جين شارب: الرجل الذي ينسب اليه اسقاط النظام المصري
رواريد أرو
ترجمة: مجدي محمود: في منزل قديم في شرق بوسطن، يعيش رجل مسن (81 عاماً) منحني الظهر، في غرفة مكتبه المتهالك، والذي يعتني فيه بزهور اوركيد نادرة. كلبته، سالي، راقدة على الارض بين كومات من الاوراق، تتبعه بنظراتها.
هذا هو د. جين شارب، الذي ينسب اليه اسقاط النظام المصري.
جين شارب هو الخبير الاول على مستوى العالم في الثورات السلمية. ترجمت اعماله الى اكثر من 30 لغة، وتسربت عبر حدود دول، مخفاة عن اجهزة الامن السري في جميع انحاء العالم.
عندما سقط سلوبودان ميلوسيفتش في صربيا وفيكتور يانوكوفيتش في اوكرانيا ضحايا ثورات ‘الألوان’ التي اكتسحت شرق اوروبا، نال جين العرفان من الحركات الديموقراطية التي اطاحت بهما، ورغم ذلك ظل غير معروف للجمهور بشكل عام.
رغم هذه النجاحات، وترشحه لنيل جائزة نوبل للسلام، عام 2009، الا انه عانى ازمات وصعوبات مادية علاوة على اتهامات بكونه واجهة لجهاز الـ CIA. معهد البرت اينشتاين الذي يحتل الطابق الارضي في منزله ما زال مستمرا معتمدا على قوة شخصية وعزيمة وتصميم مديرته التنفيذية، شديدة الاخلاص، جميلة رقيب.
في 2009 بدأت في تصوير فيلم تسجيلي متتبعا تأثير اعماله، الذي انتجها في منزله الهادئ الذي تغطيه زهور الاوركيد، هذا التأثير الذي عبر 4 قارات حتى وصل إلى ميدان التحرير، حيث نمت الى جانب متظاهرين قرأوا اعماله على ضوء البطاريات، في ظلال الدبابات.
جين شارب ليس غيفارا ولكن تأثيره قد يتخطى ويفوق تأثير اي منظر سياسي من جيله.
رسالته الاساسية هي ان قوة الدكتاتوريات تأتي من خضوع ارادي للمحكومين ـ وانه لو طور الشعب تقنية لسحب هذه الخضوع الطوعي، فسيسقط النظام.
لعقود قام العديدون، ممن يعيشون تحت انظمة سلطوية، بالحج الى جين شارب يسألونه النصح. كتاباته ساعدت الملايين حول العالم للحصول على حريتهم من دون عنف. ‘لجوؤك إلى العنف يعني اختيارك ان تحارب ضد افضل اسلحة خصومك ويجب عليك ان تكون اذكى من ذلك،’ هذا ما يقوله.
‘قد يندهش الناس الى حد ما عندما يأتون الى هنا. أنا لا اقول لهم ماذا يفعلون. يجب عليهم ان يتعلموا آلية الكفاح غير المسلح حتى يستطيعوا ممارسته بأنفسهم.’
انتشار النار
لبلوغ هذا، فان شارب يقدم في كتاباته قائمة من 198 ‘سلاحاً غير عنيف’، بدءا من استخدام الشارات اللونية واستخدام الرموز الى كيفية استخدام الجنازات الرمزية والمقاطعة.
هذه التقنيات هي المقابل للاسلحة العسكرية، وهي تقنيات مستقاة من دراسة تفصيلية ـ تشريحية ـ لمقاومة الطغيان على مدى التاريخ.
‘هذه الاسلحة مهمة جدا لانها تمنح الناس بديلا، ومن دونها، وان لم يروا انهم اقوياء جدا، فانهم سيعودون للعنف والقتال كل مرة’.
بعد الثورة الخضراء في ايران في 2009 اتهم العديد من المتظاهرين اثناء محاكمتهم باستخدامهم اكثر من 100 طريقة من الـ 198.
اكثر كتبه ترجمة وتوزيعا هو ‘من الدكتاتورية الى الديموقراطية’، كان قد كتبه للحركة الديموقراطية في بورما عام 1993، بعد سجن ‘كي’ .
وقد ادى عدم معرفته بأحوال بورما الى ان كتب دليلا لإسقاط النظام الديكتاتوري، كان عاما بشكل كبير. هذا الضعف تحول الى مصدر قوة للكتاب، بان سهل ترجمته وتطويعه لينطبق على اي دولة على اختلاف الثقافات والاديان.
هذا الكتاب تحول الى شعلة من النار، بالتعبير الحرفي والمجازي.
من بورما الى تايلاند الى اندونيسيا، انتشرت كتاباته، واستخدمت فيها ضد انظمة الحكم الديكتاتورية العسكرية. نجاحها في اسقاط ميلوسيفتش في صربيا في عام 2000 كان قوة الدفع التي ادت الى استخدامها عبر اوروبا الشرقية والشرق الاوسط.
عندما وصلت كتاباته الى روسيا، اغارت الاستخبارات السرية على دار الطباعة اما المكتبات التي كانت تبيعها فقد احترقت بشكل غامض.
اما الايرانيون، فقد بلغ قلقهم حد انتاج فيلم دعائي عن جين شارب يصوره يتآمر ويخطط لقلب نظام الحكم في ايران، من البيت الابيض.
الرئيس هوغو شافيز، استغل احد لقاءاته التلفزيونية الاسبوعية، ليحذر البلد ويعلن ان جين يشكل تهديدا للامن القومي لفنزويلا.
الصلة الصربية
عقب اتهامات بتزوير الانتخابات في وطنها، الجابون، سافرت جلوريا ميكا، سوبر موديل وناشطة، الى بوسطن لمقابلة جين.
‘شعرت بأنني ذاهبة لمقابلة الشخصية الرئيسية في مجال المقاومة غير المسلحة في العالم’ كما قالت. ‘هذا مهم لان هناك بعض الجابونيين يتحدثون عن اختيار العنف. يقولون فلنذهب لقتل بعض الناس ولكني شعرت بالقدرة على القول لهم: (لا تتسرعوا يا قوم، فهناك اختيار اخر).’
الصرب الذين استخدموا كتاباته كأساس نظري لنشاطهم كوّنوا منظمة ‘كانفاس’ والى جانب المواد الخاصة بهم، قاموا بتنظيم ورش عمل قائمة على اعمال جين في العديد من الدول الاخرى.
عندما قابلت س. بوبوفيتش، مدير كانفاس، في بلغراد في تشرين الثاني (نوفمبر) اكدت لي انهم عملوا مع المصريين. ‘هذه هي قوة اعمال جين، وافكاره المتعلقة بالنضال السلمي’. ‘لا يهم من انت ـ اسود، ابيض، مسلم، مسيحي، شاذ، مستقيم او اقلية مقهورة ـ يمكنك استخدامها. لو درسوها، اي فئة تستطيع النجاح.’
نسخ بالعربية
عند وصولي الى ميدان التحرير يوم 2 شباط (فبراير) كان بعض من تدربوا على اعمال جين رهن الاعتقال. البعض الاخر كان تحت ملاحظة الاستخبارات كما تم التحفظ على بعض الصحافيين الذين قاموا بزيارتهم لعدة ساعات. اما معدات التصوير الخاصة بي فقد تم التحفظ عليها حال وصولي.
عندما تمكنت من مقابلة احد المنظمين رفض الحديث عن شارب امام الكاميرا. كان يخشى ان انتشار المعرفة بتأثير الولايات المتحدة سيسبب هزة للحركة واكد لي ان كتابات جين قد وزعت بالعربية.
‘احد اهم الادوات التي استخدمناها كانت فكرة جين الخاصة بتحديد اعمدة النظام، لو تمكنا من بناء علاقة مع الجيش، عمود التأييد الاساسي لمبارك، وتمكنا من دفعهم إلى الوقوف الى جانبنا، عندها سنعلم ان نهايته ستكون سريعة’، هذا ما قاله لي.
تلك الليلة استقريت في احد اركان ميدان التحرير لأحصل على قسط من النوم، جاءني بعض المشاركين، وعرضوا عليّ رسائل من الجيش تقول ان الجيش لن يطلق عليهم النار. قالوا لي ‘نحن نعرفهم ونعرف الان انهم معنا’.
احد المحتجين، محمود، كان قد اعطى له نسخ منشورات تحتوي على قائمة تحوى الـ 198 اداة، لكنه لم يكن يعلم بمصدرها الاصلي. شرح لي، بفخر، كيف ان العديد من هذه الادوات استخدمت في مصر ولكنه لم يسمع عن جين من قبل.
عندما ذكرت له ان هذه القائمة هي كتابات اكاديمي امريكي اعترض بشدة. ‘هذه ثورة مصرية’، قال لي مضيفا ‘نحن لا نتلقى ما نفعل من الامريكيين.’
وهذا بالتأكيد ما يريده جين.
‘ ترجمة لمقال المخرج Ruaridh Arrow ، والذي سيبدأ عرض فيلمه ‘جين شارب: كيف تبدأ ثورة’ في ربيع 2011 .
ـ المقال منشور بتاريخ 21 شباط (فبراير) 2011 وموجود هنا:
http://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-12522848
القدس العربي