شراكـة خطرة .. وصمت مريب: الوليــد بن طلال وميردوخ!
بول كوكرين
ترجمة وتقديم: حمد العيسى
تقديم للمترجم عن ميردوخ ونيوز كورب
هذه ترجمة لمقال تحليلي رائع نشر في دورية «الإعلام والمجتمع العربي» (آرب ميديا آند سوسيتي) التي تنشر على النت. وهو مقال تحليلي هام يناقش قضية إعلامية حساسة وشديدة الأهمية تجاهلها معظم الكتاب العرب بصورة مريبة ما دفع الكاتب «البريطاني» النبيل بول كوكرين لطرحها مجددا حتى يستيقظ كتاب بني يعرب ويناقشوها في ما بقي من صحفهم المستقلة، والقضية المقصودة هي الشراكة بين مجموعة «روتانا» التابعة للأمير السعودي الوليد بن طلال مع مجموعة «شركة نيوز» (نيوز كوربوريشن التي تختصر عادة إلى «نيوز كورب») التابعة للمستثمر الأمريكي/الأسترالي الشهير روبرت ميردوخ. وروبرت ميردوخ مواطن أسترالي مسيحي كاثوليكي «ليس» يهوديا كما هو شائع خطأ في المخيلة الشعبية العربية، ولكن هذا لا يغير من خطورة الأمر شيئا. ولد ميردوخ عام 1931 في أستراليا، وحصل على الجنسية الأمريكية عام 1985 ليتمكن من امتلاك قنوات تلفزيونية في الولايات المتحدة حسب النظام الأمريكي. ورث عن والده صحيفة أسترالية «نيوز ليميتد» عام 1953، ولكنه استطاع توسيعها بنجاح كبير وعبقرية فذة حتى أصبح يملك ثالث أكبر إمبراطورية إعلامية في العالم وهي «نيوز كورب»، حيث يشغل منصب رئيس مجلس الإدارة وكبير الإداريين التنفيذيين، ويتقاضى 30 مليون دولار كمكافأة سنوية نظير هذين المنصبين. وتأتي «نيوز كورب» في المركز الثالث عالميا من ناحية حجم العمليات بعد كل من شركتي «والت ديزني» و«تايم وارنر»، وفي عام 2009 تخطى مجمل دخل مجموعة نيوز كورب 30 بليون دولار وزادت قيمة موجوداتها عن 53 بليون دولار ويعمل فيها 64,000 موظف وموظفة. ومن المعروف أن ميردوخ داعم كبير وبشكل دائم للتيارات اليمينية المحافظة (الدينية) المتطرفة في الدول التي يمتلك فيها وسائل إعلامية مثل الحزب الجمهوري الأمريكي، وحزب المحافظين البريطاني، وله للأسف تصريحات علنية مؤيدة بقوة للصهيونية العالمية معنويا كما أنه لا يبخل بالدعم المالي لأي مرشح لمنصب سياسي مؤيد لتيار اليمين المحافظ، وبالضرورة للصهيونية.
إن روبرت ميردوخ شخص إشكالي وخطر من حيث كونه يسعى لفرض إيديولوجيته اليمينية المحافظة والمتطرفة سياسيا على وسائل الإعلام التي يملكها حتى لو أدى ذلك لخرق ميثاق الشرف الصحفي المتمثل بحرية التعبير والتوازن في الطرح الإعلامي المتعارف عليهما عالميا. ويعتبر تطرفه المحافظ – في نظرنا على الأقل –ل ا يقل سوءا إن لم يزد على تطرف بعض الجماعات الإسلامية الراديكالية. وأثناء تنقيح ترجمتي لهذا المقال في مطلع نوفمبر 2010، طالعتنا وكالات الأنباء عن تأسيس جبهة من المؤسسات الإعلامية البريطانية المستقلة لتحتج، وتحاول منع صفقة ينوي ميردوخ القيام بها ليشتري باقي أسهم شبكة «بي سكاي بي» التلفزيونية البريطانية التي ليست في حوزته حيث يملك فيها 39%، ليصبح هو مالكها الوحيد، فقد قدمت تلك الجبهة الإعلامية المعارضة له شكوى ضد الصفقة لوزير الإعلام في الحكومة الإئتلافية البريطانية نظرا لما عرف عن ميردوخ من عدم احترام المهنية الإعلامية وفرض توجهاته المحافظة الخطيرة على الرأي العام كما فعلت وتفعل شبكة فوكس الأمريكية خاصة عبر قناة «فوكس نيوز» الشهيرة (كما سنشرح بالأدلة لاحقا) عندما هيئت بل خدعت الرأي العام الأمريكي وجرته لتأييد حربي أفغانستان والعراق.
وحاليا في خريف 2010 تسببت حملة «فوكس نيوز» الهوجاء في عودة الأجواء الماكارثية للساحة السياسية الأمريكية وهزيمة الحزب الديمقراطي المذلة والساحقة في انتخابات التجديد النصفية للكونغرس قبل أسابيع قليلة والتي قادها بنجاح باهر المعلق السياسي التلفزيوني اليميني المورموني المحافظ والمتطرف غلن بيك Glenn Beck في برامج تحليلية يومية على «فوكس نيوز» حيث انتقد الرئيس باراك أوباما بعنف غير مسبوق، وردد مرارا أن أوباما أضاع هيبة أمريكا لأنه مصر على سحب الجيش الأمريكي من أفغانستان والعراق. وزعم غلن بيك بصراحة فجة وبدون تقديم أدلة بأن العامل المشترك الذي ربط والد الرئيس أوباما الكيني ووالدته الأمريكية هو – هكذا- «الشيوعية».
وبسبب عدم مهنيته الفاضحة بل واستهتاره بالحريات الصحفية التي كفلتها معظم الدساتير الغربية، قام بعض خصومه من نشطاء الحزب الديمقراطي الأمريكي (مؤسسة «موف أون» MoveOn.org وهي من مؤسسات المجتمع المدني الأمريكي المؤيدة لحرية التعبير ومناهضة التيار المحافظ) بانتاج فيلم وثائقي عنه بعنوان مثير: «الإحتيال: حرب ميردوخ على المهنية الصحافية Outfoxed: Rupert Murdoch’s War on Journalism ويبلغ طول الفيلم 78 دقيقة وهو من إنتاج عام 2004 للمخرج روبرت غرينوالد، ولم يكلف الفيلم سوى 200,000 دولار فقط لكون معظم المشاركين كانوا متطوعين، لكنه كان مدمرا ومؤلما لميردوخ. وقد شاهدت الفيلم مؤخرا، ووجدت أن عرض بعض ماجاء في الفيلم من معلومات مفيد جدا كتمهيد لمقال السيد بول كوكرين ولاستيعاب خطورة توجهات ميردوخ لمن لا يعرفون الكثير عنه بخلاف الإعتقاد الخاطئ أنه يهودي، وهو ليس كذلك كما أسلفنا.
قدم الفيلم نقدا عنيفا بالأدلة لقناة «فوكس نيوز» اليمينية ومالكها روبرت ميردوخ، مثبتا بالأدلة الوثائقية الدامغة أن ميردوخ يستخدم القناة للترويج لوجهات نظر يمينية محافظة متطرفة تؤدي بل أدت بالفعل إلى حروب. ويشير الفيلم أن هذا التحيز الإيديولوجي اليميني المتطرف يناقض إدعاء القناة الرسمي بأنها ذات سياسة «عادلة ومتوازنة»Fair And Balanced كما تقتضي أصول مهنة الصحافة والإعلام الحر، ولهذا يجادل الفيلم بأن «فوكس نيوز» تقوم بخداع يرقى إلى جريمة من فئة «الاحتيال على المستهلكين» أي المشاهدين العوام والبسطاء الذين لا يفهمون دوافعها الإيديولوجية الخفية بل الخطيرة مما يجعلهم يشجعون أبنائهم وبناتهم للإنضمام للجيش وخوض الحروب لحماية وطنهم من الخطر القادم من الشرق الذي تبالغ بل تكذب في تصويره «فوكس نيوز». ولكن لسوء الحظ، لم يستطع منتج هذا الفيلم الوثائقي الهام عرضه في صالات السينما بسبب نفوذ وسطوة ميردوخ على الإعلام الأمريكي. ويكفي أن نعرف أن مجموعته «نيوز كورب» تضم شركة الإنتاج السينمائي الشهيرة «تونتيث سينشري فوكس» 20the Century Fox التي أنتجت مؤخرا فيلم «آفاتار» الشهير الذي حقق أعلى دخل سينمائي في التاريخ (2.7 بليون دولار)، بل بالكاد استطاع المنتج بيع وتوزيع الفيلم على شكل أقراص «دي في دي»، وبيع على الإنترنت من خلال «أمازون دوت كوم» وأصبح رائجا جدا وحقق لقب «بست سيلر» بعدما نجح منتجه بدهاء في الإعلان عنه على صفحة كاملة في صحيفة «نيويورك تايمز» التي يوجد بين ناشرها اليهودي آرثر أوكس سولزبيرغ وروبرت ميردوخ خلافات كبيرة وتنافس عظيم.
نعود للفيلم الوثائقي الذي يتناول بالريبة والشك دوافع وعواقب النمو العالمي المطرد لمشاريع ميردوخ الإعلامية القائمة على شراء حصص صغيرة في مؤسسات إعلامية صغيرة ناجحة ومن ثم زيادتها تدريجيا حتى يستحوذ عليها بالكامل. ويتم بعد ذلك توحيدها بالدمج مع باقي مؤسساته لكي تسحق منافسيها وبالتالي تروج لإيديولوجيتها اليمينية المحافظة المتطرفة. ويجادل الفيلم بأن سياسة ميردوخ القائمة على توسع تدريجي مدروس لمجموعته يسمح لمستثمر واحد متطرف إيديولوجيا من أن يسيطر على مجموعة إعلامية ضخمة مما يعتبر «بالضرورة» مهددا لحرية التعبير الصحفية في البلد الذي توجد فيه المجموعة. ويرصد الفيلم قائمة إتهامات ضد «فوكس نيوز» على عدة محاور نختار منها الجوانب التالية:
فهناك تغطيتها المتطرفة وطرحها غير المتوازن للآراء المؤيدة والمعارضة للحرب في الشرق الأوسط خلال الفترة التي سبقت ثم تلت حربي أفغانستان والعراق وعدم إتاحة الفرصة لمعارضي الغزو للظهور والحديث بصورة متكافأة مع المؤيدين. ويؤكد الفيلم عبر مقابلات مع مراسلين سابقين وصور لإيميلات سرية في القناة أن «فوكس نيوز» طلبت منهم الكذب بصراحة في تقاريرهم لدعم توجه القناة، وعندما رفضوا الكذب، طردوا من العمل. وعندما قاضوا «فوكس نيوز» في المحكمة مقدمين أدلة على إدعائتهم، قضت المحكمة التي رأسها قاض يميني محافظ أنه لا يوجد قانون حالي يمنع الكذب في برامج الأخبار!!
