عن حديث بشار الأسد للوول ستريت جورنال
مازن كم الماز
أعترف أنني في المرة الأولى قرأت مقابلة بشار الأسد مع جريدة وول ستريت بسرعة و دون تركيز , لكني عدت لها ثانية فقط بعدما قرأت تعليق معن عاقل عليها .. إنها مناسبة جيدة أيضا بلا شك لقراءة كيف يقرأ بشار نفسه ثورات تونس و مصر و ليبيا , و ما قد يبدأ في سوريا نفسها في أي وقت اليوم , الحقيقة أن بشار لم يكن نمطيا كما كان في السابق , إن ما يجري لا يسمح لأحد بهذا , حتى عندما كان نظامي مبارك و بن علي يترنحان اختلفت لغتيهما عن اللغة الخشبية لإعلامهما , اخترعا و مارسا لغة مختلفة , متزلفة , منافقة و مخادعة , و اختفت اللغة القمعية السابقة لأنها هزمت , هزمتها الجماهير المنتفضة في الشارع , و هذه الهزيمة تتردد أيضا في لغة بشار نفسها , تحدث بشار عن الممانعة لكن بشكل غير مباشر و دون الحماسة السابقة و اضطر إلى جانبها أن يتحدث أيضا عن اليأس و الغضب و التغيير و الإصلاح … لكن بشار يمر بسرعة فقط على المشكلة , يناور , لا يتحدث عنها إلا عابرا أو لا ينظر إليها إلا ليغمض عينيه سريعا , عندما تحدث عن المرض و الجراثيم فإنه يتجاهل أن ما يجري اليوم من ثورات ليس تعبيرا عن المرض الذي أصاب مجتمعاتنا , قد تكون نتيجة له , لكنها في الحقيقة محاولة للشفاء منه , أنها رد الجماهير على ما تعرضت له من استغلال و استبداد و نهب و قمع , و أن المرض , الميكروبات و الركود تمثله الأنظمة و ليست المجتمعات التي همشت و قمعت و نهبت دون رأفة طويلا … لم يتحدث بشار في صلب الموضوع بل قليلا جدا ما تعرض للموضوع نفسه , يتحدث أحيانا عن الشباب الذين لا يجدون عملا أو يستخدم كلمات مثل الإصلاح أو التغيير فقط ليبدو و كأنه يتحدث في صلب الموضوع , أهم ما قاله في نهاية المطاف أن شيئا لن يتغير , أن الإصلاح , عملية انفتاح العقول , ستحتاج إلى جيل كامل , و لن تبدأ قبل الجيل التالي … أعود إلى ما قاله معن , لعدة أشياء منها أن الصدق واضح فيها , و لأن معن نفسه يستمر بإغاظة مؤسسات الفساد القائمة بصدقه هذا بشجاعة … أنا أزعم أن معن يقرأ أمنياته هو , أحلامه هو , في حديث بشار , و ليس العكس , إنه يتمنى , و لو أني أزعم أن رد بشار على كل أمنياته و أمنياتنا موجود بالفعل في حديثه للوول ستريت جورنال , و بوضوح لا يحتاج إلى تأويل … كلمة واحدة أريد أن أقولها , لنفسي و لمعن و لكل سوري , أعترف أنني كنت اشعر بغيرة لا حد لها و أنا أرى الشباب الرائع يمارس حريته بنشوة في ميدان التحرير , و أنني أشعر بها بدرجة أكبر اليوم و تلك العقول الغضة , الرائعة , تناقش أدق تفاصيل مصر الجديدة , كإنسان على وشك أن يخترع أو يبدع أهم إبداعات حياته … أنا أعتقد أنني و أن معن و أن كل سوري يستحق هذا , و أنا أتفهم طبعا كل المخاوف من الفيضان القادم , لكني فقط أريد أن أذكر أن ما جرى في مصر و تونس أثبت أن الأحرار أكثر جمالا و ذكاءا و أكثر قدرة على الإحساس بالحب من العبيد , لقد بين لنا ميدان التحرير أن الحرية هي التي تؤدي بشكل سحري و مفاجئ إلى عقول منفتحة , مستعدة للحوار , أبعد عن الكراهية , و أن عشق الحرية و ممارستها قد جعل من الشباب و من كل المصريين الثائرين في سبيل حريتهم فجأة أكثر نقاءا , أكثر طهرا , و أجمل … العبيد هم من يمارس كراهية الآخر , و كراهية الآخر بدورها تكرس الخوف من الحرية , إنها حلقة مفرغة , غبية , تبقينا ندور إلى ما نهاية مشدودين إلى نيرنا و قيودنا , خائفين من حقيقة أن نصبح يوما أحرارا … أنا أعتقد أن الناس عندما سيعيدون التعرف إلى بعضهم البعض كبشر أحرار , و قبل ذلك في النضال من أجل حريتهم , فإنهم سيكتشفون أن كل التجييش و الاحتقان الطائفي المزعوم ليس إلا نتاج لوضعيتهم كعبيد , سيبقى منظرو كراهية الآخر دائما لكن العبيد فقط هم من يمارس تلك الكراهية , أنا أعتقد أن السوريين الأحرار سيكونون أكثر ذكاءا و طهرا و نقاءا فقط بفعل الحرية , و أن العبودية هي المستنقع الذي تنمو فيه كل تلك الجراثيم و الميكروبات … إنني لا أعتقد أن الشباب اليوم يعيشون ذات هواجسنا , إنهم ينتمون إلى الحاضر و المستقبل و ليس الماضي , و أنا أعتقد أننا يجب أن نثق بهم , بقدرتهم ليس فقط على تحريرنا من الاستبداد بل و على أن يحررونا من التفاهة و الابتذال و الكراهية و انغلاق عقولنا , الحرية وحدها ستغلق الباب على كوابيس الماضي , ليس فقط العقود الأخيرة بل حتى تاريخنا بأسره , الحرية ستكون عملية ولادتنا الجديدة , ولا أمل آخر لنا في هذا المستنقع الراكد و الموبوء , الذي يأكل إنسانيتنا , يلوث أرواحنا بقدر ما ينهك أجسادنا و يدمرها في نضال كئيب روتيني بحثا عن لقمة العيش , و نضال يحوله النظام إلى عملية خلق ثروة من ينهبنا اليوم و يقمع أحلامنا في أن نكون أحرارا …..