التفاوض السوري الإسرائيلي

الأسباب المتعارضة لاهتمام سوريا واسرائيل بالوصول إلى اتفاق

null
مارينا أوتاواي
أي اتفاق يخفّف من حدة التوتّرات في الشرق الأوسط هو خبر سار بالنسبة إلى لبنان الذي تتقاطع سياسته الداخلية إلى حد كبير مع السياسات الداخلية في المنطقة. وهكذا يجب أن يكون احتمال التوصّل إلى اتفاق بين سوريا وإسرائيل محط ترحيب من اللبنانيين. لكن يجب ألا نتوهّم بأن اتفاق سلام بين هذين البلدين، أياً تكن الشروط، سوف يحلّ كل مشكلات لبنان التي هي داخلية في شكل أساسي.
سوف تستمر مصادر النزاع الداخلية. وسوف يستمر الفاعلون الدوليون، وبينهم سوريا وإسرائيل، في التدخّل في محاولة منهم لاستغلال مشكلات لبنان تحقيقاً لمصالحهم. علاوةً على ذلك، أفضل ما يستطيع الاتفاق تحقيقه هو سلام بارد بين سوريا وإسرائيل، وليس التقاء في الآراء والهدف بين البلدين. بعبارة أخرى، لن يكون الاتفاق بين سوريا وإسرائيل دواء لجميع الأمراض، مع أنه قد يشكّل الخطوة الأولى نحو تسوية إقليمية دائمة وتسوية داخلية دائمة في لبنان.
سوريا وإسرائيل مهتمتان بالتوصّل إلى اتفاق لأسباب متعارضة، وليس لأنه أصبح لديهما فجأة هدف مشترك. السبب الأول الذي يجعل الرئيس بشار الأسد يرغب في الاتفاق هو أنه يريد استعادة السيطرة على مرتفعات الجولان، الأمر الذي من شأنه أن يعزّز بلا شك موقعه في الداخل. ويريد أيضاً النجاح في السياسة الخارجية التي كانت باهتة في شكل عام، وكارثية في بعض الأحيان. لقد أُرغِم على سحب الجنود السوريين من لبنان، ويواجه احتمالاً واضحاً جداً بأن توجّه المحكمة الدولية للنظر في اغتيال الحريري أصابع الاتهام إلى سوريا.
صحيح أن المحكمة ستعمل، على غرار كل المحاكم الدولية المماثلة، ببطء وقد لا تتوصّل إلى نتائج حاسمة حول تورّط الحكومة السورية ومسؤوليتها. إلا أنها ستعرّض سوريا لدعاية دولية سلبية غير مرغوب فيها، ومن شأن أخبار السلام مع إسرائيل أن تساهم إلى درجة معيّنة في التخفيف من حدّة هذا الأمر. وتحتاج سوريا أيضاً إلى تحسين علاقاتها مع البلدان العربية الأخرى، ولا سيما السعودية. غير أن هذه البلدان أظهرت مراراً وتكراراً أنها لا تسعى إلى إقصاء سوريا في شكل دائم، بل تبحث عن فرصة لتحسين العلاقات معها.
ومن خلال السعي إلى التوصّل إلى اتفاق مع إسرائيل، بدأت سوريا بالتخلّي عن صورة “المفسِدة” التي بنتها لنفسها في السنوات الأخيرة واستبدالها بسمعة اللاعبة البراغماتية. بالفعل، من شأن السلام مع إسرائيل أن يساعد سوريا على تحسين علاقاتها مع معظم البلدان العربية، لكن شرط ألا يُنظَر إليها بأنها تصنع السلام على حساب الفلسطينيين. لقد تغيّرت الأزمنة منذ تعرّض السادات للإدانة شبه الإجماعية في العالم العربي لتوقيعه اتفاق “كمب ديفيد”. ومن شأن سوريا أن تنضم إلى ميل متنامٍ نحو الاعتراف بإسرائيل إذا وافقت الأخيرة على حل عادل للمشكلة الفلسطينية. تنص المبادرة العربية التي اقترحتها السعودية ووافقت عليها الجامعة العربية، على أن كل البلدان العربية سوف توقّع السلام مع إسرائيل شرط أن تنسحب إلى حدود ما قبل 1967 وتوافق على حق العودة للفلسطينيين. ولكن من أجل تفادي الإدانة، يجب أن تُثبت سوريا أنها لا تدير ظهرها للمشكلة الفلسطينية.
أما إسرائيل فتسعى للتوصل إلى اتفاق للسبب المعاكس، وهو إلغاء مصدر توتّر وربما نزاع على حدودها بينما تعمل على مواجهة الأزمات الأكثر خطورة في غزة والضفة الغربية. حتى إنها أعلنت في الآونة الأخيرة أنها تريد إجراء محادثات مباشرة مع لبنان، الأمر الذي رفضته الحكومة اللبنانية على الفور. من وجهة نظر إسرائيل، من شأن السلام مع جيرانها كافة أن يسمح لها بالتركيز على تهدئة غزة والضفة الغربية من دون الخوف من تداعيات أوسع نطاقاً. في حين أن التخلي عن مرتفعات الجولان قد يرتّب على أولمرت تكاليف سياسية باهظة في الداخل، من شأن المكسب الذي يتحقّق نتيجة إخراج سوريا من المعادلة أن يجعل الثمن مقبولاً. يعني هذا أن إسرائيل سوف تحاول، بدعم من الولايات المتحدة، أن تنتزع من سوريا التزاماً بوقف الدعم لحركة “حماس” و”حزب الله” وكذلك بالابتعاد عن إيران.
الاختلاف في الأسباب التي تدفع كل من سوريا وإسرائيل إلى الرغبة في التوصّل إلى اتفاق، والتناقض في المقتضيات التي يسعى إليها كل من الفريقَين من أجل الإفادة منه، يجعلان من الصعب التوصّل إلى مثل هذا الاتفاق، ويحدّان أيضاً من التأثير الذي يمكن أن يمارسه اتفاق، ولو كان ناجحاً، على لبنان. لن يكون بالإمكان تطبيق الاتفاق بكامله بل أجزاء منه فقط. سيكون من السهل التحقّق من الانسحاب الإسرائيلي من مرتفعات الجولان، تماماً كما كان من السهل التحقق من انسحاب القوات السورية من لبنان. لكن سيكون من المستحيل عملياً تطبيق وقف الدعم السوري ل”حزب الله” و”حماس” أو فرض تغيير حقيقي في علاقات سوريا مع إيران. وهكذا لن يؤدّي السلام مع إسرائيل تلقائياً إلى تراجع النفوذ السوري في لبنان على الرغم من أنه قد يخلق بعض الضغوط للتصرّف ضمن ضوابط.
بناءً عليه، ليس السؤال الحقيقي إذا كان السلام بين سوريا وإسرائيل سيقدّم ضمانة بعدم تدخّل سوريا في لبنان – فهذا لن يحصل – بل إذا كان الوضع الإقليمي الأقل توتّراً سيسهّل التوصّل إلى تفاهم بين المجموعات السياسية في لبنان. وهذه آلية داخلية.
المحور من اعداد ميشال أبو نجم
مارينا أوتاواي
(مديرة برنامج الشرق الأوسط في “مركز كارنيغي للسلام الدولي”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى