرا، مما أكسبه خِبرة في التعامل مع الإخوان، لكن الملاحظ لجلسات الحوار التي عقدت مع قيادات فصائل المعارضة المصرية، يلمح في خلفية المشهد، صورة كبيرة للرئيس مبارك وضعت خلف سليمان على طاولة المفاوضات، في إشارة رمزية لتمسك النظام ببقاء الرئيس حتى نهاية فترته ورفض شرط تنحي الرئيس.
وهل تعتقد أن هذا الموقف سيؤدّي لإدماج الإخوان في الحياة السياسية بعد عقود من الحظر؟
حسام تمام: بالتأكيد. فإنني أتصوّر أنه من الصعب أن يستمر الحديث عن الإخوان، كما كان دائرا ذي قبل، فليس أقل من أن يحقق الإخوان مكسبين أساسيين، هما: رفع الحظر القانوني المفروض عليهم منذ الخمسينيات ومنحهم حق تأسيس حزب سياسي مُـعترف به، يُـتيح لهم لانتقال من وضع الحظر والمنع إلى وضع الشرعية، وإلا فإنها ستكون فضيحة مُـدوية للإخوان.
والمتتبع للسلوك السياسي للإخوان، يجد أنهم كانوا حريصين على المشاركة في جميع الانتخابات، بدءا من الاتحادات الطلابية بالجامعات ومرورا بانتخابات النقابات المهنية وأعضاء هيئة التدريس، وانتهاءً بالانتخابات التشريعية، وأنهم كانوا يبحثون من مشاركتهم هذه، عن الشرعية. وها هي الفرصة سانِـحة أمامهم اليوم.
كيف تتوقع أن تكون علاقة الإخوان ببقية فصائل المعارضة في مرحلة ما بعد الثورة؟
حسام تمام: في تقديري أن الإخوان قادرون على الإمساك بالعصا من النِّـصف، للخروج بمكاسب سياسية من النظام، دون أن يخسروا شباب التحرير، وأن الأحزاب السياسية بمصر قد انتهت كحركات سياسية، خاصة الوفد والتجمع والناصري، فيما قد يستفيد حزب الجبهة الديمقراطية، الذي يرأسه الدكتور أسامة الغزالي حرب، من الوضع. ومن المتوقع أن ينشأ حزبان جديدان، غير حزب الإخوان، هما: حزب “شباب الثورة” وحزب “الجمعية الوطنية للتغيير” بقيادة الدكتور محمد البرادعي.
لكنني لا أتوقع أن تكسب الأحزاب السياسية التي تشارك في الحوار مع النظام، أحدا من شباب الثورة، فيما قد ينجح الإخوان في إدارة منظومة العلاقة مع الأحزاب والفصائل المعارضة والتي يتوقع أن تُـدار بطريقة جديدة، وسيتراوح الإخوان، بحسب قاعدتهم الجماهيرية وسيكونون أقرب إلى حزب محافظ، لكونهم ليس لديهم مشكل مع الديمقراطية، وإن كان لديهم تحفظ مأثور بقاعدتهم الجماهيرية الدينية.
همام سرحان – القاهرة- swissinfo.ch