ثورة مصر

حتى لا تذهب منجزاتهم أدراج الرياح!

فايز سارة *
لا يحتاج شباب ميدان التحرير الى شهادات في أهمية ما قدموه من مثال على الشجاعة ونكران الذات، وعلى ما قدموه من قدرة انسانية على التآلف والتواصل فيما بينهم ومع محيطهم، ولا من حيث تصميمهم وقدرتهم على الصمود في وجه الاستبداد والظلم والأجهزة والبلطجية والمجرمين، بل وفي وجه هجمة البرد وقسوة الحياة في العراء. ففي كل هذه وكثير غيرها، أثبت شبان ميدان التحرير بالقاهرة، أن الوقائع أهم من كل الشهادات، التي يمكن أن يعطيها آخرون وبخاصة الذين لم يكونوا في وقت من الأوقات ضمن محنة ميدان التحرير وثورته.
لقد تجاوز شباب ميدان التحرير كثيراً من التحديات والأخطار التي مرت بهم، ما يجعلهم نموذجاً فذاً يحتذى به للشباب في المستويين العربي والعالمي. غير أن ثمة تحديات وأخطاراً ما زالت تحيط بهم، طالما هم في الميدان، وطالما ان ثورتهم لم تحقق أهدافها في التغيير وانتقال مصر الى نظام ديموقراطي وعادل، يحقق الكرامة للمصريين.
الأهم بين الأخطار التي تحيط بثورة الشباب والمعتصمين بميدان التحرير، تتمثل في ثلاثة أمور أساسية، أولها محاولة النظام تجديد نفسه واستعادة قدراته، وإعادة بناء أجهزته واستراتيجيته في مواجهة ثورة شباب مصر، والثاني، جهود بعض القوى والجماعات والشخصيات السياسية للاستيلاء على انتفاضة الشباب وتجييرها لمصلحتهم، وثالث الأمور تآكل قوة شباب ميدان التحرير وضعف تعاطف أنصارهم وجمهورهم خارج الميدان.
إن ما أصاب النظام طالما انه لم يسقط، دفعه الى شن هجمات مضادة ضد ثورة الشباب، لم يكن القمع الوحشي في جمعة الغضب سوى احد تفاصيلها، ثم جاءت عمليات ترويع المصريين في اعمال النهب والتدمير فصلاً ثانياً، وبعدها كانت هجمة البلطجية والمجرمين تحت نظر الجيش وسمعه ووسط سكوت اركان النظام فصلاً ثالثاً، بل ان محاولات الجيش التمدد في ميدان التحرير لن يكون الا فصلاً أخيراً، هدفه فك الاعتصام وتشتيت القائمين به، وقد يعقب ذلك قتل واعتقال البعض وملاحقة الآخرين وبخاصة ابرز الناشطين من جانب اجهزة الامن التي اعيد ترتيبها.
وترافق مع السياسات الأمنية للنظام شن حملات سياسية ودعاوية ضد ثورة الشباب وشباب التحرير في مجالات كثيرة خصوصاً حول ما قيل عن روابطهم الخارجية وقبضهم أموالاً، وتوظيف ثورتهم لمصلحة أجندات حزبية داخلية، وللأسف الشديد فإن تعامل بعض الجماعات والشخصيات السياسية مع ثورة الشباب خدم توجهات وسياسات النظام، في وقت يسعى قسم من جمهور الثورة للعودة الى حياته العادية إما نتيجة ضغوطات الحاجة والحياة اليومية او بسبب احساسه بعدم القدرة على تحقيق الأهداف المعلنة، ما يؤدي الى إضعاف ثورة الشباب، ويخفف من قدرة شباب التحرير على الصمود بصورة خاصة.
لقد ركز كوادر من ثورة الشباب في الفترة السابقة على كونهم غير مسيّسين، وأكدوا ابتعادهم عن الجماعات السياسية، وكان ذلك تعبيراً سيئاً عن نظرتهم إلى السياسة متناسين ان السياسية هي علم وفن حكم المجتمعات، وانهم عندما يعزفون عن الانخراط بالسياسة، انما يتركونها لخصومهم، او على الاقل لجماعات وشخصيات يعتبرونها لا تمثلهم، وهي لا تتبنى مطالبهم ولا تسعى من اجل أهدافهم، الأمر الذي يعني في النهاية إفشال ما قاموا به من ثورة او تجيير جهودهم لمصلحة الآخرين.
وتشير الوقائع المحيطة الى ضرورة حصول تغييرات جوهرية في ثورة الشباب وفي صفوف معتصمي ميدان التحرير. حيث صار من الضروري الانتقال من الشعار الى الممارسة السياسية. اذ لم يعد يكفي إطلاق شعار إطاحة الرئيس وإسقاط النظام، بل صار المطلوب ان يفكر الشباب بالكيفية، التي يمكن ان يتم فيها ذلك وبصورة مرحلية، طالما لم يتحقق ذلك بصورة فورية، وحيث إن الوضع انتقل من المصادمات الى المفاوضات، فقد بات من المفروض إبراز ممثلين منتخبين للشباب يمثلونهم أمام المجتمع والدولة، وبإمكانهم الحديث مع الآخرين ومفاوضتهم للوصول الى تفاهمات محددة، وهو مسار يجد دعماً ومساندة من مثقفين ونشطاء مصريين كانوا أعلنوا التزامهم ثورة الشباب منذ البداية.
ومما لا شك فيه، ان إبقاء الوضع على ما هو عليه من سلبية في ميدان التحرير، وعدم المضي نحو مبادرات فاعلة من الناحيتين السياسية والعملية، يضع شباب التحرير وثورة الشباب أمام ضياع فرصة المضي بالتغيير الى نهاياته، بل إن ذلك قد يذهب ببعض ما أنجزته ثورة الشباب، التي دفع المصريون ثمنها شهداء وجرحى ومعتقلين وخسائر مادية كبيرة.

* كاتب سوري
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى