يجب أن يسقط سور القاهرة
الثورة تثير دائما الخوف. وثورة العالم الاسلامي تفرح بقدر ما تقلق. الجميع يستشعر طابعها التاريخي. البعض يتحمّس من دون التفكير بالغد. والبعض الآخر يتخوّف من التغيير من دون التفكير بالشعوب نفسها. وعندما يلتقي الحدث السياسي بالتاريخ، فلا يعود باستطاعة أحد توقّع الصفحة التي سوف يقرأها غدا. ان هذه الوثبة يمكن ان تفضي إلى حلول ديمقراطية ومدنية مستدامة، كما يمكنها ان تفضي إلى صعود ثيوقراطيات جديدة، كان يمكنها ايضا ان تخلق اضطرابات في الشرق الأوسط وأن تدفع نحو السلام ، كما بمقدورها إعادة إحياء الاممية الاسلامية. اننا نعيش منعطفاً تاريخياً شبيهاً بذاك الذي أسقط سور برلين، بنفس الآمال وآلاف من الشكوك. قبل انهيار السور الالماني، كانت السفارات تتكيف جيدا مع الجليد السوفياتي، المناسب للتزلج… وكسر هذا الجليد كان كالمغامرة الخطرة. اما اليوم، فنحن نعيش في عالم متعدد الاقطاب ومضطرب؛ وحيث تنقص الحرية، تسود الحمى المافياوية، أو الارهابية أو القومية المتشددة. ولكن، هل تجد من يتحسّر على سور برلين؟
من المستبعد ان نأسف على هذه الأنظمة الآيلة إلى السقوط. حتى لو الرابح في هذا السقوط هو الاسوأ.
انها الخشية التي عبر عنها نتانياهو. وكان يمكن لقوله ان يكون مقنعا لو عرف كيف يستفيد من “الاستقرار” المصري ليتقدم في عملية السلام؛ بدل ان يرفض كل التنازلات التي قدمتها السلطة الفلسطينية. والنتيجة ان عمليه بأسرها قد دُفِنت، فيما فقدت السلطة الفلسطينية مصداقيتها، وقُذِف باليسار الاسرائيلي في أعماق الحفرة. هل يمكن ايجاد أسوا من هكذا أوضاع؟ منذ زمن بعيد والصراع في الشرق الاوسط يفسد الجيو استراتيجيا. وقد فقد الحق بتبرير تأجيل الديمقراطية.
هذا لأنه، باستثناء الاستقرار، لم نعد نرى فرقا بين هذه الأنظمة وبين الأنظمة الثيوقراطية. فمن كثرة ما أُريد سحب السجادة من تحت أرجل الاسلاميين، اصبحت سياساتنا تتلخص بقتل الانسان فيها. في الامم المتحدة يخوض حسني مبارك الحرب ضد “الإساءة إلى الاديان”. ولكن في بلده يطارد نظامه المدوّنين الذين ينتقدون الممارسات الدينية الخاطئة ويتعصبون ضد الأقليات الجنسية، وهو بذلك يخفق في حماية الأقليات الدينية. طبعا ان نظاما اصوليا سوف يكون أسوأ منه. ولكن على الأقل، لو سقط، فسوف يكون باستطاعة القوى العلمانية ان تنظم صفوفها وتقاوم، بدل ان تتواجه مع الاصوليين في ظل نظام أصولي غير معلن. لهذه السباب علينا ان نتمنى التغيير… لنمضي قدما.
هذا لا يمنع من التخوف من دور الاخوان المسلمين في حال ارسيت الديموقراطية. فهؤلاء هم جزء من اممية ذات وحي توتاليتاري. استراتيجية الاخوان التي وضعها حسن البنا عام 1930، سمحت لهم باصابة مصر بالغنغرينا وبإقامة تحالفات متعددة الاطراف، وذلك بفضل تكتيكات متبلورة. وعندما تنفجر الامور، بوسعهم ان ينظّموا انفسهم لتطبيق شعارهم الأبدي: “القرآن دستورنا”، وذلك بالقَسَم على القرآن، أو حتى على الانجيل اذا اقتضى الامر… ولكن هنا بالتحديد، يمكن للمتشائمين ان يخطئوا اذا ما أهملوا الأخذ بالسياق العام.
لم نعد في العام 1979 (تاريخ الثورة الاسلامية في ايران)، والثورة الاسلامية خيبت آمال الكثيرين. والشباب العرب الموصولون بالانترنت شاهدوا أشرطة الفيديو التي يظهر فيها شباب ايرانيون يقتلهم “الحراس الثوري” التابع لأحمدي نجاد. وهم يتماهون معهم ومع الشباب التونسي أكثر مما يتماهون مع اصحاب اللحى. في الشوارع ترى شعارات “الله اكبر” تغرقها صيحات “حرية! حرية!”. ليس هناك من نظام يستطيع إعادة الرقابة عليهم أو قطع صلة وصلهم مع الخارج.
اخيرا، لقد تغيرت أيضا الأجيال. عالم ما بعد الاستقلالات كان عالم الخيبة والاحباط. ما غذى القدرية والاصولية. ان هذه الصفحة تطوى الآن. انظروا، استمعوا إلى كل من يقول لكم: “أخيرا انا فخور بأنني عربي”. وهذه العزة العائدة يمكن لها ان تغير كل شيء.
بقلم كارولين فورست (“لوموند” 5 شباط 2011)
المستقبل