صفحات سورية

دولتان أم دولة واحدة؟” – مناظرة بين إيلان بابه وأوري أفنيري

null
نظمتها حركة “غوش شالوم” وبادر إليها تيدي كاتس. جرت في “تل أبيب” بتاريخ 8/5/2007 أدار الندوة: بروفسور زلمان عَميت
زلمان عَميت:
تحياتنا لكم جميعًا، نشكركم على حضور هذه الأمسية معنا. أود أولاً أن أشكر تيدي كاتس الذي بادر إلى تنظيم هذه الأمسية وقام بقسم كبير من الترتيبات اللازمة لها.
لن أبالغ إذا قلت أن الموضوع الذي نناقشه الليلة هو الموضوع الأهم والسؤال الأكثر صعوبة الذي يواجه الناس في الجناح اليساري من الخريطة السياسية وأولئك الذين يمكن تسميتهم على سبيل التعميم “حركة السلام”. أعتقد أيضًا أننا محظوظين الليلة بحضور متحدثين اثنين هما ربما الممثلان الأبرز للطرحين الذين سنناقشهما في هذه الأمسية.
إلى يميني د. إيلان بابي – بروفسور في التاريخ – من جامعة إكستر (في انجلترا)، وسابقًا من جامعة حيفا. (إيلان بابه يصحح المعلومة: رسميًا، ليس سابقًا بعد). وإلى يساري أوري أفنيري، عضو كنيست سابق ومحرر سابق لأسبوعية “هـ عولام هـ زِه” (هذا العالم) وحاليًا ناشط في حركة “غوش شالوم” (كتلة سلام”).
وكما تم الاتفاق ستكون الأمسية مقسّمة على النحو التالي:
1. سوف يتحدث إيلان بابه لمدة 20 دقيقة،
2. وأوري أفنيري سوف يردّ في مدة زمنية مساوية،
3. بعد ذلك سنفتح المجال لأسئلة وأجوبة، وأعدكم بأنني لن أُعمل الرقابة.
4. وأخيرًا سيتحدث كل منهما مرّة أخرى مدة 10 دقائق.
أدعو الآن إيلان ليبدأ جولته الأولى.
إيلان بابي ILAN PAPPE
أشكر “غوش شالوم” على هذه الفعالية، وعلى مبادرتهم واستعدادهم لمناقشة مثل هذا الموضوع الهام في مثل هذا الإطار المفتوح. وآمل أن هذه بداية فقط، وليست فعالية لمرة واحدة – لأن المواضيع التي سنعالجها الليلة هي حيوية لنا وتمسّ وجودنا، ومعروفة لنا جميعًا؛ ومن الواضح أن أمسية واحدة لن تكفي لمناقشة تلمّ بجميع المحاور وتتيح التوصل إلى قرارات شخصية وجماعية وإلى تطوير استراتيجيتنا كحركة سلام. مهما كانت الاختلافات بيننا، جميعنا ننتمي إلى حركة سلام تؤمن بالمصالحة بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل، وجميعنا نرغب بالعمل سوية للدفع في هذا الاتجاه.
ولدت الحركة الصهيونية نتيجة دافعين؛ دافعين عادلين، دافعين طبيعيين. دوافع يمكن فهمها على خلفية العصر الذي ولدت فيه هذه الحركة، على خلفية واقع شرق ومركز أوروبا في القرن الـ19. كان الدافع الأول محاولة لمواجهة موجات اللاسامية والملاحقات والمضايقات، وربما أيضًا الإحساس بأن أمورًا أسوأ ستحصل استمرارًا لذلك. ومن هنا كان البحث عن ملاذ آمن يعيش فيه يهود أوروبا دون الخوف على حياتهم وأملاكهم وكرامتهم. وكان الدافع الثاني ناجمًا عن تأثير “ربيع الشعوب” في منتصف القرن الـ19. ظنّ قادة الحركة الصهيونية أنه يمكنهم إعادة تعريف اليهودية كقومية وليس فقط كدين. وكانت هذه فكرة منتشرة في أوروبا في ذلك العصر، وهنالك عدد غير قليل من الجماعات الإثنية أو الدينية أعادت تعريف نفسها كجماعات قومية.
عندما اتخِذ القرار – لأسباب لا يتسع المجال لذكرها الآن – لتطبيق هذين الدافعين على تراب فلسطين، حيث كان يعيش ما يقارب المليون إنسان، تحولت الاستجابة للدافعين المذكورين إلى مشروع كولونيالي. في اللحظة التي قرّروا أن المنطقة الوحيدة التي يمكن لليهود أن يكونوا آمنين فيها والمنطقة الوحيدة التي يمكن للدولة القومية اليهودية أن تنشأ عليها هي فلسطين، تحولت هذه الحركة القومية الإنسانية إلى مشروع كولونيالي. وقد برزت طبيعتها الكولونيالية بعد احتلال فلسطين على يد بريطانيا في الحرب العالمية الأولى.
وكمشروع كولونيالي، لم تكن الصهيونية مشروعًا ناجحًا، إذ عند انتهاء الانتداب البريطاني، لم يكن أكثر من 6% من فلسطين في أيد يهودية، ولم تنجح الصهيونية في جلب عدد كبير من المهاجرين، حيث انه في 1948 شكل اليهود فقط ثلث سكان فلسطين. ولذلك فالصهيوينة كمشروع كولونيالي، كمشروع توطين شعب وتهجير شعب آخر، لم تكن “قصة نجاح”. ولكن المشكلة – وسبب كارثة الفلسطينيين – كانت أن قادة الصهيونية لم يريدوا فقط إنشاء مشروع كولونيالي، هم أرادوا أيضًا إنشاء دولة ديمقراطية. ولماذا كانت كارثة بالنسبة للفلسطينيين أن الصهيونية أرادت أن تكون ديمقراطية؟ لأنها ما زالت إلى اليوم تريد أن تكون ديمقراطية! لأنكم إذا جمعتم معًا الكولونيالية الصهيونية والقومية الصهيونية ورغبة الديمقراطية، سوف تحصلون على احتياج ما زال يُملي سياسات ومواقف إسرائيل إلى يومنا هذا – من “ميرتس” في اليسار الصهيوني إلى حزب “الاتحاد القومي” في اليمين المتطرف – وهو احتياجهم إلى مطابقة بين الأغلبية الديمقراطية والأغلبية اليهودية. وكل وسيلة لتأمين الأغلبية اليهودية هي مبرّرة ومقبولة، لأنه بدون أغلبية يهودية لن تكون هنالك ديمقراطية!. حتى طرد العرب مقبول في سبيل جعلنا ديمقراطية!. لأن الأهمّ هو أن تكون لدينا هنا أغلبية يهودية!. حيث بغير ذلك لن يكون المشروع الصهيوني مشروعًا ديمقراطيًا!.
وليس مفاجئًا أنه قريبًا من هنا – في البناية الحمراء على شاطئ البحر في تل أبيب – اجتمع 11 من قادة الصهيونية في 1948 وقرروا أنه إذا كنت ترغب بدولة ديمقراطية وأيضًا باستكمال المشروع الصهيوني – أي الاستيلاء على أكبر قد ممكن من أرض فلسطين – وإذا لم تكن لديك أغلبية وأنت تشكل فقط الثلث، عندها فإن الخيار الوحيد هو تنفيذ تطهير عرقيّ، إزاحة السكان العرب من المنطقة التي تنوي إقامة الدولة اليهودية فوقها.
في شهر3 آذار 1948، وتحت قيادة بن غوريون، قررت القيادة الصهونية أنه لأجل إقامة دولة ديمقراطية يهودية هنا، كان من الضروري تهجير مليون فلسطيني. وفور اتخاذهم هذا القرار انطلقوا في عملية تهجير ممنهجة. وعندما انتهوا من ذلك، بعد تسعة أشهر، تركوا خلفهم 530 قرية خالية من سكانها ومدمّرة و11 مدينة مهدّمة. نصف سكان فلسطين طُردوا من بيوتهم وحقولهم ومصادر معيشتهم – أكثر من 80% من سكان المنطقة التي احتلتها الحركة الصهيونية. نصف مدن وقرى فلسطين جرى تدميرها وزرع الأحراش فوق أنقاضها أو توطين اليهود عليها.
كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي تتيح إقامة دولة يهودية ديمغرافية، هي دولة يلتف حولها – بصفتها هذه – إجماع صهيوني من ذلك الحين إلى يومنا هذا.
لو ارتكبت الصهيونية هذه الأفعال اليوم، لما تردّدت أية هيئة دولية في وصفها جرائم ضد الإنسانية. القادة الصهاينة الـ11 الذين اتخذوا القرار كانوا بالفعل مجرمين وفقًا لمعايير القانون الدولي. ولكن بعد ستين عامًا سيكون من الصعب ملاحقتهم قضائيًا، خاصة وأن أحدًا منهم ليس على قيد الحياة اليوم.
قرار التقسيم الذي صدر في تشرين الثاني 1947، ومحاولات التقسيم بعد حرب1948، لم يستندوا إلى أسس العدالة – كالقول بحقوق للسكان المحليين، الذين جرى طرد معظمهم، أو القول بحقوق للمستوطنين الجدد. كلا!. أساس الدافع باتجاه حلّ الدولتين كان وما زال إلى اليوم في فكرة البحث عن طريقة لإشباع نهم الوحش (المسخ، المينوتاوور) الصهيوني بفرد هيمنة الدولة اليهودية على جزء فقط من أرض فلسطين وليس كلّها.
اقترحت الأمم المتحدة 50% من فلسطين، والصهاينة قالوا هذا لا يكفي وأخذوا 80% من فلسطين، وكان هنالك شعور بأنهم سيكتفون بذلك. ولكننا نعلم أن هذه الشهية التوسعية لم تتوقف عام 1948. وعندما سنحت الفرصة التاريخية انتقل 100% من أرض فلسطين الى سلطة الدولة اليهودية. ولكن مرّة أخرى كانت كارثة الفلسطينيين الكبرى، هي أنه بعد أن تحوّل 100% من فلسطين إلى دولة يهودية، ما زال هنالك الدافع لإقامة والحفاظ على دولة ديمقراطية!. في قلب هذه الفكرة وهذه المسألة زُرعت “عملية سلمية” من نوع خاص لتتيح إشباع النهم التوسعي والميول الديمقراطية الصهيونية في آن واحد، وذلك عن طريق إخراج قسم من فلسطين – أي الضفة الغربية وغزة – من إطار السلطة الإسرائيلية. بهذا تكسب أمرين: الأول، أن لا تخلّ بالتوازن الديمغرافي بين اليهود والعرب، والثاني أن تسجن الفلسطينيين في مكان لا يستطيعون منه تهديد المشروع الصهيوني بعد.
وكما نعلم، الواقع على الأرض أخذ يتعقد أكثر وأكثر. وربما هنا المناسبة لذكر ميرون بنبنيشتي، بصفته من أوائل من فتح عيوننا على وقائع حوّلت أيضًا هذه الفكرة (الدولتين) إلى وهم. منذ الثمانينيات، صارت هذه “المرطنة” (الرطن المتكرر) المدعوة “دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل” حلاً أمثل للصراع أو وسيلة لإشباع النهم التوسعي للصهيونية وحفظها كدولة ديمقراطية – هذه “المرطنة” أخذ يلفّها التعقيد والالتباس.
فمن ناحية أولى، واقع الاستيطان قلّص المساحة الفلسطينية. ومن ناحية ثانية، كانت هنالك الرغبة الطبيعية لدى حركات سياسية لتوسيع صفوف مؤيديها المؤمنين بحل الدولتين، ورويدًا رويدًا أدخلوا شركاء جدد أضفوا معاني جديدة على مصطلح “الدولة الفلسطينية”. وللحقيقة أقول، رويدًا رويدًا أيًضًا اختفت العلاقة بين فكرة الدولتين والرغبة في حل الصراع. فجأة صار طرح الدولتين وسيلة للفصل بين المستعمِر والمستعمَر وليس وسيلة لحلّ دائم كان يُنتظر أن يعالج نتائج جرائم ارتكبتها إسرائيل عام 1948، وأن يعالج مشاكل الفلسطينيين الذين يشكلون 20% داخل دولة إسرائيل، وأن يعالج مشاكل اللاجئين التي ما زالت تتفاقم منذ عام 1948.
في تسعينيات القرن الماضي ومنذ بدء القرن الحالي، تحوّل طرح الدولتين إلى فكرة شائعة، بحيث أنه في نهاية الأمر انضمّ إلى “قائمة الشرف” مناصرون مثل أرئيل شارون وبنيامين نتنياهو وجورج بوش! وعندما يكون لديك مناصرون كهؤلاء لطرحك، فهذه هي اللحظة المناسبة تاريخيًا لكي تعيد النظر في الطرح.
عندما تحوّل طرح الدولتين إلى أساس “العملية السلمية”، أعطى مظلة للاحتلال الإسرائيلي لكي يستمرّ في عملياته بدون خشية شيء. ذلك لأن إسرائيل الرسمية – ولا يهمّ من هو رئيس الحكومة – ضالعة في عملية سلمية، ولا أحد يحتجّ على أفعال دولة تسير في ركب عملية سلمية!
تحت مظلة “العملية السلمية” – وإن أردتم يمكن القول: تحت شعار “دولتان لشعبين” – توسّعت المستوطنات، وازداد التسلط والقمع إلى درجة أن الوقائع على الأرض قلّصت المساحة التي كان يفترض أنها معدّة للفلسطينيين، إلى لاشيء! النهم الصهيوني العنصري، والعرقي الصهيوني حصل الآن على شرعية التوسع على نصف الضفة الغربية.
لقد كان من الصعب تجاهل الحضور المكثف لحركة السلام في مظاهرة لأجل أرئيل شارون في أيام الانسحاب من غزة. وبالنظر إلى العلاقة بين صيغة “الدولتين للشعبين” وبين “العملية السلمية” فقد رأى نشطاء حركة السلام المؤمنون بحل الدولتين أن عليهم الهتاف والصراخ في ميدان البلد – ما اسم ذلك الميدان؟! ميدان رابين؟ – قائلين في ميدان رابين، “يحيا شارون”!! “يحيا الانسحاب”!! وهذا كان تفسيره: يحيا سَجن غزّة في معسكر الاعتقال الأكبر في القرن الـ21(!) ألأجل هذا يهتفون؟! حركة السلام عليها أن تصرخ ضد هذا؟!! أمّا لأجله فليصرخ معسكر مناصري أرئيل شارون!
إذن، من جهة أولى، أتاحت صيغة حلّ الدولتين لإسرائيل الرسمية أن تستبدل الاحتلال بوسائل أخرى لإسكات النقد المحتمَل على فظائع يرتكبها الاحتلال، ومن جهة ثانية أتاحت لدولة إسرائيل أن تفرض وقائع على الأرض. وفي جميع الأحوال، اليوم في عام 2007 يمكن الاعتراف: لن ترَوا حجرًا واحدًا يمكن منه بناء دولة فلسطينية في ما يسمّونه اليوم الضفة الغربية أو قطاع غزة.
الآن، كيف يمكن النظر إلى هذا الموضوع؟
إذا استرشدنا بمبدأ العدالة كمناصرين لتقسيم البلاد، فليس هنالك صيغة أكثر سخرية من صيغة الدولتين كما هي شائعة اليوم في حركة السلام: 80% للذي نهب واحتلّ و20% (هذا في أفضل الحالات، والمؤكد تقريبًا هو 10% مقسمة ومعزولة ومحاصرة) للذي جرى احتلاله. وأكثر من ذلك، أين في هذا الحل توجد إمكانية لحل مشكلة اللاجئين؟ إلى أين سيعود ضحايا التطهير العرقي في 1948؟ إلى أين يعود الجيل الثاني والثالث؟ إذا كان مبدأ العدالة فعلاً هو المرشد.
ولكن إذا استرشدنا بمبدأ البراغماتية والواقعية السياسية realpolitik، وكل ما يهمّنا هو إشباع نهم الدولة الصهيونية إلى الأرض مع حسابات النجاعة الديمغرافية، فلماذ نعرض عليها فقط 80%؟؟ إذا كانت القوّة هي التي تقرّر الحل، فبالله عليكم ما الحاجة اليوم لأن يعرض أحد على الفلسطينيين حتى نصف بالمئة! يمكن نقل كل وادي عارة إلى الضفة، ويمكن نقل نصف الضفة إلى “معليه أدوميم”، ويمكن إعطاء الفلسطينيين عوض ذلك أكياس رمل من “حالوصة” (كثبان رمال النقب)، يمكن عمل الكثير الكثير. إذا كان سندنا هو ميزان القوى العالمي والإقليمي وقلنا إنه هو الذي يقرّر الأمور، فإذن سنعطي للفلسطينيين مساحة صغيرة على أرض محكمة الإغلاق بالحواجز والجدران؛ حيث أننا لا نسترشد بالمبدأ الأخلاقي، فنحن براغماتيون! صحيح أن هنالك فلسطينيون في رام الله وفي الناصرة مستعدّون للاكتفاء بذلك. نحن نعرف أنه يوجد أناس كهؤلاء، وأنه يحق لهم إسماع صوتهم ورأيهم، ولكن ممنوع بتاتًا أن نُسكت صوت الأغلبية الفلسطينية في مخيمات اللاجئين، في الشتات، بين مهجّري الداخل في إسرائيل وفي المناطق المحتلة الذين يطالبون بأن يكونوا جزءًا ليس من الدولة التي ستقوم على 20% ولكن في دولة مستقبلية تشمل كل البلاد التي كانت يومًا فلسطين، كانت لهم.
لن تكون هنا مصالحة، ولن تكون عدالة ولا حلّ دائم، إذا لم يشارك هؤلاء الفلسطينيون في الإجابة على الأسئلة المتعلقة بالمصالحة وتقرير سيادة وهوية ومستقبل البلاد.
خلافًا لجماعات كثيرة في الغرب، وخلافًا ربما لمنطق تاريخ وقعوا خلاله ضحية مائة سنة من تجاهل الصهيونية، هؤلاء الفلسطينيون يفاجئوننا بأنهم يريدون أن يشملوا في تشكيل الدولة المستقبلية اليهود الذين وصلوا أمس من سانت بطرسبورغ ويصلّون في كنيسة القبر المقدس!. حتى هؤلاء اليهود يقبلهم الفلسطينيون هنا! ونحن لا نقبل أن يعود الفلسطينيون الذين كانوا هنا! لا نقبل لمن يقبلون أن يبقى ليبرمان هنا!
تعالوا نشركهم!. تعالوا نحترم أمانيهم فلا نقول “نحن نقرر”، “أولئك في رام الله وتل أبيب يقررون”.
كلا! هم أيضًا يقرّرون. تعالوا نفحص معًا قابلية تطبيق هذه الفكرة. تعالوا نفحص على الأقل الفكرتين واحدة بجانب الأخرى: فكرة الدولتين وإلى جانبها فكرة الدولة الواحدة.
تعالوا نعطي بعض الاحترام للفكرة الجديدة. لقد جرّبنا الفكرة القديمة طيلة 60 عامًا. فكرة التقسيم. فكانت نتيجتها المنفى والاحتلال والقمع والتمييز. لم تجلب هذه الفكرة سلامًا. تعالوا نعطي فرصة للفكرة الأخرى.
تعالوا نمتنع عن إقرار دساتير ديمقراطية لباقة الغربية ولا نقول “لا يهمّنا ما يجري في باقة الشرقية، سواء أكانت محاصرة أو تحت حكم دكتاتوري، لا يهمنا فهي ليست تابعة لنا؛ نريد باقة الغربية جزءًا من دولة جميع مواطنيها وأمّا باقة الغربية فلتبق خارج الجدار، وربما يستمرّ هناك الاحتلال”. كيف يمكن ذلك! هنالك روابط دم وروابط مصير وروابط لا يمكن تجزيئها. نحن جميعًا في قلب عجينة سياسية واحدة. الذي طرد وأبناؤه وأحفاده، والذي جرى طرده وأبناؤه وأحفاده، هؤلاء جميعًا ومعًا يجب أن يكون لهم دور في المفاوضات على مستقبل هذه البلاد كلّها.
نخبنا السياسية فاشلة في أحسن الأحوال وفاسدة في أسوإها، في كل ما يتعلق بجهود البحث عن حل للصراع. والنخب التي ترافقنا (في عملية البحث) في العالم الغربي وفي العالم العربي هي بنفس الدرجة من السوء. وعندما تتخفى تلك النخب تحت قناع المجتمع المدني – لأن هنالك بعض السياسيين الذي ليسوا في الحكومة في الوقت المعين – وتذرّ في الهواء بعض فقاعات جنيف، فإن الوضع فقط يزداد سوءًا والسلام يبتعد أكثر.
سنجد نموذجًا آخر. جميعنا، بما في ذلك المستوطنون القدامى والجدد، حتى أولئك الذين وصلوا أمس. وكذلك المطرودين بكل أجيالهم والباقين، ولنسأل: ما هو المبنى السياسي الملائم لنا بحيث يشمل ويحتوي مبادئ العدالة والمصالحة والتعايش. تعالوا نقترح عليهم نموذجًا آخر بدلاً من ذلك الذي فشل. نحن نناضل كتفًا إلى كتف في بلعين؛ ونحن أيضًا قادرون على أن نحيا معًا في بلعين في إطار الدولة نفسها. من كنا لنريد أن يكون جارنا، بلعين أم “متتياهو مزراح”؟ (حيّ من أحياء مستوطنة “موديعين”).
سوف أنهي حديثي.
لكي يبدأ هذا الحوار ويتطوّر، تعالوا نعترف بأمر إضافي، تعالوا نعترف أن الاحتلال الذي يعزّزونه يومًا بعد يوم، نحن من هنا لا نستطيع أن نوقفه بجهودنا وحدنا رغم أهميّتها. الاحتلال هو جزء من الأسس الأيديولوجية نفسها التي أنتجت التطهير العرقي في 1948، والتي بسببها ارتكبوا المجزرة بحق كفر قاسم، وبسببها صادروا أراضي الجليل والضفة الغربية، وبسببها يعتقلون ويغتالون بلا محاكمات. إن التمظهر الأكثر إجرامية وتقتيلاً لهذه الأيديولوجية هو ما يحصل اليوم في “القدس الكبرى” والضفة الغربية.
لكي نمنع اتساع رقعة جرائم الحرب هذه واتساع هذا السلوك الإجرامي، تعالوا نعترف أننا نحتاج ضغطًا من الخارج على دولة إسرائيل. تعالوا نقول شكرًا لنقابات الصحفيين والأطباء والأكاديميين في أرجاء العالم الذين يدعون إلى مقاطعة دولة إسرائيل طالما هي مستمرّة في هذه السياسات الإجرامية. تعالوا نستعين بالمجتمع المدني لتحويل إسرائيل إلى “دولة مجروبة” (ينأى عنها العالم) طالما استمرّت بهذا السلوك. ذلك لكي نستطيع نحن هنا – كل من ينتمي ويريد أن ينتمي إلى هذه البلاد – أن ندير حوارًا بنّاءً ومثمرًا لإقامة مبنى سياسيّ يخلصنا مرّة واحدة وإلى الأبد من الحاجة إلى العيش في صراع، ولكي نستطيع أن نبني مستقبلاً أفضل. شكرًا.
زلمان عميت: سوف أحوّل الآن حق الكلام لأوري أفنيري.
أوري أفنيري URI AVNERI
إنه شرف لي أن أتحدث أمام مثل هذا الجمهور، وفيه كثيرون من قدامي النضال من أجل السلام. هذه المناظرة ليست مصارعة حياة أو موت في حلبة رومانية. إيلان وأنا شركاء في النضال ضد الاحتلال. وأنا أثمن عاليًا شجاعته. نحن في نضال مشترك ولكن يوجد بيننا خلاف فيما يتعلق بالخيارين.
في ماذا نحن مختلفان؟
لا خلاف بيننا حول الماضي. أنا مستعد للتوقيع بيديّ الاثنتين على كل ما قاله إيلان حول ذلك. لا جدال في أن الصهيونية التي حققت إنجازًا تاريخيًا، تسببت بغبن تاريخي للشعب الفلسطيني. ولا جدال في أنه كان تطهير عرقي في 1948، ولكن فلتسمحوا لي أن أقول بين قوسين بأن التطهير العرقي كان متبادلاً. لم يبق يهودي واحد في المناطق التي احتلها الطرف العربي. الاحتلال هو حالة ممقوتة ويجب إنهاؤه. لا جدال في ذلك. وربما لا جدال بيننا على المستقبل البعيد؛ أي ماذا يستحسن أن يحصل بعد مائة سنة – وربما سنتكلم الليلة في هذا الموضوع إن سمح الوقت. ولكن نحن مختلفان فيما يتعلق بالمستقبل المنظور. في مسألة حلّ الصراع الدامي في نطاق الـ 20، 30، 50 سنة القادمة.
وخلافنا ليس خلافًا نظريًا ولا يمكننا القول “لكم دينكم ولي دين” والسلام على حركة السلام. الحديث هنا هو عن خيارين لا تسوية وسط بينهما. يجب الاختيار بينهما، لأن كلاً منهما يستوجب استراتيجية مختلفة وتكتيكًا مختلفًا. ليس غدًا وليس بعد غد، وإنما هنا والآن. والفرق مهم، ومصيري. فمثلاً: هل نركز جهدنا على العمل على الرأي العام الإسرائيلي، أم نتنازل عن النضال في البلاد وننتقل إلى النضال خارج البلاد؟

أنا إسرائيلي..أقف برجليّ الإثنتين في أرض الواقع الإسرائيلي وأريد أن أغير هذا الواقع من أقصاه إلى أقصاه، ولكنني أريد لهذه الدولة أن تبقى. من يرفض وجود دولة إسرائيل ككيان يعبّر عن هويتنا الإسرائيلية يحجب عن نفسه إمكانية العمل والتأثير هنا. كل عمله هنا سيكون محكومًا بالفشل.
يمكن لأحدهم أن ييأس فيقول ليس هنالك ما يمكن عمله، جميع الطرق مسدودة، وقد وصلنا إلى نقطة اللاعودة؛ كما قال ميرون بنبنيشتي قبل سنوات عديدة: لا يمكن إعادة الوضع إلى ما كان عليه. ليس لنا ما نفعله في هذه الدولة. يمكن أن يمرّ أي واحد منا بلحظة يأس. واليأس يهدم كل إمكانية لأيّ فعل. لا يجب تحويل اليأس إلى أيديولوجيا. ما أقوله أنا: لا مكان لليأس، لم يضع شيء، وليس هنالك وضع لا يمكن استعادته سوى الحياة نفسها. لا يوجد شيء اسمه نقطة اللاعودة.
عمري 83 عامًا، وقد رأيت في حياتي صعود النازية وسقوطها، وصعود الاتحاد السوفييتي وسقوطه الذي حصل فجأة. قبل سقوط سور برلين بيوم واحد لم يكن ألماني واحد ليصدق أن هذا سيحصل على أيامه. المختصون لم يتنبأوا بذلك مسبقًا، ولا أي واحد منهم. ذلك لأن تيارات جوفية تعمل تحت سطح الأرض ولا أحد يراها في لحظة فعلها. ولذلك فالتحليلات النظرية قليلاً ما تتحقق.
لا شيء يضيع إلاّ عندما يرفع المناضلون أيديهم مستسلمين قائلين “لا شيء يمكن فعله”. الاستسلام ليس حلاً، ولا هو أخلاقي. في حالتنا نحن من ييأس لديه خيارات ثلاثة: (أ) الهجرة – خارج البلاد. (ب) الهجرة إلى داخل الذات، وهذا معناه القعود في البيت دون فعل شيء، أو (3) الهرب إلى عالم الحلول المثالية المسيحانية. والخيار الثالث هو الخيار الأكثر خطورة لأن الوضع حرج جدًا وخاصة بالنسبة للفلسطينيين. لا وقت الآن لطرح حلول لما بعد 100 سنة. المطلوب هو حل عاجل، حل يمكن تحققه خلال سنوات عديدة، حتى لو لم يكن هو الحل المثالي.
سمعت أناسًا يقولون: أفنيري رجل مسنّ ومتمسك بأفكار قديمة ولا يمكنه استيعاب فكرة جديدة. وأنا أتعجب: فكرة جديدة؟! فكرة دولة واحدة مشتركة كانت مطروحة عندما كنت بعد فتىً يافعًا. لقد ازدهرت الفكرة في سنوات الثلاثين من القرن الماضي. ومن ضمن الأطراف التي نادت بها كان أهل هذا البيت الذي يستضيفنا الليلة، حركة “هكيبوتس هأرتسي”. ولكن الفكرة أفلست وفي أرض الواقع الجديد نمت مكانها فكرة الدولتين.
ومن بعد إذنكم لديّ ملاحظة شخصية: أنا لست مؤرخًا. رأيت في حياتي أمورًا كثيرة. أنا شاهد عيان، شاهد استماع وشاهد إحساس؛ كجندي في حرب48، وكمحرّر جريدة طيلة 40 عامًا، وكعضو كنيست طيلة 10 سنوات، وكناشط في حركة “غوش شلوم”. أنا أواكب الأمور واختبرها من زوايا نظر عديدة ومختلفة، ويدي تجسّ النبض العام. هنالك 3 أسئلة تتعلق بفكرة الدولة الواحدة:
1. هل هي ممكنة أصلاً؟
2. إذا كانت ممكنة، هل هي جيدة؟
3. هل ستجلب السلام العادل؟
بالنسبة إلى السؤال الأول، جوابي هو قاطع ومطلق: كلا. هي غير ممكنة.
من يدرك مزاج الجمهور الإسرائيلي-اليهودي يعرف أن طموحه الأكثر عمقًا – وهنا أسمح لنفسي بالتعميم – هو إقامة دولة مع أغلبية يهودية، دولة يكون فيها اليهود أسياد مصيرهم. هذا طموح فوق أي طموح آخر، حتى فوق الطموح إلى أرض إسرائيل الكاملة.
يمكن أن نتكلم عن دولة واحدة من البحر إلى النهر، دولة ثنائية القومية أو لا-قومية، ولكن عمليًا هذا الأمر معناه تفكيك دولة إسرائيل، وهدم كل ما بُني طيلة خمسة أجيال. علينا أن نقول ذلك بملء الفم وبلا أية مواربة. هكذا ينظر الجمهور اليهودي إلى هذا الأمر، وبالتأكيد هكذا يراه قسم كبير من الجمهور الفلسطيني. الحديث هنا هو عن تفكيك دولة إسرائيل. ويزعجني قليلاً أن هذا الكلام لا يُقال بشكل واضح.
نحن نريد أن نغير أمورًا كثيرة في دولة إسرائيل: الرواية التاريخية، تعريف الدولة كـ”يهودية وديمقراطية”، نريد أن ننهي الاحتلال في الخارج والتمييز في الداخل، نريد أن نبني أرضية جديدة للعلاقة بين الدولة ومواطنيها الفلسطينيين – العرب. ولكن لا يمكننا أن نتجاهل العقيدة (الإثوس) المؤسسة للأغلبية الساحقة من مواطني إسرائيل. 99% من الجمهور اليهودي غير معنيين بتفكيك الدولة! وهذا أمر طبيعي. ولكن يوجد وهم مفاده أنه يمكن تحقيق ذلك بمساعدة ضغط من الخارج. هل الضغط الخارجي سوف يجبر هذا الشعب على التخلي عن دولته؟!
سأقترح عليكم اختبارًا بسيطًا جدًا. فكروا للحظة بجيرانكم، جيران بيتكم، جيرانكم في العمل، جيرانكم في الدراسة. هل بينهم من يتنازل عن الدولة لأن أحدهم في الخارج يريد ذلك؟! ضغط من أوروبا، أو حتى ضغط من البيت الأبيض؟ سوى هزيمة عسكرية في ميدان المعركة، لا شيء سيجبر الإسرائيليين على التنازل عن الدولة. وإذا هُزمت الدولة في المعركة، سيصبح نقاشنا هذا بلا معنى ولا ضرورة.
والشعب الفلسطيني أيضًا يريد دولة له. إن هذا مطلوب لإشباع طموحه الأساسي ولاستعادة كرامته الوطنية ولشفاء صدمته. حتى قيادات حماس الذين تحدثنا معهم يريدون ذلك. من يفكر تفكيرًا غير هذا هو يحلم.
هنالك فلسطينيون يتحدثون عن دولة واحدة، ولكن بالنسبة لغالبيتهم هي مجرد شيفرة لتفكيك دولة إسرائيل. وهم أيضًا يعلمون أن هذه أوتوبيا. هنالك من يوهمون أنفسهم بأنهم إذا تحدثوا عن دولة ثنائية القومية فإن هذا سيخيف الإسرائيليين إلى درجة أنهم سيوافقون على إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. ولكن النتيجة سوف تكون عسكية تمامًا، فهذا يخيف الإسرائيليين بحيث يدفعهم إلى أحضان اليمين؛ هذا يوقظ وحش التطهير العرقي النائم في الزاوية. أنا أوافق مع إيلان، هذا الوحش نائم، ولكنه موجود.
في العالم كله هنالك اليوم اتجاه عكسي. ليس إقامة دول متعددة القوميات وإنما العكس، تقسيم الدول إلى وحدات قومية. في هذا الأسبوع جرت الانتخابات في سكوتلندا وفاز في الانتخابات حزب يطالب بالانفصال عن بريطانيا. الأقلية الناطقة بالفرنسية في كندا تتأرجح طيلة الوقت على شفا الانفصال. كوسوفو تقف على أعتاب الاستقلال عن صربيا. الاتحاد السوفييتي تفكك. تشتشنيا تريد الانفصال عن روسيا. يوغوسلافيا تفككت. قبرص تفككت. الباسك يريدون استقلالهم. في كورسيكا أيضًا. هنالك حرب أهلية في سريلانكا، وكذلك في السودان. وفي إندونيسيا انفرطت الخيوط في 12 مكانًا.
ليس هنالك في العالم مثالاً واحدًا لشعبين مختلفين قررا بإرادتهما العيش في دولة واحدة. لا يوجد في العالم أي مثال، سوى سويسرا، لدولة ثنائية القومية أو متعددة القوميات ناجحة. ومثال سويسرا الذي تطور على مرّ مئات السنين في سيرورة خاصة، وهي الشاذ الذي يؤكد القاعدة.
بعد 120 سنة من الصراع، الذي نشأ عليه جيل خامس، جيل خامس للصراع. إن الانتقال من حرب شاملة إلى سلام شامل في دولة مشتركة وبضمن ذلك تنازل مطلق عن الاستقلال هو وهم تامّ.
كيف ينبغي تطبيق هذه الفكرة؟ لم يحدثنا إيلان عن ذلك وهذا يقلقني.
أفترض أن الأمور ستبدو على الشكل التالي: سيتنازل الفلسطينيون عن نضالهم لأجل التحرر وعن طموحهم لإقامة دولتهم الوطنية. وسوف يعلنون أنهم يريدون العيش في دولة مشتركة. وبعد قيام هذه الدولة سوف يضطرون إلى النضال داخلها لأجل حقوق المواطنة. هنالك كثيرون وجيدون في العالم سوف يدعمون نضالهم، مثلما حصل في جنوب إفريقيا. سوف يقاطعون دولة إسرائيل ويعزلوها، وملايين اللاجئين سيعودون إلى البلاد، إلى أن تنقلب الآية وينتقل الحكم لأيدي الفلسطينيين. وإن كان هذا ممكنًا، فكم من الزمن سوف يستغرق؟ جيلين؟ ثلاثة أجيال؟ أربعة أجيال؟
هل هنالك من حاول أن يتصور كيف ستعمل هذه الدولة؟ الساكن في بلعين دفع نفس الضرائب مثل الساكن في كفر سابا؟ سكان جنين وسكان نتانيا يؤلفون معًا دستورًا للدولة؟ سكان الخليل والمستطنون في الخليل سيخدمون معًا في الجيش جنبًا إلى جنب، وفي الشرطة، وسيكونون خاضعين للقوانين نفسها؟ هل هذا واقعي؟ هذا ليس واقعيًا. هذا ليس واقعيًا اليوم، ولن يكون واقعيًا غدًا. هنالك من يقولون إن هذا هو الوضع اليوم. فإسرائيل تحكم دولة واحدة من البحر إلى النهر، بقي علينا فقط تغيير النظام. دعوني أقول: أولاً، لا يوجد وضع كهذا اليوم. هنالك دولة محتلة وهنالك منطقة تحت الاحتلال. أسهل كثيرًا تفكيك مستوطنة، تفكيك مستوطنات، تفكيك كل المستوطنات، من إجبار 6 ملايين إسرائيلي – يهودي على تفكيك دولتهم.
كلا. الدولة الواحدة لن تقوم. ولكن لنسأل أنفسنا: لو قامت، فهل هذا جيد؟ إجابتي هي: قطعًا لا.
تعالوا نتصور هذه الدولة، ليس كمنشأة خيالية مثالية كاملة، وإنما في الواقع.
في هذه الدولة سيكون الإسرائيليون هم المهيمنون. سيكونون متفوقين تفوقًا مطلقًا وهائلاً في كل المجالات تقريبًا: مستوى العيشة، القدرة العسكرية، مستوى التعليم، القدرة التكنولوجية. دخل الفرد الإسرائيلي يعادل 25 ضعف – 25 ضعف! – دخل الفرد الفلسطيني. 20000$ في السنة مقابل 800$ في السنة. سيكون الفلسطينيون في هذه الدولة (الواحدة) حطابون وسُقاة ماء، لزمن طويل طويل.
سيكون احتلال بوسائل أخرى، احتلال مقنّع. هذا لن ينهي الصراع التاريخي بل سينقله إلى مرحلة جديدة. هل هذا الحل سوف يجلب سلامًا عادلاً؟ أعتقد أن العكس سيحصل. هذه الدولة (الواحدة) ستكون ميدان حرب. كل طرف سوف يحاول الهيمنة على أقصى ما يمكنه من الأرض، وجلب أقصى ما يمكنه من البشر. سيحارب اليهود بكل الوسائل لمنع العرب من تحصيل أغلبية تتقلد الحكم. وعمليًا ستكون هذه دولة أبارتهايد. وإن أصبح العرب أغلبية وأرادوا الوصول إلى السلطة بطرق ديمقراطية سوف يتطور صراع يمكن أن يصل إلى حرب أهلية. طبعة جديدة من حرب 1948.
من يؤيد هذا الحل هو أيضًا يعرف أن الصراع الذي أتحدث عنه سوف يستمر أجيالاً. يمكن أن تُراقَ هنا دماء كثيرة. من سيقدر على معالجة النتائج؟
هذه أوتوبيا. لأجل تحقيقها يجب تغيير الشعب، وربما الشعبين. يجب خلق إنسان جديد. هكذا فكر الشيوعيون في بداية أيام الاتحاد السوفياتي. هكذا فكر مؤسسو “الكيبوتسات”. ولأسفنا الشديد، كثير من الأمور يمكن تغييرها، ولكن الإنسان لا يتغير. يمكن للأوتوبيا الجميلة تحديدًا أن تجلب نتائج مروّعة. في نبوءة “ويسكن الذئب بجانب الحمل” سنضطر إلى تغيير خروف كل يوم.
حل الدولتين هو الحل العمليّ الوحيد في إطار الواقع. ومن المضحك الادعاء أنه هُزم. ما يحصل هو العكس تمامًا. في المجال الأكثر أهمية، مجال الوعي، هو يتعزز يومًا بعد يوم. غداة حرب 1948، عندما رفعنا هذا العلم (طرح الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل)، كنا ثلة قليلة العدد. كان يمكن عدّنا على أصابع اليد الواحدة. لقد أنكر الجميع حتى وجود الشعب الفلسطيني. وأنا منذ الستينيات تجولت في واشنطن وتحدثت مع رجالات البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، لكن جميعهم رفضوا الإصغاء. أمّا الآن فيوجد إجماع دوليّ على أن هذا هو الحل الوحيد. الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا والرأي العام الإسرائيلي والرأي العام الفلسطيني والجامعة العربية. يجب أن تدركوا ماذا يعني أن العالم العربي كله يدعم هذا الحل. لمثل هذا الموقف هناك أهمية عظمى بخصوص المستقبل.

لماذا حصل ذلك؟ ليس لأننا ماهرون فنجحنا في التأثير على العالم كله. كلا. بل المنطق الداخلي للحل، هو الذي استحوذ على العالم. نعم، صحيح ان هنالك جزء من مؤيدي الحل هم فقط مؤيدون إسميّاً، وربما هم يعلنونه لتورية مقاصدهم الحقيقية. أرئيل شارون وإيهود أولمرت يتظاهرون بأنهم مؤيدين لهذه الفكرة، بينما مقصدهم الحقيقي هو منع إنهاء الاحتلال. ولكن حقيقة تظاهرهم هذا، هي الدليل تحديدًا على أنهم يفكرون بأنه لا سبيل إلى معارضة ذلك. وعندما تعترف جميع الشعوب، والعالم أجمع أن هذا هو الحل العملي، فهو إذن سيتحقق في نهاية الأمر.
المقاييس معروفة وأيضًا تحظى بموافقة عالمية:
1. ستقوم دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل.
2. الحدود بينهما سيجري ترسيمها على أساس الخط الأخضر، وربما مع تبادل مناطق متفق عليه. 3. القدس، ستكون عاصمة موحدة.
4. سيكون حل متفق عليه لمشكلة اللاجئين، بحيث يكون تفسيره العمليّ أن عددًا متفقًا عليه يعود إلى إسرائيل، والباقون يجري استيعابهم في الدولة الفلسطينية أو في أماكن وجودهم، مع دفع تعويضات سخية، مثلما دفع الألمان لنا، على سبيل المثال. أنا لست ضد أن نسأل اللاجئين. سنضع على الطاولة الحل الذي يتم الاتفاق عليه – حل مفصّل، واضح، بحيث يعرف كل لاجئ ما هي الخيارات – وعندها نسألهم. لا إيلان ولا أنا لنا صلاحية التحدث عن ما يريده اللاجئون. لست أنت إيلان الذي سألتهم ولا أنا. (نعم سألت هنا وهناك لاجئين عندما كنت في لبنان، أيام مغامرة شارون الأولى). أعتقد أن الغالية العظمى من اللاجئين، إذا أعطيتهم التعويضات التي يستحقونها فعلاً، سوف يريدون البقاء هناك، لأنهم عاشوا هناك منذ 60 عامًا، بناتهم وأبناؤهم قد تزوجوا هناك، وفتحوا مصالح هناك. وأظن أنه ستكون هنالك مشكلة عند بضع مئات من الآلاف وهؤلاء يجب أن نجد لهم حلاً، وأنا أوافق أنه يجب أن نكون شركاء تامّين ونجد حلاً. وباعتقادي هذا لن يكون صعبًا إلى هذه الدرجة. عندما تكون كل الأمور الأخرى متفقًا عليها، وفقط مشكلة اللاجئين هي الموضوعة على الطاولة، فسوف يوافق الجمهور على تسوية. في دولة يعيش فيها اليوم مليون وربع مليون مواطن عربي – فلسطيني – ومن الجيد أنهم هنا برأيي – فإن إضافة أيًا كانت لن تغير الوضع.
5. ستكون شراكة اقتصادية، ستتمكن الحكومة الفلسطينية من خلالها الدفاع عن مصالح الشعب الفلسطيني، خلافًا للوضع الحالي. مجرد وجود الدولتين سوف يقلص، بنسبة معينة، الفجوة في ميزان القوى بين الطرفين. هذه الفجوة موجودة، ولا شيء في العالم سيغيرها. يمكننا التذمّر من هذا ويمكننا التباكي على هذا ولكن الفجوة قائمة وعلينا إيجاد حل في عالم الواقع الكائن وليس في عالم خيالي نريد له أن يكون. علينا التفكير في كيفية تحقيق حل من ضمن الوضع القائم.
6. في المدى الأبعد، سيكون هنالك اتحاد شرق أوسطي على النموذج الأوروبي، وسيضم ربما تركيا أيضًا وإيران. هنالك عقبات كبيرة، وهي عقبات حقيقية. والعقبات الحقيقية يمكن التغلب عليها فهي لا شيء يُذكر أمام العقبات في وجه الدولة الواحدة، وهذا ما أودّ التشديد عليه. يمكنني الادعاء أن المقياس هو 1 إلى 1000، في نسبة صعوبة العقبات. الوضع أشبه بملاكم لا يستطيع التغلب على خصم من وزن الذبابة ولذلك يختار مواجهة خصم من الوزن الثقيل. أو هو أشبه برياضيّ فشل في سباق عدو المئة متر ولذلك سجّل نفسه لينافس في الماراتون. أو هو أشبه بمن يئس من تسلق جيل الشيخ ولذلك قرّر الوصول إلى قمة جبل إفرست.
لا شك أن فكرة الدولة الواحدة تُكسب مؤيديها اكتفاءً أخلاقيًا. قال لي أحدهم: حسنًا، ربما هذا ليس حلاً واقعيًا، ولكنه حلّ أخلاقيّ. وفي هذه النقطة أريد المكوث قليلاً؛ أنا أحترم هذا الأمر، ولكنني أقول: هذه كماليات لا نستطيع أن نجيزها لأنفسنا؛ عندما يتعلق الأمر بمصير عدد هائل من البشر، يكون الأمر (الحلّ) الأخلاقي غير الواقعي هو أمر (حلّ) غير أخلاقي. ومن المهم أن أعود على ذلك: الأمر الأخلاقي الذي هو غير واقعي هو غير-أخلاقي، لأن معنى ذلك هو تأبيد الوضع القائم.
* * *
زلمان عَميت:
بعد إذنكم، سننتقل الآن إلى الجولة الثانية، وفيها حق الردّ لإيلان بابي لمدة 10 دقائق.
إيلان بابي ILAN PAPPE
فكرة الدولة الواحدة لم تولد من يأس. هنالك يأس من النخب السياسية، هذا صحيح، ولكن ليس هنالك يأس من طبيعة الإنسان ولا من المجتمع المدني. اليأس هو من السياسيين الذين يبيعون ويتاجرون، ويبيعون من جديد فكرة الدولتين منذ 60 عامًا، والنتائج بيّنة في الواقع: احتلال أكثر، تشويه أكثر، انتهاك ممنهج أكثر وأكثر لحقوق الإنسان وحقوق المواطن. هنالك أمل، يمكن رؤيته مثلاً في الجليل، عندما يعيش اليهود ةالعرب في منطقة متحرّرة نسبيًا من تدخّلات الدولة. في مكان يوجد به توازن ديمغرافي بين اليهود والعرب، من المثير رؤية الشراكات في مجال الأعمال، هنالك أيضًا مدارس مشتركة، ترى فجأة براعم لحياة مشتركة بين القوميتين. يتضح إذن أنه يمكن، يمكن النضال ضد الفصل والعزل. لماذا النضال ممكن؟ أتعرفون لماذا؟
لأن فكرة أن القومية في هذا المكان تنتصر، هي ناتج تلاعبات، وتربية، وليس ناتج طبيعة الإنسان. يمكن أن نربّي بطريقة أخرى.
صحيح جدًا أنه يوجد فرق بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة. لأجل حل الدولتين أنت تحتاج سياسيين، ولأجل حل الدولة الواحدة تحتاج مربّين. والمربّون هم أناس لا ينتظرون نتائج خلال سنة أو سنتين. المربّون يمكن أن لا يروا بتاتًا نتائج عملهم في أثناء حياتهم. والذي لا يستطيع يوسي بيلين أن يقبله لنفسه أنا أقبله لنفسي – أن أموت من غير أن أعرف هل زرع بذور التربية لدولة واحدة مشتركة لليهود والعرب ستثمر أم لا. رجل السياسة لا يستطيع أن يقبل هذا لنفسه، ليس لأن همّه انتهاء الصراع، بل لأنه همّه أن تنتهي مسيرته المهنية السياسية.
إذا كانت صيغة الدولتين اللاواقعية هذه، والتي تقول إنه يمكن تفكيك مستوطنات، هي صيغة قابلة فعلاً للتطبيق، فإذن من الذي سيفكك مستوطنة “جيلا”؟ هل أحدهم سيفكك “جيلا”؟ عن ماذا تتحدثون؟ من سيفكك مستوطنة “معليه أدوميم”؟ أية مستوطنات سوف يفككون؟ هذه كلها لم تعد “مستوطنات” في الوعي الإسرائيلي الذي يتحدث عنه أوري (أفنيري). عميقًا عميقًا في الوعي “جيلا” هي جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل – ولكن إذا لم نفكك “جيلا” فلا فائدة أبدًا من الحديث عن دولتين. (“جيلا”، من مستوطنات الضفة الغربية، قرب بيت جالا).
الذي سيثبت لي في أية حالة سيتم تفكيك “جيلا” أنا مستعدّ أن أعود للتحدث معه عن دولتين. بدون ذلك ليس هنالك ما نتحدث عنه. بدون هذا ليس لنا ما نتحدث بشأنه. “تبادل الأراضي” اخترعه سياسيون إسرائيليون، وليس هنالك فلسطيني عاقل واحد يقبله، على مساحة بهذا الصغر.
صيغة الدولتين الواقعية – ليس الأوتوبية التي فيها “جيلا” تصبح جزءًا من الدولة الفلسطينية، بل صيغة الدولتين، الواقعية – هي الصيغة التي أمام أعيننا الآن. 50% من الضفة ملحقة بإسرائيل، و50% من الضفة بانتوستان محاط بالأوار والجدران ولكن مع علم فلسطين. هذه هي الدولة، وهنالك على ما يبدو أيضًا نفق يربطها مع معسكر الاعتقال الثاني واسمه قطاع غزة. ستكون هذه هي المراسيم على عشب البيت الأبيض، وعنها ستقول حركة السلام الصهيونية: رغم كل شيء هذا أحسن مما كان حتى الآن. مثلما قال المرحوم رابين للفلسطينيين أنه يجب أن يعطوا أكثر قليلاً مما لديهم وعندها سيحلّ السلام. هذا تفكير قد رأينا نتائجه.
يجب أن يكون لدينا من يناضل في هذا المجتمع، من يقول لمجتمعه: أنا آسف، الهوية الأيديولوجية الجماعية التي اخترتموها هي حقيرة، وغير ممكنة، ولا تستجيب لشروط اليهودية، ولا لشروط الأخلاق. هذه الفكرة، فكرة أن لليهود امتياز إثنيّ، أغلبية إثنيّة، تفوّق إثنيّ للدولة التي تتظاهر بأنها تمثل المحرقة وضحاياها. هل عليّ أن أوافق على هذا لأن الأغلبية تفكر هكذا؟! لأن هذه هي نتيجة التربية حتى الآن؟! حتى لو بقيت الإسرائيلي الوحيد الذي يفكر بطريقة مغايرة، فسأستمرّ بقول ذلك.
ما معنى أنه باسم الوعي الجماعي الذي كان سائدًا تحت هيمنة سلطة نظام جنوب إفريقيا، كان ممنوعًا على أي إنسان أبيض أن يقول ما كان بالتأكيد غير واقعي في الستينيات والسبعينيات؛ أن الأبارتهايد هو أيديولوجية حقيرة؟!
الصهيونية ليست أيديولوجية حركة قومية، بل أيديولوجية إثنية تسلب السكان المحليين ولا ترضى لهم العيش هنا. فإذا لم نغير الخطاب لن يغير الجمهور الخطاب أيضًا.
هنالك نقاط “لاعودة” في التاريخ. نعم، هناك نقاط “لاعودة” في التاريخ. ويؤسفني يا أوري أن أقول لك: إبادة الشعوب هي نقطة لاعودة، هي فعل لا عودة عنه (لا يمكن إصلاحه). ولا تنقصنا الأمثلة على ذلك. واسمح لي أن أقول لك هذا كمؤرّخ، لا تنقصنا الأمثلة عن حالات تطهير إثني تحولت إلى إبادة شعب. يجب أن نفكر أنه في أعماق هذا الوعي القومي اليهودي الذي تستمدّ منه إلى هذه الدرجة أملاً لتحقيق فكرة الدولتين… أنا لا أريد أن أفكر ماذا يوجد في تلك الأعماق، لا أريد أن أفكر باجتياز التطهير العرقي إلى إبادة شعب.
تدخّل من الجمهور: أين لا يوجد هذا؟ هذا موجود في كل العالم!
إيلان بابي:
أنا أريد أن أقول لكم الأسوأ من أيّ شيء. إذا لم نتوصل خلال 20 سنة إلى حلّ آخر، واستطاع ميزان القوى الإسرائيلي أن يوسّس بالفعل حالة تكون فيها نصف الضفة الغربية ملحقة بإسرائيل والنصف الثاني بلا مقوّمات معيشة لأيّ إنسان، يمكن أننا سنمحو الشعب الفلسطيني من التاريخ. يمكن أننا سنمحوهم من الوعي – وهذه أمور حصلت من قبل – ولكن عندها سوف يمحونا العالم العربي والإسلامي من الوعي، حتى لو استغرقهم ذلك مائتي سنة. يجب أن نفكر في حل للمدى البعيد ليس فقط لإنهاء الاحتلال، وليس فقط لإيجاد حل لليهود والعرب في هذه الدولة، بل لأن مستقبل الشعب اليهودي كله سيكون في خطر إذا نجحت الصهيونية باستكمال مشروعها. والمشروع الصهيوني يُستكمَل فقط إذا كانت هذه الدولة بأغلبية يهودية وبأقل عدد ممكن من الفلسطينيين.
أما بخصوص ما يريده اللاجئون، فهنالك بالمناسبة مشروع يفحص ويسألهم. يستطلع إرادتهم السياسية. اسمه مشروع “سيفيتاس” civitas. وإذا نظرتَ يا أوري في النتائج فسوف تجدها “غير مريحة”. أغلب اللاجئين يريد العودة. أغلب اللاجئين لا يريد المال. ولكن ربما الأمر الأكثر أهمية أننا نكتشف هنا في معرض سيرورة دمقرطة تبدأ في مجمعات اللاجئين الفلسطينيين الآن أن السؤال المركزي من ناحيتهم ليس هل نعود أو لا نعود، هل نتلقى التعويضات أم لا. بل إن السؤال المهم الذي يطرحونه على أنفسهم هو: لماذا لا يشركوننا في اتخاذ القرار بشأن وطننا. ليس هل نعود أو لا نعود، بل دعونا نحن نقرّر! ليس فقط سكان جنين أو يافا يحق لهم. دعونا نحن أيضًا نشارك في تحيد مستقبل البلاد.
مرّت عشر دقائق بالضبط، ولذلك سأقول جملتين بعد:
هل هذا ممكن؟ ليس هذا ممكنًا غدًا ولا بعد غد. وللأسف، فإن الأمر الأكثر احتمالية هو أن ينجح المشروع الصهيوني في إقامة دولة بغير عرب. هذا ممكن أكثر بكثير. وهذا نجده للأسف ضمن الأوراق (أوراق اللعب) وللأسف، فإن هذا أيضًا بسبب خطأ حركة السلام ودعمها لحل الدولتين لشعبين. حيث أنه بمساعدة هذا الشعار “دولتان لشعبين” يمكن البدء بإزاحة السكان ويمكن البدء بتقليص المساحة المعدّة للفلسطينيين ويمكن تطهير المساحة الإسرائيلية من الفلسطينيين. “نحن هنا وهم هناك” قال إيهود باراك. يمكنهم أيضًا “تطهير” إسرائيل من “الأقلية الفلسطينية” باسم الطرح “السامي”، طرح الدولتين! وبالمناسبة، لا أعتقد أن الضغط الخارجي هو الذي سيؤدّي في نهاية الأمر إلى إقامة الدولة الواحدة. ليس هذا ما قلته. قلت إن الضغط الخارجي يمكن أن يؤدّي إلى خروج الوجود العسكري الإسرائيلي من حياة الفلسطينيين في المناطق. ولكن إنهاء الوجود العسكري ليس هو إنهاء الصراع. لقد كانت هذه الصيغة الوهمية في كامب ديفيد 2000، أن إنهاء الاحتلال هو إنهاء الصراع. كلا. إنهاء الاحتلال يتيح النظر مجددًا ومليًا في نهاية حقيقية وعادلة للصراع. وإنهاء الصراع في هذه البلاد الصغيرة يمكن أن يكون على أساس دولة واحدة مشتركة.
ليس المهم أية أمثلة تاريخية يوجد. هنالك بالمقابل أمثلة على عكسها في التاريخ. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأمثلة الراهنة. يمكن استحضار أمثلة معاكسة لهذه أيضًا. ولكن المهم هو أن نسأل أنفسنا، فنحن وبالتحديد لأننا شركاء في صراع مع الفلسطينيين (حركة السلام) هل حقًا ليس لنا شركاء في الجانب الفلسطيني نبني معهم دولة مشتركة؟ هل ليس لدينا فلسطينيون في إسرائيل نريد أن نبني معهم دولة مشتركة؟ هل ليس لدينا شركاء يهود نريد أن نبني معهم دولة مشتركة؟ فإذن تعالوا نميّز بين عرب ويهود “طبيعيين” (عاقلين) وعرب ويهود سفلة. دعونا نتوقف عن الانشغال بهذا الخطاب القومي الذي يؤبّد الاحتلال والاغتراب والقمع. شكرًا جزيلاً.
زلمان عَميت: في الجولة التالية، حق الردّ لأوري أفنيري، لمدّة 10 دقائق.
أوري أفنيري URI AVNERI
أنا موجود في وضع حرج نوعًا ما، لأنه في النقاش بين المنطق والعاطفة تحظى العاطفة بتصفيق الجميع. في النقاش بين الأخلاق المطلقة وبين الأخلاق النسبية – التي هي ممكنة في الواقع – تحصل الأخلاق المطلقة وبحق على تصفيق الجميع. لقد أصغيت لك في توثّب شديد يا إيلان (بابي)، ولكن أيضًا لما لم يقله إيلان. لم تقل كيف ستعمل على تفكيك دولة إسرائيل. وأيضًا لم تقل كيف ستقوم هذه الدولة. لم تقل كيف ستبدو في الواقع. لقد وصفت أمورًا مثالية. واعذرني على المقارنة، ولكنك تذكّرني قليلاً بالكتاب الأوتوبي “آلت نوي لاند” (بلاد قديمة جديدة – هرتسل) لمؤلفه أبو الصهيونية. ولكننا نعيش في الواقع، نحن نعرف كيف تبدو الأمور في الواقع. كيف تبدو في الواقع وماذا يمكنه أن يقوم في الواقع، وهذا هو الأمر الحاسم. هنالك كثير من الطيبين في دولة إسرائيل. كثيرون يقومون بأعمال طيبة، وهنالك مائة تنظيم يعمل لأجل السلام وكل منهم يقوم بطريقته بأعمال مهمة. هنالك معلمون يربّون للتعايش بين اليهود والعرب، وهنالك روضات أطفال تربّي. حسنًا ولكن أنت بنفسك قلت إن الحل الذي تقترحه ليس حلاً سيتحقق في أيّامهم. تريد أن تزرع شجرة لوز لكي يأكل أحفادك من ثمارها. ولكن، يا إلهي كم يخيفني هذا. أنت تتحدث عن تطهير عرقي، وعن الخطر المروّع لاحتمال التطهير العرقي، وتتحدث عن المخاطر المروّعة التي تهدّد الشعب الفلسطيني في الواقع الحالي. وأنا أرى ذلك وبألوان ليست أقلّ سوادًا مما ترى. أنا أرى ذلك بألوان أكثر سوادًا مما ترى أنت. في هذا الواقع ليس لدينا وقت للانتظار 50 سنة.
قلت بأن لا تسويات بين هذين التصوّرين، ولكنني أقترح عليك مع ذلك تسوية: تعال ناضل معنا لأجل إقامة الدولتين، وبعد أن تقوم الدولتان، وبعد أن نمنع هذه الأخطار، تستمرّ أنت في الطريق وتناضل لأجل توحيد الدولتين في دولة واحدة. أنا أقول هذا بكل جدّية!. ناضل من أجل أن تصبح الدولتان دولة واحدة، بإرادتهما. أنا شخصيًا آمل جدًا – وتحدثت عن ذلك مع ياسر عرفات لا مرّة ولا مرّتين – أن يقوم بين الدولة الإسرائيلية والدولة الفلسطينية نوع من نظام اتحاد فدرالي، نظام شراكة بين دولتين مع حدود مفتوحة بينهما واقتصاد مشترك، طبعًا ضمن الحفاظ على الاقتصاد الفلسطيني.
عرفات تحدّث في لقائي الأول معه عام 1982، أثناء الحصار على بيروت، عن حل بصيغة “بنلوكس” (القدامى بينكم يعرفون عن توحيد بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ). عرفات قصد معاهدة ثلاثية بين إسرائيل وفلسطين والأردن، وربما أيضًا لبنان. وحتى في المحادثة الأخيرة بيننا كان ما زال يتحدث عن ذلك. وهذه رؤيا جديرة ومهمّة بالتأكيد. ولكن الآن هنالك جريح ممدّد أمامنا وينزف. تعالوا توقف النزيف، ونجد حلاً هو غير متكامل، هو بعيد عن الكمال، ولكنه واقعي ويمكن تحقيقه. وختامًا لهذا الجزء: لا أعتقد أن حركة السلام هُزمت. أنا لا أعتقد أنها حتى فشلت. لدينا هنا سيرورة مركّبة، هنالك أمور تحدث على السطح، وهنالك أمور تحدث تحت السطح. نعم على السطح نحن نرى أن الواقع هو مروّع وهو حتى يتغير نحو الأسوأ إذا كان يمكن أسوأ من هذا، وأعتقد أنه دائمًا يمكن أسوأ. جميعنا نعمل بهذا يوميًا. ولكن تحت السطح تحدث أشياء (أخرى). في أيام مضت كان 99% من الجمهور الإسرائيلي ينفون مجرد وجود الشعب الفلسطيني، امّا اليوم فلا أحد يقول هذا. وذات يومًا نفت الأغلبية فكرة إقامة الدولة الفلسطينية أما اليوم فجميع الاستطلاعات تبيّن أن الأغلبية الساحقة في الدولة تتقبّل هذه الفكرة كجزء من الحل.
عندما قلنا يجب التحدث مع منظمة التحرير الفلسطينية قالوا عنّا خوَنة، ولكن فيما بعد، الدولة عقدت اتفاقات مع منظمة التحرير. اليوم نحن نقول يجب التحدث مع حماس، وأنا متأكد أن الدولة سوف تتحدث مع حماس، ولن يأخذ ذلك حتى وقتًا طويلاً ليحصل. قلنا إن القدس ستكون عاصمة الدولتين. فقالوا مرعب مخيف! العاصمة الأبدية الموحّدة! ثرثروا كثيرًا. ولكن عندما اقترح إيهود براك تقسيمًا معيّنًا للقدس – ولا يهمّ إن قصد ذلك أم لا وماذا كان قصده – ماذا كان رد فعل الجمهور؟ الجمهور سكت.
هنالك شيء يتغير في الدولة. التغيرات في أعماق الرأي العام حيوية في الطريق إلى الحل. وأظن أننا ننتصر، أنا أظن أن التطور التاريخي يقود في اتجاهنا نحن. هذا ليس سهلاً، العقبات هائلة ولكني لست متفائلاً هكذا بلا معنى. أنا متفائل استنادًا إلى ما يحدث حقيقةً. أعتقد أننا سنصل إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، وأعتقد أن الدولة الفلسطينية سوف تكون دولة قومية (وطنية) فخورة.
أنا أعلم أن كلمة “قومية” هي كلمة نابية بالنسبة لأناس كثيرين. يمكن أن يتّسع النقاش في هذه النقطة فيحتاج أمسية إضافية بأكملها ولكني أقول فقط ما يلي: من يتجاهل القوّة الهائلة للحسّ القومي هو شخص يعيش في عالم غير واقعي. الواقع هو قوميّ. والحسّ القوميّ أعمق من أن نقتلعه من قلوب الناس. لا يحصل هذا في شهر ولا سنة ولا سنتين. هذا يستغرق مئات السنين. حتى في أوروبا 60 عامًا بعد توحيد أوروبا ترَوْن ما يحصل في ملاعب كرة القدم. ترون ماذا يحصل عندما يُمسّ الحسّ القوميّ لأحدهم. القوميّة هي حقيقة واقعة ويجب أخذها بالحسبان. ليس من العقلانية في شيء تجاهل اللاعقلانيّ في السياسة. اللاعقلاني موجود ومن العقلانية أن نأخذه بالحسبان. وعلينا أن نفكر كيف نصل – رغم وجود هذا اللاعقلاني – إلى حلّ يمكن التعايش معه.
(أسئلة من الجمهور إلى المتحدثين)
زلمان عميت:
وصلنا إلى الجزء الذي سنحوّل فيه أسئلة الجمهور إلى المتحدثين. ومسبقًا أقول لكم، لن أتمكن من عرض جميع الأسئلة فهذا سوف يستغرق أكثر بكثير من الـ50 دقيقة التي خصّصناها للأسئلة. ولكني سأبذل قصارى جهدي وأرجو حقيقة أن تساعدوني في ذلك. السؤال الأول موجّه لإيلان بابي من موشيه بقاعي:
– “قرار هيئة الأمم المتحدة 181 (قرار التقسيم) هو المستند الذي أعلن بناءً عليه قيام دولة إسرائيل وأقرّ أيضًا حدودًا بين الدولتين. هل يمكن لأي طرف غير هيئة الأمم المتحدة أن يلغي هذا القرار؟”.
إيلان بابي:
– هل أحد غير الأمم المتحدة يمكنه إلغاء هذا القرار؟ طبعًا! الإسرائيليون والفلسطينيون يمكنهم إلغاء هذا القرار في أية سيرورة تاريخية مشتركة متى شاءوا. لا مشكلة في ذلك. ليس لهذا القرار قدسيّة. إلاّ إذا عدنا إلى الفكرة المؤسسة للقرار، ومفادها أنه رغم رفض 66% من السكان الأصليين للبلاد لقرار ما، رغم ذلك فإن المجتمع الدولي والأمم المتحدة فرضوا عليهم حلاً غير مقبول عليهم. ولذك، فبالطبع يمكن إلغاء هذا الحل. ليس له أية مكانة قانونية، وما يحسم في نهاية الأمر هو ما يقرّره السكان الذين كانوا هنا والسكان الذين هم الآن هنا.
زلمان عميت: هناك سؤال آخر بعد لك.
– أنت تتحدث عن كولونيالية الشعب اليهودي الإجراميّة، المتمثلة بالصهيونية. ألستَ بذلك تنفي أيضًا حق الشعب اليهودي على هذه الأرض في الماضي وبالطبع اليوم أيضًا؟ ومن هنا فالآن لا مجال حتى للحديث عن دولة واحدة لشعبين بل عن دولة واحدة لشعب واحد هو الشعب الفلسطيني.
إيلان بابي:
– أنا لا أنفي حق الشعب اليهودي في دولة، كما لا أنفي حق الشعب الفلسطيني في دولة. أنا أنفي حق الشعب اليهودي سلب وطن الشعب الفلسطيني. إذا كان الحل السياسي المقترح يتيح للشعب اليهودي الاستمرار في سلب وطن الشعب الفلسطيني فهذا ليس فقط مرفوض أخلاقيًا بل يعني أيضًا استمرار الصراع إلى الأبد. لذلك، ما أقترحه هو حل يتيح في نهاية الأمر لكل من يعيش هنا أن يشعر بأن حقوقه التاريخية محفوظة وأيضًا حقوقه المدنية وحقوق الإنسانية. إذا كان هذا يبدو “أخلاق مطلقة” فأنا يرعبني التفكير ماذا يعني “أخلاق نسبية” إذن!
• زلمان عميت: السؤال التالي موجّه لأوري أفنيري:
– هل على ضوء حقيقة أن اليهود لوحقوا على مرّ التاريخ، وجود دولة إسرائيل ذات أغلبية يهودية ألا يعني جلب محرقة جديدة بالنظر إلى التهديد الإيراني؟
أوري أفنيري:
– لن نستطيع في هذه الأمسية تخصيص وقت لتحليل مفصل لما جرى في هذه البلاد في المئة وعشرين سنة الأخيرة. إنها حكاية طويلة، حكاية معقدة، حكاية مركّبة، حكاية مأساوية – وليس حكاية واحدة بل حكايتان واحدة إسرائيلية وواحدة فلسطينية. تحليل الأمور يحتاج أمسية كاملة. ربما أسبوعًا. ربما شهرًا. نحن في “غوش شَلوم” – في الكراسة التي وضعناها في الخارج وعنوانها “حقيقة مقابل حقيقة” أجرينا تجربة مسوّدة رواية مشتركة، إسرائيلية فلسطينية، عن ولادة النزاع وتطوره إلى اليوم، ومن يريد بإمكانه أن يقرأ.
أمّا في ما يخصّ القنبلة الإيرانية؛ انظر، عندما قرر جزء من اليهود أنهم يريدون أن يصبحوا أمّة على النموذج الأوروبي وأن يقيموا دولة، هم أخذوا على عاتقهم دخول مخاطرة كبيرة جدًا. كان هنالك نمط حياة يهودي وكان بسيطًا جدًا – عندما كان اليهود في خطر هم جمعوا أغراضهم وهربوا إلى بلد آخر. وبهذه الطريقة هم عاشوا حياة جيدة جدًا، ربما ليس جيدة إلى هذا الحد، ولكنهم عاشوا هكذا وحافظوا على بقائهم طيلة 2000 سنة.
عندما قرر آباؤنا أن يكونوا أمّة وأن يقيموا دولة، هم أخذوا على عاتقهم دخول مخاطرة محسوبة. عادوا إلى منصّة التاريخ، ومنصة التاريخ هي مكان خطِر. كل شعب معرّض للمخاطر. أيام الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة معرّضة في كل لحظة لخطر موْت مائتي مليون أمريكي خلال خمس دقائق في حال نشوب حرب نووية. هذا هو ثمن أن تحيا في التاريخ. أنا لا أخاف من القنبلة الإيرانية. أظن أن جزءًا من شيطنَة الشعب الإيراني هو جزء من هستيريا مفبركة. الإيرانيون هم شعب عادي ككل الشعوب. الشعب الإيراني ليس أكثر جنونًا من الشعب الإسرائيلي.
إيلان بابي: هذا ليس من الحكمةً أن تقوله.
أوري أفنيري:
صحيح. النظام ليس مجنونًا، مع أن رئيسهم هو غريب قليلاً. وإذا كانت لديهم قنبلة نووية – ليس أني أرجو ذلك! – إن كانت لديهم فلن يستخدموها. لهم تكون واحدة ولنا واحدة، هم لن يستخدموها لأنهم يعرفون الثمن، ونحن لن نستخدمها لأننا نعرف الثمن. نحن سنعيش في خطر مثلما تعيش دول أخرى في العالم في خطر، والخطر الأكبر هو استخدام قوالب المحرقة. كل من يذكر المحرقة في سياق سياسيّ يجب شجبه. وبالمناسبة، إن كنتم ترغبون بشهادة حيّة عن إيران، اقرأوا ما كتبه الشاب الذي هبط هذا الأسبوع خطأ في طهران فعاملوه كأمير، مع أنهم علموا أنه إسرائيلي.
زلمان عَميت: ابق للحظة. السؤال التالي هو إليك من رامي ناشف مراسل موقع “محسوم” (الحاجز):
– كيف كنت ستعرّف مكانة المواطنين العرب الفلسطينيين في الدولة اليهودية ضمن حل الدولتين. هل مستقبل عضو الكنيست العربي سيكون مساويًا لمستقبل عزمي بشارة اليوم؟
أوري أفنيري:
أنا أعيش في هذه الدولة من اليوم الأول. ومن اليوم الأول عارضت تعريفها كـ”دولة يهودية”. لا أعرف ماهذا؟ أنا لا أعرف ماذا يعني دولة يهودية. لا أحد فسّر لي أبدًا ما معنى دولة يهودية. ولمدة عشر سنوات في الكنيست لم أسمع أيّة مداولة جدية عرّفت ما هي الدولة اليهودية. ما هي؟ دولة تعبّر عن قيم يهودية؟ دولة قائمة على الدين اليهودي؟ دولة فيها أغلبية يهودية؟ دولة تابعة لكل يهود العالم، 11 مليون يهوديّ وقسم منهم تابع للأمة الأمريكية، وقسم منهم تابع للأمّة الفرنسية وهم قد شاركوا هذا الأسبوع في الانتخابات لصالح ساركوزي؟ ما معنى الدولة اليهودية؟
قبل سنوات كثيرة، عندما كنت أتحدث مع أرئيل شارون، كان بيننا نقاش حاد جدًا حول هذا – هل دولة يهودية أم دولة إسرائيلية. أنا أتبع لمجموعة من المواطنين الذين قدّموا التماسًا للمحكمة العليا لأجل محو التعريف “قومية يهودية” في بطاقة الهوية لدينا وتسجيل “قومية إسرائيلية”. ولذلك فالسؤال (الذي طرحه رامي) هو تقريبًا بلا راهنية من ناحيتي. الوثيقة العربية التي صيغت مؤخرًا في الناصرة (وثيقة التصور المستقبلي للعرب في إسرائيل) مقبولة عليّ بمدىً كبير. أظنّ أنها تؤسس لنقاش جدّيّ. قلت من قبل أنه يجب بناء أرضية جديدة للعلاقات بين الدولة ومواطنيها العرب. أنا أظن أن النقاش بناءً على الأساس الجديد يمكن أن يبدأ من هذه الوثيقة. وليس لديّ سوى الثناء لمؤلفيها.
زلمان عَميت: سؤالان لإيلان (بابي). السؤال الأول، هي بالأحرى ثلاثة أسئلة صغيرة متصلة ببعضها، يوجّهها دوف دولاب:
– متى بدأ الحنين إلى صهيون وإلى إعادة استيطان البلاد. هل العرب في البلاد هم سلالة الشعب الفلسطيني الذي أبيد قبل 3000 سنة على يد الملكين شاؤول وداود. وهل يوجد في القرآن ذكر لحقوق الشعب اليهودي على الأرض المقدسة؟ إيلان بابي:
فكرة الحنين إلى صهيون كرؤية قومية بدأت عام 1882، وكانت هنالك بعض براعم قبل ذلك؛ هذا من الناحية التاريخية. هل فلسطينيو اليوم هم سلالة أولئك الذي أبادهم الملك شاؤول؟ انظر، هنالك في العالم موسوعتان مثيرتان: الموسوعة العبرية والموسوعة الفلسطينية. الموسوعة الفلسطينية تدّعي أن الفلسطينيين هم سلالة الكنعانيين، والموسوعة العبرية تدّعي أن اليهود هنا هم سلالة العبريين. في الحالتين هذا هُراء. أمّا بالنسبة للقرآن، فلا. القرآن لا يعترف بحق الشعب اليهودي على هذه الأرض. لم تكن شعوب حينذاك، لم تكن حركات قومية، وبشكل يفاجئ، فلسطين لم تثر اهتمام أحد بشكل خاص في ذلك العصر. القرآن كان اهتمامه أن يجد مكانًا في هذا العالم إلى جانب دينين موحّدين قويّين، وبذلك هو نجح، نجح جدًا. في الدولة التي ستقوم هنا علينا أن نأخذ بالحسبان كل هذه المواقف، وأيضًا مواقف أولئك الذين يرون أنهم سلالة من أبيدوا هنا قبل 3000 سنة، وأولئك الذين يظنون أنهم سلالة من طُردوا من هنا قبل 2000 سنة وظنوا بأن الله منح هذه الأرض لهم وليس لآخرين. وكما تعرف، فإن الحركة الصهيونية لا تعترف بوجود الله ولكن هو وعدها بالأرض!.
زلمان عَميت: سؤال من صديقنا المشترك تيدي كاتس:
– ما الذي يعطي اليهود، وهم في دولتهم ذات السيادة، مشروعية أخلاقية لفرض دولة، كأنما مشتركة، على الفلسطينيين وبالشروط التي يفرضها اليهود أنفسهم.
إيلان بابي:
ما كان هنالك رجاء من فكرة الدولة المشتركة ولا معنى لها، لو جاءت فقط من داخل المجموعة اليهودية. أنا أوافق على هذا. ولم أكن لأقف اليوم أمامكم هنا لو لم أشعر أني أمثل عملاً مشتركًا يهوديًا وفلسطينيًا. هذا العمل يجب أن يكون مشتركًا، وفي أساسه فكرة هي نقيض لفكرة حل الدولتين؛ الفكرة هي أن اليهود ليس لهم أن يقرروا في جزء واحد من البلاد وهو 80% منها، والفلسطينيون يقررون في الجزء المتبقي وهو 20%. كلا. أنا أريد أن يقرر الفلسطينيون واليهود معًا على 100% من البلاد. زلمان عَميت: سؤالان لأوري أفنيري:
– أولاً: أنت كرجل رأى في حياته ظواهر كثيرة لم يتنبأ بها أحد ولم يصدّق أحد إمكانية حصولها، لماذا لا تتقبل إمكانية اختفاء فكرة القومية الصهيونية وأيضًا الفلسطينية من عالمنا سريعًا على أيّامنا، آمين؟
أوري أفنيري:
أنا أتقبّل هذا بالتأكيد، سوى الكلمات “سريعًا على أيامنا”. لقد جلست في إحدى الأمسيات في مطعم برام الله، شربت قليلاً من العرق، أكلت وشربت وكنت محاطًا بأناس من رام الله، فلسطينيين. وعندما انتشى قلبي بتأثير العرق فكرت بيني وبين نفسي: ما كان أروع هذه البلاد لو كان هنالك سلام. لكان كل واحد قادر على السفر من مكان إلى مكان في البلاد. أنا أفكر فقط – وفي هذا أنا مختلف مع إيلان (بابي) – أن هذا لن يحصل في دولة مشتركة، لأن دولة واحدة مشتركة بكل بساطة لن تقوم. أنا أظن أن هذا سيحصل في دولتين، يحيث لكل شعب دولة وعلم. لهم دولة وعلم، ولنا دولة وعلم آخرين. لكل واحد منتخب كرة القدم الخاص به، والحدود تكون مفتوحة والناس من رام الله يسبحون في شاطئ تل أبيب، ونحن إن أردنا نغطس في نهر الأردن. هاتان لن تكونا دولتان معاديتان. الدول المعادية لن تقوم، لأن حل الدولتين يمكن أن يقوم فقط بموافقة الشعبين. وكانت هذه هي الجملة الأخيرة التي قالها إيلان (بابي)، وأنا بالتأكيد أقبل ذلك.
الحل الذي تقترحه والحل الذي أقترحه أنا هنالك مشترك واحد بينهما: لا يمكنهما التحقق إلاّ بموافقة الإسرائيليين والفلسطينيين معًا. لا يمكن بغير ذلك. وكل ما عدا ذلك معناه تدمير دولة إسرائيل أو احتلال إسرائيليّ. كل حل سلميّ – هذا أو ذاك؛ هذا الذي أظنه واقعيًا وذاك الذي تظنه أنت واقعيًا – كلاهما يوجبان موافقة الشعبين. وإن كنت تريد مشاركة اللاجئين فأنا بالتأكيد لا أعارض ذلك. أنا أظن أن اللاجئين سيقبلون كل حلّ معقول باعتباره حلاً معقولاً أيضًا لمشكلتهم. لن يكون هذا حلاً مثاليًا، ولكن حلاً يمكنهم التعايش معه. اللاجئون أيضًا عليهم الاختيار. نضع على طاولتهم الحل المتفق عليه في المفاوضات، وهم يصادقون عليه.
زلمان عَميت: أوري، السؤال التالي:
– ماذا سيحصل لو في المستقبل البعيد فاق عدد الفلسطينيين في إسرائيل نسبة الـ50%؟ ماذا ستكون عندها الطريقة للحفاظ على دولة اليهود؟
أوري أفنيري:
عندما قامت دولة إسرائيل، كان فيها 20% مواطنون عرب. اليوم، وبعد 60 عامًا، ما زال هنالك 20% مواطنون عرب. وهذا أحد أعاجيب الإحصاء لو أخذنا بالحسبان التكاثر الطبيعي الكبير لدى المواطنين العرب المسلمين (لدى العرب المسيحيين نسبة التكاثر هي أقل من اليهود). أظن أن ما تتحدث عنه لن يحصل ولكن إن حصل – فالله كبير (يقصد: لحينه سنرى). لو حصل هذا بعد 50 عامًا، فإن النسب الديمغرافية لن تكون مهمّة. ليس من الضروري أن يكون 4 مواطنين يهود على كل مواطن عربي. المطلوب الآن هو إعادة المارد الديمغرافي إلى القمقم. الآن هي مشاعر قومية ولا تنازل عنها، ولكن إن تغير الميزان الديمغرافي بعد 50 عامًا من العيش المشترك في دولة إسرائيل، فليتغير! كثير من الأمور تتغير في هذا العالم. أيضًا في أمريكا هنالك سيرورة كهذه. لو قالوا للأمريكيين قبل 50 عامًا: تعالوا نشكل هنا أغلبية أمريكية لاتينية لاندلعت ثورة قومية. جاء الأمريكيون اللاتينيون وتكاثروا رويدًا رويدًا، ويمكن القول إنه قريبًا سوف يكون في الولايات المتحدة أمريكيون لاتينيون أكثرمن الانجلوساكسون البيض البروتستانت. الأمور التي تتغير ضمن مجرى الحياة، هنالك سيرورات طبيعية، لا حاجة للاعتراض عليها. الآن، نحن نتحدث عن اليوم، عن وعي الشعبين اليوم، عن الحل الذي يحتاج الشعبان التوصّل إليه اليوم، غدًا أو بعد غدٍ صباحًا. لذلك فهذا السؤال لا يقلقني.
زلمان عَميت: سؤال واحد بعد، مرتبط قليلاً بالسؤال السابق:
– إذا قامت دولتان، أين سيكون “عرب إسرائيل” في أية دولة منهما؟ أوري أفنيري:
أريد لفت انتباهكم إلى ظاهرة مثيرة جدًا، لا يتحدث عنها أحد تقريبًا. جاء عدد من الفاشست، ليبرمان وإيفي إيتام، واقترحوا اقتراحًا ثوريًا، اقتراحًا كأنما إنسانيّ؛ العرب الذين في القرى والمدن في منطقة المثلث يبقون في مكانهم ولكن كل هذا القطاع يجري نقله إلى الدولة الفلسطينية التي ستقوم، ومقابل ذلك يجري ضمّ المستوطنات إلى إسرائيل. لم يؤيد ذلك أيّ مواطن عربي في إسرائيل. ولا أيّ واحد! ولا حتى صديقي عزمي بشارة. فكروا في معنى ذلك!. الغالبية العظمى من المواطنين العرب في إسرائيل هم عرب قوميون، وهم فخورون بانتمائهم إلى الشعب الفلسطيني. ولكن.. ولكن هم يريدون أن يبقوا مواطني دولة إسرائيل، حتى كأقلية.
زلمان عَميت: سؤال آخر بعد، وبعد ذلك سنحوّل الأسئلة لإيلان (بابي).
– ماذا يعني النضال خارج البلاد؟ فالنضال هو هنا، هو على الأرض التي نعيش فوقها وليس على دولة في الخارج.. وتتمة لذلك – بالانجليزية – You may say I am dreamer, but I am not the only one (يمكنك القول إني حالم، ولكني لست الوحيد).
أوري أفنيري:
I am a dreamer too (أنا أيضًا حالم)، لكنني أحاول أن أحلم أحلامًا يمكن تحقيقها. الجملة التي قلتها، لم تكن ردّاً على ما قاله إيلان (بابي) اليوم، بل ردًا على ما قاله صديق آخر، هو أيضًا ناشط سلام يهودي إسرائيلي، في معرض نقاش عاصف كان بيننا حول هذا الموضوع قبل شهر، في مؤتمر في رام الله. هو قال: النضال في البلاد لا جدوى منه، لا يمكن التأثير على الرأي العام في إسرائيل. كل الجهود تذهب هباءً، بلا احتمالات (إقناع) وبلا أمل. وما علينا فعله، نحن في حركة السلام الإسرائيلية، هو الانتقال إلى خارج البلد والتأثير على الرأي العام هناك، لكي يُعملوا الضغوط على إسرائيل، ويفرضوا عليها المقاطعة العالمية… إلخ إلخ. أنا أعتقد أن النضال هو هنا، ميدان معركتنا هنا. في الخارج لا حاجة لنا بتاتًا. على حركة السلام أن تجري حربها هنا، وجميعنا في نشاطنا اليومي تصديق عمليّ على أن ميدان معركتنا هو هنا. أنا ضدّ أيّ رأي يقول أن بإمكان الإسرائيليين في الخارج وعن طريق تفعيل ضغط دوليّ التأثير إيجابًا على الرأي العام في إسرائيل.
في أحد النقاشات سأل آدم كِلِر إيلان بابي: إذا كان الفلسطينيون الموجودون في ضائقة مريعة – والذين يفرض العالم كله الحصار الاقتصادي الجائر عليهم ويجوّعهم بغرض دفعهم إلى التنازل عن أحلامهم – لا يخضعون، فكيف تتوقع أنت من الجمهور الإسرائيلي، الذي هو أقوى مئة مرّة اقتصاديًا، أن يخضع لضغوط خارجية؟
بالأمس تلقّيت رسالة مثيرة من رجل شارك في النضال في جنوب إفريقيا. هناك من يدّعون أن جنوب إفريقيا يمكنها أن تشكل لنا نموذجًا. أعتقد أنه لا يوجد أي تشابه بين المشكلتين. هذا الرجل – الذي هو مختص في جنوب إفريقيا على ما يبدو – يكتب لي: من يقول إن نظام الأبارتهايد هناك انهار بفضل المقاطعة الدولية هو مخطئ. المقاطعة كان لها تأثير هامشيّ والذي أثر هو انهيار الاتحاد السوفياتي. لقد دعمت أمريكا نظام الأبارتهايد السافل لأنه كان في نظرها قلعة في نضالها ضدّ الشيوعية. وفي لحظة انهيار الشيوعية لم يكن لأمريكا أي اهتمام بوجود هذا النظام في جنوب إفريقيا.
العلاقات بين أمريكا وإسرائيل هي موضوع مهم بحدّ ذاته، ولكن من يفكر أن علاقة أمريكا بإسرائيل ستتغير خلال سنة أو سنتين أو ثلاث، لا يفهم برأيي الأعماق الأيديولوجية للعلاقة بين أمريكا وإسرائيل؛ الرواية التاريخية الأمريكية موازية لرواية إسرائيل القومية. هنالك اللوبي اليهودي. هنالك قوة المسيحيين الإنجيليين (evangelists) الهائلة، 80 مليون متديّن متعصّب يؤمنون أننا موجودون هنا لأجل تحقيق نبوءة مجيئ المسيح المنتظر. هذا ليس جنوب إفريقيا. ليس هنالك تشابة البتّة. زلمان عَميت: سؤالان لإيلان (بابي):
– السؤال الأول، هل توافق أن هنالك تناقضًا لا يمكن حلّه بين دولة يهودية ودولة ديمقراطية؟
إيلان بابي:
نعم. لا شكّ أن هنالك تناقضًا واضحًا بين دولة يهودية ودولة ديمقراطية، ولكني أرى أن هنالك أيضًا تناقضًا أساسيًا بين الفكرة الديمقراطية وقيام دولة يهودية إلى جانب دولة فلسطينية. أنا أشارك أوري (أفنيري) في موقفه المعارض لضمّ بلدات وادي عارة بالقوة للدولة الفلسطينية. نحن جميعنا، وبحق، يستفزّنا ذلك، ولكن المثير فعلاً هو موقف سكان باقة الشرقية وعرابة الشرقية. السكان الفلسطينيون. اقرأوا الصحافة الفلسطينية. هم يقولون: كيف انتصرت الصهيونية. أصدقاؤنا في باقة الغربية يظنون العودة للاتحاد مع باقة الشرقية هي مصيبة، حيث هم يعارضون إلحاقهم بالضفة الغربية. هذا ما فعلته الصهوينة. هي ولّدت هويات فلسطينية منفصلة كأنما واحدة تستطيع العيش فقط في الدولة المستقلة التي تعرضها عليها “غوش شَلوم”، والثانية تعيش في إسرائيل الديمقراطية.
هنالك تناقض أساسي بين فكرة الدولتين والفكرة الديمقراطية. ليس لأن الفلسطينيين في إسرائيل يمكن أن يصبحوا 50% يا أوري (أفنيري). عندما يصبح الفلسطينيون في إسرائيل 23% سيبدأ هنا التطهير العرقي. أنا لا أريد الاعتماد على الأعجوبة الطبية التي تؤمن أنت بها. أنت تقول: آه يا للروعة، الفلسطينيون رغم أن غالبيتهم مسلمة لم يعبروا نسبة الـ20%. وما هي تتمة ذلك؟ هل نرسل مراقبين لضمان أن لا يعبروا نسبة الـ20%؟ ندخل غرف نومهم؟ هل تدركون ماذا يحصل عندما تكون هذه هي قاعدة ومنطلق التفكير؟ نحن منشغلون بموضوع لم ينشغل به في التاريخ سوى شعب واحد انشغل بالشعب اليهودي. أن نبدأ بعدّ كم يهودي يوجد وكم عربي يوجد.

أيضًا في حل الدولتين لن نتوقف للحظة عن عدّ العرب في هذه الدولة. لأنه بغير ذلك ما هي فكرة هذه الدولة؟ وإن لم تكن هي دولة يهودية، إذن لماذا لا تكون هنا دولة مشتركة؟
زلمان عَميت: سؤال من د. حِمي يحزقيلي.
– هل برأيك في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كل الشر والظلم موجودان في الجانب الإسرائيلي. هو يريد جوابًا بكلمة واحدة إن أمكن.
إيلان بابي:
فليذهب إلى المحكمة إن أراد جوابًا بكلمة واحدة، وأنا سأتجاهل طلبه مع كل احترامي. والآن إلى الموضوع نفسه: الشر لا يوجد كلّه في الجانب الإسرائيلي. هنالك كثير من الشر في الجانب الفلسطيني. صدّقوا أو لا تصدّقوا هم أيضًا بشر. هم قاموا بمذابح، هم مسّوا بمدنيين أبرياء، هم قاموا بحماقات تجاه أنفسهم وتجاه آخرين. ولكن المسألة هي أنه حتى هم، لا يستحقون ما فعلته بهم الصهيونية. ولذلك فالحكاية، يا أوري (أفنيري) ليست حكاية مركّبة – خلافًا لما تقوله أنت وخلافًا للكراسة التي قمتم بإعدادها. الحكاية هنا هي حكاية بسيطة، بين أناس بيض جرت ملاحقتهم في أوروبا فأبعدوا من هنا أناسًا سمرًا عاشوا هنا. وهذا حصل في كثير من الأماكن في العالم. ولكن بفرق واحد، البيض بقوا هنا، ويا لمفاجأتنا الكبرى حيث السمر الذين جرى طردهم ما زالوا مستعدّين لبناء دولة مشتركة واحدة معهم.
ولكن هذا بدلاً من أن نقول شكرًا. نحن لا يجب علينا أن نشرع في اتهامهم وفي البحث عن طرق لإعادة سجنهم في معتقلات لا يدركها العقل.
زلمان عَميت:
سادتي، انتهى الوقت الذي خصّصناه للأسئلة، وأنا أؤكد لكم أننا لو انتقلنا إلى جميع الأسئلة فسوف يستغرقنا هذا على الأقل ساعة نصف أخَر. كان هنالك سؤال آخر من د. يحزقيلي لأوري أفنيري، وبما أنه يطلب إجابة قصيرة – هو يسألك:
– هل هنالك حركة قومية فلسطينية، أي حركة يصرّح الناس فيها أنهم ينتمون لأمّة فلسطينية وليس لأمّة عربية، أو يتوجهون إلى الأمّة الفلسطينية ويعلنون أنفسهم أمّة مختلفة عن الأمّة العربية؟ وهو طلب إجابة بكلمة واحدة. أوري أفنيري:
الجواب هو “ربّما”. انظر؛ مشكلة القومية العربية والقومية الفلسطينية هي مشكلة معقدة جدًا. وإن أردنا تبسيطها بصورة مبسّطة جدًا: هنالك حركة قومية فلسطينية عينيّة، في داخل الحركة القومية العربية الكبرى، العربية الوحدوية. في اللغة العربية الكلمات الدالّة مختلفة. هنالك “وطن” التي يجب ترجمتها إلى الكلمة العبرية “أمّة” وهنالك الكلمة العربية “أمّة” ويُقصد بها كل العالم العربي وأيضًا كل العالم الإسلامي.
كيف تبلورت هنا أمّة فلسطينية؟ لقد قالت غولدا مئير أنه لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وكثيرون قالوا هذا قبلها. الحركة الوطنية العربية – الفلسطينية العينية تبلورت في البلاد بعد الحرب العالمية الأولى، في أعقاب الهجمة الصهيونية على الشعب العربي في البلاد.
مصير الشعب العربي في البلاد كان منذ ذلك الحين مختلفًا عن مصير الشعب العربي في سوريا أو في مصر أو في لبنان. هنا نشأت مشكلة مختلفة كليًا. هنا وحد الشعب الفلسطيني نفسه في مواجهة حركة هائلة أخذت في السيطرة على البلاد.
أنا أعرّف هذا الصراع التاريخي، المأساويّ، المؤلم (وأنا حسّاس أيضًا للجانب اليهودي في الحكاية) كصدام بين قوة غير قابلة للكبح وبين كتلة غير قابلة للزحزحة. هذا الصدام المستمر منذ 125 سنة والذي يمكن أن يستمر 125 سنة أخرى، إذا لم نضع له حدًا فسيصبح هذا الصدام هو قصة حياتنا. وهي ليست قصّة أحادية الجانب تمامًا، على ما أعتقد. وإن كنتَ يا إيلان (بابي) تُظهر حساسية كبيرة تجاه الغبن الذي لحق بالفلسطينيين، فأنا أوافقك مئة بالمئة، مئتان بالمئة، ألف بالمئة. ولكن عندما تتجاهل كليًا حقيقة أن هنالك جانب يهودي لهذه الحكاية، فلا أظن أن هذا صحيح، وهذا أيضًا غير مجدٍ.
أنت لن تؤثر على الجمهور الإسرائيلي – اليهودي إذا لم تكن حساسًا لما يفكر هو، ولمخاوفه هو. هذا كلّه موجود. كلّه موجود، وأنت مجبَر على أخذه بالحسبان إذا كنت تريد التأثير حتى بروح أفكارك أنت، حتى وإن كنت تريد إقناع 6 مليون إسرائيلي بتفكيك دولتهم هذه وقبول دولة مشتركة مع شعب آخر بدلاً منها، مع شعب يكرهونه حاليًا ويخافون منه.
إذا كنت تريد إقناع الجمهور الإسرائيلي، فعليك فهم مخاوفه وفهم منبعها. فقط إذا رأينا الشعبين، إذا رأيناهما في كل لحظة من لحظات الصراع، إذا رأينا قبالة أعيننا الشعبين ومخاوفهما وآمالهما، فقط عندئذ يمكننا أن ننجح.
زلمان عَميت: بعد إذنكم، سوف أنتقل الآن إلى الجولة الأخيرة؛ التلخيص في 5 دقائق. تفضل إيلان (بابي).
إيلان بابي:
قلنا ما يجب قوله. لن نكرّر. الحل طبعًا يجب أن يتضمّن المخاوف، يجب أن يتضمّن طموحات اليهود والعرب أيضًا. أنا أوافق. ولذلك بالضبط أنا أعتقد أن المبنى السياسي المقترح في السنوات الـ60 الماضية هو مبنى فاشل؛ لأنه لا يستجيب لطموحات الناس في الجانبين. وهذا هو سبب فشل حركة السلام، حيث أن الحل لا يستجيب للمخاوف ولا يبدّد شكوك الفلسطينيين ولا اليهود. بل على العكس.
هذا الحل – الحل الوحيد، الهدف الوحيد الذي يبغي المجتمع الدولي الضغط على الطرفين لأجله، والذي تتبناه “الرباعية” – هذا الحل فقط يضخّم الشكوك، وفقط يزيد الكراهية، وفقط ينتج موجات جديدة من العنف. لا وقت لدينا نمضيه في تجربة 10 سنوات أخرى في هذا الحل؛ خريطة طرق أخرى واتفاق أوسلو آخر. لا يوجد لدى الفلسطينيين في المناطق (الضفة والقطاع) ما يكفي من الناس لدفع ثمن فشل النخب السياسية التي تقودنا نحو حل الدولتين.
الطرف الذي يحتلّ وينهب ويقمع، دائمًا هو الذي يدّعي أن الحكاية معقّدة. أمّا الضحية فدائمًا تقول: الحقيقة أن الأمر ليس معقدًا إلى هذه الدرجة. أنت أخذت بيتي، وزججت بي في سجن، ولا تتيح لي التنفس، وهذا لا يبدو لي معقّدًا ولا مركّبًا. هذا صعب وهذا مُريع ولكن ليس معقدًا. الجانب الذي يحتلّ يقول: هذا معقّد، معقّد أكثر بكثير، يجب أن تفهم وجهة نظري. وجهة نظر الطرف الذي يحتلّ، نحن سنفهمها فقط عندما ينتهي الاحتلال، وليس لحظة واحدة قبل ذلك.
والأمر الآخر هو، هل نحن نقرّر – وعلينا أن نقرّر – أيّة لعبة هي التي نلعبها. هل نحن حقًا كما يطالبنا أوري (أفنيري)، نريد إشباع حسّنا القومي؟ إذن قلّ لي أنت يا أوري (ديفيس) أية حركة قومية (وطنية) تعرفها كانت ستقول: نعم حان وقت إلقاء الكلاشنيكوف والعبوة الناسفة، آن أوان وقف الصراع، فقد تقبّلنا الحل الواقعي.. الحلّ الأكثر طبيعية الذي يمكن لحركة قومية أن تطلبه؟! 20% من الوطن! هيّا نوقف النضال، فقد أعطوا لنا 20% من الوطن!! نعم يقسمون الـ20% هذه إلى اثنين. نعم 10% من الـ20% يقسمونها لـ5 أقسام. نعم ليس لدينا حقًا استقلال سياسي وليس لنا حقًا استقلال اقتصادي واللاجئون لن يعودوا فعلاً. ولكن يا لسعادتنا وحسن حظنا فنحن نفكر بمفاهيم قومية (وطنية)!! هذه هي الدولة القومية الفلسطينية. لأجل هذا ناضلنا ولأجل الـ20% من الأرض. كيف يمكن التحدث بمفاهيم قومية (وطنية) ولم يعرضوا على الفلسطينيين على الأقل 50% من الوطن. أيّ فلسطيني سيجلس معك في نهاية الأمر في ظلّ هذا الواقع سوى النخبة المتخمة في رام الله؟!
