عودة الشرق الأوسط إلى الزمن
بيتر هارلنغ
ماذا على الغرب أن يفعله اليوم من أجل فلسطين والعراق؟
تحالف الغرب مع الأنظمة التسلّطية في العالم العربي ليحمي نفسه من مجتمعاتها. إلاّ أنّ انكفاءه مؤّخراً قد خلق فراغاً. إذ بيّنت الولايات المتحدة أنّها عاجزة عن الإجابة عن سؤالين مفصليين: موقع إسرائيل ومن ثمّ إيران في المنطقة. أنظمة المنطقة أخذت المبادرة من أجل نفسها، ولكنّها لم تفعل ولو القليل من أجل شعوبها. وكانت المفاجأة في أن يبادر الشعبان التونسي والمصري للانتفاضة حول إعادة التوزيع الاقتصادية والمشاركة السياسية، بعيداً عن الاهتمامات الاستراتيجية الراكدة. فاحتشدت الشعوب العربية في الساحات أو حول التلفاز حول مواضيع لها وقع أقوى بكثير من العداء لإسرائيل والولايات المتحدة أو النزعة الإسلامية. فما دور الغرب اليوم؟
تضع انتفاضة “الشارع العربيّ” (وهو مفهومٌ ظلّ حتّى الآن مطواعاً بقدر ما هو مجرّد) المفاجئة الغرب أمام تناقضاته: فإذا كانت المقاضاة الشعبية للسلطات الاستبدادية والفاسدة تنضح بقيم الديموقراطية التي تتباهى بها واشنطن وباريس وغيرهما، فإنّها لا تتناغم كما يجب مع المظاهر العمليّة لسياسة غربية لم يسبق أن أعارت اهتماماً للرأي العام المحلّي. فكيف يمكننا مقاربة اندفاعة شعبية عندما نتمتّع بكلّ شيء سوى أدنى شعبيّة في المنطقة؟
فمنذ زمنٍ بعيد والشرق الأوسط مسرحٌ لسياسات دبلوماسية تقليديّة إلى أقصى حدّ، هدفت قبل كلّ شيء إلى الحفاظ على طرق الوصول إلى مصادر الطاقة، وعلى أمن إسرائيل وعلى الوقوف في وجه الإسلاميين، عبر إقامة التحالفات ونشر القوات وفرض العقوبات، وعبر الإحياء المتكرّر من وقتٍ إلى آخر لجهودٍ هي في الإجمال متذبذبة لاستكمال “عمليّة سلام” تستعمل وسيلة لضبط إيقاع آلةٍ تبدو ظاهرياً شغّالة. ولطالما وجدت الأنظمة، هي نفسها، في هذا السياق ما تعزّز به مواقعها، سواء عبر الاصطفاف وراء الولايات المتحدة أم بمعارضتها، وفي كلا الوضعين يؤمّن واحدهما للآخر “مكاسب استراتيجيّة” تسمح للسلطات بأن تضرب صفحاً عن أيّ فكرةٍ للحكم الصالح.
إلاّ أنّ الدعوات الغربية إلى الإصلاحات وإلى احترام حقوق الانسان، المفترض أن تحسّن صورة مطلقيها، قد أخلت الساحة أمام انشغالات أكثر براغماتية. ومن هنا كان قيام أجندات سلبية بالكامل – حماية المصالح في مواجهة أيّ اعتداءات ممكنة – تقتصر على الحفاظ على الوضع القائم، بالرغم من الثمن الكبير الواجب دفعه في مجالات تأخّر التنمية والإذلالات المعيوشة والنزاعات الدامية. جدليّاً أدّت هذه الديناميّة، التي حفزّت مختلف أشكال الحركات الإسلامية، إلى تعزيز ذرائع المحافظين من مختلف الاتجاهات. وهكذا نجد أنّ الغرب، الذي عاش هوس عدائية شعبية هو إلى حدٍّ كبير المسؤول الأوّل عنها، قد تحالف مع الأنظمة في قضاياها ليحمي نفسه بشكلٍ أفضل من المجتمعات.
تراجع النفوذ الغربي قد ولّد فراغاً كبيراً، فمن سيملؤه؟
هكذا انتظمت المنطقة حول مجموعة من الاعتبارات “الاستراتيجية”. لكنّ تراجع النفوذ الغربي في السنوات الأخيرة قد ولّد فراغاً كبيراً لم يُعرف ما الذي يمكن أن يملؤه. ففي ظلّ إدارة أوباما بدت الولايات المتحدة غائبة أو عاجزة في ما يخصّ كلّ ملفات الساعة الكبرى. وبيّنت أنّها عاجزة حتّى عن الإشارة إلى إجابات حول السؤالين المفصليين المطروحين حول موقع إسرائيل في المنطقة (بمعزل عن إنغلاقها كقلعة محصّنة) وعن موقع إيران (بمعزل عن نبذها كشيطانٍ رجيم). وهي في العراق تواصل العمل بمنطق الانسحاب على مبدأ “من بعدي الطوفان”، بالرغم من المسؤولية المعنوية والمصالح العملية التي يطرحها المستقبل غير الموثوق لهذا البلد المحوري. وأخيراً هناك سباق التسلّح المستمرّ على الساحة الإسرائيلية-اللبنانية-السورية الضاغط على المنطقة بشبح حربٍ مدمّرة، والذي قلّص دور واشنطن إلى مجرّد إحصاءٍ للصواريخ، كونها عاجزة في آنٍ معاً عن ممارسة الضغوط وعن لعب دور الوسيط.
وبمقدار ما كانت السياسات الغربيّة تخسر من قوّتها كمبدأٍ ناظم في المنطقة، فإنّ هذه المنطقة قد اضطرّت إلى القيام بالمزيد لنفسها ومن أجل مصلحتها. وعليه أمكننا أن نشهد مختلف أنواع المبادرات الدبلوماسية التي تركت الولايات المتحدة على الهامش، مثل الوساطة التركية بين إسرائيل وسوريا في العام 2008، وحلّ المشاكل العراقية في إربيل في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، والجهود السورية-السعودية المشتركة في لبنان في العامين 2010 و2011. وفي كلّ من هذه النماذج الثلاثة، لم تلعب الولايات المتحدة أي دورٍ تقريباً. أمّا على الصعيد الاقتصادي فقد كشف العديد من مشاريع التكامل الاقليمي على صعيد البنى التحتية أيضاً عن رغبةٍ جديدة في تقليص دور السياسة لصالح الحدّ الأدنى من التعاون بين الدول.
إلاّ أنّه في حين شرعت الأنظمة في القيام بالمزيد من أجل مصلحتها هي نفسها، فإنّها بدت بكلّ بساطة غير عازمة على تقديم ولو القليل من أجل لشعوبها. ففي كلّ مكان، كان هناك كلام “إصلاحيّ” غامض، لم يغطّ شيئاً من حقيقة المظالم الاقتصادية المتنامية والممارسات السياسية القمعية (توريث الأبناء، تزوير الانتخابات، استفتاءات إجماعية، إلخ). وفي الإجمال، بدا أنّه لا الغرب ولا الأنظمة يمكنها أن تقود الوجهة المستقبليّة ولو بالحدّ الأدنى.
إنّه لأمر لافت وطبيعيّ ومفاجئ أن يبادر الشعبان التونسي والجزائري بنفسيهما إلى الخروج من حالة الخمول السلبيّة شبه الأسطوريّة التي صوّرا بها، لكي يتولّيا إدارة مستقبلهما ويستعيدا نبضهما عبر تحديد الأجندة الخاصّة بهما حول إعادة التوزيع الاقتصادية والمشاركة السياسية، بعيداً عن الاهتمامات الاستراتيجية الراكدة. وسخرية القدر أنّ السياسة الغربية المتخبّطة والغامضة هي ربّما ما سهّل قيام هذه الانعطافة الكبيرة عبر الكفّ عن إثارة الرأي العام ضدّها وعبر الإيحاء عن حالةٍ من التعب لا سابق لها في ما يخصّ مواضيع مثل عمليّة السلام وبالتالي القضية الفلسطينية، وعبر الإيحاء بإمكانية التخلّي عن الأنظمة القائمة (فبحسب أحدى الشائعات القويّة، أرادت الولايات المتحدة إسقاط بن علي ونظّمت لهذه العملية).
مواضيع “الثورة” أعمق وأقوى بكثير من السخط القائم ضدّ إسرائيل أو الولايات المتّحدة أو إغراء النزعة الدينية.
ومن المظاهر الأكثر تحفيزاً في التغيّرات الجارية أنّ أيّاً من المفاهيم التي ينظر عبرها إلى المنطقة (الحركات الإسلامية، الإرهاب، الطائفيّة، العداء للساميّة أو على العكس “الاعتدال”) لم يعد له صلة بالوضع الحالي. والحال أنّ الموضوعات التي تجيّش أو تجتذب اليوم المتظاهرين أو جمهور التلفاز العربي وتتميّز بطبيعة الحال بتجاوبٍ عميق وواسع، هي أقوى بكثير من السخط القائم ضدّ إسرائيل أو الولايات المتّحدة أو إغراء النزعة الدينية.
إذ أنّ اللافت في هذه المنطقة أنّها بالرغم من تنوّع الأوضاع الخاصّة في دولها فهي تشهد تجانساً ملحوظاً (بالمقارنة مع أوروبا مثلاً)، ما يفسّر جزئيّاً على الأرجح مفعول العدوى. فالمجتمعات العربية تتشاطر الأسس نفسها للمرجعيّات الثقافية والتاريخية، وحالة التخلّف في التنمية ذاتها، والاستياء نفسه من أنظمةٍ لم تعد قادرة، كلّ على طريقته، على تلبية حاجاتها الماديّة والمعنوية، والحالة نفسها من الاندماج في الدائرة الإعلامية المعولمة.
وهذه النقطة الأخيرة هي على درجة من الأهمّية، ففي حين لم تعرف الأنظمة كيف تكيّف خطاباتها، المضنية بما فيها من رياءٍ ورقابة، فإنّ المجتمعات قد أصبحت حرّة في أن تظهر للآخرين ولنفسها، عبر محطات الأخبار على مدار الساعة والمسلسلات المتلفزة ذات الطابع الاجتماعي والمواقع التشاركية. هكذا حقّقت فيما بينها ألفة مثيرة للإعجاب في السنوات الأخيرة (بما يتناقض مع حالة التجاهل المتبادل التي تميّز بها الأوروبيّون، بالرغم من المحاولات الأكثر تنظيماً لإقامة بناءٍ ذي مصير مشترك). وقد هيّأ هذا التطوّر الأرضية لتحرّك وحشدٍ عاشته المجتمعات العربيّة ليس كخصوصيّة تونسية، وإنما كتعبيرٍ محلّي عن حالة استياءٍ جماعيّة. وبقوّة الصورة توجّهت الأضواء بشكلٍ فوريّ إلى الإشكالية النموذجية وانتشرت بشكلٍ واسع، حتّى في غياب خطابٍ معدٍّ جيّداً.
وما له دلالاته بحدّ ذاته، هو أنّ الأنظمة كلّها ظنّت أنّه يمكنها الاستمرار في تجاهل هذا الاستياء. وفي الواقع أنّها استكانت لحالةٍ من الاطمئنان وفّرها لها هذا الخليط من الريوع الاستراتيجية وتأطير الاستياء في بوتقة النزعات الإسلامية والخمول الشعبي. استفادت هذه الأنظمة كثيراً من مجتمعات توسّع عدم تسيّسها وانطفأت رغبتها في التحرّك، حتّى أصبحت كذلك هي أيضاً، متخليّةً عن أيّ رؤية منهجيّة لصالح منطق الإثراء المافياوي. ففي كلّ مكان في المنطقة قامت الأنظمة بنهب مؤسّساتها الموارد الوطنيّة، معطّلة قدرتها على الاستجابة على ما قد يطرح من مطالب إعادة توزيع الثروة.
وفي الحقيقة، وحدها بعض الزمر الصغيرة هي التي في الغالب قد راكمت الثروات الهائلة، تاركة القسم الأكبر من موظفيها داخل جهاز الدولة مع موارد ضئيلة جدّاً. وهذا ما يفسّر كون الغضب الشعبي، في تونس كما في الجزائر، قد تركّز على بعض الأفراد، وأنّ عدداً من خدمة النظام قد وجدوا أنفسهم متعاطفين مع الشعب أكثر منه مع النخبة الحاكمة. فهذه النخبة، في تونس على الأخصّ، قد انفصلت بحكم حبّها الكسب ليس فقط عن قاعدتها الاجتماعية بل أيضاً عن قاعدتها السياسية.
في هذه الظروف، لم يكن من شأن التعبئة المفاجئة لبعض أطراف المجتمع حول مطالبٍ غامضة لكن مشروعة غريزيّاً، ومن دون ممثّلين معروفين يمكن مهاجمتهم أو التفاوض معهم، إلاّ أن تترك من دون إجابة مناسبة بعض بنى السلطة المجوّفة جزئيّاً. فبعد سنواتٍ طويلة من الكراهية التي تركت تتنامى على جهلٍ من القادة لتعجرفهم الجليّ، أيّ إجراء إصلاحي يمكن له أن يوحي بالمصداقيّة؟ وهكذا نجد أن بن عليّ قد توصّل إلى تقديم تنازلات، لكنّها جاءت متأخّرة بقدر ما أتت تافهة، إذ أصبحت حتّى كلمة “إصلاح” هي نفسها مستنفذة. كما أن مبارك بذل جهده لكي يشدّ لحمة الشعب على أساس الخوف من الفوضى. ولم يقدّم القذّافي إلى شعبه سوى الخيار بين الاستسلام أو الموت بين يديه. في حين اكتفى آخرون بالشروع بأبسط الإصلاحات التي كانوا يعدون بها منذ زمنٍ طويل. هكذا ما من شيءٍ يسمح باستباق أشكال التعبئة التي ستمتدّ إلى أمكنة أخرى، لكن في المقابل ما هو أكيد تقريباً هو أن الأنظمة قد تتهاوى بسهولة في كلّ مكان لن تقع فيه الاحتجاجات في فخّ المطالب الفئويّة والطائفيّة.
كان من شأن سقوط صدّام حسين في العام 2003 أن يشكّل مؤشّراً نذيراً على ضعف هذه الأنظمة، لو لم تأتِ مسألة الاجتياح الأميركي لكي تغطّي على الهشاشة الكامنة في النظام الأكثر فظاظةً الذي عرفته المنطقة، وإلى حدٍّ بعيد. فقد وقف في وجه الاجتياح فقط الجيش النظامي وبعض الفدائيين المتعصّبين، وبتفانٍ يلامس العبثيّة. ومع ذلك انهار جهاز السلطة من الداخل: إذ إن الدوائر الأولى، التي أفسدتها الوصولية، لم تنذر أبداً الطاغية بالمخاطر الفعلية التي يواجهها، ولم تشارك في القتال (وضمنها وحدات النخبة من الحرس الجمهوري) واختفت بمجرّد أن دقّت الساعة. ففي العراق، وبحكم جوّ الإرهاب الذي نشره الجهاز الأمني وتوجيه الشكوى الاجتماعية نحو تأثير الحصار المفروض من الأمم المتحدة، كانت هناك حاجة ملحّة إلى عمليّة عسكرية كبيرة لبلوغ نقطة القطيعة هذه. لكن هذا لا ينفي أنّ النظام قد سقط… حتّى قبل أن يطيح به تسونامي الدبابات الأميركية.
كما تطرح بغداد دروساً أخرى يجب التأمّل فيها. فها أنّه قد مضت ثماني سنوات على انقلاب تماثيل الطاغية، ولم تنجز بعد عملية انتقال السلطة حتّى الآن. كانت الآمال الأولى قد ولّدت شيئاً من الإثارة في المنطقة، قبل أن تلعب أعمال العنف الرهيبة دور النابذ ضدّ أيّ مجازفة مغامرة، ثم قبل أن تستقرّ خيبة الأمل في حالةٍ من الهدوء النسبيّ المشوب بمخالفات النظام السابق (الفساد المستشري والتعذيب والخطف). إذ أنّ هناك أمراً تناسته مشاريع “المحافظين الجدد” لإعادة تركيب المنطقة حول “النموذج العراقي”: إنّ عمليات انتقال السلطة لها أيقاعٌ زمنيّ معين وعقلانية معيّنة لا تتلاءم مع العمل السياسيّ الفوري والمختزل.
