صفحات سورية

سورية تختلف… لا تختلف كثيراً…

null
زين الشامي
أين سورية والسوريون إزاء كل ما يجري حولهم، كثرت التحليلات والاسئلة عن إمكانية أن يقوم السوريون بتظاهرات واحتجاجات مماثلة لتلك التي حصلت في تونس ثم في مصر، في الوقت نفسه كان هناك الكثير من التحليلات والقراءات التي استبعدت أن تحصل تحركات جماهيرية ضد النظام القائم لأسباب كثيرة ومختلفة.
سورية تشبه الكثير من الدول العربية لناحية الأوضاع والظروف الدافعة لحصول تحركات احتجاجية، في الوقت نفسه هناك الكثير من الموانع والعوائق التي تمنع حصول ذلك. فمن ناحية أولى فإن الاوضاع الاقتصادية لناحية ازدياد رقعة الفقر والفقراء وتضخم جيش العاطلين عن العمل، وانتشار الفساد على كل المستويات، إضافة إلى غياب الحريات وانتشار القمع وتكميم الأفواه، هي عوامل مشتركة بين سورية وبين غالبية من الدول العربية، كتونس ومصر وغيرها من الدول، لا بل ربما الحالة السورية تمثل مثلاً فاقعاً و«متطرفاً» لناحية غياب الحريات وشدة القمع، ففي حين كان المصري يستطيع أن ينتقد نظام الرئيس حسني مبارك ويقوم بالتظاهر ويعبر عن رفضه للتوريث، لا يستطيع السوري أن ينتقد حتى إيران، وهي دولة حليفة لسورية، وهذا ما حصل مع الكاتب علي العبد الله الذي انتقد في إحدى المقالات نظام ولاية الفقيه، وهو الأمر الذي تسبب في سجنه لأعوام عدة.
أيضاً في سورية فإن سلطة رجال الأمن والاستخبارات وحجم حضورهم أكبر بكثير من أي دولة عربية، لا بل إن غالبيتهم منتقون من دوائر اجتماعية معينة مقربة من النظام، كذلك القيادات يتم انتقاؤهم بعناية حسب شدة ولائهم وقربهم من النظام، ليس الولاء والقرب السياسي فقط، إنما لاعتبارات عائلية وعشائرية وطائفية. هذا سمح مع الوقت بتشكيل طبقة ودوائر حول النظام تستند إلى هياكل وبنى اجتماعية وثقافية معينة، مع الوقت تماهت مع النظام لدرجة صار من الصعوبة التمييز بينها وبين النظام نفسه. هذا بحد ذاته يجعل آفاق أي احتجاجات شعبية محكومة بنذر حرب أهلية بين بقية أفراد المجتمع وبين تلك الهياكل والدوائر التي بناها النظام حول نفسه منذ أكثر من أربعين عاماً. الحالة السورية هنا تشبه تماماً الحالة العراقية قبل سقوط نظام صدام حسين. إن مثل هذه الشروط القائمة تجعل إمكانية الاحتجاج محفوفة بمخاطر اندلاع حرب أهلية وطائفية.
من ناحية اخرى، يجب الاعتراف والانتباه إلى أن نظام «حزب البعث» بشكل عام هو نظام قمعي بامتياز ولا يتورع عن استخدام العنف الشديد والبطش ضد معارضيه لأي سبب، إننا نعرف أن الكثير من المثقفين السوريين حكم عليهم بالسجن لأعوام طويلة لمجرد كتابتهم مقالات تدعو للاصلاح والديموقراطية، فما بالنا لو كتبوا مقالات انتقدوا فيها النظام بشكل مباشر، أو فيما لو دعوا للاحتجاج والتظاهر حتى اسقاط النظام؟
من ناحية ثانية، يجب أن نعي أن النظام في سورية كمؤسسة، استطاع أن يشكل مع مرور الأعوام، دوائر من المستفيدين من استمراره وديمومته، وهذه الدوائر موجودة في كل مفاصل الدولة والمجتمع، كما أنه عمل طويلاً على تغييب المجتمع المدني والحياة السياسية بشكل نهائي، ما يجعل إمكانية التحركات الاحتجاجية قليلة أو شبه معدومة.
من ناحية ثانية، حاول النظام إشاعة مقولات وبربوغاندا تقول ان ما حصل في تونس ومصر، حصل فقط لأن تلك الدول محسوبة على الغرب وكانت دولاً حليفة، هذا وحتى لو كان يفتقر للمنطق ومعروفة الغايات التي تقف وراءه، فإن، وللأسف، فئات عديدة مضللة صدقته.
سورية تشبه تونس ومصر كثيراً لناحية الخلفيات الدافعة للاحتجاج، لكنها تختلف لناحية التركيبة الاجتماعية المكسرة اجتماعياً، حيث تعتقد فئات اجتماعية أنها مندمجة مع النظام وتخاف من التغيير وتخاف على مستقبلها ووجودها في ما لو سقط النظام. هذا يعقد المشهد السوري… دون أن ننسى أن النظام في سورية أكثر قمعاً وتجربة في سحق معارضيه.
كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى