الإخوان بين الحقيقة والخرافة
عبد الرحمن الراشد
المقال الذي كتبه الباحث لورينزو فيدينو في صحيفة الـ«واشنطن بوست» تحت عنوان «الخرافات الخمس حول الإخوان المسلمين» أثار جدلا في أكثر الأوقات تميزا بالتغيرات السياسية في العالم العربي التي قد تكون إيجابية أو سلبية، ومن المبكر أن نحكم عليها هذه اللحظة.
بالنسبة لي أرى من حق الإخوان المسلمين الوصول إلى الحكم، حتى في دولة محورية مثل مصر، ما دام ذلك في إطار قانوني يعطيهم الفرصة مثل القوى السياسية الأخرى. وهذا ما سعى الكاتب فيدينو إلى قوله أيضا، إلا أن الاختلاف معه هو في توصيف الحركة الإخوانية وتقديمها للمجتمع الغربي على أنها ضحية أسطورة تحاول عبر سرد سلسلة من الخرافات تخويف الغرب من الإخوان ومحاصرتهم سياسيا.
وقد يكون صحيحا أن الأنظمة السياسية سعت لتخويف العالم من الإخوان في فترة الاضطراب السياسي وزمن الإرهاب المنسوب ظلما إلى كل الإسلاميين في العقد الماضي، لكن أيضا الحقيقة أن ليس كل ما قيل في حق الإخوان خرافات.
والإخوان هم الذين سعوا إلى تجميل صورتهم كجماعة تؤمن بالحقوق والحريات، بعد أن رفعت الولايات المتحدة شعار دعم الديمقراطيات في منطقة الشرق الأوسط ووجدوا في ذلك نافذة للوصول إلى الحكم بطريقة ديمقراطية. والحكم طبعا حق لهم مثل غيرهم، خاصة في بلد كان يدعي أن تداول السلطة حق للجميع وفق نظام ديمقراطي إبان حكم مبارك.
الإخوان المسلمون في مصر، وشقيقاتها في الدول العربية الأخرى، حركة سياسية تملك هدفا صريحا وواضحا هو الوصول إلى الحكم، وهذا حقها الشرعي كما أسلفت، إلا أن برنامجها السياسي يهدف إلى التمسك بالحكم وليس الوصول إليه فقط؛ باختراع أدوات إضافية مثل المرجعية الدينية للدولة، وفرض كبار علماء الدين على السلطة التشريعية، وبهاتين الصفتين صار النظام السياسي الموعود يطابق النموذج الإيراني. ديمقراطية مرهونة بقوانين دينية وبرلمان مرجعيته الأخيرة رجال دين. هذه ليست خرافة بل هي نصوص صريحة في برنامج الإخوان المسلمين في مصر.
طبعا عند قراءة برنامج الحزب ستجد فيه العبارات التجميلية مثل الانتخاب الحر، وتداول السلطة، لكن التجربة الإسلامية الإيرانية فيها انتخابات وتداول سلطة محصورة في إطار فريق صغير يحتكر الحكم لنفسه من رجال الدين وأتباعهم.
لقد قبل العالم، والغرب أيضا، الحركة الدينية الإيرانية عندما وصلت إلى سدة الحكم في إيران على اعتبار أن أي حزب ديني بالنسبة للغرب كان أفضل من أي فريق شيوعي أو يساري آنذاك. وها نحن منذ عام 79 والعالم في فوضى من جراء استيلاء الخميني ورفاقه على حكم دولة مهمة مثل إيران. ولا أستبعد أبدا أن الإخوان، مثل الحركة الإسلامية الإيرانية، تؤمن بنفس القيم القائمة على فرض الدين على المجتمع والسياسة، وتعتبر الديمقراطية مطية للوصول إلى الحكم والبقاء فيه بشكل أبدي.
وقد يستنكر أحد لماذا أنا ضد مثل هذه الجماعة الإسلامية، والحقيقة أنني لست ضد وصولها للحكم بل هو حقها، وحضورها ضرورة، لا منة لأحد فيه إن وجد نظام يسمح للجميع بالانتخاب. مشكلتي معها في فكرها الفاشي الذي يقصي الآخرين، وحكم الجميع باستخدام الدين، أي إن الدين هو الوسيلة للوصول إلى السلطة والاستمرار فيها. وبدون ضمانات حقيقية دستورية، وحارس يسهر عليه، مثل الجيش، لن يأمن الإنسان على نفسه من حزب سيتحول إلى مثل إيران؛ بضعة أشخاص يتحكمون بقسوة في حياة الملايين، ويدمرون مقدرات بلدهم تحت شعارات وحروب لأهداف إقامة الخلافة وغيرها. في هذا العصر لم يعد مقبولا لأي تنظيم فاشي سواء كان شعاره قوميا أو دينيا أن يؤتمن على الحكم، ولن يكون خطره داخل حدود بلده بل سيتجاوزه إلى العالم.
الشرق الأوسط