ثورة مصر

“كلّنا كده عايزين صورة”…!

سمير العيطة
“واللي حيخرج من الميدان، عمره ما حيبان في الصورة!” على وقع هذا اللحن الصادح من مكبّرات الصوت رحّبت النواة الصلبة للمتظاهرين بالتعزيزات الشعبيّة الوافدة لدعمها عند الخروج من صلاة أيّام الجمعة: جمعات “الغضب” و”الرحيل” و”الطوفان”. أغنية من الزمن الناصري [1] للتغطية على احتمال رفع شعاراتٍ إسلامية. ثمّ وبشكل أوضح تروح الحشود ترعد: “سلمية، مدنية، لا إسلاميّة ولا عسكريّة”.
متى كوّن هؤلاء الشبان المنتفضون هذا النوع من الوعي السياسيّ، وهذا الاتقان للرموز في قلب مصر التي اعتقدنا أنّه تمّ بالعمق إخضاعها للمنطق الديني وتقسيمها طائفيّاً؟ وكيف نجحت هذه الرياح الجديدة في استقطاب الملايين؟
“إذا أردت مجتمعاً حرّاً، يكفي أن تؤمّن له الإنترنت”، هكذا صرّح وائل غنيم، أحد قادة التحرّك والموظّف لدى شركة “غوغل” إلى شبكة “سي إن إن” في 11 شباط/فبراير. بالفعل، لقد حملت الثورة العربية دمغة المواقع التشاركية. إذ إضافةً إلى تأمينها الانفتاح على العالم، أضحت مواقع “الفايسبوك” و”التويتر” بوتقةً للالتقاء الاجتماعي والمدنيّ في بلادٍ تخضع فيها كل النشاطات الاجتماعية التشاركية للرقابة والإلغاء. بحيث لم تعد المساجد والكنائس هي الأماكن الوحيدة للترابط الاجتماعي.
لكن هل صعود هذه البعد الاجتماعي لجيل 2.0 [2] على الإنترنت تكفي لتفجير الثورات؟ عن ذلك يجيب أحمد عيد، وهو شابّ آخر من النواة الصلبة المصريّة قائلاً: “كنّا منذ عدة سنوات نخوض “حرب استنزاف”، عبر الإنترنت كما عبر غيرها من الوسائل، وفي 25 كانون الثاني/يناير كانت لنا “حرب أكتوبر” الخاصّة بنا” [3]. وفي الواقع أنّه منذ سنوات والمدوّنات الإلكترونية تندّد بمساوئ الأنظمة التي “تضع السلطة فوق الدولة” وبتداعيات النظام الاقتصادي الليبرالي الذي يتجاهل أدنى الحقوق الاجتماعيّة ويترك الخدمات العامة في حالة تدهور، وينتهك الحرّيات…
لكن المحطات الفضائيّة العربية أيضاً أمّنت فسحات واسعة لصالح الحرّيات، حتّى وإن كان ذلك بفعل التناقضات بين الأنظمة العربيّة التي تموّلها. بالتأكيد هناك قناة “الجزيرة” القطرية، لكن حتّى “العربيّة” التي يموّلها السعوديون قد دعت إلى فتح حوار حول الفساد، تحديداً في… السعودية وقطر، وذلك بمبادرة من مديرها في القاهرة، لكن سرعان ما تمّ طمسها بعد أن أعلن عنها رسمياً! كما أنّ هناك كمّاً من النتاجات الأدبية والفنيّة التي كوّنت تدريجيّاً حالة الوعي الصاعدة هذه. وهكذا نجد أن السيّد علاء الأسواني، مؤلّف رواية “عمارة يعقوبيان” الشهيرة [4] كان في قلب ساحة التحرير.
هل ستتحمل العربية السعودية استيراد هذه النهضة العربية الجديدة بعد عقودٍ من تصدير التيارات الإسلامية؟ وماذا سيكون شأن سوريا التي رعت، وتحديداً مع مصر وتونس، التنافس على “النهضة” الأولى [5]، عصر الأنوار العربيّ؟
وأخيراً هل العرب هم وحدهم الذي يفتّشون عن مكانٍ لهم في الصورة؟
* اقتصادي، رئيس تحرير النشرة العربية من لوموند ديبلوماتيك ورئيس مجلس ادارة موقع مفهوم A Concept mafhoum, www.mafhoum.com
[1] أغنية “صورة”، لعبد الحليم حافظ، كلمات: صلاح جاهين، ألحان: كمال الطويل.
[2] قالها على المحطّة الرسمية المصرية في 13 شباط/فبراير 2011. ترمز “حرب الاستنزاف” إلى الفترة التي تبعت هزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران/يونيو 1967، عندما قام الجيشان المصري والسوري بهجمات متزايدة على الجيش الإسرائيلي. أمّا “حرب أكتوبر” فقد شنّها هذان الجيشان في 6 من هذا الشهر في 1973.
[3] يرمز بالإنترنت 2.0 إلى جيل المواقع التشاركية الاجتماعية.
[4] مكتبة مدبولي، 2002.
[5] أواخر القرن التاسع عشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى