صفحات سورية

سوريا وايران خصم وحكم… مؤذيان ؟

null
سركيس نعوم
فاخرت الجمهورية الاسلامية الايرانية دائماً وخصوصاً منذ اندلاع الازمة بين حليفها اللبناني وجمهوره او بالاحرى بين ابنها اللبناني “حزب الله” وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة وفريق 14 آذار الذي يدعمه، وكان ذلك في شهر تشرين الثاني 2006 – فاخرت، على ألسنة لبنانيين قريبين منها، انها مع تأييدها الكامل للحزب المذكور وحلفائه على الساحة اللبنانية من لبنانيين وغير لبنانيين، بأنها “منعت” نشوب حرب اهلية وتحديداً مذهبية في لبنان مرتين على الاقل. ولفتت الى ان مهمتها لم تكن سهلة لان حليفها الاقليمي بل العربي الاوحد، اي سوريا بشار الاسد، لم يكن يمانع في حرب كهذه او على الاقل في فوضى أو فتنة تمكنه من تحقيق سلسلة اهداف لبنانية وعربية ودولية، وإن على حساب لبنان وشعوبه. الا ان ايران هذه اكدت او وبالاحرى اوحت بعد “العملية العسكرية الموضعية والنظيفة” التي قام بها حليفها بل ابنها اللبناني اياه في بيروت في ايار الماضي وعلى السنة اللبنانيين القريبين منها انفسهم وبعد المحاولات العسكرية غير الناجحة او ربما غير المكتملة في مناطق اخرى – انها لم تكن بعيدة عن قرار القيام بالعمليات المذكورة او على الاقل انها اشعلت امامها الضوء الاخضر. وكان للموقفين المذكورين المتناقضين اسباب كثيرة ومتنوعة. فالموقف الاول كانت اسبابه ادراك ايران ان حرباً مذهبية واهلية لن تُربح في لبنان على المدى البعيد كما انها ستخسرها في العالمين العربي والاسلامي، وتأكدها من قوة حلفائها اللبنانيين ومن عدم قدرة اخصامهم في الداخل والخارج على الحاق اي اذى بمواقفهم واستراتيجيتهم. اما اسباب الموقف الثاني فكانت ادراك ايران ان التحدي الذي شكلته لها حكومة السنيورة وحلفاؤه في 14 آذار والذي له شق محلي وشق عربي وشق دولي صار كبيراً وخصوصاً بعدما تجرأت على اتخاذ قرارين يمسان مباشرة باستراتيجيتها اللبنانية والاقليمية ويقلصان  شرعية حلفائها وسلاحهم ولاحقاً قدرتهم على العمل ويوفران للمجتمع الدولي، فضلا عن العربي، ذرائع لمواجهة التحرك ضدها في لبنان وخارجه. وكانت اسبابه ايضاً معرفة ايران ان القوى الاساسية في العالم العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ومصر قد بدأت قيادة حرب فعلية عليها في لبنان وخارجه وفي مرحلة قد يعتبرها كثيرون وقتاً ضائعاً (انتخابات رئاسية اميركية) وثانياً قد يستغلونها من اجل توجيه الضربات والطعنات اليها سياسية كانت او عسكرية. اما سوريا بشار الاسد فان المعلومات التي نشرتها بعض صحف الامس عن ملف ارسلته الى فرنسا المتحسنة علاقاتها معها وعلى نحو غير متوقع ضمنته معلومات تشير الى غياب اي مسؤولية لها عن افتعال حوادث الشمال (بعل محسن – التبانة) والى مسؤولية “حزب الله” عنها كونه ارسل الى المنطقة مجموعة كبيرة من المقاتلين من دون علم دمشق. وتشير ايضاً الى ان الاخيرة ارسلت بطلب “حلفائها” اهل “بعل محسن” للطلب اليهم اخراج هذه المجموعة من منطقتهم وتهدئة الامور لان لا مصلحة لها على الاطلاق في اقتتال مذهبي على حدودها ذي طابع اكثر حساسية من الاقتتال المذهبي السنّي – الشيعي الذي شهد لبنان طلائعه في ايار الماضي. وهذا الموقف السوري وفي حال ثبتت صحته او في حال لم ينفه المسؤولون السوريون يناقض الموقف السوري المتخذ والمعروف منذ اواخر 2006 والدافع في اتجاه “الحسم العسكري” او على الاقل الخربطة والفوضى الامنيتين. اما اسباب هذا الموقف المتخذ فقد تكون الى جانب محاذير الاقتتال المذهبي على حدود الشام الرغبة في عدم وقف الانفتاح الفرنسي  على سوريا بشار الاسد وتاليا الاوروبي وفي مواصلة المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل بواسطة تركيا والحرص على عدم استفزاز ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش فتعود الى رفضها المطلق لمفاوضات كهذه وكذلك للانفتاح المشار اليه الامر الذي يعيد الامور الى النقطة الصفر.
