«ويجرؤ هؤلاء الأوغاد على الطعن في وفائي لليبيا!»
طبــل آخــر مــن ليبيــا!
جاكلبن سلام
قد لا يستغرب المشاهد أو القارئ العربي كثيراً ما جاء في خطابات العقيد وما شابها من انفعال وشوفينية ونرجسية أقل ما يقال عنها مريضة وعصابية قاتلة. ولكن الاطلاع على الحوار الأخير مع الروائي الليبي ابراهيم الكوني الذي نشر يوم 26 فبراير في موقع الجزيرة نت، لا بد سيصدم وهو يعاين هذا الكم المنفلت من الانفعالية والنرجسية التي تصدر عن كاتب أوهمنا طويلاً أنه صاحب نزعة تأملية فلسفية.
هنا بعض الشواهد التي أقتطفها من الحوار مع الكوني الذي لم يحتمل أن يسمع بعض الآراء النقدية التي كتبت في هذه الصحيفة أو تلك عن مواقفه وقربه من شخص القذافي وجائزته المرموقة…
يقول الكوني «أنا أستغرب كل هذه الضغائن… كيف تتحول الضغائن والمكائد إلى إيديولوجيا! هل هناك اغتراب عن الحقيقة أكثر من هذا؟!، ويجرؤ هؤلاء الأوغاد على الطعن في وفائي لليبيا… أنا روح ليبيا، أنا ضميرها، العالم يعرف ليبيا من خلالي أنا، ولكن ليبيا الحقيقية وليس ليبيا القذافي أو ليبياهم
مهلا مهلاً أيها البطل، ليس وغدا من يمارس نقداً ويعطي رأياً. كم أستغرب أن يصف الكوني الذين كتبوا مقالاً نقدياً لمواقفه «بالأوغاد» واستهجن أن تؤول الآراء المجردة إلى ضغائن ومكائد. وأقارن هذا الخطاب الصادر عن مثقف بخطاب القائد الذي وصف شعبه الثائر ضد أسلوبه في الحكم وإدارة البلاد، بالجرذان والكلاب الضالة، المهلوسين، والخونة…
صبراً أيها الكوني، لقد ظلمتَ نفسك بلسانك بأكثر مما كتبه الأوغاد عنك. هذه الكلمات لا يعقل أن تصدر من شخص يمثل روح ليبيا وضميرها أيام محنتها. إذ أن ضميرها وروحها هم هؤلاء الذين في الشوارع حاملين أرواحهم على أكفهم من أجل الغد الجميل الذي بات مستحيلاً في حضور مهرّج الثورة وقائدها الذي احتل البلاد والعباد على أمل أن «إلى الأبد»
يذكر الكوني في مكان آخر من الحوار: «كل أعمالي ضدّ السلطة ليس فقط كمفهوم أخلاقي ولكن أيضا كمفهوم فلسفي. إذا كان هناك محرض على الثورة في ليبيا في يوم من الأيام فهي أعمال إبراهيم الكوني، التي تصلح أن تتخذ إنجيلا للثورة.» وهنا تجدر مقارنة «أناجيل» الكوني الثورية المزعومة بالكتاب الأخضر الثوري الذي ألفه القذافي وصنع له تماثيلاً في عرض البلاد وطولها. وبالمناسبة أقول اليوم بأن مواقف الكوني من المرأة في بعض ما قرأت أبعد ما تكون عن الثورية، بل فيها ترسيخ لدونية المرأة وانتقاص من كينونتها.
كما يبالغ الكاتب في تضخيم «الأنا» التي تندلق بين كل سطر وآخر، فيذكرنا بأنه من أهم الكتاب العرب الذين يلقون التكريم من الإعلام الغرب الذي لا يجامل. وأنه أهم من كتب عن الاستبداد وعبّر عنه.
أستغرب كيف يؤلف المرء أربعين كتابا، ويعيش بين حضارتين، ثم يخرج للحوار كما لو أنه لم يسمع يوماً بشيء اسمه النقد واختلاف الآراء وحرية التعبير. وأنا هنا لا أناقش ما إذا كان مقرباً من السلطة أو عاملا في خدمة «جائزة القذافي» بل أتحدث عن الحوار وما يحمل من مفارقات، ولهجة عدوانية واستعلائية على النقد وعلى الآخرين.
تذهلني المفارقات الفاضحة التي تظهر على ألسنة أصحاب السلطات الثقافية في المحن. فهنا تارة يقول أن بعض كتبه منعت في ليبيا، ثم يشير إلى أنه كان ملاحقاً لكونه من قبيلة الطوارق مما اضطره إلى الهجرة. ثم يشير في موقع آخر أنه عرضت عليه مناصب مهمة ولكنه رفضها، فهل يعقل أن يحدث مثل هذا في مملكة القذافي؟
الكوني يذكرني بالتناقضات التي لمسناها في تصريحات جابر عصفور، صاحب أقصر وأصغر حقيبة وزارية في العالم يستحق بموجبها أن يدخل موسوعة «غيتس للأرقام القياسية، والذي أدلى بمواقف وتصورات عن الثوار في مصر، لن تغفر له رغم أنه وجد من اجتهد في «تلميع» صورته سريعاً. فهل يجد الكوني من يلمّع له الصورة والإطار ويرد الطعنة للأوغاد الذين واتتهم الجرأة على نقده!
لو كان الكوني حقاً صاحب نزعة فكرية عميقة لتحلى ببعض الحكمة والأناة وابتعد عن الانفعالية، وربما كان له أن يصمت كلياً ويتنحى جانباً إلى أن تعبر القافلة والجنازات ومواكب القائد ـ الطبل، لكنه أبى إلا أن يقول ها أنذا طبل آخر من ليبيا.
(كاتبة سورية مقيمة في كند
السفير