ثورة مصر

إهانة للطغيان

ساطع نور الدين
ليس الحدث الذي ستحفظه كتب التاريخ هو طرد حسني مبارك من الرئاسة ومن القاهرة. كان مجرد كهل خرف يحتضر. انقطع منذ سنوات عن العالم المحيط به، وترك لأسرته ومريديه أن يعيثوا فسادا في أرض مصر، لم يكن حتى ليصدق أن الشعب المصري بات يكرهه ويشعر بالعار لوجوده في القصر الرئاسي. والارجح انه ظل حتى اللحظة الاخيرة يعتقد أن صور الملايين التي نزلت الى الشوارع تطالبه بالتنحي الفوري هي صور مزيفة أو مركبة أو خاضعة لضغوط وإملاءات خارجية على ما جاء في كلمته التلفزيونية الخرقاء ليل الخميس.
لم يكن فرعونا أو طاغية أو حتى مستبدا، كان حاكما أحمق، أهان صورة الحكام الطغاة الذين يدبون الرعب في شعوبهم ويسرقون النوم من عيون أطفالهم. أساء اليهم جميعا، في سنوات حكمه وفي لحظات سقوطه، التي كانت سمتها الوحيدة هي العناد، الذي لا يستند الى جبروت أو كبرياء أو حتى كرامة. مجرد حماقة خالصة كادت تهدم الهيكل على رؤوس المصريين جميعا، لولا حكمتهم ووعيهم وحرصهم على بلدهم.
لعله شعر ببعض القلق عندما عبرت طائرة نظيره التونسي زين العابدين بن علي الأجواء المصرية متجهة الى المنفى السعودي، قبل حوالى شهر، لكنه على الأرجح لم يشعر بالخوف على كرسيه. فمثل هذا الشعور لا يصدر إلا عن كائن حي مسؤول عن وطن وشعب أو عن نظام ومؤسسات، أو حتى عن عائلة، لن يجد أفرادها بعد اليوم ملاذا آمنا من المحاكم.
في اليوم الثالث أو الرابع من الثورة، كانت الفرصة لا تزال سانحة لكي يدخل مبارك التاريخ كأول رئيس مصري يتنحى عن السلطة ويشكل سابقة عربية وإسلامية ثانية بعد سلفه السوداني عبد الرحمن سوار الذهب، ويصير مدرسة ومرجعاً ومكتبة، ولكي يصبح، حسب تعبير صديق مصري لماح، مانديلا مصر، فينضم الى حكمائها الكبار، ويحتل مقعدا شاغرا بين مجموعة حكماء افريقيا بل العالم كله. لكنه أبى واستغفل، واستخف بقدرة شعبه وإرادته على التخلص منه مهما كان الثمن وعلى وصمة ظلت عالقة على جبينه طوال ثلاثين عاما.
لعل طغاة كثيرين يشعرون اليوم بالارتياح لأنهم تخلصوا من عضو صغير في ناديهم المغلق، فقط لأنه أساء الى مهابتهم المحفورة على شواهد القبور وبوابات السجون.. ولأنه حاول جاهدا أكثر من مرة أن يلتحق بهم وينافسهم على القمة، لكنه ظل في مرتبة متدنية.. قبل أن يسقط بطريقة مشينة لا تليق بالدكتاتور الذي كتب عليه أن يدخل السلطة على ركبيته ولا يخرج منها إلا على ظهره.
في حكمه وفي سقوطه، ألحق مبارك الأذى الفادح بفكرة الطاغية، ونظرية الطغيان، وصار كل مستبد يراجع طرائق استبداده، لكي لا يدخل كتب التاريخ مثلما دخلها مبارك باعتباره حاكما أخرق لبلد عظيم وشعب حكيم.
هذا هو الدرس الاول للثورة المصرية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى