حسين عيسو
استطاع شباب النيل العظيم تفنيد مقولة , أن لا خلاص من الاستبداد إلا بالتدخل الخارجي ,
صحيح أن الشرارة الأولى انطلقت من تونس الخضراء , والنار التي التهمت جسد البوعزيزي الطاهر , أنارت دروب الحرية لشعوب المنطقة , وبذلك أصبح الشعب التونسي رائدا في ثورات الخلاص من الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة , إلا أن العظمة كانت في ثورة شباب مصر , حين تمكن أحفاد بناة الأهرامات من بناء تمثال حقيقي “للحرية” , من خلال ثورة فريدة في نوعيتها , ثورة لا عنفية , لم يستخدم الثوار فيها سوى الكلمة المعبرة والتنظيم العالي والأخلاق السامية , لم تلطخ أيديهم بالدماء , والشهداء الذين زاد عددهم عن الثلاثمائة , قتلوا جميعا بأيدي أجهزة النظام القمعية وبلطجيته* , لقد كانت ثورتهم لا عنفية وفريدة من نوعها , فهي ليست كثورة غاندي التي كانت ضد استعمار خارجي , ولم تشبه ثورة مارتن لوثر في أمريكا , التي كانت ثورة فئة مضطهدة من أخرى عنصرية , لأن الثورة المصرية قامت ضد اضطهاد سلطة استبدادية هي أسوأ من الاستعمار , والنظام العنصري , نظام كثيرا ما تشدق بالوطنية , معتمدا في ذلك على حزب فاسد , ضم كل الوصوليين والانتهازيين والفاسدين في مصر , مجموعة كان همها الأول , نهب الشعب المصري ومشاركته حتى في قوته اليومي , من خلال الشراكة مع عائلة مبارك وبطانته الفاسدة , وجهاز أمني أشد سوءا , استهتر بكل القيم وتطاول على حياة كل إنسان في مصر , فكان عالة إضافية على قوت شعب مصر العظيم فأنزل أكثر من أربعين بالمئة منهم الى ما تحت خط الفقر .
لقد عرف الشعب المصري العظيم بقوة التحمل والصبر على المحن , ولكن إصراره على الخلاص كان أشد من قوة التحمل حين انتفض .
حاول العديد من المحللين أن يقول : بأن الثورة المصرية كان يقودها الجنرال فايس بوك أو تويتر , لكن الحقيقة هي أن هذه وسائل إستخدمها شباب مصر الثائر في التعريف بجرائم النظام وهمجية أجهزته الأمنية , لقد تم استخدام هذه الوسائل ببراعة قل نظيرها , في كشف فساد النظام وجرائمه ’ والثقافة العالية والأسلوب الحضاري اللاعنفي الرائع الذي نفذوا به ثورتهم , لقد حاول نظام الاستبداد جرهم الى حوارات , فهرولت أحزاب المعارضة الكرتونية , صنيعة نظام الاستبداد الى الحوار , فكان الحوار كمن يتحاور مع نفسه , وانتبه الشباب الى ما يحاك ضدهم , فعرّوا المهرولين , أرسل اليهم النظام بلطجيته فلم يفروا من أمام بلطات البلطجية وانما قاوموهم بأجسادهم , وصوروهم ونشروا تلك الصور كي يعرف العالم كم هو سيء ومجرم ذاك النظام , حرضوا اللصوص على الاعتداء على البيوت الآمنة , فشكلوا من بينهم لجانا لحماية المنازل والآمنين , فأدهشوا العالم الخارجي بقوة تنظيمهم وسمو أخلاقهم , كانوا رائعين في كل شيء وجاهزين لرد كل مؤامرة تحاك ضدهم , وكأنهم كانوا على علم بكل ذلك , صوروا كل شيء بحيث يتم التعرف على كل المجرمين الذين تلطخت أيديهم بدماء شعبهم حتى ينالوا العقاب العادل , وهكذا أستطيع القول أن الشباب المصري أسس لمدرسة جديدة في اللاعنف , تستحق أن يتم تدريسها لأجيال المستقبل .
تحية الى شابات مصر وشبابها الذين توحدوا بكل فئاتهم من أجل استعادة كرامة شعبهم العظيم .
*البلطجية , كلمة ستدخل القواميس كمصطلح جديد عن أنواع جرائم الاستبداد
الحسكة في :12/02/2011