قوى اعلان دمشق تعلن “الثورة” على النظام مع وقف التنفيذ
سليمان يوسف يوسف
ينشغل السوريون كثيراً هذه الأيام في متابعة الأحداث الأمنية والتطورات السياسية المتسارعة التي تحصل في محيطهم،حيث ثورات وانتفاضات شعبية،أيقظت في نفوس وعقول الكثير منهم نزعة الحرية التي افتقدوها منذ زمن طويل، وفتحت شهيتهم السياسية على التحرك واستنساخ هذه الثورات الشبابية في بلدهم. لما لا وأوضاعهم أكثر سوءاً وبؤساً من أوضاع الأشقاء الذين ثاروا على حكامهم وأجبروهم على الرحيل والتنحي.هذا ما تقوله وتفصح عنه سيل البيانات والمقالات والتصاريح التي صدرت ومازالت تصدر عن نشطاء ومثقفين ونخب من مختلف الطيف السوري تشيد بثورات الأشقاء وتمجدها،بينما تندد بقمع أنظمة الاستبداد لشعوبها وتستنكر البطش بالمتظاهرين.توق الشعب السوري للحرية وعشقه لها، لا يعني بالضرورة أنه قرر خوض معركتها.كما لا يعني قطعاً أنه تخلى أو تنازل عن حقه المشروع في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم.وانما الشعب السوري أو جله مازال يتأمل وينتظر من رئيسه(بشار الاسد) اصلاح وتطوير نظامه (السياسي والاقتصادي والتشريعي والقضائي) وتنفيذ ما وعد به من أن “الانتخابات الحرة في سوريا قادمة” وتخليص البلاد من الفاسدين،من مَن سماهم بـ”حراس مصلحهم”.لكن يبدو أن معارضتنا الوطنية في الداخل، الممثلة بـ”اعلان دمشق للتغير الديمقراطي”- اطار سياسي معارض للحكم القائم، يضم قوى عربية وأخرى كردية وآشورية ومنظمات حقوقية ولجان مجتمع مدني وشخصيات مستقلة، تأسس في16 تشرين الأول 2005 – نفذ صبرها وفقدت ثقتها وأملها بهذا النظام.
لهذا هي قررت كسر حاجز الصمت – وليس الخوف- الذي التزمت به حتى الآن، حيال دعوات التظاهر والاحتجاج التي صدرت وتصدر عن قوى ومجموعات سورية معظمها يقيم في الخارج،معلنة(قوى اعلان دمشق) “الثورة” على النظام،عبر “نداء” صدر عن الأمانة العامة للإعلان يوم 25/2/2011 تدعو فيه السوريين للتحرك في احتجاجات واعتصامات شعبية سلمية لأجل انجاز عملية التغيير الديمقراطي وانهاء حالة الاستبداد في البلاد.جاء فيه”إيماناً منا بضرورة التغيير وحتميته، وتحسساً لمسؤولياتنا الوطنية فإننا: نتوجه إلى جميع السوريين، وخاصة الطاقات الشابة الواعدة منهم، بنداء من أجل الثقة بالنفس وبقدرة الشعب على إجراء التغيير وصنع مستقبل بلدنا أسوة بإخوتنا في البلدان العربية التي انتفضت وحققت ما تريد. ونتوجه إلى جميع قوى المعارضة أحزاباً ومنظمات وشخصيات وطنية وطاقات شابة، على أمل اللقاء في لجنة وطنية للتنسيق من أجل التغيير….. إنها ساعة الحقيقة. فمستقبل سورية ينادي شعبها. فتحية لمن يبادر في تلبية النداء.”.
النقطة أو الملاحظة الأساسية على هذا “النداء الثوري” التي تستوجب التوقف عندها، أنه لم يعين موعداً أو تاريخاً محدداً للتحركات والاعتصامات الشعبية السلمية التي دعا اليها.أن ترك “ساعة الصفر” أو “ساعة الحقيقة”،كما سماها النداء،من غير تحديد يضع إشارة استفهام كبيرة لا بل يثير شكوكاً قوية حول جدية قوى اعلان دمشق في النزول الى الشارع والمطالبة بتغيير واسقاط النظام القائم أو إرغامه على تنفيذ اصلاحات سياسية وتشريعية حقيقة تكفل التداول السلمي للسلطة وتتيح للشعب السوري اختيار وتحديد مستقبله السياسي بحرية.كما أن عدم اتفاق “ثوار اعلان دمشق” على تحديد “ساعة الصفر” لانطلاقة ثورتهم يؤكد حالة الارتباك والإحباط التي يتخبطون بها،الى درجة أنهم قرروا وقف ثورتهم قبل أن تبدأ.بتعبير آخر أنهم أعلنوا الثورة لكن مع وقف التنفيذ حتى اشعار آخر.ربما الى حين يتمكنوا من تحطيم “حاجز الخوف” بعد أن تخطوا “حاجز الصوت”.وما يزيد الشكوك بجدية المعارضة السورية في ترجمة ندائها الى خطوات عملية ثورية،(تنفيذ احتجاجات سلمية في الشارع ومواجهة قمع السلطة وبطشها)- غالباً سيكون أشد قسوة من بطش النظامين( التونسي والمصري) بمعارضيهم-، تخليها عن الاعتصامات الرمزية التي نفذتها في العاصمة دمشق قبل سنوات،حيث أخفقت في تطوير وتوسيع دائرة المشاركين في تلك الاعتصامات والاحتجاجات السلمية.واليوم اعتقد بأن قوى الإعلان وغيرها من المعارضات السورية التقليدية باتت على قناعة تامة بأن السوريين لم يعد يراهنوا أصلاً عليها في إطلاق شرارة الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية ضد النظام،خاصة بعد أن تبين بأن ثورات تونس ومصر لم تتفجر بقرار من قوى المعارضة التقليدية أو استجابة لنداء أطلقته، وانما صنعتها الجماهير الشعبية الأكثر فقراً وبؤساً، في طليعتها الشباب الطامح الى الحرية الحقيقية والعيش الكريم.
قطعاً، لا نريد التنظير أو التحامل على معارضتنا الوطنية في الداخل، وهي التي تحدت عسف السلطة وقمعها، ومازالت على تحديها بإمكانياتها وقدراتها المتواضعة، رغم زج العشرات لا بل المئات من ناشطيها لسنوات طويلة في السجون واستمرار الحصار الأمني والسياسي والإعلامي على حراكها الديمقراطي. لكن ليسمح لنا ثوار اعلان دمشق القول: بأن ندائهم الثوري المشار اليه هو ليس أكثر من”قنبلة صوتية” في هذا الزمن السوري الصعب والحساس جداً، ألقوا بها في الساحة السياسية السورية،ليقولوا بأنهم مازالوا متواجدين وبأن حلفهم” اعلان دمشق” ما زال قائماً وثمة روح سياسية ونضالية مازالت تسري في عروقه المتجمدة وفي بنيانه التنظيمي المتشظي.ثمة قراءة أخرى لـ”نداء” المعارضة، ترى بأن قوى “اعلان دمشق” باتت مقتنعة بأن سوريا لا يمكن لها أن تبقى محصنة لفترة طويلة في وجه تأثيرات ما يحصل في محيطها من تفجرات وانتفاضات اجتماعية وثورات شعبية،خاصة وان نظامها يمتنع أو يرفض،حتى الآن، القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية وقانونية مهمة تلبي مطالب وتطلعات الشعب السوري الى الحرية والديمقراطية والعيش الكريم، رغم إنه يعي تماماً بأن لا مهرب من الاستجابة لمطالب الشعب السوري.بمعنى أن قوى اعلان دمشق خشيت من أن يخرج السوريون للتظاهر والاحتجاج وهي غارقة في سباتها السياسي،الأمر الذي سيسبب لها إحراجا سياسياً كبيراً وقد تتهم بالتخاذل وتنعت بالجبن.تلافياً لهذه الاشكالية وتجنباً للحرج الذي قد تجد نفسها فيه، ارتأت قوى الاعلان أن تصدر النداء الثوري المشار اليه. لكن فات معارضتنا الوطنية بأن بندائها الثوري هذا وضعت نفسها في موقف أكثر إحراجا مع الشارع السوري، الذي سئم النظام القائم و الطامح الى تغييره وإنهاء حالة “الاستبداد” في البلاد،التي اعلنت قوى الاعلان نفسها في (وثيقتها التأسيسية) القطيعة النهائية مع هذا الاستبداد.تقول الوثيقة:”إننا نتعاهد على العمل من أجل إنهاء مرحلة الاستبداد، ونعلن استعدادنا لتقديم التضحيات الضرورية من أجل ذلك، وبذل كل ما يلزم لإقلاع عملية التغيير الديمقراطي،وبناء سورية الحديثة وطناً حراً لكل أبنائها،والحفاظ على حرية شعبها،وحماية استقلالها الوطني”.من هنا أرى أن قوى المعارضة الوطنية، وبشكل خاص الممثلة بـ”اعلان دمشق للتغير الديمقراطي” بعد نداءها الثوري، ستخسر ما تبقى لها من رصيد شعبي في المجتمع السوري، ما لم تترجم نداءها الى خطوات عملية وتبادر هي أولاً،بما لديها من كوادر ومناصرين،النزول الى الشارع للاحتجاج والتظاهر والدفاع عن مطالب ومصالح الشعب السوري، التي ترى بأنها منتهكة ومصادرة من قبل النظام القائم؟.
سوريا
ايلاف