وأثبت الفيلم أن «فوكس نيوز» أعلنت عن فوز دبليو بوش على آل غور بالإنتخابات المشكوك بصحتها قبل ثبوت ذلك مما أحدث تأثير شعبي غير مباشر على قرار المحكمة العليا التي فصلت في الأمر لصالح دبليو بوش. وأثبت الفيلم أن إدارة «فوكس نيوز» متمثلة بميردوخ ورئيسها التنفيذي روجر آيلس، وكلاهما من اليمينيين المحافظين يفرضان أفكارهما المتطرفة على محتوى الشبكة بما يناقض حرية التعبير والطرح المتوازن، وأثبت الفيلم أيضا تدخل ميردوخ وآيلس في تفاصيل التحرير لإختيار أخبار بعينها وصياغتها بما يوافق توجهاتهما اليمينية المتطرفة. وتم عرض صور مذكرات وإيميلات تحمل تلك التوجيهات. وشرح الفيلم كيف يتم تعليق أو إعفاء كل صحفي أو منتج داخل الشبكة يحيد عن توجهات ميردوخ وآيلس المحافظة حتى على حساب الحقيقة. وشهد السيد «جون دو بري» وهو مدير مكتب «فوكس نيوز» في ولاية كاليفورنيا أنه فصل من عمله لأنه لم يتحدث بـ «حماس كاف» – كما قيل له لاحقا – أثناء تغطيته ذكرى عيد ميلاد الرئيس الجمهوري المحافظ الراحل رونالد ريغان التي جرت في مكتبة ريغان في كاليفورنيا حيث قال على الهواء بعفوية: «إن المناسبة لم يحضرها سوى بضعة طلاب من الصف الرابع إبتدائي في مدرسة مجاورة». وبالمثل شهد المحلل العسكري السابق في فوكس نيوز «لاري سي جونسون»، أن «فوكس نيوز» قاطعته وتوقفت عن استضافته بعدما قال في برنامج «الحرب على الإرهاب» بصورة عفوية وتلقائية: «لا يمكن للولايات المتحدة خوض حربين في أفغانستان والعراق في وقت واحد» حيث تم تجاهله تماما في البرامج اللاحقة لأنه كما شرحوا له: «ليس محافظا بدرجة كافية» رغم وجود عقد بينه وبين القناة بأن يكون متفرغا لخدمتها في برامجها الإخبارية دون سواها من القنوات.
ولعل أسوأ ما وجدته في بحثي عن الشخصي عن ميردوخ هو الميكافيلية القذرة التي تمثلت مؤخرا في حادثتين. فحسب مقال نشر في نيويورك تايمز في 26 يونيو 2007، عبرت الحكومة الصينية الشيوعية عن غضبها لمحتوى تتر أو الفاصل المصور لأخبار «بي بي سي» الدولية التي يشاهدها الجمهور الصيني عبر شبكة «ستار تي في» التابعة لميردوخ وهو شريط مصور مدته بالكاد عشر ثوان يحمل لقطات إخبارية قديمة ذات دلالة كبرى ويعرض قبل وبعد وأثناء فواصل نشرات الأخبار، وكان الغضب الصيني يتعلق بمقطع شهير لا يتجاوز طوله ثانيتين يصور طالب جامعي صيني يعترض طريق طابور من أربع دبابات ليمنعها من التقدم لدهس زملائه المتظاهرين أثناء انتفاضة ساحة تيانانمن الشهيرة للمطالبة بالديمقراطية عام 1989. وفور علمه بهذا الإحتجاج، طلب ميردوخ من «بي بي سي» حذف هذا المقطع القصير ذي الثانيتين من فاصل الأخبار. ولكن «بي بي سي» رفضت تماما «مجرد» فكرة مناقشة الأمر أو المساومة على سياستها التحريرية. وهنا قام ميردوخ بإلغاء عقده مع «بي بي سي» بوقاحة وحذف القناة بالكامل من باقة قنوات شبكة «ستار تي في» الشهيرة لكي لا تزعج الرقيب الصيني، ووصف ميردوخ «بي بي سي» في مؤتمر صحفي بعد تلك الحادثة بالغباء وتعريض المصالح التجارية لزبائنها للخطر.
هذا عن الحدث الأول، أما الحدث الثاني فيتعلق بالفساد المالي. فقد أدرك ميردوخ أهمية دور الصين العالمي القادم كثاني أقوى إقتصاد في العالم بعد أمريكا بعد احتلالها مكان اليابان بجدارة، وقام بالتالي بزيادة تغلغله ونفوذه في الصين عبر عرض التشارك في مشاريع استثمارية رأسمالية مع «أبناء وأحفاد» زعماء الحزب الشيوعي الصيني، وكبار وزراء الحكومة. وأشرفت على ترتيب حفلات التعارف والإتفاقات زوجة ميردوخ الثالثة (الصينية «ويندي دينغ» الموظفة السابقة في «نيوز كورب»، فرع هونغ كونغ) بحيث تكفل ميردوخ بكامل رأس مال للمشاريع ويكون دور الشركاء الصينيين الصغار محصورا في جهدهم للحصول على موافقة آبائهم أو أجدادهم في الحزب والحكومة على تنفيذ ثم تشغيل تلك المشاريع. وتزيد ثروة ميردوخ الشخصية عن 6 بليون دولار بخلاف أسهمه في نيوز كورب. ونلفت النظر أن السيد كوكيرن استعمل 30 هامشا كمراجع ومصادر للمعلومات في المقال ولكننا حذفناها لأنها لا تناسب طبيعة النشر في الصحف مع العلم أننا نقلنا أهم معلومات تلك الهوامش لتصبح في صلب المقال. انتهى تقديم المترجم ويليه مقال بول كوكرين.
«الوليد مع ميردوخ» شراكة خطرة … وصمت مريب:
هناك 487 قناة فضائية عربية تبث عبر «عربسات» و«نايل سات» و«نورسات»، بالإضافة إلى العشرات من القنوات الأرضية المتهالكة. المشهد الإعلامي في المنطقة العربية أصبح متشبعا، بدليل انخفاض «المعدل السنوي» لظهور قنوات فضائية جديدة من 104 قناة جديدة قبل سنتين (في الفترة بين أغسطس 2007 إلى مارس 2009) إلى 13 قناة فقط حاليا (خلال السنة المالية الحالية عام 2010). وفيما يتعلق بالقنوات الفضائية «الإخبارية» العربية، لم يكن هناك أي مشارك رئيسي جديد في الساحة منذ بدء بث قناة «العربية» المدعومة من السعودية في عام 2003، وهي جزء من مجموعة «إم بي سي» السعودية، وجاءت كرد فعل للقناة ذات الوزن الثقيل «الجزيرة» التابعة لقطر. كانت هناك بالتأكيد محاولات لمنافسة هاتين القناتين الرئيستن، ومع ذلك فإن العديد من القنوات الإخبارية العربية التي أطلقتها حكومات أجنبية في السنوات الأخيرة لكسب القلوب والعقول العربية، مثل بريطانيا («بي بي سي» عربي)، وفرنسا (فرنسا 24) وروسيا («روسيا اليوم»)، وإيران (قناة «العالم»)، والصين («سي سي تي في»)، والولايات المتحدة (الحرة) لم تجذب جميعها أرقام مشاهدين مشابهة لـ «الجزيرة» و«العربية».
ولكن هذا الإحتكار الثنائي لـ «أخبار» العالم العربي من قبل «العربية» و«الجزيرة» يستعد لهزة عنيفة، وهي قادمة من هيئة لها علاقة بواحدة من أكبر المجموعات الإعلامية في العالم: «نيوز كورب» التابعة لروبرت ميردوخ، والرابط المشترك معها هو الأمير الوليد بن طلال من المملكة العربية السعودية، رئيس «شركة المملكة القابضة» التي تملك «مجموعة روتانا الإعلامية».
الإرتباط مع روتانا
مؤخرا عانت «شركة المملكة القابضة» من أوقات عصيبة حيث انخفضت قيمة أصول الشركة الإجمالية 44.4% في الربع الرابع من عام 2008، مما يعني صافي خسارة يعادل 8.2 بليون دولار. وهذا العام حسبما ذكر تقرير، حصدت شركة المملكة أرباحا تقدر بـ 20 مليون دولار. ولكن مجموعة روتانا، التي تضم ستة محطات تلفزيونية وأربع محطات إذاعية، ومجموعة وسائط رقمية، وتعتبر أكبر منتج في العالم للموسيقى العربية، يبدو أنها بحسب ما ورد تكافح بقوة لتبقى حاضرة في المشهد الإعلامي المتغير وهو السبب – يقول محللون – الذي جعل الأمير الوليد بن طلال يدرس خيار بيع حصص في المجموعة من خلال طرح عام أولي. وبحسب مصادر، تسببت قرصنة الموسيقى بمصاعب كبرى لروتانا ما أجبرها على تخفيض قيمة «سي دي» الموسيقى الأصلي من 45 ريال (12 دولار) إلى 15 ريال (4 دولار) وهو نفس سعر «السي دي» المقرصن للمحافظة على موقعها في السوق وبالفعل زادت وتضاعفت المبيعات كثيرا ولكنها لم تحل أزمتها المالية. وقد قيل أيضا أن تلك الصعوبات الإقتصادية كانت عاملا رئيسا وراء قرار قناة «إل بي سي» اللبنانية تسريح 140 موظفا في وقت سابق من هذا العام. ومن المعروف أن الأمير الوليد يملك 85% من «إل بي سي-سات» LBC-SAT، وهي حصة قد ازدادت تدريجيا منذ شرائه حصة أولية في القناة تبلغ 49% في عام 2000. ثم اندمجت «إل بي سي-سات» مع روتانا في عام 2007. من ناحية أخرى، تم تبرير الهزة في «إل بي سي» بالحاجة إلى تحسين المحتوى والتغطية على القناة، في حين أن الأمير الوليد بن طلال قال ان الاكتتاب هدفه تمكين روتانا من توسيع عملياتها في الشرق الأوسط.
المجموعة بالتأكيد قامت بتكثيف نشاطها وإطلاق قنوات جديدة مثل «فوكس-أفلام» و«فوكس-مسلسلات» كما قامت في ديسمبر 2009 بالتوقيع على عقد بقيمة 26.7 مليون دولار للحصول على ترخيص من شركة «والت ديزني» العملاقة لبث برامجها بموجب إتفاق لمدة أربع سنوات. الإتفاق مع «نيوز كورب» يعتبر أكبر دخول تلفزيوني في الشرق الأوسط لميردوخ منذ قيامه بشراء قناة «تي جي آر تي» التركية عام 2006 ومن ثم تسميتها «فوكس-تركيا» في 2007. وبالنظر إلى أن الأمير الوليد بن طلال يملك نسبة تقدر بـ 7% من «نيوز كورب» (56 مليون سهم فئة بي) ويعتبر أكبر مساهم فيها من خارج أسرة ميردوخ، فليس من المستغرب أن تدخل نيوز كورب في شراكة مع روتانا. مع العلم أن «نيوز كورب» يعمل فيها 64,000 موظف وتملك شبكة فوكس وشبكة ستار وسكاي نيوز وعشرات الصحف الغربية. لكن تحرك «نيوز كورب» في الشرق الأوسط بدأ بالفعل عندما استحوذت شركة ميردوخ على حصة 9.09 % في المئة في شركة روتانا في فبراير بمبلغ 70 مليون دولار. وأدت تلك الصفقة إلى تكهنات بأن شبكة «فوكس نيوز» ستطلق نسخة عربية لمنافسة «العربية» و«الجزيرة»، ولكن الأمير الوليد بن طلال قتل هذه التكهنات قائلا: «أنا لا تصور وضعا تقوم فيه «فوكس نيوز» بالبث باللغة العربية»، وأضاف الوليد: «إن هذه الشراكة ستساعد «فوكس نيوز» والولايات المتحدة لفهم العالم العربي بصورة أفضل».
وبعد أربعة أشهر أتت قنبلة إعلامية مفاجئة عبر خبر بأن الأمير الوليد بن طلال سوف يطلق، بشكل مستقل عن مجموعة روتانا، قناة إخبارية عربية على مدار الساعة بشراكة مع «فوكس نيوز». ولم يزعج الأمير الوليد بن طلال كون الفضاء العربي مزدحم بفضائيات كثيرة، أو أن القناة يجب أن تنافس قنوات عتيده قطرية وسعودية. وقال الأمير في بيان صادر عن شركة المملكة القابضة: «لم يعد لدينا متسع كبير في الفضاء العربي لكونه محتل بقنوات فضائيات كثيرة، ولذلك فإن القناة الاخبارية الجديدة ستصبح إضافة وبديلا للمشاهدين، وهدفنا الشخصي هو تحقيق ذلك».
هل ستنطلق «فوكس عربية»؟
القناة الجديدة ستكون برئاسة رئيس التحرير جريدة الوطن السعودية السابق والمخلوع جمال خاشقجي. ولكن لم يتم تحديد أي إطار زمني لإنطلاق القناة. وقال الأمير الوليد بن طلال ضمنيا أن نموذج عمل القناة سيتبع نموذج «فوكس» في الولايات المتحدة و«سكاي نيوز» في بريطانيا. وعلق خبير إعلامي عربي طلب عدم ذكر اسمه على القناة الجديدة قائلا: «شبكة «فوكس الأمريكية» تعتبر شبكة أمريكية وطنية شوفينة متحمسة ومتعصبة لسياسات الولايات المتحدة التوسعية، فهل ستقوم «فوكس عربية» بعكس نبض ومواقف الشارع العربي؟» وأضاف الخبير: «إن ذلك يعني بالتأكيد وجوب أن تكون مناهضة للولايات المتحدة، ومعادية لإسرائيل، وربما حتى مؤيدة للجهاد ضدهما». أقرب نموذج لقناة فوكس الجديدة ستكون «فوكس تركيا» التي تنافس القنوات الإخبارية التركية «إن تي في»، و«24»، و«بلومبرغ» و«هابر ترك»، و«سي إن إن- تركيا». وكما قال جيسون ناش، وهو محلل أعمال مقره إسطنبول: ««فوكس-تركيا» مؤيدة تماما للحكومة وشعبوية. ومع ذلك، تعتمد القناة أكثر على برامجها الخاصة، مع برامج الألعاب والمسلسلات التي تعتبر دعائم أساسية مع وجود قليل من القنوات الفرعية مثل: «فوكس-لايف»، و«إف إكس»، و«فوكس-سبورت»، على الرغم من كونها برامج منقولة ومدبلجة بالتركية في الغالب ومتوفرة عبر الكابل فقط . وكما هو الحال في الولايات المتحدة، قنوات شبكة «فوكس» هي في الغالب ترفيهية وللبرامج الشعبية مع تركيز قليل على الأخبار».
لكن في حين ألمح الأمير الوليد بن طلال «ضمنيا» بارتباط القناة الجديدة مع فوكس، نفى خاشقجي تماما في وقت لاحق هذا الرابط في مقابلة مع موقع إيلاف السعودي قائلا: «القناة الاخبارية «لن» تعمل بموجب سياسة وأجندة القنوات التي يملكها روبرت ميردوخ». وأكد خاشقجي أن القناة الجديدة «ستكون مستقلة فنيا ومهنيا تماما». وقال خاشقجي إن القناة «لن يكون لها إتجاه ليبرالي كما يشاع، لكنها ستعبر عن احتياجات الشعب السعودي والعربي من خلال توجه إصلاحي وتطويري يخدم التنمية البشرية العربية بعيدا عن عقم الإيديولوجيات والأجندات المسبقة». وفي مقابلة أخرى في صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، قال خاشقجي: «إنها ستكون قناة مثيرة للاهتمام، وستدفع نحو الإصلاح و«الأفكار الجديدة» في العالم العربي. هناك حاجة إلى قناة ذات عقلية سعودية تكون أكثر جزما وجرأة، وتبين لنا بعد البحث والدراسة أن الناس يريدونها». (تعليق المترجم: هذا اعتراف هام وخطير وغير مباشر من خاشقجي بفشل قناة «العربية» التابعة للسعودية. انتهى تعليق المترجم) وألمح خاشقجي أن القناة يمكن أن تستقر في واحدة من المدن الإعلامية في دبي أو أبو ظبي أو المنامة. وبدا تصريح خاشقجي بأن القناة الجديدة لن تتبع سياسة أو أجندة امبراطورية ميردوخ الإعلامية مناقضا لتصريح الأمير الوليد الضمني وغريبا بعض الشيء في ذلك الوقت إذا عرفنا عن العلاقة الوطيدة بين الأمير الوليد بن طلال وميردوخ. ومع ذلك، فإن هذا التخبط في التصريحات يدل على أن هناك الكثير مما حدث ويحدث وسيحدث وراء الأبواب المغلقة بعد الإعلان عن نية الوليد إطلاق القناة الجديدة.
في منتصف يوليو، أعلنت شبكة «بي سكاي بي» البريطانية (التي تملك شركة نيوز كورب 39% منها) أنها تجري محادثات مع مستثمر من أبو ظبي لإطلاق قناة إخبارية عربية تحت العلامة التجارية لـ«سكاي نيوز». وبحسب جريدة «ذا ناشينال» الأماراتية فإن هناك مستثمر سعودي يساند هذه القناة الجديدة. ولذلك، دفع هذا الخبر البعض الى التكهن بأنه لن يكون هناك قناتين بل واحدة. وكما يشرح الخبير الإعلامي كيش هايغي: «هل يمكن فعلا أن تكون هاتين القناتين واحدة ونفس الشيء؟ الأمير الوليد بن طلال أخبر قناة «بلومبرج» التلفزيونية في وقت سابق هذا العام انه يريد أن تستند قناته على نموذج عمل «سكاي نيوز» في الشرق الأوسط، وشبكة فوكس تعتبر عموما علامة لقناة ترفيهية، وليست علامة لقناة إخبارية ولهذه اللحظة، يبدو أن هناك مشروعين يحتمل أن يكونا متنافسين» ولكن لاعبين اثنين جديدين قد يمهدان الطريق لتوحيدهما ودمجهما نظرا لارتفاع تكاليف بث أخبار 24 ساعة.
وقال روب بينون المحلل الإعلامي المعروف في تصريح لجريدة «ذا ناشينال» الإماراتية: إن «إعلان سكاي نيوز السالف يرفع عدد قنوات الأخبار العربية الرئيسة إلى ما لا يقل عن أربعة ويمكن أن يكون هناك المزيد على الطريق. وهذا أكثر من طاقة سوق الأخبار في المنطقة (التي يمكن القنوات من العمل بدون أن تنهار) ولذلك نحن نتوقع أن يمهد هذا الطريق أمام توحيد ودمج بعضها». لكن ليس واضحا كيف سيتم تمويل القنوات الجديدة، فإطلاق قناة يتطلب عشرات الملايين من الدولارات. وعندما أطلقت حكومة الولايات المتحدة قناة الحرة في عام 2004، كانت الميزانية الأولية نحو 60 مليون دولار. وفي العام الماضي بلغت ميزانيتها 128 مليون دولار. وفي حالة قناة «الجزيرة»، التي كافحت من أجل النجاة لتدهور عائدات الإعلانات بسبب الضغط السعودي على المعلنين بعدم التعاون مع القناة. وهناك تقارير تفيد بأن الحكومة القطرية قد تضخ قريبا نحو 400 مليون دولار في ميزانية قناة الجزيرة لتواصل العمل بقوة خاصة بعد إطلاق قناة الوليد الجديدة لتكون الجزيرة في القمة بين المتنافسين على الفضاء الإخباري العربي، وبدون الإعتماد على الإعلانات. وكذلك تعتبر قناة «العربية» مشروعا مكلفا، مع اعتراف «إم بي سي» أنها تخسر منذ إطلاق قناة العربية، على الرغم من أن العربية تدعي جذبها إعلانات أكثر من الجزيرة بثمانية أضعاف.» وكما قال عبد الرحمن الراشد مدير قناة «العربية» لصحيفة فاينانشال تايمز: «إذا كنت تريد أن تعتمد قناة إخبارية على نفسها لتواصل العمل، فهذا يعني بالتأكيد أنها ستواجه صعوبات كبيرة في السوق». وأضاف الراشد: «اذا نظرتم الى قناة «العربية»، فإنها بدون دعم «إم بي سي» تعتبر خاسرة، وليس مجرد أية خسارة، بل يجب أن ننتظر 10 سنوات أخرى قبل أن تربح شيئا بنفسها».
صمت مريب للصحافة!!!
في حين أن إطلاق القناتين الجديدتين سوف يشعل – بدون شك- جدل كبير في المنطقة عندما تبدآن العمل حول توجهات تلك القناتين، فإن خبر شراء نيوز كورب حصص في روتانا، ومن ثم إعلان قرب إطلاق قناة إخبارية للأمير الوليد لم يثر رد فعل حسب ما يستحقه هذا الحدث الهام. تفاصيل الصفقة والقناة الجديدة نشرت في الصفحات «الإقتصادية» للصحف والمجلات والمواقع الإخبارية على الانترنت. وكما يقول الكاتب والمؤلف الفلسطيني الأمريكي الدكتور رمزي بارود «تعتبر روتانا، وفقا لمعايير العالم العربي، شركة إعلامية عملاقة، وعدم وجود أي محاولة لتحليل العلاقة بينها وبين إمبراطورية ميردوخ الإعلامية التي ألحقت بصورة العرب الكثير من الضرر وساهمت في تحريض وتشكيل رأي عام أمريكي مساند للحرب على أفغانستان والعراق، وما زالت تواصل نفس السياسة الإعلامية المناهضة للعرب حتى يومنا هذا، وهذا يدل بوضوح أن الصحفيين العرب خائفين من مجرد الخوض في هذا الموضوع».
ويضيف بارود: «وحتى هؤلاء الذين يملكون بعض الجرأة لنقد هذه الشراكة الخطرة قد لا يملكون حضورا قويا ولا مستوى من التغلغل والنفوذ لتوعية الناس عن خطورة دخول ميردوخ الفضاء العربي وتشكيل رأي عام مناهض لهذا الحدث الكارثي. ومن المدهش والمريب صمت حتى بعض وسائل الإعلام اليسارية والقومية. ولكن مرة أخرى، فإن كل هذا يوضح عدم وجود تقدير لدور وسائل الإعلام في صياغة وتكوين فكر المجتمع. ولو كانت هذه الشراكة حدثت في أجزاء أخرى كثيرة من العالم، فإنها ستصبح موضوعا رئيسا للمناقشة والجدل، كما كان الحال في الواقع كلما عملت «نيوز كورب» تحركات مماثلة سابقا». في الواقع، عندما اشترت «نيوز كورب» شركة «داو جونز»، صاحبة صحيفة «وول ستريت جورنال» في 2007، بدأ مدونون الكتابة على عجل وكذلك فعل كتاب الرأي للتحذير من خطورة ميردوخ على المهنية الإعلامية. ولكن عندما وصل الأمر إلى اتفاق شركة روتانا مع نيوز كورب مر الأمر بسلام كأنه لم يحدث ولم يعلن عنه وكأنه أمر ثانوي قليل الأهمية. وفيما عدا استثناءات محترمة وقليلة، فإن وسائل الاعلام العربية كانت هادئة بخصوص هذه الصفقة، على الرغم من انعكاساتها الخطيرة المحتملة على الإعلام في منطقة الشرق الأوسط.
ربما يعتقد الصحفيون أن القناة الاخبارية الجديدة لن يكون لها تأثير كبير عندما تنطلق نظرا للعدد الكبير من القنوات الفضائية التي تبث إرسالها بالفعل في المنطقة. ولكن ربما يحق لمراقب مثلي يعتقد أن في الشرق الأوسط تحديدا، بخلاف جميع الأماكن، كان من الواجب حدوث رد فعل أكثر من الصمت المريب لدخول إمبراطورية ميردوخ الإعلامية التي كان لها الدور الأبرز في قرع طبول الحرب لغزو أفغانستان والعراق أكثر من أية مؤسسة إعلامية أخرى، وعلاوة على ذلك، تؤيد الصهيونية بحماس بالغ. مثل هذه المعلومات المعروفة ليست عصية أو مجهولة على الصحف المستقلة اليسارية اللبنانية مثل «السفير». ففي تعليق هام على الصفقة للكاتب السياسي اللبناني البارز «ساطع نور الدين» جادل نور الدين بأن الامير الوليد بن طلال «لن يكون قادرا على مواجهة ومقاومة أيديولوجية «نيوز كورب» الشهيرة والعتيدة إذا كان يقول بنفسه إن وسائل الإعلام الأمريكية والغربية ككل ضد العرب، وضد المسلمين، ومؤيدة لإسرائيل». ولذلك، هذا التعاون مع نيوز كورب لا يخدم الجهود المبذولة لتحريك المجتمع السعودي والمجتمعات العربية والخليج بصفة عامة نحو جو من الليبرالية، ولكنه بدلا من ذلك قد يدفع بالمزيد منهم إلى أحضان أسامة بن لادن».
الصمت الإعلامي في المنطقة يعكس في العديد من الطرق مسار إعلام الشرق الأوسط منذ نشأته: من طابع قومي عروبي في النصف الأول من القرن العشرين في تناغم مع عالم «ما بعد الاستعمار»، إلى طابع حكومي يخدم مصالح الدولة والنخبة الحزبية في حالات بلدان مثل لبنان. ثم جاءت وسائل الإعلام الخاصة والتجارية في التسعينيات مع ظهور الفضائيات والكابلات، مثل شبكة «إم بي سي» السعودية، وشبكة «آي آر تي» التي يملكها السعودي صالح عبد الله كامل، وشبكة «أوربت»، وهي عضو في مجموعة موارد السعودية والتي اندمجت مؤخرا مع شبكة «شو تايم» الكويتية. وبينما وسائل الاعلام الغربية أصبحت تندمج بصورة متزايدة لكي يصبح هناك لاعبين كبار قليلين، فإن الهيئات الإعلامية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط كانت منذ وقت طويل محتكرة عند قلة معظمها سعودية وتربطها علاقات وثيقة مع العائلة الحاكمة، والتي لها مصلحة في الحفاظ على واستمرارية الوضع الراهن. على سبيل المثال، الأمير الوليد بن طلال يسيطر على حصة في «إل بي سي-سات» كما سلف، ويملك حصصا في صحف لبنانية كالنهار والديار، في حين أن الأمير خالد بن سلطان هو أيضا مساهم في «إل بي سي» وصاحب جريدة «الحياة» العربية الدولية. مثل هذا الوضع من توحيد ملكية وسائل الاعلام يعني دائما أن الصحفيين والمحررين لا يستطيعون أن يكتبوا بصراحة غير مألوفة حتى لا تتعرض فرص عملهم للخطر في المستقبل لو نقدوا تلك الصفقة.
ويؤكد بارود إن «تحالف وسائل الإعلام والإستحواذ عليها بالشراء واندماجها نما بسرعة حتى أصبح الطريقة المعتادة لعمل وسائل الإعلام العالمية اليوم، وهذا تطور خطير في حد ذاته لأنه يحد من تنوع الآراء، والديمقراطية – أو الديمقراطية المحتملة – وحرية التعبير» ويضيف بارود: «ومع ذلك، في حالة تحالف روتانا ونيوز كورب، فإن حجم الضرر أسوأ من ذلك بكثير، وأشد إلحاحا للنقاش والنقد. فالعالم العربي لم يفطن حتى الآن بالصورة المطلوبة ليحس بمدى هذه المشكلة الخطرة. إنه أمر مؤسف جدا. نيوز كورب التابعة لروبرت ميردوخ أكثر من شركة إعلامية تركز على الربح فقط. فهي تتميز عن غيرها بأجندة وأيديولوجية واضحة لا يمكن حجبها. وبإتاحة هذه الفرصة لها تحت ستار نقل التكنولوجيا، أو أي عذر كان، فإن روتانا تكون قد أدخلت لاعبا جديدا وخطيرا إلى فضاء الإعلام العربي، الذي تفتقر قنواته بالفعل إلى هوية أصيلة ولا يمكنها الوقوف في وجه عملاق عالمي مثل نيوز كورب، وهذا الأخير لا يتوقف عند حدود 9% من أسهم أي هيئة إعلامية يرتبط بها، لأن نموذجها المسيطر يعتمد على التوسع المستمر والسريع. ومن الصعب تخيل بزوغ أي سيناريو جيد نتيجة تحالف روتانا مع نيوز كورب» انتهى كلام بارود.
في الواقع، أشار الأمير الوليد بن طلال في بيانه الأولي عن هذا التحالف أن دوافع شراء نيوز كورب حصص في روتانا له حافز أكبر من مجرد الأرباح فقط. الأمير قال: «هذه الصفقة مع «نيوز كورب» قيّمت روتانا بمبلغ أكثر من 800 مليون دولار. ولكن الصفقة هي أكثر بكثير من مجرد تمويل إضافي لروتانا، لأن روتانا لا تحتاج إلى تمويل، ولها ديون تقارب الصفر». وأكد ميردوخ تصريح الأمير الوليد بن طلال عندما كان يتحدث في مؤتمر القمة الإعلامية في أبو ظبي: «لكي أكون صريحا، روتانا لا تحتاج حقا تمويلنا. نحن نتشارك مع روتانا لأجل شيء أكثر طموحا: الاستفادة من المواهب العربية لكي نقدم منتوجات عربية مبتكرة للأسواق هنا وفي الخارج». الصفقة مع روتانا تسمح لـ «نيوز كورب» رفع حصتها بعد 18 شهرا إلى 18.8% أي ما يعادل 70 مليون دولار إضافية.
هناك الكثير من الأسئلة لا تزال إجاباتها غامضة حول دخول «نيوز كورب» إلى المشهد الإعلامي في المنطقة وكيفية عمل القنوات الإخبارية القادمة. هناك بالفعل حديث أن مشروعات الأمير الوليد بن طلال سوف تسعى لاستمالة بعض المذيعين وكبار مقدمي الأخبار من قناة «الجزيرة» وقناة «العربية»، في حين أن قناة الجزيرة قد أشارت إلى أن الشبكة سوف تزيد في ميزانيتها لتكون أكثر من مستعدة للمنافسين الجديدين القادمين. وبالطبع قد يكون ظهور قناتين جديدتين مفيدا للحريات الإعلامية في المنطقة، مما يجعل من الصعب على الحكومات السيطرة على أربع قنوات فقط بدلا من قناة الجزيرة وقناة العربية. ولكن رغم ذلك، قد لا يحدث أي فارق بالنظر إلى أصل وملكية تلك القنوات. ويمكن استخدام القنوات كأدوات لتأجيج التوتر بين دول الخليج — وأفضل دليل المشاحنات السابقة بين السعودية وقطر على قناة الجزيرة وقناة العربية — وعلى نطاق أوسع حول قضايا جيوسياسية، مثل ايران والعراق واليمن. ولكن السؤال الأهم من ذلك: «هل ستتمكن هذه القنوات الجديدة من تقديم تغطية “موضوعية” لأخبار الدول التي توجد فيها مقراتها؟»
لقد تم حظر كل من قناة الجزيرة وقناة العربية في بعض البلدان لتقديمها حقائق غير مريحة للبعض. ولكنهما لا تطبقان نفس المعايير المهنية عند تغطية بلديهما. ولكن معرفة الأخبار المقبولة من غير المقبولة يعتبر مساومة مهنية تتقنها “نيوز كورب” بعدما نجحت في إبرام صفقة سحرية مع الرقابة الصينية لتمنح شبكته «ستار تي في» حق البث بدون مضايقات في أكبر دولة في العالم رغم وجود قانون يمنع بث قنوات غير حكومية، (ولكن ميردوخ حاورهم واستجاب لأهم تحفظ لديهم وحذف قناة «بي بي سي» من شبكته حتى لا تزعجهم مستقبلا). وعلاوة على ذلك، ميردوخ والوليد بن طلال رجلين قويين ومؤثرين، ويمكنهما مواجهة السلطة ولكن في كثير من الأحيان يفضلان التصالح معها وتشكيل خطابها. ميردوخ على أية حال كان لديه – كما قال- خط ساخن مباشر مع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير خلال الفترة التي قضاها في منصبه، وتحدثا معا ثلاث مرات في تسعة أيام في الفترة التي سبقت غزو العراق. في نهاية المطاف، ربما من السابق لأوانه التنبؤ بدقة بماهية هذين المشروعين الجديدين. ولكن المؤكد أن الإحتكار الثنائي لقناتي العربية والجزيرة لأخبار المنطقة سوف يهتز بقوة قريبا.
بول كوكرين: كاتب بريطاني مستقل مقيم في بيروت منذ عام 2002. يحمل بكالوريوس وماجستير في تاريخ الشرق الأوسط. يكتب بانتظام في صحف عربية وغربية عن الثقافة والسياسة والإعلام والأعمال. يساهم في تحرير فصلية «آرب ميديا آند سوسيتي» (الإعلام والمجتمع العربي) التي نشرت هذا المقال الرائع على موقعها في النت (العدد 11، صيف 2010(.
حمد العيسى: كاتب وباحث سعودي