الصراع الأميركي – الإيراني على الثورات
سميح صعب
تشكل التغييرات التي تشهدها المنطقة العربية مجالاً آخر للتنافس بين الولايات المتحدة وايران. وينطلق التنافس من مقاربتين مختلفتين لهذه التغييرات والانتفاضات. فإيران تعتبرها امتداداً لثورتها عام 1979، في حين تصنفها الولايات المتحدة في خانة توق شعوب الشرق الاوسط الى الديموقراطية بعد عقود من الاستبداد، وهي ترى ان نذر التغيير بدأت عام 2009 مع الاحتجاجات التي شهدتها ايران عقب انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد لولاية رئاسية ثانية.
لكن لو صحت القراءة الاميركية للأحداث، فإن السؤال البديهي هو: لماذا بدت واشنطن وكأنها قد أُخذت على حين غرة بثورتي تونس ومصر. فطالما انها تعتبر ان بدايات التغيير أطلت من تجرّؤ مير حسين موسوي ومهدي كروبي على الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية في ايران واللجوء الى التظاهر للتعبير عن هذا الاعتراض، فلماذا لم تتوقع واشنطن ان تحرك الانتخابات التشريعية المزيفة في مصر الشارع في هذا البلد، او ان تشكل الرئاسة “الأبدية” لزين العابدين بن علي حافزاً للشارع التونسي كي ينتفض، وكذلك يصح الامر على اليمن.
وهذا يقود الى تساؤل آخر: هل كانت واشنطن تعتقد ان المطالبة بالتغيير يجب ان تظل محصورة في ايران، وان لا تصل في يوم من الايام الى وضع ترى فيه الانظمة الحليفة لها في المنطقة تتساقط؟ ربما كان هذا هو سبب الشعور بالمفاجأة لدى الاميركيين.
فأميركا لا شك كانت تتمنى ان يحصل التغيير في انظمة الشرق الاوسط غير الحليفة لها. إلا انها فوجئت بأن الثورات تندلع في الدول المتحالفة معها. وعلى رغم ان الولايات المتحدة ركبت موجة التغيير الجارية، فإن الشكوك لا تزال تساورها وتساور اسرائيل من أن تصب الاحداث في مصلحة ايران، كما حصل عقب حربي افغانستان والعراق. وهذا ما يفسر كلام وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون من ان ايران تحاول مباشرة او عبر وسطاء الاتصال مع المحتجين في مصر والبحرين واليمن في محاولة للتأثير على الاحداث في هذه البلدان.
وطبعاً لم تستسغ واشنطن القراءة الايرانية لما يجري وتوقُّع طهران ظهور شرق اوسط اسلامي نواته ايران وتركيا التي يحكمها حزب ذو جذور اسلامية ومصر التي يتوقع ان يكون لجماعة “الاخوان المسلمين” فيها دور في الحكومة المقبلة.
ومن هنا تحاول واشنطن التأثير من ناحيتها بأكبر قدر ممكن في المتغيرات الجارية. وكان لافتاً ذلك الاسراع الى الحشد العسكري حول ليبيا وطرح الكثير من الخيارات للتعامل مع الانتفاضات التي تدق ابواب الانظمة في دول أخرى.
فالولايات المتحدة تسعى الآن الى توظيف زخم الثورات في المنطقة في إحداث تغيير في ايران ايضاً حتى لا يبقى التغيير محصوراً في الجهة المتحالفة مع اميركا اصلاً، وحتى لا يستفيد النظام الايراني الحالي من التطورات. وكانت الرسالة التي بعثت بها الحكومة الايرانية لا لبس فيها من خلال ارسال بارجتين عبر قناة السويس بعد سقوط الرئيس المصري حسني مبارك وذلك للمرة الاولى منذ انتصار الثورة الايرانية عام 1979.
وأميركا التي تحاول ان تظهر الآن بمظهر الراعي للتغيير في الشرق الاوسط وبمظهر المستعد للتضحية حتى بأقرب حلفائها من أجل تحقيق التغيير، تسعى من دون شك الى إنجاز المرحلة الانتقالية في المنطقة بشكل لا يؤثر بالدرجة الاولى على اسرائيل.
وفي المقابل لا تخفي ايران سرورها بسقوط حلفاء اميركا، أملاً في ان يفضي ذلك الى واقع جديد يعزز الجبهة المناهضة لاسرائيل.
واذا كانت واشنطن وطهران تلتقيان على دعم التغيير في المنطقة العربية، فإنهما لا تلتقيان في الهدف.