الآن أنت تقول لنا تعالوا نوافق على إقامة دولتين ومن هناك نبني الدولة الواحدة. ولكن أنا أيضًا مثلك أخشى ممّا سيحصل في داخل الدولة الإسرائيلية. لأنه من الواضح أنه إذا لم نتحدث فقط بمفاهيم قومية وإنما أيضًا بمفاهيم براغماتية وساسية، فنحن نريد – وأنت تقول لنا أن هنالك احتمال كبير لذلك – أن نستكمل عملية إقناع المجتمع الإسرائيلي بما يمكنه أن يصل إليه فعلاً، وليس أن نكلمه عن رؤية لا يستطيع الوصول إليها. جميل.
نحن نعرف ما هي المعادلة التي يعمل مفعولها على الإسرائيليين في حل الدولتين: “هم هناك، ونحن هنا”. نحن لا يمكننا استيعاب العربيّ هنا، لا يمكنه ذلك لأن يوسي بيلين سوف يقول لك وبحق: إن كانت منية نفسك هي المفاهيم القومية، إذن لماذا الفلسطينيون يأخذون دولة، وأنت هنا تريد أن تكون دولة للعرب ولليهود؟ ما هو المنطق في هذا؟! والمنطق الوحيد الذي يعمل هنا هو فقط منطق الـ20% سكان عرب. وفي اللحظة التي يعبرون فيها هذه النسبة فإن أكثر المتعصّبين لحلّ الدولتين سوف يقولون أن الأغلبية الديمغرافية اليهودية المطلقة هي قيمة عليا وأعلى من أي قيمة أخرى – أعلى من قيم الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان وقيم حقوق المواطن. كل من دعم حلّ الدولتين لن يستطيع أن يقول لهم شيئًا.
نعم، تلخيص.
أنا أوافق أن هنالك جدول أعمال حيوي، جدول أعمال طوارئ – وفي المقابل هنالك جدول أعمال للمدى البعيد. أنا أوافق على هذا. جدول الأعمال الحيوي الطارئ هو وقف الجرائم الإسرائيلية في المناطق المحتلة. ولكن أن تأتي وتقول بأن ذلك سيحصل فقط عن طريق النضال في الداخل؟ بعد 40 عامًا من الاحتلال؟! أنتم تريدون إقناعنا بأن الأمر الوحيد الذي سيوقف الجرائم اليومية الإسرائيلية في المناطق هو حركة السلام الإسرائيلية الكبيرة؟ أو حتى الحركة العربية الفلسطينية؟ أهذا ما تعلّمتوه في السنوات الـ40 الأخيرة؟! هل نجحوا في وقف الاحتلال؟ هم نجحوا في وقف يوم واحد من الاحتلال؟! من الغبن؟! من القمع؟! لا توجد حركة قومية ولا غبن انتهى بدون تدخل جدّي من العالم الخارجي. لا يوجد. نحن نحتاج إلى العالم في الخارج لأجل وقف الاحتلال. نحن نحتاج إلى الرأي العام في أوروبا وفي الولايات المتحدة. بعد 40 سنة مسموح لنا أن نقول أننا نحتاج الضغط على إسرائيل من الخارج وأننا لا نريد الانتظار 40 سنة أخرى. مسموح لنا. لكل واحد منا وظيفته. للرأي العام العالمي وظيفته، للحكومات في الخارج وظيفتها، للنضال في داخل إسرائيل، للنضال الفلسطيني، لكل وظيفته. هنالك فقط طريقة واحدة لمواجهة نظام كالنظام الإسرائيلي الذي يرفع أيديولوجيا تنتج الفصل بين السكان اليهود والسكان المحليين والذين قد بدأوا بتطهيرهم منذ عام 1948 ولم يتوقف التطهير العرقيّ إلى اليوم. الطريق الوحيد هو بثّ رسالة مفادها أن هذه الأيديولوجيا لا تجدي وأن الاحتلال مكلف جدًا، الطريق الوحيد هو بثّ رسالة واضحة من أصحاب الضمير من حركات السلام في العالم. نقل الرسالة إلى دولة إسرائيل، الرسالة نفسها التي نُقلت إلى جنوب إفريقيا: “ستبقين دولة مجروبة معزولة إن استمرّيت في تنفيذ هذه الجرائم”. هذه رسالة هامّة وهذه رسالة يجب دعمها. هي لا تناقض النضال الفلسطيني ولا تناقض النضال لأجل السلام. على العكس، هي تدعمهما وتعطي لهما الأمل. بدون ذلك سيكون الفلسطينيون هم الضحايا الأوليّون ولكن نحن أيضًا، جميعنا، كل من في هذه القاعة سوف يكون ضحية.
أوري أفنيري
ليس السؤال هل نفعل شيئًا واحدًا ونتوقف عن فعل شيء آخر. نحن أمام حسم استراتيجيّ واحد: أين نضع جهدنا الأساسي. لا أحد يقول: لا تذهب إلى المؤتمرات الدولية فأنا أفعل هذا كلّ الوقت. لا أحد يقول: لا تتوجّه إلى الرأي العام العالمي فأنا أخاطب الرأي العام العالمي أسبوعيًا. السؤال هو أين محور الجهد الأساسي لحركة السلام الإسرائيلية. أين توظف جهدها الأساسي وأن معركتها الحاسمة. أنا أقول وبشكل قاطع: هنا، في البلاد. أمّا بالنسبة إلى الضغط في الخارج – هنالك ضغوط يمكنها أن تفيد، وهنالك ضغوط يمكن أن تضرّ وضغوط يمكن أن تضرّ جدًا. إن كان الضغط من الخارج بكيفية تقود الإسرائيليين العاقلين الطبيعيين إلى الظنّ بأن العالم كلّه قام علينا فقط لأننا يهود، فإن هذا الضغط سيجلب نتائج عكسية. وإن كان الضغط انتقائيًا، إن كانت المقاطعة مركزة ضد هيئات وأجسام تدعم الاحتلال، تشارك في الاحتلال، فهذا ممتاز، وأنا أوافق عليه. وفي الواقع كانت حركة “غوش شَلوم” طلائعية في هذا الطريق. منذ 10 سنوات قاطعنا منتجات المستوطنات. لن ينتهي الاحتلال بدون سلام. علينا أن نرى هذا بأوضح صورة ممكنة: لا توجد إمكانية لوقف كل هذا الغبن، ولا توجد إماكنية لإنهاء الاحتلال إلاّ في إطار السلام. لقد كان هذا واضحًا من اللحظة الأولى، وهذا واضح اليوم أيضًا. لذلك من المهمّ جدًا التوصل إلى سلام سريع. هذا ممكن وواقعيّ، وبدون هذا سيستمرّ الاحتلال ويستمرّ ويستمرّ، وبرنامجك سوف يحقق بالضبط عكس النتيجة التي ترجوها. ولذلك، فإن صياغة برنامج سلام واضح ذي احتمال قبول، ليست أمرًا نظريًا. يجب علينا الحذر في استخدام الكلمات. يلقي الناس كلماتهم أحيانًا بدون تفكير بمعانيها. “بانتوستان” مثلاً. في جنوب إفريقيا كان هنالك سود تحوّلوا وكلاء للنظام العنصري وقبلوا إدارة قطاعات في البلاد لم تكن سوى معسكرات اعتقال أقامها نظام الأبارتهايد. ولكن القول بإن الفلسطينيين – الذين يريدون دولة لهم – يشبهون الخدم السود في النظام العنصري، فهذه إهانة كبرى للشعب الفلسطيني. الشعب الفلسطيني دافع عن نفسه خلال انتفاضتين، وأثبت في نضالات لا عدّ لها أنه لا يخضع للاحتلال. يمكن شجب ياسر عرفات بالقدر الذي نريد، ولكنه كان قائدًا قوميًا (وطنيًا) لشعب مناضل.
أنا أعتقد اليوم أيضًا، أن توقيع اتفاق أوسلو كان عملاً صحيحًا من ناحية الفلسطينيين. وعلى هذا يوجد جدال كبير. ولكن أن نقول بأن الفلسطينيين الذين يطمحون لإقامة دولتهم هم وكلاء إسرائيل، مثلما كان زعماء البانتوستان في جنوب إفريقيا، فهذا مهين جدًا، وهذا غير صحيح بتاتًا. ربّما هنالك بين الفلسطينيين اليوم إنسان واحد مستعدّ للقيام بدور مشابه لدور زعماء البانتوستان، وأيضًا بالنسبة إليه لست متأكدًا.
هنالك مشاكل ديمغرافية في الولايات المتحدة. ليست إسرائيل الدولة الوحيدة التي تقوم صباحًا لتعدّ الولادات. الآن كانت انتخابات في فرنسا، والمحور المركزي فيها كان تكاثر السكان المسلمين هناك. وفي الولايات المتحدة هنالك جدل كبير حول الوضع الديمغرافي للسود والهسبان، يرافقه عدّ ديمغرافي طيلة الوقت. وأنا شخصيًا أشجب كل تفكير ديمغرافي، وكنت لأقول إن السياسة زائد البيولوجيا تساويان فاشيّة. كل تفكير بحسابات ديمغرافية يعبق برائحة الفاشية. نلتقي مرّة أخرى بعد 100 سنة ونرى ماذا حصل في هذه الدولة من ناحية التركيبة السكانية.
إيلان بابي: خطّطْ شيئًا قبل ذلك.
أوري أفنيري:
سأقول لك ماذا يخيفني إلى هذه الدرجة في إجابتك أكثر من كل شيء. أنت تقول إن حلّ الدولتين هو حل سيّء ولا يجب قبوله، فهو مرفوض من أساسه. أنت تقترح حلاً يرفضه 99% من اليهود الإسرائيليين، وليس له أي احتمال للقبول. ماذا يتبقّى؟ يبقى شعار اليمين الإسرائيلي: أنه لا حلّ لهذا الصراع. هذا ما يخيفني. يقولون “لا حلّ لهذا الصراع”، وهذا هو مصيرنا بكل بساطة، أن الصراع أبديّ وأنه سيستمر إلى مالانهاية. من هذا أنا أخاف، لأن هذا يبرّر كل الجرائم وصولاً إلى التطهير العرقي. وختامًأ: أنا لست متشائمًا. أنا متفائل. باعتقادي، تقريبًا كل شيء ممكن سوى شيء واحد – أنت لن تقنع الإسرائيليين بتفكيك دولة إسرائيل. هذا بكل بساطة لن يحصل ولا في أية حال، ولا في أية تركيبة يتخيّلها الفكر، ولا في أيّ خيال مهما جمح. هذا لن يحصل في المستقبل المنظور. ربّما يمكن لهذاأن يحصل في ماوراء المستقبل المنظور، وهذا شخصيًا لا يهمّني كثيرًا. مقاطعة من الجمهور:
– هذا هو “خيار اللاخيار”.. “خيار التقاعس”. ستكون دولة واحدة رغمًا عن إرادتنا.
أوري أفنيري:
دولة واحدة معناها تفكيك دولة إسرائيل. يجب على أصدقائنا أن يقولوا ذلك بالفم الملآن. لا يمكن المداورة وتغليف ذلك بمليون قناع. الموضوع هنا هو وجود دولة إسرائيل. ليس أيّ شيء آخر. إذا كنتم تعتقدون أنه يوجد لأحدهم طريقة لإقناع 6 ملايين إسرائيلي بتفكيك دولة إسرائيل التي حاربوا لأجلها طيلة خمسة أجيال، فأنا أنزع قبّعتي تحيّة له. لا يوجد. هناك أمران لم نسمعهما في هذه الأمسية، وأكرّر، وأنا آمل أن تخطّوا ذلك في الذاكرة: أولاً، لم نسمع كيف ستقوم الدولة الواحدة، وثانيًا، لم نسمع كيف سيكون الوضع في الدولة الواحدة. هذان أمران يجب أن نحصل على إجابة بخصوصهما لكي نقنع أحدًا بالفكرة. وقد قلت إني متفائل. أنا مؤمن بأنّ حلّ الدولتين سوف يتحقق. وأنا أعتقد أنه حلّ للمدى المنظور. أنا على كل الأحوال قد وعدت نفسي بأنني سأبقى حيًا إلى حين حصول ذلك.
زلمان عَميت:
من المؤكد أننا لم نصل إلى نهاية الطريق، ولكن الوقت له فِعلُه، وعلينا أن ننهي. شكرًا جزيلاً لإيلان (بابي). شكرًا جزيلاً لأوري أفنيري. شكرًا جزيلاً لكم فقد كنتم جمهورًا ممتازًا. تصبحون على خير.
” أجراس العودة ”
ملاحظة
ملاحظة أجراس: لقد اهتممنا بترجمة ونشر وقائع هذه الندوة التي جرت في تل أبيب في شهر أيار 2007، حول السؤال: دولة واحدة أم دولتان، وذلك بهدف إطلاع القرّاء على ما يجري بهذا الخصوص لدى الجماعة اليهودية في فلسطين. البروفيسور إيلان بابي هو أشد المدافعين عن خيار الدولة الديمقراطية العلمانية من وجهة نظر تستحق الدراسة والاهتمام. وبالطبع لنا قراءة نقدية لها سنقدمها، عند إستكمال نشر حلقات الحوار، كجزء من سعي لبلورة وجهة نظر فلسطينية عربية تقدمية بديلة. كما نود فتح المجال لمن يرغب في الكتابة تعقيبًا على مضامين الندوة، ولكننا ننصح لأجل استكمال الصورة، بالانتظار لحين نشر الجزئين الأخيرين قريبًا جدًا.
ترجمة رجاء زعبي عمري – أجراس العودة لأجل الدولة الديمقراطية العلمانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى