الدولة التسلطية
إنها أزمة الدولة التسلطية العربية
توفيق المديني
وحقوق الإنسان، وحقوق الأقليات، وحقوق المرأة، وقضايا المساواة بين الرجال والنساء أمام القانون، وتطبيق الحدود، وبعض أوجه ممارسة حقوق المواطنة، ورؤية الإسلام السياسي الى الديموقراطية وتعدد الاجتهادات داخل قياداته، التي يذهب البعض منها الى القول بالتناقض التام بين الإسلام والديموقراطية، في حين يذهب البعض الآخر الى المطابقة بين المبادئ الديموقراطية والشورية الإسلامية.
في الواقع التاريخي العياني، ما زالت هذه الموضوعات، ولا سيما موضوعي الديموقراطية والعلمانية تشكل بؤرة التوتر في العلاقة التناقضية بين التيارات السياسية العربية العلمانية من جهة، والإسلام السياسي من جهة أخرى. وما زال الصراع الذي بدأ منذ عصر النهضة بين الحداثة العلمانية والرؤية السلفية التقليدية قائماً، وان اتخذ حركة مد وجزر، حسب الظروف التاريخية والسياسية التي مرت بها الأمة العربية، وطبيعة القوى السياسية الأساسية المسيطرة على طاقات المجتمع العربي.
وعندما كان العالم العربي يشهد في مرحلة الخمسينات والستينات تعاظم الثورات التحررية السياسية، وقيام الانتفاضات والحركات الشعبية والانقلابات التي تطيح الأنظمة التقليدية الموالية للغرب، وتغير نظام الملكية، من تطبيق الإصلاح الزراعي الى تأميم الشركات الكبيرة والملكيات الكبيرة، حققت الحداثة العلمانية بعض الانتصارات والتقدم، لأنها كانت جزءاً من الصراع الإيديولوجي والسياسي والاجتماعي الجاري على الصعيد العربي بين القوى الثورية التي ساهمت في نشر الأفكار القومية عامة والماركسية بخاصة، والقوى التقليدية المحافظة.
ولكن في ظل الوضع العربي القائم المتسم بالتراجع والهزائم والانكسارات، وهيمنة الإسلام السياسي، ولجم الحركة النقدية الجذرية، تشن الحركة الإسلامية هجوماً في الميادين السياسية والإيديولوجية والثقافية، وتطرح مطالبها الايديولوجية والاجتماعية، وترد على طروحات الاتجاهات العلمانية ببرنامج إسلامي واسع له جذوره التاريخية، وركائزه الشعبية، ومواجهة الوحدة القومية بوحدة إسلامية، والاشتراكية باقتصاد إسلامي، والديموقراطية بالشورى، وحقوق الإنسان والحريات الديموقراطية بتطبيق الشريعة. فيكون الهجوم الإيديولوجي والسياسي شاملاً، ويصبح العلمانيون كفرة وملحدين وخارجين على الإسلام.
وفي خضم المماحكات الجدلية السياسية بين الأحزاب والتيارات القومية والماركسية والإسلام السياسي حول موضوع العلمانية، يطالب الإسلام السياسي الحركة القومية بتحديد موقف من العلمانية، ويعتبر أن لا رابطة تاريخية بين القومية العربية والعلمانية، لأن القومية العربية حسب وجهة نظره خرجت في الواقع من عباءة الفكر الإسلامي وتاريخ نضال علمائه، ويصر على اقتناعه الراسخ بأن العلمانية ليست مرادفاً للديموقراطية، ولا هي ضرورة من ضروراتها، ولا هي إحدى آلياتها، ويربط بين قبوله بمبدأ التعددية الفكرية والسياسية ورفض العلمانية، التي تفسح في المجال في مفهومه للقوميين ان يتفردوا دون الإسلاميين بساحة العمل السياسي.
وقد أثبتت التجربة العربية الماضية والحالية أنه لا يمكن أن نجد منفذاً أو حلاً جذرياً لموضوع العلمانية بهذه الطريقة من المناقشات الجدلية السياسية الحامية بين الإسلاميين والقوميين، لأن التناقض الجوهري بين القومية العربية الحديثة والإسلام السياسي يتمثل في حل قضية الديموقراطية، التي لا يمكن تلمسها وفهمها فهماً علمياً سليماً خارج سياق الصيرورة الاجتماعية العربية، وما تتطلبه من إنجاز ثورة ديموقراطية.
فالعالم العربي يعاني من التأخر التاريخي، ومن التخلف الشديد، والتجزئة، ومن بقايا الإقطاع والقبلية والطائفية، ومخلفات القرون الوسطى، والإقليمية، والاستبداد، والتمييز الطبقي الحاد، وهيمنة الاستعمار الجديد ممثلاً بالإمبريالية الأميركية، وهو تابع أو شبه تابع في مجمله، ويعيش في مرحلة ما قبل الاندماج القومي. ولذلك فان الثورة الديموقراطية لم تنجز فيه لا في العهد الكولونيالي، ولا في عهد الاستقلال السياسي، وهذا ما يجعل الثورة الديموقراطية ركناً أساسياً في المشروع القومي الديموقراطي النهضوي.
كما أن الثورة الديموقراطية في العالم العربي أكثر تعقيداً منها في أوروبا القرن الثامن عشر، أو التاسع عشر. ففي أوروبا كان إنجاز الثورة الديموقراطية يتطلب اطاحة سلطة الإقطاع والكنيسة المتحالفين. وكانت هذه مهمة البورجوازية الغربية الظافرة التي تحالفت مع الطبقات الأخرى من الفلاحين والعمال. وقد فرض انتصار البرجوازية الرأسمالية والصناعية على الكنيسة في الغرب فصل ذروتي السيادة العليا أي الدين ممثلاً بالكنيسة المسيحية، والسلطة السياسية، أي فصل الكنيسة عن الدولة، وتحرير الدولة من هيمنة النظام العقائدي الديني الذي أصبح معيقاً للحداثة والتقدم وغير محتمل وغير مقبول في معارضة النظام المعرفي الجديد المنافس الذي شكلته البورجوازية كطبقة صاعدة في أوروبا.
أما على الصعيد العربي المتسم بالغياب الكلي للديموقراطية، وللرقعة الثقافية على حد سواء، فإن شعار العلمانية يطرح الآن ضمن فراغ ثقافي، وانعدام وجود حداثة فكرية وعقلية، باعتبارها الوسيلة الأكثر إلحاحاً لطرح الأسئلة الجذرية على الواقع، والتاريخ، والإسلام، وإحداث مجابهة فكرية وثقافية خصبة بين الرؤيا العقلانية والعلمانية للعالم والحياة، والرؤيا الدينية للعالم والحياة. وظل شعار العلمانية يطرح في نطاق السجال الإيديولوجي مع الإسلام السياسي، مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بالأحزاب القومية واليسارية الراديكالية، التي تسعى للتخفيف من هيمنة الإسلام في الرمز السياسي والإيديولوجي للدولة، دفاعاً عن حقوق الأقليات الدينية التي لها حساسية مفرطة إما بسبب تفوق الإسلام كدين للأكثرية في الحياة العامة، وإما رغبة منها في التحديث الاجتماعي، معتبرة تجربة الغرب نموذجاً يحتذى به على الصعيد الكوني. ولا يمس هذا الطرح العلماني بشكل مباشر المعضلات الأساسية التي يعاني منها العرب في طورهم الراهن، خاصة إنجاز الثورة الديموقراطية.
إخفاق الدولة القطرية
إذا كان التشكل التاريخي للدولة القطرية _ المسماة تجاوزاً بالقومية والحديثة _ من حيث النشأة والولادة، يعتبر بمنزلة الولادة القيصرية الاصطناعية، لأنها جاءت عقب الاجتياح الاستعماري الغربي للعالم العربي والإسلامي الذي فكك الامبراطورية العثمانية، وعلى أرضية التوازنات الدولية الناشئة بعد تجزئة البلاد العربية وتقسيمها بموجب اتفاقية سايكس بيكو، وبعد الحرب العالمية الثانية التي أعادت رسم الجغرافيا السياسية للعالم العربي والإسلامي، فإنه والحق يقال لم يكن للحركة القومية العربية نظرية واضحة المعالم عن الدولة القومية الحديثة كما شهدها الواقع الاجتماعي والسياسي في الغرب الرأسمالي مع بدايات صعود البورجوازية، وظهور الثورة الصناعية، والتي يصفها الكاتب التونسي رفيق بوشلاكه بأنها في مجملها دولة اندماجية قامت على أساس التداخل الوثيق مع قاعدة الأمة على أفق تجاوز الرابطة الطبيعية قبلية كانت أم أسرية لمصلحة الانتماء المدني السياسي والى الحد الذي لا يمكن تحديد السبق التاريخي والمنطقي ما إذا كان للأمة أم للدولة، بمعنى معرفة ماذا كانت الأمة القومية هي التي انتجت هذه الدولة ضمن سياق تطورها الذاتي أم أن الدولة نفسها هي التي صنعت الأمة وضبطت حدودها.
الدولة القطرية العربية التي تروج لها بعض التوصيفات بأنها “الدولة القومية” أو “الدولة الوطنية الحديثة” هي حالة تعبر في الصورة العامة عن رهانات ورغبات ايديولوجية، أكثر مما تعبر عن حقائق واقع هذه الدولة القطرية ذاتها، التي تبقى نشأتها التاريخية مختلفة جذرياً عن السياق التاريخي _ السياسي الذي نشأت فيه الدولة القومية الغربية ولأنها أيضاً ظلت بعيدة كل البعد عن الفتح البرجوازي الحديث بل لأنها تجهل كلياً هذا الفتح البرجوازي المسمى بالحداثة السياسية والثقافية، التي تقوم على ركيزتين أساسيتين هما: الديموقراطية السياسية الحديثة، والعلمانية والعقلانية.
فالمظهر الخارجي الحديث للدولة القطرية العربية يخفي واقعاً داخلياً ذي بنية تقليدية ومتخلفة من حيث الجوهر، تهيمن فيها ايديولوجية تقليدية، لا تزال ترى الى السياسة باعتبارها شأناً من شؤون شخص الحاكم أو الزعيم أو القائد الملهم، الذي يستمد مبدأه وفاعليته من الواجهة المؤسسية لسلطة بيروقراطية الدولة، ونظام الحزب الواحد، وايديولوجية بيروقراطية الدولة، التي تفهم وتمارس السياسة في بعدها التقني البراغماتي وترفض منطق الصراع الفكري، والجدل الثقافي والمعرفي، وتعمل على اخضاع تنظيمات المجتمع المدني لمنطق هيمنة أجهزة الدولة التسلطية.
إن الفشل التاريخي للدولة القطرية نموذج الدولة والايديولوجية القومية، وانتشار ظاهرة الشعبوية وانعدام تقاليد الحوار الديموقراطي في ظل تغييب كامل للديموقراطية من جانب الدولة التسلطية، التي حلت سلطة الرئيس أو الزعيم أو القائد العام للحزب الواحد أو الملك، أو الحزب الواحد في أعماق نفسية المجتمع العربي محل المذهب الواحد أو الدين الواحد، الذي لم يكن يسمح بما عداها، وانفصال الدولة القطرية عن المجتمع الذي هو أبرز مظهر من مظاهر الدولة الاستبدادية، والهزائم المتلاحقة التي منيت بها الأمة العربية، وإخفاق المشروع النهضوي العربي، شكلت جميعها الأرضية الخصبة، والأسباب الرئيسية للعودة الضخمة والصارخة للعامل الديني، والاستخدام الشديد السياسي والاجتماعي والثقافي لهذا الإسلام السياسي من جانب الحركات الإسلامية المتطرفة التي تطلق على نفسها اسم “الصحوة الإسلامية” باعتبارها أحد افرازات الهزيمة المذلة للدولة العربية أمام العدو القومي الأميركي _ الصهيوني من جهة، وأمام همجية الاستبداد من جانب الدولة التسلطية من جهة أخرى.
وليست ظاهرة التطرف الديني والتعصب الايديولوجي سوى أحد تعبيرات الأزمة البنيوية العميقة الشاملة التي تطال سائر مستويات المجتمع العربي، ومظهراً من مظاهر أزمة الدولة التسلطية العربية التي قضت على السياسة، وعملية إنتاجها في المجتمع العربي، وأفسحت في المجال لتوليد التطرف والعنف بسبب احتكارها وممارستها لقوة العنف ضد الشعب العربي. إن هذا الواقع يتطلب منا أن نتفهم التطرف والعنف من قبل الإسلام السياسي كرد فعل على عنف الدول التسلطية العربية من ناحية، وعلى التغلغل الأميركي _ الصهيوني في العالم العربي في ظل توقيعه اتفاقات الاستسلام بين بعض العرب والعدو الصهيوني، التي تقود الى تصفية القضية الفلسطينية، وفي ظل سيادة نمط الاستهلاك الغربي، والعلاقات الرأسمالية الطرفية بسائر بنى المجتمع، وتأثيرهما المباشر على صعيد تدمير البنى التقليدية، وتفكيك الروابط والعلاقات الاجتماعية، وتدمير القيم الشعبية من دون إحلال محلها روابط وعلاقات اجتماعية وقيماً حديثة ومدنية وعصرية، من ناحية أخرى.
لهذا كله، فرضت حركات الإسلام السياسي استعادة إشكالية العلاقة بين العلمانية والإسلام. وهي استعادة ثأرية، تريد من ورائها إدانة الحداثة والعقلانية والقومية والعلمانية والديموقراطية أو الوحدة العربية. وحذفها من حقل الفكر السياسي من أجل حذف القوى التي تتبناها من الواقع.
النهار
الذهنية الشمولية تصبغ الديني وغير الديني
ملحم شاوول
-1 صحيح أن الغموض يكتنف مصطلح “الاتجاهات غير الدينية” وإذا أردنا التدقيق نلاحظ أنها ثلاثة في العالم العربي: الاتجاهات “المادية التاريخية” أي الشيوعية أو الاشتراكية التي تعتبر الدين جزءاً لا يتجزأ من السلطات المسيطرة وأداة من أدوات الهيمنة على المجتمع، أي أنه عدو عقائدي للمشروع الشيوعي؛ والاتجاهات “العلمانية” التي تريد، على غرار بعض التجارب الأوروبية أو التجربة التركية في المشرق، فصل الدين عن السياسة وعن الدولة؛ وأخيراً الاتجاهات “المدنية” التي
تنشد دولة المواطنة والقانون والمؤسسات.
-2 في السياق التاريخي بدأت الاتجاهات الشيوعية والاشتراكية بلعب الدور الاجتماعي التغييري ودافعت عن فكرة “الثورة” و”التحول الاقتصادي الاجتماعي الجذري” بالعنف وبقيادة الفئات العاملة الأكثر فقراً واضطهاداً في المجتمع. هذه الاتجاهات واجهت وبعنف أحياناً التيارات الدينية واعتبرت في حينه أن التناقض والنزاع معها لا بد أن ينتهي بهزيمتها وبكف يدها عن السيطرة على المجتمع.
في موازاة ذلك، ظهرت الاتجاهات العلمانية غير الاشتراكية، ومنها القومية عربية أو غير عربية، وتأرجحت بين النموذج الفرنسي “الأكثر ديموقراطية” والنموذج الأتاتوركي “الأكثر سلطوية”. وقد دعت هذه الاتجهات إلى كفّ يد السلطات والمؤسسات والفاعليات الدينية عن كل أشكال الحياة العامة وعن فسحات الشأن العام. ومنذ بداية تسعينات القرن الماضي راج مفهوم “المدنية” و”الدولة المدنية” و”المجتمع المدني” وقد روجت له أيضاً بعض المرجعيات الدينية. من الواضح أن هذا المفهوم يعكس تراجع الطرح الهجومي للمادية الاشتراكية ولمشروع العلمنة ويظهر التيارات غير الدينية بمظهر دفاعي أمام تصاعد التيارات الدينية. ويعود الى ذلك كون مفهوم “المدنية” يقبل التجاور ويطالب التيارات الدينية الطائفية بفسحة تتيح له التحرك والعمل المدني على أمل أن تصبح الدولة كياناً مدنياً أي حيادياً من الناحية الدينية.
-3 لقد انطبع في الذهن الشعبي التلازم والتطابق بين الأنظمة العربية “التقدمية” و”الاشتراكية” من جهة وبين أجهزتها القمعية ونزعتها الشمولية وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية الفاشلة، وكل ما يمتّ بصلة إلى العلمنة والاشتراكية والقومية. هذا علماً من جهة أخرى، أن الأنظمة العربية فسرت “ما هو غير ديني” على هواها، محافظة على طقوس وتبريرات وأشكال من التخاطب الاجتماعي تهدف أكثر إلى تطويع “الديني” واستخدامه الوظيفي من اجل انتاج خطاب مختلف ومنقطع على مستوى المضمون والمنظمات والبناءات الاجتماعية عن السياق الديني وخارج مرجعياته. كما لم تعمد إلى قيام قضاء وتشريع يشكلان انقطاعاً واضحاً عن الصعيد الديني. فبات في التصورات والذهنيات الشعبية كل ما هو “غير ديني” يمثل سلطات القمع والبرامج الاقتصادية الاجتماعية الفاشلة كما أصبح “الديني” يشكل من الناحية الوظيفية ملاذاً للفئات الاجتماعية المواجهة لهذه الآلة الغاشمة. فكانت تجربة الشاه في إيران والقومية البعثية في العراق وسوريا والتجربة الناصرية في مصر وجبهة التحرير في الجزائر، ناهيك عن تجربة الماركسية اللينينية في جنوب اليمن.
-4 بعد تصدع مشروع البناء القومي غير الديني وتوسع المجابهة مع المرجعيات الدينية التي استعادت القيادة الشعبية، عملت الأنظمة التي لم تنهَرْ على صياغة سياسة جديدة مع التيارات الدينية فحواها تقديم تنازلات مجتمعية لبعضها مقابل تجميد المواجهة مع النظام وعدم التدخل في إدارة الدولة. يعني ذلك الموافقة من قبل السلطات الحاكمة (والمستمرة بادعاء انتمائها إلى القومية العلمانية) على وجود فسحة في المجتمع الأهلي يمكن بعض الجماعات الدينية العمل فيها بل التحكم بتوجهاتها. وأبرز المجالات التي فتحت أمام عمل التيارات الدينية بموافقة السلطات والحكومات هي التعليم والخدمات الصحية والتنمية المحلية. فلا بد من تسجيل هذا التواطؤ القاتل للتيارات غير الدينية بين الأنظمة والحالة الدينيّة. فمن يدعي أنه في مواجهة مع الأصولية الدينية ويقدم تنازلات مهمة لها في مجالات الثقافة والتعليم وتكييف الشباب على نمط معين من التصور والتفكير إنما يحفر قبره بيده.
-5 لا بد ايضاً من ملاحظة أننا لا نملك معلوات ميدانية وافية عن حجم ومستوى انتشار التيارات غير الدينية وتغلغلها شعبياً في مراحل ستينات القرن الماضي ربما لعدم وجود، في حينه، ممارسة لإستطلاعات الرأي وللعمل الميداني المنهجي كسبيل لمعرفة اتجاهات المجتمع. لكن، منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي وسبعيناته وخلال تسعيناته، تبين من خلال العديد من استطلاعات الرأي التي أجريت، حيث أمكن إجراؤها بالحدّ الأدنى من الشروط الضرورية لتنفيذها، أن التيارات غير الدينية باتت أقلية لا تذكر (دون الـ5% من العّينات المستطلعة) في كل من لبنان ومصر والأردن وفلسطين.
-6 في المقابل، تبين أيضاً أن أجندة التيارات الدينية السياسية وشعاراتها لا تختلف بشيء، بل تعيد انتاج جميع شعارات ومواجهات التيارات اليسارية والقومية التي كانت قائمة في الربع الأخير من القرن العشرين: أصبحت الإمبريالية العالمية استكباراً عالمياً والعدو نفسه، الولايات المتحدة، ومواجهة “الغرب” هي هي خلال الحرب الباردة وبعدها، كما بقيت مفاهيم المقاومة والعمل المسلح والحشد، والجماهير والأمة والشعبوية الاقتصادية الاجتماعية، تعيد ذاتها، كما أنشأت المؤسسات المرادفة لهذه المفاهيم من أجهزة أمن ومخابرات ورقابة على الاعلام وتقييد الحريات على غرار تلك التي كانت تمارس القمع
عليها.
جميع هذه الشعارات والممارسات هي شبه متطابقة بين “الديني” الحالي والذي كان يعتبر”غير ديني” سابقاً. فما هي مواقع الاختلاف السياسي بين مناضل “قومي علماني” في خمسينات القرن العشرين وستيناته وسبعينات ومناضل مسلم ملتزم دينيا في تسعينات ذلك القرن وبدايات القرن الحالي؟ والسؤال نفسه مطروح على صعيد الحزب السياسي والمؤسسة الإعلامية والنقابات والأجهزة السلطوية المختلفة.
-7 لسنا تالياً بصدد أدوار واتجاهات متباينة ومتقابلة بين “الديني” و”غير الديني” والسؤال يبقى هل تستطيع فعلاً الاتجاهات غير الدينيّة أن تنتج حيزاً “غير ديني”؟ وهل تظهر تجربة الاتجاهات غير الدينية ومؤسساتها وهيكلياتها أنها تستوي في مكان آخر مختلف تماماً عن المؤسسات والبنى الدينية؟ أم نحن بالتعيين الأخير بصدد تصورات وبناءات شمولية أكان لباسها “غير ديني” أم “ديني”؟
ملحم شاوول
(أستاذ في الجامعة اللبنانية)
النهار
عن التخلف في العالم العربي رحم التطرف وميدان الاستبداد
خالد غزال
في العقد الاول من القرن الحادي والعشرين، لا يزال العالم العربي يصنَّف في خانة الدول النامية، وهو التعبير الملطّف للدول المتخلفة، كما لا تزال التقارير الدولية تشدد على ادراجه في خانة المناطق المنكوبة. لم تشفع سياسات التحديث والتنمية في اخراج هذا العالم العربي من “القرون الوسطى” وادخاله في العصر الحديث، كما لم تتمكن تطورات العولمة والتقدم والتكنولوجيا من انتشاله من بؤرة التخلف المتعدد الجانب. لا يقتصر حديث التخلف العربي على بعض المعطيات الاقتصادية او التقنية، بل يتجاوزه الى الحياة الثقافية والفكرية والاجتماعية والسياسية. يطرح كثيرون في العالم العربي وخارجه اسئلة عن الاسباب التي حالت ولا تزال دون انتقال العرب الى الحداثة والتحديث ومواكبة تطورات الزمن المتقدم، قياسا بأمم لا تملك الحد الادنى مما يملكه العرب من امكانات وطاقات مادية. وهو شأن يدفع الى رؤية هذا التخلف في عوامله البنيوية الداخلية في وصفه تخلفاً حضارياً شاملا. واذا كانت بعض النخب تذهب الى تحميل العوامل الخارجية مسؤولية التخلف والاقامة المستديمة فيه، وهي عناصر تتصل بالاستعمار والصهيونية، الا ان هذا الاعتبار على اهميته وصحته يبقى ثانويا، قياسا بالعوامل البنيوية الداخلية التي لا تزال العنصر المقرر في ادامة التخلف العربي او في تجاوزه.
يقدم “مثلث الامية والفقر والبطالة” اول مؤشر الى حجم التخلف في العالم العربي.
صدمة الارقام
ففي آخر تقرير للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (السكو) صدر في كانون الثاني عام 2008، اشارت المنظمة الى ان عدد الاميين العرب وصل الى حدود مئة مليون، اي ما يقارب ثلث السكان القاطنين البلدان العربية. ولفت التقرير ايضا الى ان 75 مليونا من اجمالي الاميين العرب، اعمارهم بين 15 و45 عاما، اي من الاوساط الشبابية بشكل رئيسي. كما ان نسبة الامية بين النساء تصل الى حوالى 47 في المئة من اجمالي السكان. مع الاشارة الى ان منظمات دولية تشكك في هذه الارقام وتعتبر اعداد الاميين اكبر، نظرا الى ان الدول العربية لا تقدم الارقام الحقيقية في هذا المجال.
تشكل ارقام العاطلين عن العمل مؤشرا دامغا الى مقولة التخلف. يفيد “التقرير الاقتصادي العربي الموحد”، ومعه آخر الاحصاءات الصادرة عن منظمات تابعة للجامعة العربية، ان عدد سكان العالم العربي بلغ في العام 2006 نحو 312 مليون نسمة، تصل نسبة الذين تقل اعمارهم عن 15 سنة الى 38 في المئة، وهو اعلى متوسط في العالم بأسره. وتلفت التقارير الى ان اليد العاملة العربية كانت خلال هذا التاريخ تصل الى حدود 120 مليون عامل اي ما نسبته 37 في المئة من مجمل سكان العالم العربي. في ظل محدودية مشاريع التنمية ومحدودية مجالات العمل ايضا، تسببت الزيادة السكانية المتصاعدة ببطالة وصفها تقرير “مجلس الوحدة الاقتصادية” التابع للجامعة العربية، ومعها تقرير “منظمة العمل الدولية” بأنها “الاسوأ بين جميع مناطق العالم من دون منازع”. فقد وصل عدد العاطلين من العمل الى 25 مليون عامل، ما يجعل هؤلاء العمال ظروفا صعبة يتعرضون فيها للابتزاز والطرد من العمل وتحكم ارباب العمل بهم واخضاعهم الى اجور مخفضة.
لا تقل صورة الفقر في العالم العربي بشاعة عن الامية والبطالة. تشير “تقارير التنمية الانسانية العربية” الى ان اكثر من نصف سكان العالم العربي يعيش تحت خط الفقر وبمعدل دخل فردي لا يتجاوز دولارين في اليوم، لافتة الى حالات واسعة من المجاعة اصابت عددا غير قليل من السكان في اكثر من بلد عربي. يتسبب سوء التغذية الناجم عن الفقر في اعتلال صحة المواطن ويمنع الحد من السيطرة على المرض ويزيد من عدد الوفيات. و رغم التقدم الحاصل في ميدان الرعاية الصحية، الا ان تقارير منظمات الصحة العالمية لا تزال تتحدث عن مزيد من التشوهات الصحية الناجمة من عدم قدرة المواطن العربي على تأمين المستلزمات الطبية الضرورية.
ربطا بظاهرة الفقر والبطالة، تمثل عمالة الاطفال الوجه الاخر لحجم العاطلين عن العمل. تشير “منظمة العمل الدولية” في تقرير حديث لها الى ان نسبة الاطفال العاملين في العالم العربي تصل الى حوالى 20 في المئة من مجمل عدد الاطفال العرب، فيما يؤكد “المجلس العربي للطفولة والتنمية” ان عدد الاطفال الذين يتسربون من التعليم الى سوق العمل يسير في تصاعد سنوي بحيث بلغ خلال الأعوام الاخيرة نسبة11 من قوة العمل الموجودة في السوق. هذا مع الاشارة الى ان 70 في المئة من عمالة الاطفال تتركز في مجال الزراعة والخدمة في المنازل والباعة المتجولين وماسحي الاحذية والتسول في الشوارع، اضافة الى المصانع والحرف الخاصة بالحجارة والبناء. يتعرض الاطفال خلال قيامهم بأعمالهم الى حوادث متعددة منها ما هو قاتل، ومنها ما يتسبب بإعاقات وتشوهات جسدية بالنظر الى تنفيذهم اعمالا تفوق قدرتهم الجسدية، كما يتعرضون لاضطهاد واذلال وضرب واعتداءات جنسية.
لا تكتمل صورة التخلف في العالم العربي الا من خلال النظر الى الموقع الذي يحتله في مجال التكنولوجيا وانتاج المعرفة. ففي تقرير صادر حديثاً عن “مؤسسة الامم المتحدة للثقافة والعلوم” (الاونيسكو) في شأن حالة العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي، صنف التقرير العالم العربي في “آخر درجات القاع” قياسا بمجتمعات اخرى مشابهة للمجتمعات العربية. إذ قارن بين تطور العالم العربي في هذا المجال والتطور المذهل الذي عرفته دول آسيوية مثل الصين والهند وماليزيا وكوريا، وهي دول تعاني فقرا شديدا وكثافة سكانية عالية وانعداما في الموارد النفطية. وقبل تقرير الاونيسكو اشارت “تقارير التنمية الانسانية العربية” الى الفجوة التكنولوجية الكبيرة التي يعاني منها العالم العربي مثبتة ذلك بأرقام واحصاءت دامغة.
تشكل ثورة الاتصالات وصناعة الالكترونيات اليوم احد المقاييس الاساسية في مدى دخول بلد ما ميدان التقدم العلمي والتكنولوجي. تجمع التقارير على تأخر عربي عن مواكبة هذا الميدان او ولوجه. فعلى سبيل المثال، لا يتجاوز انتشار الكومبيوتر في العالم العربي اكثر من 1،5 في المئة من سكانه، فيما لا يتجاوز استخدام الانترنت 2 في المئة من اجمالي المستخدمين في العالم. مع الاشارة الى ان شبكة الاتصالات وخصوصا الانترنت، تشكل اليوم اهم عناصر البنى التحتية لاقامة مجتمع المعلومات، وان الاتصالات باتت تلعب ادوارا اساسية في التطور الاقتصادي والمالي والثقافي في كل مكان في العالم. يضاف الى هذا كله ان المواقع العربية على شبكة الانترنت لا تزال تتسم بالضعف، قياسا بالمواقع العالمية وخصوصا في مجال تقديم انواع المعرفة الى الجمهور العربي.
يلقي واقع البحث العلمي وما يرافقه من مراكز ابحاث ضوءا اضافيا على حجم التخلف في العالم العربي. من المعروف ان الدول المتقدمة تولي مراكز الابحاث والتطوير العلمي اهمية خاصة وترى فيها مقياسا لحجم التقدم او التخلف وشرطا لانتاج المعرفة. يعاني العالم العربي ضعفا ونقصا في هذا المجال قياسا بالمتطلبات والتحديات المعرفية المطروحة على العرب. تشير تقارير دولية ودراسات جادة، على الاخص كتاب “الفجوة الرقمية، رؤية عربية لمجتمع المعرفة” لمؤلفيه ناديا حجازي ونبيل علي، الى ان البلدان العربية مجتمعة خصصت عام 2003 مبلغ 750 مليون دولار فقط، اي حوالى 0،3 في المئة من اجمالي ناتجها الوطني للبحث والتطوير، فيما تخصص البلدان المصنعة الجديدة من 1 الى 3 في المئة من اجمالي ناتجها للبحث العلمي. ويشير “تقرير التنمية الانسانية العربية” الى ان معظم هذا المبلغ يستهلك في تغطية النفقات الادارية للمراكز. وتزداد الصورة قتامة عندما نعرف ان الكثير من البحوث الجادة تركن في رفوف المكتبات ولا تجري الافادة منها. في مقارنة بين حال العرب وحال الدولة العدو اسرائيل، يتبين ان حجم الانفاق على البحوث في اسرائيل نسبة الى الناتج المحلي هو حوالى 4 في المئة، فيما لا يتجاوز في البلدان العربية 0،3 في المئة. كما تشير الاحصاءات الى ان في اسرائيل 12 بحثا لكل عشرة آلاف مواطن، فيما يبلغ هذا المعدل ثلث بحث لكل عشرة آلاف مواطن عربي.
نجم عن البطالة المرتفعة وخصوصا في اوساط المتخرجين من الجامعات، مضافا اليه سوء الاهتمام بالبحث العلمي والعاملين فيه، نشوء ظاهرة “هجرة الادمغة العربية الى الخارج”. ترفع تقارير صادرة عن الجامعة العربية وعن “مؤسسة العمل العربية” الصوت محذِّرةً من خطورة هذه الظاهرة في ضوء الارقام المتصاعدة حولها، معتبرةً ان المجتمعات العربية باتت بيئة طاردة للكفاءات العلمية. تشكل هجرة الكفاءات العربية 31 في المئة مما يصيب الدول النامية، كما ان هناك اكثر من مليون مهاجر خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات او الفنيين المهرة ويعملون في الدول المتقدمة، بحيث تضم اميركا واوروبا حوالى 450 الف عربي من حملة الشهادات العليا وفق تقرير لـ”مؤسسة العمل العربية”. وتؤكد التقارير ان 5،4 في المئة فقط من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج يعودون الى بلادهم فيما يستقر الاخرون في الخارج. ومن الارقام الدالة ايضا ان 34 في المئة من الاطباء الاكفاء في بريطانيا ينتمون الى الجاليات العربية، وان مصر وحدها قدمت في الأعوام الاخيرة 60 في المئة من العلماء العرب والمهندسين الى الولايات المتحدة، فيما كانت مساهمة كل من العراق ولبنان 15 في المئة. وشهد العراق ما بين 1991 و1998 هجرة 7350 عالما تركوا بلادهم بسبب الاحوال السياسية والامنية ونتيجة الحصار الدولي الذي كان مفروضا على العراق. وتشير هذه التقارير الى عمل قسم واسع من العقول العربية في اختصاصات حساسة في بلاد الغرب من نوع الجراحات الدقيقة، الطب النووي، الهندسة الالكترونية والميكروالكترونية، والهندسة النووية، وعلوم الليزر، وعلوم الفضاء وغيرها من الاختصاصات العالية التقنية.
في الاسباب
لم ينقطع النقاش حتى اليوم بين النخب العربية حوال الاسباب المديدة للاقامة العربية في التخلف. لا تزال اصوات واسعة تنسبه الى السيطرة الخارجية ذات الطابع الامبريالي في شقيه الاستعماري والصهيوني، وهي نظريات تبتعد عن تحميل البنى الداخلية والقوى المسيطرة المسؤولية الرئيسية في تكريس التخلف. في المقابل يسود نقاش جدي حول اعادة قراءة اسباب التخلف من خلال عوامله الداخلية المتصلة انطلاقا من البنى والتراكيب الموروثة بشتى تنويعاتها بوصفها المسؤولة اولا واخيرا عن الواقع العربي. تفرض القراءة الموضوعية للتخلف العربي ان يُقرأ بعوامله الداخلية وبدور العناصر الخارجية حيث تقوم علاقة جدلية بين هذه العوامل. واذا كانت اسباب التخلف متعددة ومتشعبة، فانه في الامكان التوقف امام عوامل اساسية في هذا المجال.
يتعلق العامل الاول بالتجارب العربية لمنظومة بناء الدولة العربية بعد الاستقلال ولمشاريع التنمية التي قامت بها. يمكن القول ان العالم العربي يشهد منذ عقود انهيارا لمشاريع التحديث التي قامت بها حكومات ما بعد الاستقلال تحت شعارات الاستقلال السياسي عن الاستعمار القديم والحديث في آن واحد، ووضع مشاريع تنمية اقتصادية تنقل البلد المعني من تخلفه المدقع الى رحاب النمو الاقتصادي بما يحسن مستوى معيشة الفرد العربي، ويساهم في تقدمه الاجتماعي والعلمي، ورفع شعار الديموقراطية عنوانا لاشراك اوسع فئات شعبية في الحياة السياسية، واخيرا طرح مهمة التحرير القومي وخصوصا منها استعادة فلسطين، وتوظيف كل الامكانات المادية والبشرية من اجل تحقيق هذا الهدف. لا يخطئ النظر ان التدقيق في هذه الاهداف وصل الى مراوحة من جهة والى فشل مريع من جهة اخرى. يشكل هذا الانهيار في تجربة التحديث العربي المفتاح الرئيسي لقراءة ديمومة التخلف العربي وسيادته في مجمل بلدان العالم العربي.
الاشارة الى هذا الانهيار لا تلغي بالمطلق الخطوات التي قطعها العالم العربي على طريق التحديث والتنمية، لكن النقاش يدور حول محدوديتها وعدم توافقها مع الامكانات الموجودة. لا توحي الارقام عن حجم البطالة والفقر والامية وغيرها من المعضلات الاجتماعية، نجاح مشاريع التنمية في البلدان العربية، بل تشكل هذه الارقام صفعة ومؤشرا الى فشل السياسات المطبقة في هذا المجال. واذا كان العالم العربي شهد ولا يزال دخولا في عالم التحديث والتكنولوجيا المرموز اليها بازدهار المراكز الحضرية الحاشدة بالعمارات الشاهقة والانشاءات العملاقة وشبكة الخدمات العامة وتجهيزات المؤسسات العسكرية والمدنية، اضافة الى الانشاءات النفطية والكهربائية وشبكة الاتصالات الهاتفية والانترنت وغيرها، الا ان هذا النمط من التحديث لم يترافق مع انجاز خطوات تتوافق والمفهوم الحديث للتنمية بما يتجاوز المسائل التقنية نحو النظر اليها في وصفها تطاول الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع، اي عوامل النهضة الشاملة.
في هذا المجال لا تزال الاقتصادات العربية عاجزة عن تلبية متطلبات الحد الادنى من المستوى المعيشي الذي تطمح اليه الجماهير العربية. الاسوأ من ذلك ان الموارد العربية الضخمة لا توظَّف في الميدان الضروري لتحسين الاوضاع العربية، بل ان معظمها يذهب إهدارا في ميادين متعددة. في هذا المجال وعلى سبيل المثال لا الحصر، يشار الى ان دولاً عربية وقّعت صفقات سلاح بمليارات الدولارات مع الدول الغربية لاستيراد احدث انواع الاسلحة واكثرها تطورا تكنولوجيا، في ظل معرفة اكيدة بعجز هذه البلدان عن استخدام هذه الاسلحة، سواء في محاربة العدو القومي او في الامن المحلي. وهي اموال كان يمكن ان تقوم بدور مهم في التنمية المحلية لو جرى توظيفها في مشاريع اقتصادية واجتماعية منتجة.
يتصل العامل الثاني بالسياسة التعليمية والمعرفية، ونقطة البدء فيه هو حجم الانفاق على خطط تطوير التعليم بمراحله المتعددة، اضافة الى حجم الاموال المرصودة في ميادين “انتاج المعرفة”. لا بد من الاعتراف بمحدودية خطط الحد من الامية والارتفاع بمستويات التعليم. يدل على ذلك حجم الاميّة المستمرة في كل بلد عربي. هناك اجماع لدى خبراء التنمية حول الدور المعرقل الذي تلعبه الامية في تنفيذ المشاريع التنموية، حيث تؤثر على الانتاجية وتضعف طاقاتها. يضاف الى ذلك ان انتشار الامية يتسبب بالاستعانة بالعمالة الاجنبية في المشاريع الموضوعة. ناهيك بالدور السياسي الذي تؤديه الامية من حيث سيادة “الوثوقية” بالسلطة وخطابها وما يعنيه ذلك من اخضاع اوساط شعبية واسعة الى هذا الخطاب.
تشكل مراكز الابحاث ونشاطها، الاساس في انتاج المعرفة في كل بلد متقدم. اضافة الى القيود المادية ومحدوديتها على هذا القطاع المعرفي، تبدو المشكلة الكبرى ناجمة عن القيود السلطوية المتدخلة في هذا المجال. تركز الابحاث على تقديم معطيات تساعد اصحاب القرار في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وهي تحتاج من اجل ذلك الى حد من الحرية في البحث والتوصل الى النتائج بصورة موضوعية. لا تزال الارقام في العالم العربي محض “وجهة نظر”، بحيث يمكن السلطة ان تشكك في نزاهتها او ترفضها اذا وجدت فيها ما يخالف توجهاتها، تحت حجة ان هذه الارقام تمس الامن القومي والسياسي للبلد. كما ان هذه الابحاث تواجَه كثيرا بردود فعل سلبية من مؤسسات دينية ترى في نتائجها مساً بنفوذها فتتدخل لدى السلطة السياسية لمنع نشر هذه الابحاث. يتسبب هذا التقييد لحرية البحث في انتاج ابحاث شكلية تجنبا من الباحثين لأي مشكلات قد تواجههم، او في هجرة الباحثين احتراما لعلمهم وتجربتهم حيث يلجأون الى البلدان الغربية، او في احسن الاحوال توضع الابحاث على الرفوف وفي الصناديق وتحال على الارشيف حيث تصير طعماً للنسيان.
رغم التطور العلمي وطغيان الميادين التطبيقية للعلوم في كل مكان، لا تزال مناهج التعليم في العالم العربي مشدودة الى غلبة الفروع الانسانية والاداب والحقوق. وهو شأن يأتي على حساب الفروع العلمية والتطبيقية التي يشكل انتشارها واستقطاب الطلاب اليها مؤشرا مهما الى تطور البلدان العربية. لا يتناسب انتشار هذه المعاهد مع الحاجات التي يتطلبها نمو هذه البلدان وتقدمها، كما لا تتناسب الموازنات المالية الموضوعة لهذه الفروع مع مستلزمات فاعليتها. يضاف الى هذه النقطة ان التلقين لا يزال السمة الرئيسية السائدة في التعليم، وهذا يتسبب في قصور معرفي ولا يتوافق مع مناهج البحث وبناء الشخصية المستقلة والمنتجة للطالب وخصوصا في المراحل الثانوية والعليا من دراسته. هكذا تعتمد معظم الجامعات العربية على انتاج “كمّي” لعدد الطلاب المتخرجين، فيما يفترض اعتماد “الكيف” في هذا المجال، اي نوعية الاختصاصات الحديثة.
تبقى نقطة في هذا المجال تتصل بغياب ربط التعليم بحاجات المجتمع وتطلباته وموجبات التنمية فيه. غالبا ما تنعدم الصلة بين الجامعات والمؤسسات الانتاجية في البلد، ولا تؤخذ في الاعتبار حاجات السوق ومتطلباته، وهذا يتسبب كثيرا في تخريج طلاب يبقون عاطلين عن العمل نظرا الى فائضهم عن سوق العمل او لعدم حاجة سوق العمل الى اختصاصاتهم.
تشكل الثقافة السائدة عاملا ثالثا مهما في بقاء العالم العربي في اسر التخلف. تتنوع هذه الثقافة وتتعدد مشاربها ووسائل انتاجها. تكمن ابرز المعضلات في المفاهيم المنتشرة حول المرأة في دورها وموقعها. رغم بعض التقدم في النظرة الى موقعها، لا تزال الثقافة التقليدية والمستندة غالبا الى فتاوى المؤسسات الدينية تضع قيودا على تعليم المرأة وعلى دخولها ميادين الانتاج، وتنظّر لدور منزلي يجب ان يبقى منوطا بها، وكلها تحت حجج اخلاقية واهية. نجم عن هذه النظرة ان حوالى نصف سكان العالم العربي معطلون عن امكان المساهمة في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية، اضافة الى ان 80 في المئة من هذا النصف يعاني سيادة الامية في صفوفه.
تحتل الثقافة التقليدية المستندة الى الغيبيات والاساطير والخرافات حيزا واسعا في الثقافة العربية، وتقف سدا في وجه الفكر المتنور والعقلاني. تستمد هذه الثقافة زخمها من الموروث السائد ومن الثقافة التي تقوم بها المؤسسات الدينية المستندة الى دعم المؤسسات السياسية. لم يتقدم العلم في اوروبا ولم تخرج القارة القديمة من اسر الجهل والتخلف الا عبر اطلاق العنان للتحولات الفكرية والفلسفية التي اعادت الاعتبار الى العقل في معرفة الحقيقة وفي قراءة الواقع، واعطت الاولوية للانسان واحلّت العلوم في معرفة اسرار الطبيعة والكون. لم يكن لهذه النهضة ان تقوم من دون صراع مرير خاضته قوى التقدم والعقلانية مع الاولياء على الفكر الخرافي والغيبي. تعيش الثقافة العربية ارهاصات مشابهة اليوم لما عاشته اوروبا منذ قرون، لكن ميزان القوى لم برجح حتى الان لصالح قوى التقدم على حساب قوى الثقافة التقليدية السائدة، ما يجعل الصراع مفتوحا في المستقبل.
الى جانب الثقافة التقليدية، تسيطر على المنطقة العربية انماط من الثقافة السياسية هي على محك الاختبار العملي، اي الثقافة القومية والاشتراكية والليبيرالية والدينية. رغم تعثر مشاريع هذه الثقافات ونتائجها السلبية على التقدم العربي وعجزها عن تجاوز التخلف، فإن عدم تسليط سيف النقد على هذا الفكر وتبيان حدود نجاحاته واخفاقاته يظل من العوامل غير المساعدة في السيطرة على عوامل التخلف او في تقديم آفاق جديدة للتقدم. يبدو النقد والمراجعة واحدا من الشروط الضرورية لكل تطور نهضوي عربي مستقبلا.
تبقى اخيرا إشارة الى دور وسائل الاعلام في الثقافة العربية، فرغم دخول العالم العربي بشكل واسع في ميدان التكنولوجيا الاعلامية، الا ان حجم هذه الوسائل لا يزال ضعيفا في تقديم ثقافة عقلانية الى الجمهور العربي، بل العكس هو الصحيح حيث ان هذه الوسائل، من خلال المهيمنين عليها والبرامج التي تبثها، تلعب دورا سلبيا الى حد كبير لجهة تأبيد الثقافة التقليدية السائدة بل زيادة وتيرة انتشارها.
يتناول العامل الرابع حول ديمومة التخلف مسألة الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وما اذا كان ساهم في الحد من الاثار السلبية لهذا التخلف. فرض انهيار مشروع التحديث على الانظمة العربية نوعا من المعالجات يمنع تفاقم الاوضاع العامة في كل بلد. ترافق ذلك مع التحديات التي فرضها تطور العولمة ولا سيما على صعيد العلاقات الاقتصادية بين الدول. استندت غالبية برامج الاصلاح الاقتصادي الى اقتراحات المؤسسات الدولية ولا سيما منها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي ركزت على تقليص القطاع العام وتخصيص المؤسسات واطلاق حرية السوق وخفض النفقات الاجتماعية، وكان ذلك باسم الانفتاح الاقتصادي. لكن هذا البرنامج لم يؤد الى انقاذ الاقتصادات العربية، بل نجم عنه مزيد من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، فتفاقمت المديونية بحيث باتت موارد البلاد مخصصة لخدمة الدين العام، وازداد معدل الفقر ونسبة التفاوت بين الاغنياء والفقراء والمعدمين، ووصلت البطالة الى اعلى معدلاتها، وحافظت الامية على مستوياتها المرتفعة. هكذا انتجت هذه البرامج “اصلاحات” فاشلة زاد من وطأتها عجز الدول العربية عن مواجهة التحديات الخارجية وعن حل المعضلات الوطنية والقومية.
لكن الاسوأ تمثّل في ما رافق هذا البرنامج الاصلاحي من تشديد قبضة الاستبداد السياسي وقمع الحريات والرأي والتصدي للمعارضة بعنف، وانتهاك حقوق الانسان ووضع حد للحريات السياسية، وهي اعمال لا يمكن تصنيفها الا في خانة تكريس التخلف الذي هو صنو الاستبداد. يستحيل على العالم العربي ان يمضي في مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحد من البؤس الاجتماعي اذا لم تترافق هذه المشاريع مع تحولات ديموقراطية على جميع المستويات بما يتيح للشعوب العربية مشاركة فعلية في الاصلاحات ومشاريع التنمية.
يمثل العامل المتصل بدور السيطرة الامبريالية على المنطقة دورا مهما واساسيا في تخلف المنطقة وديمومته. تتناول هذه السيطرة الاستعمار القديم الناجم عن احتلال الاراضي والمتجدد راهنا، ومعه المشروع الصهيوني الذي يحتل ارض فلسطين واقساما من اراض عربية اخرى. تركز دور الاستعمار على استنزاف الثروات العربية ونهب اموالها، وتكريسه انظمة سياسية مستندة الى مكوّنات ما قبل الدولة تقوم بوظيفة حماية مصالحه واستمرار هيمنته على المنطقة. كما لعب الاستعمار دورا اساسيا في محاربة المشروع القومي العربي التحديثي وساهم في افشاله. اما المشروع الصهيوني، فقد شكل اهم التحديات في وجه النهوض العربي لكونه مشروعا استعماريا استيطانيا بامتياز يتغذى من ابقاء العالم العربي في التخلف ومنع تكوّن دوله القومية والسعي لابقاء الانظمة القائمة في حال من الاحتراب الاهلي. استنزف الصراع العربي – الاسرائيلي الكثير من الموارد والطاقات العربية واضطرار الانظمة الى تكريس معظم هذه الموارد في بناء الجيوش لمواجهة هذا المشروع، وهو امر لا يزال قائما حتى اليوم.
بعد عقود من المواجهة مع مشروع السيطرة الامبريالية في أشكاله المتفاوتة، يقف العالم العربي امام مشهد العجز عن تحقيق انجازات فعلية في هذا المجال. هذا العجز هو الوجه الاول في تعيين اسباب التخلف الذي ساهمت السيطرة الامبريالية في ادامته. لكن الوجه الاخر ان عجز المواجهة هو نتيجة للواقع العربي في عدم تجاوزه ضعفه وعدم قدرته على استنهاض مقوماته الشعبية والمادية. ينظر العرب الى هزائمهم امام الاستعمار والصهيونية في وصفها ناجمة عن الاختلال العسكري في ميزان القوى مع العدو ولغير صالحهم، فيما ان الهزيمة التي مني بها العرب ولا يزالون يعيشون في قلبها هي هزيمة مشروعهم الحضاري بكل جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، الى جانب العجز العسكري. وعليه، يبدو شرط الخروج من التخلف العربي ضروريا وحاسما ليتمكن العرب من مواجهة التحديات الخارجية واستعادة استقلالاتهم والسيطرة على مواردهم وتوظيفها في خدمة شعوبهم.
في النتائج
يطل المشهد العربي الراهن على صور متشابهة من النزاعات الاهلية تمتد من لبنان الى فلسطين الى العراق واليمن والصومال والسودان، وهي تعبّر عن انهيار مقومات الدولة التي قام عليها مشروع التحديث العربي، وعن فشله بشكل رئيسي. تمثل العودة العربية الى العصبيات القبلية والعشائرية والاثنية والطائفية ارتدادا عن الحد الادنى من الحداثة التي دخلها العالم العربي وإن بشكل مشوه. لا تمثل البلدان التي جرت الاشارة اليها الحالة الوحيدة في انهيار بنى الدولة، فسائر المجتمعات العربية تحتفظ بشكل مظهري وهشّ من وحدتها بسبب القبضة الديكتاتورية التي تحكمها، حيث لا شيء يمنع انفجار هذه البنى اذا ما اتمكنت من إزاحة تسلط القمع عنها. لا يعني ذلك تنظيرا لبقاء التسلط على هذه المجتمعات تحت هاجس الخوف من انفجارها، انما للقول ان الدول المتكونة بعد الاستقلال لم تقم وحدتها واندماجها الاجتماعي على اساس ديموقراطي يعترف بحقوق المجموعات القائمة، بمقدار ما كانت وحدتها واندماجها عملية قسرية هدفت منذ التكوين الى تركيب يحوي الغاما سياسية واجتماعية قابلة للانفجار. من هنا ليس غريبا ان تتجسد مظاهر التخلف في العالم العربي بهذه الحروب الاهلية المنتشرة في اكثر من مكان.
النتائج الاخرى للتخلف العربي والتي لا تقل خطورة تتمثل في دور هذا التخلف في ازدهار الحركات الاصولية المتطرفة. تجمع مجمل الدراسات في هذا الميدان على ان “مثلث الفقر والامية والبطالة” يشكل الخزان البشري الذي تغرف منه هذه الحركات قواها ومقاتليها، والارض التي تنبت فيها ايديولوجيا التطرف وتزدهر. يتقاطع هذا العامل الموضوعي مع ثقافة غيبية تغلّب الخرافة والاساطير وتحارب الفكر العقلاني وتتصدى لكل محاولة اصلاحية في هذا المجال. يضاف الى هذا المثلث ما ينجم عنه من تحولات ديموغرافية تؤدي في كل مكان الى سعي حثيث لترييف المدن وفرض ثقافته عليها، وتكوّن احزمة بؤس حول المدن قابلة لاحتضان شتى صنوف الحركات الارهابية.
لا توحي نتائج طغيان التخلف العربي امكان ازدهار افكار الديموقراطية ونمو قواها. التخلف، كما بات مجمعا على تعريفه، هو صنو الاستبداد، وليس هناك افضل من واقع يكثر فيه العاطلون عن العمل والاميون والفقراء والمحبطون واليائسون بصفته مناخا يقدم لانظمة الاستبداد السياسي ما ترغب به من ابقاء تسلطها على مجمل الشعب، سواء عبر ايديولوجيا الخلاص التي يقدمها في وجه الفوضى المحتملة، او من خلال الحلف المقدس الذي تقيمه مع المؤسسات الدينية الراغبة في الوقوف امام التيارات الاصلاحية، او باستخدام هذه القوى اليائسة في وجه حركات المطالبة بالتغيير. لقد شكل هذا المثلث على الدوام وفي اكثر من مكان في العالم مادة دسمة لصعود الديكتاتوريات والفاشيات والتعصب القومي.
استحضار واقع التخلف في العالم العربي ونتائجه المدمرة، يعيد الاعتبار الى ضرورة قيام الدولة في كل بلد عربي وتحديث مؤسساته السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية، بما يمكن من تحقيق اندماج اجتماعي بين مكونات المجتمع. سيظل الافق الديموقراطي سبيلا رئيسيا لا بديل منه لولوج العالم العربي الى رحاب الحداثة وارساء تطور اقتصادي وقيام ثورة فكرية اساسها تغليب العقلانية على الغيبيات والاساطير ¶
النهار
اللجنــة الســورية لحقــوق الإنســان
Syrian Human Rights Committee (SHRC)
SHRC, BCM Box: 2789, London WC1N 3XX, UK
Fax: +44 (0)870 137 7678 – Email: shrc@shrc.org
انتهاكات لحقوق المواطنين والطلاب السوريين المقيمين في السودان
استلمت اللجنة السورية لحقوق الإنسان مؤخراً شكاوى عديدة ً من مصادر موثقة حول سلوك السفير السوري في السودان، فقد اشتكى العديد من المواطنين والطلاب السوريين المقيمين في السودان بأن السفير السوري تركي محمد صقر يتذرع بذرائع شتى لعرقلة تقديم الخدمات للمواطنين السوريين، وقالت الشكاوى الواردة أنه لدى خروج المراجع مستاءاً من السفارة يلقاه أحد الموظفين على الباب ويسأله ما به، وعندما يحدثه المراجع عن قصته عندئذ يعرض عليه الموظف خدماته مقابل دفع مبلغ من المال، فتجديد جواز السفر مثلاً يكلف أربعمائة دولاراً وتصديق وثيقة تكلف خمسين دولاراً، وقال بعض المشتكين أنه عرض عليهم توفير المبلغ المالي لقاء كتابة تقرير عن أفراد الجالية السورية في السودان والوعد بالتعاون المستقبلي في تقديم معلومات للسفير عن المواطنين السوريين في السودان وقضايا أخرى. وقالت الشكاوى التي تلقتها اللجنة السورية لحقوق الإنسان أن أفراد الجالية السورية في السودان مستاؤون عموماً من السفير بالإضافة إلى أن عدداً لا بأس به من موظفي السفارة السورية ينظرون إلى سلوك السفير تركي محمد صقر باعتباره سلوكاً فاسداً ومؤذياً للجالية السورية في السودان.
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان تدين الفساد الحاصل في السفارة السورية في السودان وتقصير السفير عن القيام بواجبه في تقديم الخدمات لأبناء الجالية السورية هناك واستخدام منصبه للإثراء غير المشروع على حساب المواطنين السوريين، وتطالب بتوقيف السفير تركي محمد صقر فوراً عن عمله وإحالته إلى القضاء للتحقيق معه، وطرده من عمله إن ثبت عليه ارتكاب مخالفات وتغريمه وإعادة كافة المبالغ التي أخذت من المراجعين بصورة غير قانونية لأصحابها.
وتطالب اللجنة السورية لحقوق الإنسان وزارة الخارجية السورية بتعيين وزراء أكفاء يتمتعون بالصدقية والنزاهة في تعاملهم مع المواطنين السوريين في البلدان التي يخدمون فيها بمهنية وتعاون، بعيداً عن كل أنواع الولاءات الحزبية والشخصية والعائلية.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
5/2/2008