رأي النداء: الطاغية يذبح شعبه، فمن يفهم الدرس ؟
الشعب يريد إسقاط النظام، الشعب يريد تغيير النظام، كان الشعار المركزي لملايين المصريين ، الذين تابعوا حمل شعلة الثورة الشعبية المنطلقة في تونس، وحققوا بذلك أوسع تصويت عرفه التاريخ الإنساني حتى اليوم. وهو التصويت الذي استمر ليلا ونهارا طوال أيامه الثمانية عشر ، وفي أكبر صندوق اقتراع عبّرت عنه شوارع المدن المصرية وساحاتها، وكان ممثله الأبرز ميدان التحرير.
قدمت الثورتان التونسية والمصرية أمثلة ميدانية عن ولادة مشروع نهضوي جدي نحو الديمقراطية، منحتنا تكنولوجيا العولمة فرصة غيرمسبوقة لمشهديته المباشرة. وبواسطتها تماهى الكثير منا مع أحداثه، ورأوا أحلامهم تتحقق معبرة عن أرفع قيم الحداثة والمدنية. من مشاركة الجنسين وفئات مختلفة من جميع الأجيال تتقدمهم أغلبية شبابية، إلى اندراج جميع الاتجاهات السياسية بدون أي إقصاء ولا تمييز. و كمثل المبادرة لتنظيم اللجان الشعبية من أجل حماية السكان والمنازل والممتلكات العامة وعلى رأسها المتحف المصري، بادر المتطوعون إلى تنظيم شؤون الطعام وإقامة المستشفيات الميدانية فضلا عن تنظيم شؤون النظافة ، أما التعبير عن ولادة المجتمع الجديد فتمثل أكثر ما يكون في المشهد الرمزي للاحتفال بعقد قران زوجين شابين تعرفا على بعضهما في ذات الميدان.
تقدم الشباب الثورتين، واحتضنهما الشعب، كما حماهما الجيش الوطني، فأطاحتا برأس النظام، وما زالتا تتابعان طريقهما نحو تغيير النظام، والذي يبدو أنه لن يكون مستقيما ولا سهلا، لكن من الواضح أنه لن يعرف التراجع عن بناء الديمقراطية.
وما زالت شعلة الثورة تنتقل من يد إلى يد في مختلف أرجاء الوطن العربي، فمن المغرب إلى الجزائر، ومن اليمن إلى البحرين، إلى العراق وغيرها، وهي جميعا حاملة لتاريخ تراكمي من الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية. ولم تكن سوريا بعيدة بدورها عن ذلك، فقد أثارت دعوات انترنيتية محدودة للتظاهر في أوائل شباط، ذعر كبارمسؤولي السلطة والأجهزة الأمنية، كما سارع وزير داخليتها لتلبية مطالب تجمع احتجاجي عابرفي سوق الحريقة بدمشق مؤخرا. في حين قام رجال الأمن السري وقوات حفظ النظام بتفريق عدة اعتصامات رمزية تضامنية مع ثورتي مصر وليبيا، كما اعتقلوا العديد من أفرادها لأوقات مختلفة، في رسالة تقول: من غير المسموح التعبير عن الرأي وبخاصة الخروج الحرإلى الشارع. وبذلك أثبت النظام السوري أنه فاهم للدرس ، بل لعله سبق جميع الأنظمة العربية إلى ذلك، منذ قمعه ربيع دمشق على الأقل!.
أما النظام الليبي، فقد برهن بدوره أنه التلميذ الوفي لذلك الدرس ، حين سارع منذ اللحظات الأولى، لبدء تحرك المحتجين لإحياء ذكرى شهداء 17 فبراير في بنغازي، إلى مواجهتهم بمختلف أنواع الأسلحة وحتى الاستعانة بالميليشيات والمرتزقة ضدهم ، وصولا إلى القصف بالطائرات، مرفقا ذلك بخطابات عصبية واحتقارية قدمها كل من ولي العهد والمريض الأوحد . بذلك صبغت الانتفاضة الليبية بالدم والعنف، ويريد لها نظام الطغيان الخروج عن سياق الثورة الشعبية السلمية، في محاولة يائسة منه لتحويلها إلى حرب أهلية مدمرة!.
لكن الطغاة ينسون أن الشعوب تتعلم الدرس أيضا، وبينما يحاولون سوق شعوبهم بأوهام الاستقرار وفزاعات الفتنة والتفتيت، هاهي الشعوب تنهض ولادة ومزدهرة وموحدة، وتنتمي إلى أحدث مافي العصر، فليست مصر وتونس إلا البداية.
هيئة التحرير 25/2/2011