لماذا هذا الكلام الآن؟
لسببين. الاول، هو لفت اللبنانيين الى ان العلاقة الوثيقة بين سوريا بشار الاسد والجمهورية الاسلامية الايرانية التي يعتبرها كثيرون تحالفاً استراتيجيا علما انها ليست كذلك وفقاً لقريبين من طهران والتي شهدت افضل ترجمة ناجحة لها في لبنان قد تفتر او تبرد او ربما تتردى رغم اجتهاد كل منهما في السعي لتلافي ذلك ولكن من دون ان يمتنع كل منهما عن مواصلة سياسته اللبنانية والاقليمية والدولية التي تتناقض مع سياسة الاخر ومصالحه. وهذا التردي قد يشهد بدوره افضل ترجمة ناجحة عملية له في لبنان. ومثلما كان اتفاق دمشق وطهران او تعاونهما او تحالفهما خيراً على حلفائهما اللبنانيين وحتى على لبنان لجهة مساعدته على تحرير اراضيه المحتلة من اسرائيل، وكذلك وبالاً على لبنان السيادة والحرية والاستقلال والوحدة الوطنية والعيش المشترك فان اختلافهما او تعاونهما سيكون وبالاً على كل لبنان.
اما السبب الثاني فهو لفت اللبنانيين، ويا للاسف الشديد، الى ان لا اميركا ولا عرب الاعتدال الذين هم غالبية العرب ولا المجتمع الدولي قادر على وقف  انزلاق لبنان نحو الحرب المذهبية – الاهلية، والى ان سوريا او ايران هما وحدهما الدولتان القادرتان اما على مساعدة لبنان او على تدميره. والتدمير او عدم المساعدة على بناء وطن فعلي رآه اللبنانيون من سوريا بين 1990  و2005. ورأوه ايضا من ايران التي عززت فريقاً لبنانياً واحدا على نحو غير مسبوق ووفرت له كل ما تستطيع ليحكم لبنان منفرداً سواء في صورة ظاهرة او مقنّعة. اما المساعدة اذا قررتها احدى هاتين الدولتين فلن تكون بدورها لمصلحة لبنان ذلك ان لسوريا طموحات واستراتيجيات تتنافى ولبنان السيد المستقل. كما ان لايران اولويات في لبنان تقتصر على فريق واحد او بالاحرى على شعب واحد من شعوبه رغم حديثها عن ان عندها اولوية ثانية “لشعب” لبناني آخر، ومجرد كونها ثانية يعني عدم تساويها مع الاولوية الاولى، واقتصار الامر على اولويتين يدفع الى التساؤل عن مصير الشعوب اللبنانية الاخرى.
في اختصار يمر لبنان اليوم في اخطر المراحل. وهذه ليست المرة الاولى، لكنها قد تكون الاخيرة، وعلى حسن تصرف شعوبه يتوقف مصيرها ومصير وطنها. فإما يبقى واحدا ومتعايشاً ومتساوياً وإما يزول. ذلك ان الفدرلة او التقسيم ينهيانه مثل تحكم فريق واحد به. اما الحياد فأمر آخر. اذ قد يكون مفيداً اذا كان ايجابياً ولم يخرج لبنان من عروبته ومشاركته في قضايا العرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى