لا يا سورية!!
محمد كريشان
اللقطة الاولى: – كيف حال الوالد في السجن الآن؟
– الحمد لله، أحسن لقد أتوا له بسرير ينام عليه.
– ماذا تقول؟! أتوا له بسرير!! وهل كان ينام لعام ونصف العام على الأرض؟!!
– نعم، تنازل له أحد السجناء عن سريره لكنه رفض واستطاع أن يحصل، بعد أن دفع إتاوة لفتوة العنبر، أن يضمن مساحة صغيرة بين سريرين يخلد فيها للنوم حتى لا يزعجه بقية المساجين بتنقلهم ليلا بين زملائهم النائمين على الأرض!
كان هذا حوارا بيني وبين إياس ابن هيثم المالح المحامي السوري المعتقل منذ تشرين الاول/ أكتوبر 2009، وهو الآن في الثمانين من العمر، بسبب نشاطه الحقوقي وتصريحاته المنتقدة للأوضاع في بلاده لا سيما الفساد وسجل حقوق الإنسان. هذا الشيخ بقي له من الحكم الصادر ضده سنة ونصف السنة وهو بمفرده في سورية الآن في مثل هذا العمر. أولاده جميعا في الخارج وكذلك زوجته التي غادرته مؤخرا هي الأخرى للعلاج في الولايات المتحدة.
اللقطة الثانية:
علي العبد الله، كاتب وناشط سياسي سوري معارض في الستين من العمر، حكم عليه عام 2007 بالسجن لسنتين ونصف وكان يفترض أن يطلق سراحه في حزيران/يونيو العام الماضي لكنه أبقي قيد الاعتقال بسبب تصريحات أدلى بها من السجن عن إيران والعلاقات السورية اللبنانية. صديقنا ‘أبو حسين’، وهو في انتظار حكم جديد بالسجن، توفيت زوجته مؤخرا بمرض عضال ولم تجده إلى جوارها في محنتها. ابناه أحدهما بقي له شهر واحد من عقوبة سجن بخمس سنوات بسبب نشاطه الطلابي والآخر قرر الاستقرار في المنفى بعد مضايقات عديدة. لم يبق في البيت سوى بنتين في عمر الزهور إحداهن طالبة في الجامعة. الخلاصة أن مجرد نشاط سياسي سلمي دمر أركان هذا البيت بالكامل.
اللقطة الثالثة:
طل الملوحي مدونة سورية لم تبلغ بعد العشرين من العمر. حكم عليها الشهر الماضي بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة إفشاء معلومات لدولة أجنبية. طل طالبة بمدارس حمص الثانوية، اعتقلت على خلفية نشرها على مدونتها بعض المواد السياسية غير المرضي عنها رسميا. لم يشفع لها صغر سنها ولا مناشدات العديدين لإطلاق سراحها. الأنكى أنه بعد أيام من صدور حكم السجن ضدها، قدمت السلطات السورية روايتها الكاملة لما تراه تورط الشابة في أنشطة معادية لبلادها وليتها لم تفعل. لقد قدمت حبكة رهيبة تداخل فيها التجسس بالجنس بالخيال الجانح في خلطة غير موفقة ولا مقنعة على الإطلاق بل وتثير الغثيان فعلا.
ثلاث لقطات مختلفة لثلاثة أجيال سورية متعاقبة. فرقهم السن وربما الميول السياسية لكن جمعهم شيء واحد فقط: التوق إلى سورية جديدة ينعم فيها المواطن بحرية الرأي والتعبير والصحافة وحق التنظيم وكل الحقوق والحريات الأخرى المتعارف عليها دوليا والتي باتت إرثا إنسانيا عاما من حق الجميع أن يتقاسموه دون منّ أو تزييف.
وفي الوقت الذي تراخى فيه بعض المدافعين عن حقوق الإنسان من تناول الشأن السوري لاعتبارات مختلفة، من واجب كل من يحب سورية فعلا، ودون حسابات سياسية أو مصالح شخصية قائمة أو مرجوة، أن يلفت بكل ود قيادتها الشابة إلى أن مثل هذه الممارسات لا تشرفهم ولا تشرف بلادهم.
وإذا كانت المواجهة مع إسرائيل تبرر في نظر البعض كل شيء بما في ذلك استمرار قانون الطوارئ منذ 1962، فإنها في نظر آخرين سبب إضافي لإعلاء مكانة القانون وحقوق الإنسان في البلاد لأن المواطن الشاعر بكرامته وحريته هو من سيدافع عن وطنه حتى النهاية وليس المقهور أو المضطهد.
إسرائيل المحاطة بأعدائها من كل جانب لم تتخذ من ذلك تعلة لعدم إقامة المؤسسات والحريات، حتى وإن ظلت دولة استعمارية عنصرية بغيضة.
وليس مناسبا ولا منصفا أن نعقد مقارنات بينها وبين سورية. سورية أولى منها بذلك وأجدر. وأتمنى ألا يكون من باب السذاجة أن نقول إن بإمكان الرئيس بشار الأسد أن يقطع من الآن خطوات جريئة وصادقة في اتجاه سورية جديدة مختلفة تماما، خاصة بعد كل هذه الدروس التي شاهدناها وما زلنا في أكثر من دولة عربية.