ليبيا تنثر دمها في وجه العالم
ميشال شماس
“الضمير العالمي” ما زال يغطُّ في سُبات عميق تجاه ما يجري في ليبيا.. ودماء الأطفال والنساء والشيوخ والشباب ما زالت تسيل بغزارة في شوارع وساحات المدن والبلدات والقرى الليبية، خمسة أيام من القتل وسفك الدماء يبدو أنها حتى الآن ما زالت غير كافية حتى يستيقظ “الضمير العالمي” من سباته، هذا الضمير الذي سبق له أن استيقظ تجاه المجازر التي ارتكبها نظام سلوبودان ميلوزفتيش في يوغسلافيا السابقة، وتحرك بالقوة العسكرية وأرغمه على وقف تلك المجازر، ثم أمر باعتقاله ومحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة قبل أن يلقى حتفه في السجن، هذه هي الازدواجية الغربية والأميركية بعينها، فعندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان في البلدان العربية، فإن الأمر لا يستحق أكثر من بيان يندد يطالب.. يستنكر .. وينتهي الأمر عند هذا الحد.. ما دامت مصالح الدول الغربية وأميركا تحديداً غير مهددة، وإذا ما شعرت تلك الدول بأن مصالحها مهددة فإنها تقيم الدنيا ولا تقعدها..
ألا يكفي قتل المئات وجرح الآلاف من الشعب الليبي المنتفض بوجه الطغيان حتى يتحرك هذا “الضمير العالمي”.؟ ألا يستحق هذا الشعب المكافح أن ينعم بالحقوق التي نصت عليها العهود والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.. أن ينعم بالكرامة والحرية والعيش الكريم.. تلك الحقوق التي يتشدق الغرب وأميركا بدفاعه عنها وسعيه لتحقيقها في بلداننا العربية كما يدعي.!؟
لستُ أطلب هنا من الدول الغربية وأميركا التدخل الفوري بواسطة القوة المسلحة لوقف تلك المذبحة التي يتعرض لها الشعب الليبي الذي انتفض بوجه ظلامه، فلا أحبذ تلك الطريقة إطلاقاً، بل إن ما نطلبه وما يريده الشعب الليبي الآن.. الآن وليس غداً.. هو أن ترفع تلك الدول يدها وتقول بصراحة أن النظام الليبي فقد شرعيته بسبب ارتكابه جرائم إبادة جماعية ضد شعبه، وإرسال مساعدات طبية عاجلة، ودعوة مجلس الأمن للانعقاد بصورة طارئة وفورية واستصدار قرار بوقف العمليات العسكرية فوراً، وفرض حظر جوي على حركة الطيران الحربي فوق الأراضي الليبية. والطلب من المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة قبض دولية بحق نظام القذافي وأعوانه.. واتخاذ قرار بالتحفظ على أموال القذافي وأفراد أسرته وأعوانه أينما وجدت تمهيداً لإعادتها إلى الشعب الليبي الذي يستحقها وحده دون غيره.. فعلى ما أعتقد هذا ما يريده الشعب الليبي، وهو قادر لوحده وبقدراته الذاتية على هزم هذا النظام الجاثم على صدره منذ أكثر من أربعين عاماً..
لقد أثبتت انتفاضة الشعب الليبي ما سبق أن أكدت عليه ثورة الشعب في مصر ومن قبلها ثورة الشعب التونسي وبما لا يدع مجالاً للشك استمرار النفاق الغربي والأميركي تحديداً تجاه حقوق الإنسان في البلدان العربية.. ولا يهمه في شيء سواء سفكت دماء الشعوب العربية، أم انتهكت أو غيبت حقوقها، وسواء غصت السجون العربية بمعتقلي الرأي والضمير، وسواء ارتفعت الأسعار وزاد معدل الفقر، أو انتشر الفساد في هذا البلد العربي أو ذاك، مادامت مصالحه ومشاريعه مؤمنة كما يريد ويشتهي..
إن ما جرى في تونس ومصر وليبيا وما يزال يجري في غير بلد عربي زاد من قناعاتنا بأن التغيير لا يتم من الخارج ولا حتى بالاعتماد عليه، بل يتم فقط بالاعتماد على شعوبنا وقواها الذاتية وهي قادرة على تحقيق التغيير السلمي إن هي أرادت فعلاً هذا التغيير وتحقيق مطالبها في الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبناء دولة المؤسسات والقانون على قاعدة مبدأ المواطنة بصرف النظر عن الانتماء السياسي والديني والعرق والجنس واللون. فلا أميركا ولا غيرها تنفعنا في هذا الأمر ” وماحك جلدك غير ظفرك”..
دمشق
المستقبل