هكذا نحن نشهد بالتأكيد منعطفاً تاريخياً في تونس ومصر والآن ليبيا. نحو ماذا؟ الله أعلم! بالنسبة إلى الغرب، تكمن العقبة في محاولة التفاعل مع الحدث عبر القيام بمحاولة ولو متأخّرة للتوفيق بين القيم والمصالح التي يدافع عنها. ومن تحصيل الحاصل أنّ التطلّعات الشعبية في العالم العربي لن تدفع فجأة إلى تغيير سياسات غربيّة سوف تبقى خاضعة لمنطق السعي وراء النفط ودعم إسرائيل ومكافحة الحركات الإسلامية. والخطابات الطنّانة التي تدبّج المدائح للشعبين التونسي والمصري قصيرة النظر: فإذا ما اختار الشعبان التونسي والجزائري الشجاعان مواقف وطنية معاكسة للتطلّعات الغربية، ماذا ستكون ردّة فعل واشنطن وباريس؟ ويمكن أن نتخيّل منذ الآن أنّ هاتين العاصمتين ستحبّذان بعض الفعاليّات التي ستراها أكثر ملاءمةً من غيرها داخل الشعبين الشجاعين المعنيّين، بطريقة تعيد الانقسامات العادية بين الإسلاميين والعلمانيين، وبين المعتدلين والمناضلين. وهنا سيبدو المنزلق قويّاً نحو إعادة إرساء الوضع القائم بطريقةٍ أو بأخرى.
هذا الخطر هو حقيقيّ في مصر حيث الجيش، وهو من المؤسّسات الأمنية القليلة التي حافظت على تماسكها وشعبيّتها، يبقى في وضعيةٍ ملائمة ليدير عملية التحوّل بشكلٍ فعّال، ضمن منطق قطع الطريق على الإخوان المسلمين والحفاظ على الخطّ المقرّب من الغرب في السياسة الخارجية. وإن كان هناك من شيء يمكن تمنّيه هو ألاّ يصبح الغرب، بعد الانتهاء من المواعظ، مصدراً لعملية تراجعٍ جديدة في منطقةٍ هي في أمسّ الحاجة إلى التطلّع إلى الأمام.
فأفضل ما يمكن القيام به هو المساهمة قدر الإمكان، على الأمد الطويل، في عمليات انتقالٍ ناجحة للسلطة نحو نماذجٍ على أكثر ما يمكن من التعدّدية والديموقراطية، من دون أن ننسى أن مشاكل المنطقة ستبقى كما هي. فالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، والمسألة العراقية، وتجذّر شبيبة المدن العاطلين عن العمل، هي قضايا سرعان ما ستعود لتلاحقنا وتخلق هواجساً في محيطٍ أصبح بكلّ بساطة أكثر تعقيداً بفعل التغييرات المفاجئة التي جرت مؤخّراً. فإذا ما كانت الفرصة سانحة بقوّة أمام المنطقة لكي تؤمّن تحقيق التطلعات الشعبية العادلة، هناك الكثير من الأسباب التي لم تجعلها تقوم بذلك منذ زمن بعيد. والخدمة الوحيدة التي يمكن تقديمها لأولئك الذين يتطلّعون إلى التغيير هي في تنقية الأجواء في القضايا التي على الغرب أن يقدّم فيها ما هو أكثر من الحفاظ على الوضع القائم.
* بيتر هارلينغ، يقيم في دمشق، ويدير مكاتب International Crisis Group في العراق، وسوريا ولبنان. عاش وعمل في العراق طيلة 7 سنوات، من 1998 حتى 2004. كما أنّه باحثٌ مشاركٌ في مركز الأبحاث الدولية المرتبط بالسوربون ومع المعهد الفرنسي للشرق الأدنى.